46 – الهوية (2)

أسقطت الأم كوب الشاي و بقيت مركزة عينيها على جهة واحدة من دون أن ترمش حتى للحظة واحدة

صدمت سكارليت هي الأخرى من هذا الخبر، حليفهم هو في الحقيقة ابن 'جاسر'، ما هذه الصدفة الغريبة الصادمة؟

لم يتكلم أحد لمدة و باسل أصبح لا يفهم الوضع أكثر، قال الكبير أكاغي "حسنا هذا هو المتوقع، أنا أعرف أنكم صدمتم من هذا الخبر، و قد يكون أفرحكم لوهلة لكن..."

أوقف كلام الكبير وقوف الأم بسرعة من كرسيها و اتجاهها نحو المكان الذي كانت مركزة عليه نظرها سابقا حتى وصلت له، فكانت واقفة أمام أنمار و نظرتها المندهشة لم تتغير أبدا، ثم فجأة عانقت أنمار بكل قوة

تعجب الجميع من هذا المشهد، و خصوصا الكبير أكاغي "ما الذي يحدث هنا؟"

استمرت الأم في عناق أنمار و لم تكف عن هذا، سأل الكبير أكاغي "ماذا تفعلين أيتها الأم؟ لماذا تعانقين على حين غرة السيدة الصغيرة؟"

أزاحت الأم ذراعيها من حول أنمار ببطء و تنفست الصعداء ثم قالت "أيها الأب، لقد ظننت أنها صدفة عندما سمعت اسمها لأول مرة لكن عندما قلت هوية حليفنا باسل، تأكدت تماما"

تعجب الجميع ثم سأل الكبير أكاغي "ماذا تقصدين بتأكدك؟ أي شيء تأكدت منه؟"

تنفست الأم مرة أخرى و قالت "أنَّ أنمار هذه هي ابنة ابننا 'أكاي' "

صدم الكبير أكاغي و سكارليت من الخبر و كانت أنمار و باسل بنفس شدة الصدمة

تكلمت أنمار "كيف لك أن تعرفي اسم أبي؟ و ماذا تقصدين بأن أبي ابنكم؟"

أجابت الأم "كما توقعت، لقد كنت محقة"

قال الكبير اكاغي "هل الأمر حقيقة؟ انتظري لحظة، أنمار مرافقة باسل الذي هو ابن جاسر، هذا ممكن، لكن بهذا فقط لم يكن بإمكاني الجزم بهذا، كيف عرفتي هذا؟"

قالت الأم "ابننا أكاي كان سيسمي طفله المولود بأنمار بناء على طلبي، فعندما سمعت اسمها أول مرة تحرك قلبي لأن ابننا وعدني بتسمية حفيدنا بهذا الاسم، لكني هدأت واعتقدتها فقط مجرد صدفة، لكنك عندما أعلنتَ عن هوية حليفنا باسل تأكدت من الأمر، فبما أن أنمار هذه مرافقة باسل الذي هو ابن جاسر فلا شك من أنها حفيدتنا"

فهم الكبير أكاغي شرح الأم ثم قال "هكذا إذا، لم أكن أعلم بهذا الوعد الذي بينك و بين ابننا" ثم حدق في أنمار مطولا بنظرة حنونة، كم هو مفرح هذا الخبر يا ترى؟

تكلم باسل بعدما تلخبطت أفكاره "انتظر لحظة، أنا لا زلت لم أستوعب الأمر هنا، لا تقتنعوا لوحدكم، عن ماذا تتحدثون؟ في الأول الكبير أكاغي عرف اسم أبي و الآن السيدة الكبيرة عرفت اسم أب أنمار و تقولون أنه ابنكم، فلتشرح الأمر لي بروية أيها الكبير أكاغي، و ماذا قصدت سابقا بما قلته عن انتماء أبي لعائلتكم؟"

"هاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاها" ضحك الكبير أكاغي من دون توقف فترك الجميع مستغربا، ذلك الكبير الهادئ يضحك بجنون الآن، ما الذي يحدث؟ باسل و أنمار تركا في حالة صدمة

تكلم الكبير أكاغي "إن القدر شاء أن يجمعنا، فهذه الصدف لا تحدث كثيرا"

قالت الأم "نعم معك حق، لم أعتقد يوما أنني سألتقي بحفيدتي قبل ابني" ثم وجهت نظرها لأنمار و قالت "كيف حال أبيك يا أنمار؟"

عبست أنمار و عندما شاهدها الكبير أكاغي فهم الأمر فعبس أيضا و أحكم قبضتيه، لقد تذكر أن جاسر أب باسل مات في الدمار الشامل، و من نظرة أنمار لابد أن الشيء مثله حدث لابنه، تحسر كثيرا بداخل قلبه و ترك الأم لتسمع الجواب من فم أنمار

"أبي مات في الدمار الشامل"

سقطت الأم في مكانها من شدة الصدمة، فرجليها لم يعد باستطاعتهما حملها، كريمزون سكارليت دهشت كثيرا ثم صدمت أكثر بخبر موت أخيها، كان دائما لهم أمل في الالتقاء بـ'كريمزون أكاي' يوما ما، لكن هذا الأمل تحطم للتو

نهضت سكارليت من الكرسي و اتجهت نحو أمها لتواسيها، كم كان هذا الأمر محطما للفؤاد، لقد فقدت ابنها الأول بالقتل، و الثاني كان الأمر سيان معه

وجهت سكارليت نظرها نحو باسل بينما الدموع تنهمر من عينيها، و قالت "ماذا عن أخي الأكبر جاسر؟"

تفاجأ باسل من طريقة تكلم سكارليت عن أبيه و أجاب بعد أن عبس "لقد مات هو أيضا في الدمار الشامل، أخبرتني أمي أنهما ضحيا بنفسهما من أجل أن تعيش عائلتيهما"

زادت حسرة سكارليت، و تشوش باسل أكثر عندما سمع طريقة تكلم سكارليت عن أبيه

قال باسل "حسنا، أنا حتى الآن لا أعرف ما العلاقة التي بين أبوينا نحن الاثنين و بينكم بالضبط، و كيف لهذه العلاقة أن تكون موجودة أصلا، فلتشرح أيها الكبير من فضلك، رأسي ممتلئ بالكثير من الأشياء بالفعل، و لا أريد أن أضيف إليه شيء سيفقدني تركيزي عن الأشياء المهمة أمام أعيني"

"آه، حسنا" قال الكبير أكاغي "لكن قبل هذا، فلنرجع بالزمن للوراء لتفهم هويتك الحقيقية يا حليفنا"

قبل آلاف السنين، قبل أن تكون إمبراطوريتنا موجودة، كان هناك صديقان مفضلان لبعضهما البعض، ليس هناك من يفلت بمس أحدهما من عقاب الآخر، كانت علاقتهما أكثر قرابة من الأخوة

كان الأول اسمه كريمزون و يتميز بشعر قرمزي و عينين حمراوين كالخاصين بك و الثاني كان اسمه باسل كاسمك

تعجب باسل من هذا الأمر ليكمل الكبير

كانت علاقتهما ببعض كبيرة و دائما ما يكونان معا، في ذلك الوقت كانت الإمبراطورية عبارة عن ممالك كثيرة متحاربة فيما بينها

كان حلم الصديقان هو توحيد هذه الممالك ليصيروا بلدا واحدا، فلو استمر الوضع على ذلك الحال، فسيستعمرون من طرف أحد الإمبراطوريتين الأخريين عاجلا أم آجلا

كبر الصديقان ليصير اسمهما معروف في شتى أنحاء العالم، وصل كريمزون للمستوى السابع و باسل للمستوى السادس و لم يستطع أحد الوقوف في وجههما

تزوج باسل من عائلة نبيلة و بدأت عائلته تكبر شيئا فشيء، أما كريمزون فقد تزوج من عامية فقط، و ظلت عائلته تضمه هو و زوجته أبناءه الثلاث فقط

لم يتوقف حلم الاثنين، و كان باسل يقوم بالارتقاء للأعلى أكثر، بينما كريمزون يقوم بتنقية طريقه و العواقب التي قد يتعرض إليها، و يمحو أي تهديد قد يصيبه، و يزيح قمامة السوق السوداء و العالم السفلي

استمر هذا الوضع هكذا إلى أن جاء ذلك اليوم الذي كان يوم فراق الصديقين المفضلين

نُصِب فخ لهما تسبب في موت كريمزون و بقاء باسل. كان بقاء باسل على قيد الحياة بفضل تضحية صديقه المفضل كريمزون

و لهذا أقسم على إكمال حلمهما، فوحد الممالك و صار إمبراطور الإمبراطورية التي صنعها، و عندما حقق الحلم المنتظر، قرر تسمية إمبراطوريته بـ'الشعلة القرمزية' و تلقيب نفسه و عائلته بـ'كريمزون' تيمنا بصديقه المتوفى

فأصبح اسمه الكامل 'كريمزون باسل'

كان كريمزون موهوبا للغاية، فحتى صديقه باسل لم يصل لمستواه أبدا، و كذلك كان أبناؤه الثلاث. هؤلاء الأواخر قاموا باتباع صديق أبيهما بناء على وصاية هذا الأخير

فاستمرت العلاقة التي كانت بين الصديقين المفضلين و مرت إلى أحفادهم وصولا لجيل أبيك جاسر و ابني أكاي

كان أبوك 'جاسر' حفيد 'عشيرة النار القرمزية' التي كانت قرابتها بعائلة كريمزون سرية، لكنها كانت أقوى قرابة، و لم تكن علاقة تابع و سيد أبدا

فنحن أيضا حافظنا على وصية المؤسس بمعاملة 'عشيرة النار القرمزية' كنصفنا الآخر و اعتبرناهم عائلتنا نفسها

لكن عشيرة النار القرمزية اتبعت نهج مؤسسها و استمرت في دعم عائلتنا من الظلال و لم تخرج للضوء أبدا، و لم يعرف عنها سوى المرتبطين بعائلتنا

حتى قبل خمسين سنة، كانت السبب في مقدرتنا على مواجهة العديد من العائلات مرة واحدة و إطالة حكمنا لليلة كاملة، لكن انتهى الأمر بفناءها في المقابل

عشيرة النار القرمزية معروفة بموهبة أبناءها منذ القدم و يتميزون بالشعر القرمزي و العيون الحمراء و سحر النار. هنا توقف الكبير للحظة و فكر مع نفسه "انتظر، لماذا حليفنا باسل إذا يملك سحر التعزيز و ليس سحر النار؟"

توقف عن التفكير في الأمر و أكمل

بعد 'انقلاب الليلة الواحدة'، لم يبقى سوى شخص واحد يرث دم عشيرة النار القرمزية و الذي مات بدوره مع ابني الأول مسموما، لكن لحسن الحظ ترك ابنا آخر الذي كان هو جاسر

و الباقي ستكون قد سمعته من الإشاعات، هرب ابني مني لأنني لم أسمح له بالزواج من سميرة أم أنمار، و هذا هو ندمي الوحيد في حياتي، لكن ما لم يُعرف للناس هو مرافقة صديقه جاسر له في رحلته و تركه لعائلتنا أيضا

و بعد خمسة عشر سنة عاد ابن جاسر و ابنة أكاي اللذان هما أنتما

فهم باسل القصة و ربط الأجزاء ببعضها، لهذا لم تردهما أمه و العمة سميرة أن يأتيا للعاصمة، لأنهما عرفتا أنهما قد يلتقيان بعائلة كريمزون

عرف باسل أخيرا هويته و أصله، سأل ذات مرة أمه عن أصله لكنها أجابت فقط بأنهم مجرد قرويين و أجداده ماتوا منذ زمن

و عندما سأل عن أبيه، قالت أنه مجرد عام من مدينة ما هو و أب أنمار، لذا كانا صديقين منذ الصغر

أنمار بالطبع كانت مشوشة، لكنها فهمت القصة و عرفت حقيقة أنها سليلة عائلة كريمزون لكنها لا زالت لم تستوعب هذا الأمر، فصدمت بهذه الحقيقة و نهضت من مكانها و غادرت

وقف باسل و قال "أيها الكبير أكاغي، أنا أعرف أن هذا قد يكون خبرا مفرحا لكم، لكنه صادم بالنسبة لنا كثيرا، سوف نتكلم في هذا الموضوع ثانية، فهذا شيء يتعلق بأصولنا" ثم غادر، لكنه توقف بعد تذكر شيء ما

"أيها الكبير، لقد قلت أنك أردت أن تسأل عن اسم أبي قبل مدة طويلة، لِمَ لَمْ تفعل بما أنه أمر بهذه الأهمية"

أجاب الكبير "آه، لقد كنت أريد سؤالك لكن كانت لدي شكوك، فلو اتضح في النهاية أنك لست ابن جاسر، فسوف تطلب تفسيرا عن سبب سؤالي عن اسم أبيك، و بالطبع أنا لن يكون بإمكاني البوح لك عن وجود عشيرة النار القرمزية، فظننت أنني سوف أهز ثقتنا ببعضنا البعض إن كنت مخطئا في ظني و تسرعت في السؤال"

"هكذا إذا" قالها باسل و أكمل طريقه

من تأليف Yukio HTM

أتمنى أن يعجبكم الفصل، و أرجوا الإشارة لأي أخطاء إملائية أو تركيبية

و إلى اللقاء في الفصل القادم

2017/08/06 · 1,296 مشاهدة · 1497 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024