8 - وادي الظلام العميق(2)

8 - وادي الظلام العميق (2)

كان الاثنان يتوغلان في الكهف شيئا فشيء، و الظلام كان حالكا. بدآ يسمعا صوت بعيد بدى كالصرير آت من بعيد، ثم أضحى يرتفع أكثر و أكثر. شاهدا أمامهما عيونا حمراء قادمة من الظلام و تطلق نية قتل تجاههما

باسل تعود على الظلام و أصبح يعرف كيفية استغلال حواسه في الاحساس بوجود العدو، و لهذا عندما اقترب العدو قال لمعلمه "يبدو أنها وحوش برية على عكس الخفافيش لكن يبدو أن حجمهما لا يختلف كثيرا، لا من حيث الشكل أو العدد"

استعد باسل كالعادة، ثم انطلق في اتجاه سرب الوحوش ليجد فئران كبيرة حيث بمجرد وصوله إليها وَثَبَتْ أعداد هائلة في اتجاهه، لكن، كان لدى باسل خبرة من معركته مع الخفافيش الذين هم أسوء من هاته الفئران، و لهذا استخدم ما تعلمه و بدأ يضرب كل واحد منهم يدخل لنطاق هجومه

كانت هذه الفئران سريعة بشكل لا يصدق و قوة قفزها غير الطبيعية التي تعزز من قوة عضها، بحيث إن لمست لحما، سيطير من مكانه

كان يعرف باسل هذا جيدا، و لهذا لم يترك أي واحد منهم يعضه، و عنما يرى نفسه بدأ يُحاصَر، يتراجع قليلا فيأخذ مسافة و يبدأ بقتل من جديد كل واحد يقفز في اتجاهه

أخذت تلك الأعداد الهائلة من باسل نصف ساعة لينتهي منها كاملة لأنه ينهيهم واحدا بواحد، عندما انتهى منهم أكمل معلمه طريقه في الداخل و تبعه باسل

"لقد اخترت الخيار الصحيح عندما لم تتركهم يجرحوك، هذه الوحوش تسمى ب 'الفئران القاضمة'، إن أصابتك و لو بجرح صغير كنت لتسقط هناك مشلولا و تنقض عليك جميعها، ثم سترى لحمك يقضم منك بدون أن تقدر على فعل شيء، مع أنها خصوم أضعف مقارنة بالخفافيش، و لكنها تعوض هذا بسمها القوي الذي يسبب الشلل الفوري، اعتبر هذا درسا، عند التقائك بعدو جديد حاول جمع قدر كاف من المعلومات عنه قبل محاولة المهاجمة بتهور، أنا لن أكون معك دائما لأساعدك، و لهذا تذكر هذا جيدا"

"حاضر" أجابه باسل و عرق بارد يمر من على وجهه

أكمل الاثنان مسيرتهما، و أثناء هذا ظهرت وحوش أخرى، لكنها لم تكن تقارن بالسابقة، فأنهاها باسل بسهولة

وصل الاثنان لفتحة مرا منها ثم وجدا مكانا واسعا لكن ليس كبير مثل الخاص ب 'دب الأعماق' هناك وجدا عدة مخلوقات على شكل كلاب لكن تبدو كضباع جائعة ولديها فرو كثيف نسبيا، كانت أعدادهم مقاربة للمئة و أصوات زمجرة تتخلل جميع أنحاء الفضاء المحيط بهما

هذه المرة قبل أن يحاول باسل فعل أي شيء قام معلمه بنصحه

"احذر جيدا، لا تقاتلهم جميعا في آن واحد، إن أحاط بك أكثر من خمسة تراجع و جد خطة للتعامل معهم، إن اجتمعوا حولك اهرب، المهم هو أن لا تحاول أبدا القتال ضدها و هي مجتمعة، هذه الوحوش اسمها 'الكلاب المُهَشِّمَة' و معروفة بهجومها بأعداد كبيرة مرة واحدة و عندما تمر بالعدو لا يبقى منه أي شيء"

عندما انتهي المعلم من إرشاداته ظهرت الكرة الضوئية مضيئة المكان، ثم قام باستعمال سحر الرياح و تمزيق الحوائط المحيطة ثم قال "استخدم الحجارة المتساقطة كما شئت، أنا قدمت لك يد العون و الباقي يعتمد عليك أيها الفتى باسل"

أجاب باسل "حاضر أيها المعلم"

أثناء تكلمهم كان المعلم واضعا حاجزا حولهم و لم تستطع 'الكلاب المهشمة' اختراقه، عندما انتهى من كلامه ألغى الحاجز لتهجم عليهم بشراسة و كلها في آن واحد، اندفع باسل في اتجاه الحجارة المتساقطة على الجانب، فتبعته الكلاب بسرعة هائلة كما لو أنهم كيان واحد

بدأ باسل يدور حول المكان كله بسرعة و يرمي الحجارة بسرعة كبيرة، حيث الكلاب التي أصيبت ماتت فورا ليس فقط بسبب قوة الضربة بل أيضا لأن الحجارة كانت موجهة نحو رؤوسها

عندما بدأ يموت رفاقها توقفت قليلا، فاستغل باسل هذه الفرصة و حمل صخرة حجمها يساوي ضعفي الخاص به و أرسلها نحو القطيع

الكلاب عندما رأت تلك الصخرة ستسحقهم، تفرقوا في جميع الاتجاهات، تبع باسل الكلاب المكونة من ثنائيات و اقترب منهم بسرعة ثم قام بإلقاء ركلة قوية في اتجاه رؤوسهم محطمة إياها، عندما ينتهي من ثنائي ينتقل للآخر و بسرعة كان قد قتل نصف عددهم الكلي

بدأت الكلاب تتجمع من جديد و عندما لاحظ باسل هذا تراجع و اختبئ وراء الصخور من جديد و بدأ يحاول إخفاء وجوده

اجتمعت الكلاب و بدأت تبحث عن باسل باستغلال حاسة الشم و لم يمر وقت طويل حتى عرفت مكانه، اندفعت في اتجاهه بشكل مجنون، أصبحت غاضبة من باسل، فهو استخدم استراتيجية تجعل من هجومها الذي يعتمد كليا على الأعداد عديم النفع، حيث يقل من أعدادها بالحجارة شيئا فشيء، و عندما يرى ثغرة يخرج لهزيمة أكبر عدد قدر المستطاع، وعندما يرى نفسه سيحاصر يقوم بالتراجع

عندما أحس باسل أنها عرفت مكانه ألقى في اتجاهها الصخرة التي كان يختبئ ورائها، لكن هذه المرة لم تتفرق و انقسمت لمجموعتين مُراوِغَة الصخرة و أكملت جريها في اتجاهه، لكن باسل عندما رمي الصخرة كان قد توقع هذا، و لهذا كان قد سبق و بدأ بالجري وراء الحجارة حول محيط المكان و عندما أخذ مسافة بينه و بينها شرع في إلقاء الحجارة من جديد محطما جماجمها و استمر هكذا إلى أن أصبح أعدادها حوالي العشرة فقفز باسل لوسط المكان و قال "معلمي، أريد قتالهم مرة واحدة، إن كانت أعدادها انخفضت لهذه الدرجة فلا يجب أن يكون هذا خطيرا جدا بما أنني عرفت طريقة قتالهم أيضا"

أومأ المعلم بالموافقة، فاندفع باسل صوب العشرة كلاب و التي بدورها فعلت نفس الشيء، لكن عندما اقترب منها باسل قفز مستهدفا آخر واحد في مجموعتها، نزل على جمجمته بقوة محطما إياها و التف ثم ركل الاثنين اللذين في الأخير، عندما اندفعت الكلاب لم تستطع التوقف بسرعة و لهذا كان باسل قد تخلص من ثلاثة منها بالفعل

غيرت الكلاب اتجاهها نحو باسل، لكن هذا الأخير قفز جانبا على اليمين و عندما وصلت الكلاب لمكانه السابق حمل حجارة و ألقى بها بكل قوته فاخترقت رأس اثنان في لحظة و اندفع ثم ركل واحدا بوسط جسمه فأرسله محلقا قاتلا إياه

قال المعلم "يبدو أن تدريباته القاسية بدأت تعطي نتائجها، لكن إن لم يكن من الأول فتى أدغال، ما كنت لأعطيه تلك التدريبات التي لا يستطيع الشخص الطبيعي تحملها، لكن بما أنه كان يمضي غالب وقت فراغه في الغابة يكتشفها أصبحت لديه قدرات بدنية تؤهله كفاية ليأخذ بتلك التدريبات، لقد أنقذه فضوله، هوهوهو"

بقي أربعة فقط، وقف أمامهم باسل ثم قال "تقدموا" لم تكن الكلاب قادرة على فهم ما يقول بطبيعة الحال، لكن مع ذلك عرفت أنه يستخف بها و هذا جعلها غاضبة

انطلق الأربعة نحوه فاتحين أفواههم و ألسنتهم تتدلى، لم يتحرك باسل من مكانه و بعينيه المغمضتين انتظر الكلاب إلى أن اقتربت منه كثيرا حتى ظنت أنها الرابحة و أصبح دفاعها مكشوفا، عندها فتح عينيه فجأة ليجد الكلاب أمامه مباشرة، أحكم قبضتيه و نزل بهما على الاثنين في الجانبين و قفز في مكانه محطما اللذين في الوسط بركبتيه، قتل باسل الكلاب الأربعة كلها في آن واحد مما فاجأ معمله من طريقة تعامله مع الموقف فصفق له

"أحسنت أيها الفتى لقد تطورت قدراتك البدنية كثيرا، لديك ذكاء يجعلك عبقري في المعارك، فلتستمر على هذا المنوال"

ابتسم باسل و سقط على الأرض على ظهره من التعب

"ارتح جيدا و عندما تستيقظ سنأكل و نكمل طريقنا"

لكن في هذه اللحظة عندما كان يتحدث المعلم كان باسل قد سبق و غط في النوم

بعد ساعات قليلة استيقظ باسل فوجد معلمه مشعلا نارا و يطهى الطعام و كانت رائحة لذيذة تأتي منه، عندما اشتمها باسل قفز بسرعة من مكانه و ذهب نحو معلمه طالبا صحنا، بدأ يأكل الطعام بسرعة "أوووه، هذا لذيذ جدا إنك طباخ ماهر أيها المعلم، من ماذا صنعت هذا الحساء ليصبح بهذه اللذة"

أجاب المعلم " لحم 'الفئران القاضمة' و بعض الأعشاب، ماذا؟ أ أعجبك لهذه الدرجة؟ "

عند سماع باسل لكلمة 'الفئران' بصق طعامه من غير إرادة ثم قال "ألم تقل أنها تحتوي على سم شلل قوي أيها المعلم؟"

أجابه المعلم "لا تقلق، لقد أزلته، إن مذاقها لذيذ مع أن شكلها قبيح، لا تقلق و كلها و إن تذكرت صورتها، فقط حاول تخيلها على أنها أرانب لذيذة"

أكمل باسل أكله متتبعا نصيحة معلمه، مع أن الأمر كان قاسيا بالأول لكن في النهاية اعتاد على الأمر بما أن مذاقها لذيذ، سهل هذا عليه تخيلها على شكل أرانب

انتهيا من الطعام ثم أزال المعلم الكرة الضوئية من جديدو قال "هيا فلنتحرك"، خرج الاثنان من الكهف و توجها نحو الخارج، عند خروجهما هاجمتهما الخفافيش مرة أخرى لكن باسل حطم رؤوسها بسرعة و أكمل طريقهما، اعترضت طريقهما العديد من الوحوش مثل 'القنافذ الحارثة' و 'السناجب الطائرة آكلة اللحوم' و 'الضفادع ذات الأذرع الطويلة' لكنهم قتلوا بسهولة من طرف باسل الذي اكتسب خبرة لا بأس بها في مقاتلة الوحوش ب'وادي الظلام العميق'، بينما هما ذاهبان سأل باسل معمله

"معلمي، لماذا لم ندخل إلى الكهوف الأخرى و بدل ذلك توجهنا مباشرة نحو كهف الدب"

أجابه المعلم "لأنه لم يحن وقت دخولك إلى هناك بعد"

تعجب باسل من كلام معلمه و قال مع نفسه "لم يحن وقت دخولي لهناك بعد؟ ما يعني أنني لست مؤهلا لها بعد، إذا هناك وحشا آخر أقوى من 'دب الأعماق' هنا"

بعد إمضاء باسل هذه المدة مع معلمه أصبح يفهمه قليلا و يعرف المعنى من وراء كلامه من دون أن يشرحه

نظر المعلم لباسل الذي بجانبه بينما يعتلي وجهه تعبير يدل على أنه يفكر ثم ابتسم

من تأليف Yukio HTM


أتمنى أن يعجبكم الفصل، و أرجوا الإشارة لأي أخطاء إملائية أو تركيبية

و إلى اللقاء في الفصل القادم

2017/06/07 · 1,698 مشاهدة · 1459 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024