7 - وادي الظلام العميق

7 - وادي الظلام العميق

أطلق العجوز سراح القرد ليذهب، ثم أمر باسل ليتبعه

خرج الاثنان من المنطقة المحظورة الخاصة بالقرود الزرقاء الضخمة ثم ذهبا في اتجاه الوادي العميق

كان مزاج باسل جيد لأنه هزم أخيرا القرد، و مستعدا للقيام بأي شيء يأمره به معلمه، بينما هما ذاهبان في وسط الغابة كان العجوز يُري لباسل الأعشاب المفيدة و الصالحة لاستخلاص الأدوية منها و الأعشاب الضارة و السامة، كان ينصت جيدا له فكل ما يقوله معلمه لم يجده في أي كتاب قد قرأه من قبل

وصل الاثنان للوادي العميق

ذهب العجوز و ألقى نظرة في الأعماق ثم نادى باسل و الذي استجاب له بدوره

سأل المعلم باسل "هل تعرف ماذا يسمى هذا الوادي أو الوحوش التي به بالأسفل هناك؟"

أجاب باسل "لا، لا أعرف، هذا هو المكان الوحيد الغير معروف ما الذي يسكنه في هذه الغابة العظيمة على عكس المناطق المحظورة الأخرى"

أكمل المعلم قائلا "حسنا، إن إسمه 'وادي الظلام العميق'، أما بخصوص الوحوش، سننزل للأسفل و سوف تشاهد بنفسك"

تعجب باسل قليلا و أجاب"حسنا، أيها المعلم"

في الأيام الأخيرة أصبحت ثقته في معلمه أكبر مما سبق و أضحى يفعل كل ما يأمره به من دون تذمر و شكاوي

حمل المعلم باسل بسحر الرياح كما فعل للقرد في المرة السابقة لكن بدون أن يسلب قدرته على الحركة ثم قفزا للداخل

كانا ينزلان ببطء و كلما اقتربا من الأسفل اشتدت الظلمة أكثر و ارتفعت أصوات الزمجرة المخيفة، أصبح لدى باسل مقاومة تجاه زئير الوحوش قليلا و لم يعد يرتعد في كل مرة يسمعها، لكن الأمر مختلف مع هذه الأصوات التي تجعلك تعتقد أن زئير القرد الأزرق الضخم لطيف بالمقارن معه

اقترب الاثنان من الأرض كثيرا و لم يكن السطح مرئيا، و فجأة خرجت خفافيش لكنها ليست كأي خفافيش عادية، كانت ضخمة حيث حجمها يصل لنصف متر تقريبا

عندما كانت تحاول مهاجمة الاثنان، قطعتها رياح المعلم لأشلاء و في لحظة امتلأت الأرض أسفلهما بجثث 'خفافيش الظلام'

ألغى المعلم سحره من على باسل و وقفا على الأرض، كان الظلام حالكا جدا و لا يمكنك رؤية أصابعك

فجأة ظهرت كرة ضوئية فوق كتف المعلم أضاءت ما حولهما، فوجدا عدة كهوف و كل كهف تخرج منه نية قتل مخيفة تجعلك لا تريد التفكير حتى في الدخول لها

ذهب المعلم و باسل مباشرة مع طريق الوادي، اعترضت طريقهم عدة وحوش، لكنها كانت تلقى نفس مصير الخفافيش، استمر هذا إلى أن وصلا لكهف كبير ثم دخلا، و بمجرد أن وطأت رجلهما داخله دوى زئير يثير الرعب في القلوب

قال المعلم "يبدو أنه أحس بوجودنا، حسنا فلنذهب أيها الفتى باسل"

أجابه باسل بنبرة خائفة "حسنا أيها المعلم" مع أنه كان خائفا إلى أن هذا لم يجعله يعصى معلمه، بما أن معلمه معه فلا يوجد هناك ما يخاف منه، هذا ما كان يفكر به باسل

تعمق الاثنان في الكهف و ظهرت خفافيش و وحوش أخرى، و في كل مرة يتم تقطيعها بالرياح. كان الكهف عميقا جدا و يتفرع لعدة مناطق أخرى بالداخل

وصل الاثنان لفتحة داخل الكهف مثل التي في المدخل و عندما مرا منها وجدا نفسيهما في مكان واسع مقارنة مع الطريق الذي أتيا منه

و أمامهما وجدا وحشا مستعدا لهما و بمجرد أن دخلا كان مستعدا للانقضاض عليهما في أي لحظة، هذه المرة لم يفعل المعلم شيئا و قال لباسل أن يتعامل معه

صدم باسل مما قاله معلمه، فالوحش أمامه بطول حوالي أربعة أمتار و لديه مخالب تخترق الجدران و قرنين مثل الخاصة بالثور لكنهما أكبر بكثير و بنية ضخمة حيث إن تلقى الشخص ضربة واحدة من يديه ستقتلك فورا، لكن المعلم أمره بالتعامل معه

اندفع باسل صوب الوحش و بدأ يستخدم نفس الاستراتيجية التي استخدمها مع القرد الضخم أول مرة

غير باسل اتجاهه بعد اندفاعه صوب الوحش و همَّ بالدوران حوله، أثناء فعله هذا بدأ معلمه يقول له "لا تظن أن هذا الوحش مثل ذلك القرد، مع أنه يتساوى معه في السرعة لكن لديه ثلاثة أضعاف قوته، و لا تستخف به فتلك الحيل لا تنفع معه فهو يتغذى على تلك الخفافيش التي رأيتها سابقا، و لهذا ردود فعله سريعة أيضا...."

فور قوله لهذا أتت لباسل ضربة من حيث لا يدري أرسلته محلقا و اصطدم مع الحائط مغميا عليه، حاول الوحش إنهاءه بالضربة القاضية لكن العجوز أوقفه، و قام بوضع يديه علي رأسه و فعل به ما فعل بالقرد من قبل

مرت حوالي الساعة و استفاق باسل، عند فتحه لعينيه وجد الوحش أمامه فصرخ ثم حاول الهرب لكن جسده كان محطما، و لم يستطع التحرك، حينها خرج المعلم من وراء الوحش و قال له

"لا تقلق إنه تحت سيطرتي، و بما أني فعلت هذا أنت تعرف ما المغزى منه"

أجاب باسل و بسمة فاقدة الأمل على وجهه "يجب على هزيمة هذا الوحش الآن"

أكمل المعلم "هذا صحيح، هذا الوحش أقوى من القرد و لديه عدة تقنيات ستعطيك خبرة أكبر"

"هذا الوحش اسمه 'دب الأعماق' و كما ترى إنه يعيش في أعماق الوادي فقط و يتغذى على الحيوانات الليلية الموجودة هنا

ستتدرب هنا لمدة شهرين بدون العودة للمنزل، لكن عد هذه الليلة و أخبر أمك بهذا و سنبدأ غدا

أخرج المعلم دواء مثل السابق و أعطاه لباسل الذي شربه سريعا وارتاح إلى أن استطاع التحرك قليلا ثم ذهب للمنزل عند الغروب

أكل باسل العشاء مع والدته كالعادة و عندما انتهيا من الأكل استعد باسل لإقناع أمه بالسماح له الغياب لمدة شهرين

أمه كانت تعزه كثيرا، فمنذ أن مات زوجها و عائلتها بسبب هجوم الشياطين قبل اثني عشر سنة، أصبح هو كل ما تملك في هذا العالم، و كانت حريصة دائما عليه، حتى أنه في كل يوم يعود تسأله نفس الأسئلة دائما أين كان طوال اليوم؟ ماذا كان يفعل؟...و نظرة القلق تكون على وجهها، و لهذا كان يعرف أن أمه لن تقبل بهذا الشيء، لكنه لا يملك خيارا آخر سوى إقناعها، فهو يريد تعلم السحر و دخول الأكاديمية ثم الحصول على المنحة لكي يسهل معيشة أمه قليلا

استعد باسل ذهنيا ثم اتجه نحو أمه التي كانت تغسل الأطباق و قال لها

"أمي، لدي شيء أقوله لك، في الحقيقة أنا سأغيب لشهرين لكي أتدرب و لن أعود للمنزل إلا بعد انقضاء هذه المدة، لهذا أعرف أنك ستعارضين هذا و لكن فوق كل هذا أنا أرجوك، اتركيني أذهب"

كل كلمة قالها باسل كانت ثقيلة عليه و كان يستطيع سماع إجابة أمه قبل حتى أن تقولها

قالت الأم "حسنا، لما لا"

عند إجابة الأم أكمل باسل مباشرة بعدها "آه، كنت أعرف أنك سترفضين، لكني مصر على رأيي و لهذ.......إيه......هل قلت 'حسنا' قبل قليل يا أمي"

حاول باسل التأكد من رأيه لتجيبه أمه مرة أخرى "أجل، لقد قلت حسنا"

صدم باسل "هااااااااه، ألن تمنعيني؟ ألن تحاولي إيقافي؟ ألن تعارضي ذهابي بشدة؟" بدأ باسل يفكر أنه ربما قد بالغ التفكير و أن أمه قد لا تكون وحيدة لتلك الدرجة التي يتخيلها

أجابته والدته "حسنا أنا أعرف طبعك و بدى عليك أنك سبق و قررت الذهاب لهذا لا فائدة مما سأقول أنت ستذهب، أليس كذلك؟"

أجاب باسل بصوت محبط "نعم هذا صحيح، لكن.." و أكمل بصوت منخفض لا يسمع "ظننت على الأقل أنك ستحاولي إيقافي قليلا، أ لست مهما لتلك الدرجة؟" ثم ذهب لغرفته مخفض الرأس من الإحباط

عندما وصل لغرفته سقط نائما مباشرة من التعب و جاءت أمه لتلقي عليه نظرة و تقول بصوت منخفض بينما الدموع تنهمر من عينيها "كما لو أنني سعيدة بذهابك أيها الأحمق، لقد صنعت ذلك الوجه الخاص بأبيك فكيف يمكنني منعك" ثم أغلقت باب اللغرفة و ذهبت

حل الصباح، و أكل باسل الفطور كالعادة و ودع أمه التي كانت عينيها حمراوتين و واضح عليها أنها كانت تبكي ثم ذهب نحو الغابة قاصدا 'وادي الظلام العميق'

التقى بمعلمه و قفزا للداخل و بمجرد وصولهما للأرض هاجمتهما الخفافيش، كوَّن المعلم حاجزا من الرياح حوله و التف لباسل الذي كان يتوقع منه القيام بشيء ما تجاه الخفافيش

"ماذا تفعل؟ لقد بدأ تدريبك بالفعل"

"ماذا؟"

"لحظة وصولك و التقائك معي كان تدريبك قد سبق و بدأ و لهذا عملك الأول هو صيد هذه الخفافيش"

"إييييييه"

صدم باسل لكنه دخل في طور المعركة بسرعة لأن الخفافيش لن تنتظره، الخفافيش رأت أنه عديم الجدوى مهاجمة المعلم فاتجهت نحو باسل

كان الظلام حالكا، هذه المرة لم يقم العجوز بإنارة المكان مما جعل خيار باسل الوحيد الاعتماد على حواسه المتبقية

سمع باسل صوت الخفافيش و هي متجهة نحوه و لهذا حاول مهاجمتها عندما تقترب لكن من حيث لا يدري عضته خفافيش في ظهره، كانت هذه الطيور متعودة على القتال في الظلام الحالك و بما أنها تعتمد على تحديد موقع عدوها بالصدى، حيث ترسل صوت عالي النبرة ثم ينعكس مرة أخرى، و يعطي معلومات عن شكل العدو، بعد المسافة، و الاتجاه للكائن، و هذا جعلها الخصم الأسوء لباسل

كان باسل كلما يحاول توجيه لكمة نحوها تراوغها و تعضه في الثغرات التي خلفتها وضعية لكمه

هنا جاء صوت معلمه "لا تحاول التقاط صوتها فقط، اشعر بها و بتواجدها، استعمل جميع حواسك، عندها أينما ذهبت ستكون أنت الأسرع في تنفيذ الهجوم بحيث لا تستطيع الهرب

حاول باسل فعل ما يقوله معلمه لكن جميع محاولاته باءت بالفشل و تلقى عدة عضات و في الأخير سقط غائبا عن الوعي، تنهد معلمه بعد مشاهدته ثم قطع الخفافيش و حمله جاعلا إياه يتكئ على حائط و أشربه ترياق ما، فعلى ما يبدو أن عضات الخفافيش كان بها سم ضعيف و لهذا لم يسقط باسل مباشرة، استيقظ باسل و أعاد الكرّة واحدة تلو الأخرى

بعد خمسة أيام أخيرا بدأ باسل يستطيع مراوغة عضات الخفافيش و الهجوم عليها بقبضتيه محطما رأسها، استمر هكذا إلى أن قتل جميع الخفافيش التي كانت تستهدفه، لكن عند الانتهاء لم يخرج سالما بالكامل و لهذا أعطاه المعلم الترياق ليشربه مرة أخرى

ثم قال له "أحسنت، لقد استطعت الانتهاء أسرع مما اعتقدت"

فرح باسل من مديح معلمه وتبعه بما أنه بدأ بالمشي، لكنه هذه المرة دخل لكهف من الكهوف التي لم يدخلوها قبل ستة أيام

من تأليف Yukio HTM


أتمنى أن يعجبكم الفصل، و أرجوا الإشارة لأي أخطاء إملائية أو تركيبية

و إلى اللقاء في الفصل القادم

2017/06/05 · 1,768 مشاهدة · 1554 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024