91 - الذهاب لملاقاة شخص ما

91 – الذهاب لملاقاة شخص ما

جلس إدريس الحكيم بجانب باسل و وضع يده فوق جبهته، و انطلاقا من نقطة الأصل التي بها بدأ يتحكم في مجرى سيران طاقة باسل، مثل هذا الأمر لن يقدر على فعله سوى المخضرمين و الذين لهم تحكم مثالي في طاقتهم سواء السحرية كانت أم الروحية

فهو سيقوم بإدخال طاقته الروحية عبر نقط أصل باسل، و هذا سيسبب ألما كبيرا له بسبب مقاومة مسار نقط أصله و بحر روحه للطاقة الخاصة بشخص آخر، لكن سيكون عليه التحمل، فبمستوى باسل الحالي بغض النظر عن حالته، لن يكون بإمكانه إخماد و تبديد بقايا الطاقة الروحية، لذا يجب عليه ترك الأمر بيد شخص آخر و تحمل الآلام الناتجة عن ذلك

و ليس هناك من هو أفضل من إدريس الحكيم في القيام بهذا العمل، قد تكون حالة باسل هذه غريبة، لكنها لا تختلف كثيرا عن الكثير من الحالات التي رآها إدريس الحكيم طيلة حياته، هناك من فقد السيطرة حتى على طاقته الروحية، و هناك من أصيب بلعنة روحية، مر بالكثير من هذه الحالات و كان قادرا على النجاح في علاجها كلها

مجرد إخماد و تبديد لبقايا طاقة روحية أمر في غاية البساطة بالنسبة له مقارنة بما جربه من قبل

بمجرد ما أن توهجت يد إدريس الحكيم و توغلت طاقته الروحية عبر نقطة الأصل التي بالجبهة حتى اهتز جسد باسل و ارتفع ثم نزل من شدة الآلام و الصدمة التي أحس بها، هو بالفعل يمر بتجربة قاسية من التعذيب، و مع ذلك، لم يتغير تعبير وجه إدريس الحكيم و ظل هادئا كما كان و أكمل عمله في التنقية بطاقته الروحية النقية

قد يبدو من الوهلة الأولى أن علاج باسل الذي سيأخذ بضعة أيام طويلا، لكن الأمر ليس كذلك، تنقية بحر روح أو روح شخص ما، تعني التوغل بطاقتك الروحية لبحر روحه أو روحه، و أبسط خطأ يمكنه أن يزيد الحالة سوءا و يتسبب في تدمير الشخص بدل علاجه، الآن يجري إدريس الحكيم عملية التنقية حيث يقوم بإخماد كل جزيْء من الطاقة الروحية الخاصة بباسل، و بعد جعله يهدأ يقمعه بطاقته الروحية و يمحوه، و هكذا ينتقل من الجزيء للآخر

مرت ثلاثة أيام و لم يتوقف إدريس الحكيم عن عمله، أراد أن ينتهي من هذا الأمر بأسرع ما أمكنه، و كذلك أنمار التي بقيت حريصة على مشاهدة التغيرات التي تطرأ على باسل طيلة هذه المدة، و بنهاية اليوم الثالث، ذهب الشحوب الذي كان يظهر على جسم باسل كله و ليس فقط وجهه، كما وقف المعلم و تحدث "حسنا لقد انتهيت، الآن سيعود بحر روحه للاستقرار تدريجيا، طاقته الروحية هي التي ساعدته في النجاة من الطاقة الهائلة الخاصة بعنصر التعزيز، فهي تمتصها لجعلها قابلة للتحكم بالنسبة لباسل"

فرحت أنمار كثيرا و أزيل الثقل من على صدرها الذي كان يجعل تنفسها صعبا طيلة الشهرين الماضيين

تكلم إدريس الحكيم "أيتها الصغيرة أنمار، الآن بما أنك اطمأننت على صحته، ارتاحي أنت أيضا، بالنظر إليك، يمكن للشخص أن يعرف أنك لم تأخذين قسطا للراحة طيلة هذه الشهرين، لا تقلقي على الفتى باسل، سوف يكون واعيا بالغد"

استمعت أنمار لكلام معلمها و نامت بوضع رأسها فقط على السرير الذي ينام عليه باسل بينما جسدها على الكرسي، و بعد أن ارتاحت نفسيتها، لم يهم الوضعية التي كانت عليها، غطت في نومها بأريحية و بنظرة هنيئة على وجهها

رآهما إدريس الحكيم و فكر بداخله "رأيت الكثير من أنواع الحب، لكنني لم أرى في حياتي شخصا يعز أحدا آخر لهذه الدرجة، لقد كان خياري صائبا في جعلها تأخذ جانبه، غير ذلك، سيكون الفتى باسل وحيدا في مساره الروحي من دون أن يجد أي أحد ليرافقه قدما بقدم و يثق به بشكل أعمى، قد تكون لا زالت صغيرة، لكن عشقها له يستطيع تجاوز آلاف السنين و اختراق العوالم"

ابتسم ثم التف و اختفى

في الصباح التالي، أشرقت الشمس و نزلت بأشعتها على غرفة باسل، فإذا بهذا الأخير يفتح عينيه و يجلس في مكانه، عندها رأى أنمار المنهكة تماما، حدق فيها بحنان و لم يدري حتى كانت يده متوجهة نحو شعرها، عندها استيقظت أنمار فجأة مما جعله يرجع يده بسرعة

أنمار التي شاهدت باسل جالسا فاتحا عينيه، طارت من الفرح و قفزت عليه بينما تصرخ "باسل"

انقضت عليه و عانقته بشدة، احمر وجه باسل قليلا، صدرها يلامس وجهه، بينما ساقيها تلتف حول جسده، لقد أمسكته بجسدها كله مما جعل باسل لا يعرف ماذا يفعل

*آآآه*

صرخ باسل قليلا من الألم، فأزاحت أنمار نفسها عنه و مدت يدها عليه خائفة عليه "ما بك؟ ألا زلت تعاني؟ ألم تشفى؟"

تنهد باسل ثم تكلم بعد أن أزاح يده عن صدره الذي كان يمسكه بإحكام "لا، لا شيء، فقط بعض الآلام الجسدية، لا زال جسمي لم يتعافى كليا فقط"

بالطبع لا زال لم يفعل، فحتى الآن لا زالت الطاقة الخارجية تتوغل لجسمه بسبب إيجادها لمكان فارغ، هذا يحدث لأن القطعة الأرضية الصغيرة تقوم بامتصاص طاقة عنصر التعزيز لجعله قابلا للتحكم و لا يدمر بحر الروح، و في المقابل، تتوغل الطاقة الخارجية لتعوض الطاقة التي فقدت، و هكذا تستمر الدورة اللانهائية

تنهدت أنمار و ارتاحت، عندها سألها باسل "أين المعلم؟"

"همم؟" استغربت أنمار ثم قالت "كيف علمت عن قدومه؟"

أجاب باسل "البارحة عندما تماثلت للشفاء استطعت الشعور به، لم أكن قادرا على الاستيقاظ لكني كنت قادرا على الشعور بما حولي"

نظرت أنمار في الأرجاء و لم تجد معلمهما فاستغربت قائلة "لقد كان هنا قبل نومي، يبدو أنه ذهب مرة أخرى"

"حسنا" قالها باسل و نهض عن مكانه ثم لبس سترته و سرواله الأبيضين، ارتدى حذائه الأحمر ثم تكلم "كم مر من الوقت و أنا فاقد للوعي؟"

أجابته أنمار، فوضع باسل يديه على ذقنه "شهرين، هاه ! لقد غبت طويلا، هيا، يجب أن نذهب للقصر الإمبراطوري، لقد تنقلت عائلة كريمزون إلى هناك، أليس كذلك؟"

"نعم" أجابت أنمار و أكملت "لقد انتظرك جدي لتستيقظ طوال هذا الوقت من أجل إقامة الاجتماع، جعل حتى الإمبراطوريين ينتظران طيلة هذه المدة من أجلك"

ابتسم باسل و قال "هكذا إذا، حسنا، سأذهب لملاقاة شخص ما أولا"

"همم؟" استغربت أنمار و أرادت أن تسأل باسل، لكنها وجدته قد خرج من باب منزلهما بالفعل، بمجرد ما أن خرج باسل حتى رأى بعض الجنود المخضرمين من المستوى الخامس يقومون بحراسة منزله، و عند ظهوره انحنوا احتراما له، و في الحال، ظهر أمامه أخوا القطع 'غايرو و كاي' و 'جون' (حارس بوابة العاصمة سابقا) و ركعوا على ركبة واحدة

"سيدي، إلى أين تريد الذهاب" قالها الأخ الأكبر غايرو

أكمل الأخ الأصغر كاي وراءه "سنجهز لك عربة لتنقلك يا سيدي"

ثم تكلم جون "هناك الكثير من المراقبين كانوا ينتظرونك لتستيقظ، يجب أن يكونوا قد علموا بالأمر و ذهبوا لإعلام أسيادهم، ماذا نفعل يا سيدي؟"

وضع باسل يده على ذقنه ثم فكر بداخله "لا زلت لا أريد الالتقاء بأشخاص مزعجين الآن، أريد وقتا خاصا، حسنا"

سأل باسل "أين هي العربة؟"

أشار كاي بيده فأتت العربة مسرعة، كان يقودها خيل ملكي، الخيل الملكي كان عبارة عن وجود أشبه بالوحوش لكنه ليس منهم، مما جعله يقف في المنتصف، بين الحيوانات و الوحوش، يعتبر الخيل الملكي وجودا نادرا كثيرا، و لا يملكه سوى الملوك و كبار شخصيات هذا العالم، سرعتهم كبيرة جدا و يمكنها أن تجعل الخيل الطبيعي يظهر كالقط مقارنة به إن شبهناه بالنمر، كان الخيل الملكي يتميز بحوافره الحادة و القاسية و جسده الضخم أكثر من الخيل الطبيعي، مع الشعر الملون بسبع ألوان قوس قزح على عنقه، كان خلابا جدا، و هذا جعل قيمتهم كبيرة جدا في العالم، و لا يمكن مقارنتهم إلا مع خيل البحر الملكي، لذا لا تجد سوى الشخصيات العظيمة من تمتلكهم

ركب الأربعة العربة إضافة لأنمار التي لحقت بباسل و بأمر من هذا الأخير الذي كان كالتالي "توجه نحو الجنوب" انطلقت العربة بأقصى سرعة لها

عندها تكلم باسل "أنمار، سنستخدم عباءة الشفاف، ارتدي واحدة"

فعلت أنمار كما طلب منها باسل الذي قال قبل أن يرتدي واحدة هو الآخر "احرصوا أنتم الثلاثة على تضليل أولئك المطاردين المزعجين، نحن سنذهب، أنمار، قومي بها"

استخدمت أنمار طاقتها السحرية قبل فتح بوابة العربة ثم انطلقا

مر الكثير من الوقت على اتجاه العربة نحو الجنوب، و هذا تسبب في جعل المطاردين يشكون، انقضوا كلهم و أوقفوا العربة ثم صرخوا "سعادة 'قاتل الدم القرمزي'، نحن مبعوثي جلالته الإمبراطور شيرو، أرجوك رافقنا، جلالته بحاجة للتكلم معك"

و في الحال ظهر أشخاص آخرون و صرخوا "نحن مبعوثي جلالة الإمبراطور غلاديوس، أرجوا من فخامته 'قاتل الدم القرمزي' أن يرافقنا"

حدقت المجموعتين في بعضهما بينما الشرارات تتلاقى من أعينهما، إنها منافسة فيما بينهما لمن يستطيع إحضار باسل لسيده، لقد حرصوا على انتظار هذه اللحظة طيلة الشهرين الماضيين، لا أحد من الطرفين مستعد للتراجع، و بالتأكيد سيقنعون باسل للذهاب معهم

خرج جون من العربة ثم قال "لا يوجد سيدي هنا، انقلعوا"

"هاه؟" استغرب الجميع و صرخوا "لا تمزح معنا لقد رأيناه بكل تأكيد يدخل للعربة و لم يخرج منها أبدا، لا شك في هذا"

"نصف كلامكم صحيح" استعجب المطاردون ليكمل جون "لقد دخل سيدي لهذه العربة، لكنه خرج منها"

"هاه؟" لم يفهم أي أحد ما حدث

و في هذه الأثناء، كان باسل و أنمار متوجهان نحو المكان المقصود، في طريقهما، مرا على قادة التشكيل الذين كانوا يتدربون بقصر عائلة كريمزون السابق، لقد جعلوا من ذلك المكان كمعقل للتدرب بالكامل، قوتهم في هذه الشهريين الماضيين ارتفعت كثيرا، و عددهم ازداد عما كان عليه بكثير

التقى باسل بقادة التشكيل الذي فرحوا كثيرا برؤية سيدهم، لم يسعهم سوى أن يشعروا بالقلق عليه طيلة هذا الوقت، لكن هذا جعلهم يريدون أن يصبحوا أقوى من أجل تسهيل الأمر على سيدهم، و كذلك كان الحال مع التاجر ناصر، هذا الأخير انضم للتدريب بجانب قادة التشكيل طيلة الشهرين الماضيين من أجل رفع قوته أكثر، ما شاهدوه قبل شهرين تسبب لهم في الشعور بالعجز كثيرا، لذا قرروا تقوية أنفسهم أكثر من أجل عدم الشعور بمثل ذلك الشعور مرة أخرى

أخذ باسل عربة منهم و اتجه نحو القصر الإمبراطوري

عندها تكلمت أنمار "أنت تريد اللقاء بجدتك التي تكلم عنها جدي؟"

ابتسم باسل و قال "هذا صحيح"

تنهدت أنمار و قالت "كان بإمكانك القيام بهذا من دون اللجوء لهذه الألاعيب"

"أنت تعرفينني، وقتي الخاص، وقت راحتي، لا أريد أي إزعاج به، ملاقاة جدتي التي لم أراها في حياتي يعتبر أمرا في غاية الأهمية بالنسبة لي، تدخل طرف ثالث لا علاقة له بالأمر سيكون فعلا لا تحمد عقباه بالنسبة لفاعله"

أغمضت أنمار عينيها بأريحية، هذه طبيعة باسل دائما، سؤالها كان من دون فائدة، ففي النهاية، لقد كانت تعرف الجواب بالفعل قبل أن تطرح السؤال حتى

من تأليف Yukio HTM

أتمنى أن يعجبكم الفصل، و أرجو الإشارة لأي أخطاء إملائية أو نحوية

و إلى اللقاء في الفصل القادم

2017/10/23 · 1,126 مشاهدة · 1639 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024