92 – الحفيد و الجدة

أمام بوابة الساحة الخارجية المحيطة بالقاعة الرئيسية للقصر الإمبراطوري، أصلحت من جديد، مع طاقة سحرية خالصة خاصة بعدة سحرة من المستوى السابع، كان ترميمها سريعا

اقتربت عربة ببطء مما جعل أحد الحارسين اللذين أمام البوابة يسرع لإيقافها، صرخ متكلما بطريقة رسمية "من أنت؟ بعد هذه المنطقة لا يحق لأي شخص الاقتراب سوى العائلة الحاكمة أو الذين لهم رخصة بالمرور

كان يقود العربة جندي من التشكيل، لذا أراد أن يتحدث، لكن صوت شخص آخر من داخل العربة قد منعه من القيام بذلك، صاحب هذا الصوت كان التاجر ناصر الذي جعله باسل يرافقهم، باسل لا يمكنه إظهار نفسه، و أنمار إن ظهرت هنا، فسيشك الكثير في احتمال وجود باسل معها، هي الفتاة التي لم تتركه و لو لثانية لوحده طيلة الشهرين الماضيين، سيكون من الغريب أن تفارق جانب باسل بعد استيقاظه من غيبوبته

نزل التاجر ناصر ببطء من العربة، و بمجرد ما أن ظهر حتى انحنى له الحارس بسرعة ثم قال "اعتذاراتي، لم أعلم أنه أنت يا سيدي" التف بسرعة و صرخ "إنه الأمير ناصر، افتحوا البوابة"

بعد أن أصبحت عائلة كريمزون العائلة الحاكمة من جديد، التاجر ناصر الذي أخذ اسمها من قبل، أخذ لقب الأمير مع عدة أراضي داخل العاصمة الكبيرة

ختم البوابة عادة يكون في حيازة أعضاء العائلة الحاكمة، لكن، يكون هناك ختم معطى لحراس البوابة، في الحرب لم يكن مثل هذا الختم الاحتياطي في حيازة الحراس من أجل الحرص على عدم فقدانه و سقوطه في يد العدو

فتحت البوابة ببطء و كذلك كان تحرك العربة التي أكملت طريقها نحو القاعة الرئيسية، هذه الأخيرة محاطة بعدة قاعات جانبية، لذا العربة اتجهت نحو الموجودة باليمين

عندما كانوا أمام البوابة، قام التاجر ناصر بالنزول شخصيا كي يبدد شكوك المراقبين كلها، لو أن الجندي الذي يقود العربة من تحدث، و حتى لو أرى الحارس رخصة المرور الخاصة بالأمير ناصر، فالمراقبين الذين ينتظرون بفارغ الصبر ظهور باسل سيشكون في هذا الأمر

و كما أراد باسل، مر كل شيء بسلاسة و هدوء

و أخيرا وصلت العربة، و مع فتح البوابة، نزل التاجر ناصر، أو هذا ما بدا للآخرين، و في الحقيقة، كان يرافق باسل و أنمار المختفيين بعباءة الشفاف

دخلوا قاعة جانبية، عندها أخيرا أزال باسل و أنمار عباءة الشفاف و ذهبا براحة أكبر، بعد مرورهم في ممر طويل، وصلوا لبوابة، بعد التعرف عليهم و إبلاغ الأمر للشخص الذي في الداخل، فتحت لهم البوابة بكل احترام

و مع فتح البوابة، حتى قفزت فتاة بالغة على أنمار بكل فرح "ابنة أخي أنمار" عانقت الأميرة 'كريمزون سكارليت' أنمار بشدة و لم تتركها لثوان عديدة، و في الجانب، ظهر الجنرال منصف الذي ابتهج برؤية باسل، لقد ارتعبت قلوبهم كثيرا، ظنوا أن باسل سيموت، فهم لم يروا مثل حالته من قبل أبدا، جميع الأطباء المشهورين، حتى الأطباء السحرة لم يستطيعوا فهم حالته أو علاجها، و حالة يائسة، قامت أنمار بإحضار العالم الجنون الذي أمسكه باسل سابقا و أمرته بفعل شيء ما

لكن هو أيضا لم يعرف ما الذي يجب عليه فعله بالضبط، لم يرد أن يخاطر بالإقدام على فعل قد يكون سببا في موته عندما يفشل

في الحقيقة، عندما كانت أنمار تنصت لمعلمها عن حالة باسل و عرفت السبب، تفاجأت كثيرا، فذلك العالم الجنون قد أعطى شرحا قريبا لذلك مع أنه كان مبهم، هو لم يعرف عن الطاقة الروحية، لكنه فهم أن السبب هو طاقة غريبة تجعل باسل يعاني هكذا، حتى أن عينيه أظهرت إشراقا غريبا يبعث القشعريرة في الجسم عندما شاهد حالة باسل، من يعلم؟ ربما إن لم تكن أنمار هناك أو كان المريض شخصا آخر غير باسل، لا أحد سيكون قادرا على الجزم بقدرة ذلك العالم المجنون على منع فضوله

لكنه قمع فضوله بسبب النظرة القاتلة التي أتت بعدما صنع نظرته المشرقة، تلك النظرة جعلته يفكر ألف مرة في الفكرة التي أتته بعقله و يحذفها بعد ذلك

بعدما شبعت الأميرة كريمزون سكارليت من أنمار، قفزت على باسل و عانقته مع ظهور بعض الدموع قليلا على عينيها ثم تحدثت "لم يرد أي شخص إخبارنا عن حالك، لكن حرصهم هذا كان دليلا فقط على الحالة التي كنت بها، حمدا على سلامتك"

باسل الذي تفاجأ بسبب قفزها عليه، هدأ و حدق فيها بحنان ثم قال "لم يكن هناك شيء لتقلقين عليه، لذا لم يخبرك الآخرون، أنا بخير كما ترين أيتها الأميرة"

أزاحت الأميرة سكارليت نفسها عن باسل و تقدم الجنرال منصف بينما يقول "عودتك شيء عظيم، لقد انتظرناك بفارغ الصبر أيها السيد الصغير"

ابستم باسل فقط من دون الإجابة، جلسوا جميعهم في غرفة حول طاولة واحدة و تكموا لبعض الوقت كعائلة واحدة، التاجر ناصر أيضا انضم لهم في الحديث، بعد التعرف عليه من طرف الأميرة سكارليت و أمها، تقبلوه بكل سرور مما جعله في قمة السعادة، تحدث الجنرال منصف "إذا ما الذي جاء بك إلى هنا؟ ظننت أنك ستتوجه للقاعة الرئيسية أولا"

حدق باسل في الجنرال منصف و شرب الشاي ببطء ثم قال بهدوء "أريد لقاء جدتي"

تكلمت الأميرة سكارليت فجأة "أوه ! هذا جيد، إنها معزومة عندنا بالغداء، يمكنك انتظارها لذلك الحين"

لا زالت الظهيرة بعيدة قليلا، لذا اقترحت الأميرة سكارليت على باسل و أنمار الخروج للفناء و التمتع بنسيم الصباح الهادئ

في طريقهم، أتى صبي صغير عمره حوالي الخامسة مسرعا نحوهم و تعلق بقدم أنمار ثم تكلم "أختي الكبرى أنمار"

ربتت أنمار على رأسه ثم انحنت قليلا لتصبح في نفس مستوى طوله و قالت "أوه، كيف حالك أيها الملك الصغير"

كانت أنمار تعامله بشكل جيد، فبعد كل شيء، ذلك الفتى يعتبر ابن عمتها، أنمار تعز باسل بشكل كبير، بعده تأتي عائلتها، لا تهتم بأي شيء آخر في هذا العالم غير هذين الاثنين فقط

حدق به باسل، فبادله الطفل الصغير التحديق، حاول باسل التكلم معه "أوه، ما اسم الملك الصغير؟"

حملق الطفل الصغير به بعدائية نوعا ما، ثم أدار رأسه منزعجا من باسل كما لو أنه فعل شيئا سيئا بحقه

لم يفهم باسل ما يحدث، لكن الطفل الصغير تحدث "أختى الكبرى أنمار ستتزوج 'كارماين'، أليس كذلك؟" و بعد أن قالها حدق في باسل ثم أدار رأسه منزعجا مع صوت "همم"

يبدو أن الشقي الصغير لا يطيق باسل، لكن السبب واضح على ما يبدو، ربتت أنمار على رأسه و ابتسمت ثم قالت "كارماين، أختك الكبرى ستتزوج من أخيك الأكبر باسل، لكنك ستبقى أخي الصغير للأبد"

عبس 'كارماين' و حدق في باسل، هذا الأخير لم يستطع منع نفسه حتى صنع ابتسامة خبيثة في وجه الفتى الصغير، كانت ابتسامة تعلن فوزه، مما جعل كارماين الصغير يدمع و يضرب باسل بقدمه التي تألمت بدل أن تسبب الألم لباسل، أحس كارماين الصغير بالهزيمة فغادر مسرعا بينما يقول "أختى الكبرى أنمار الخائنة"

ضحك الجنرال منصف و البقية على هذا الأمر و أكملوا طريقهم بعدها، لكن أنمار بقيت متجمدة في وضعيتها من دون أن تتحرك مما جعل باسل يستغرب و يناديها، لكنها قامت من مكانها و تبعتهم بهدوء شديد كما لو أنها أصبحت في عالم آخر، لم يفهم باسل ما الذي حدث لها و أكمل طريقه فقط

في هذه الأثناء بالقاعة الرئيسية

"أوه، لقد أتى حليفنا باسل، هذا جيد، فلنذهب لرؤيته" تحدث الكبير أكاغي بعدما سمع الخبر من التاجر ناصر الذي أتى ليبلغه بالأمر

"لا" تكلم التاجر ناصر "في الحقيقة، لقد أخبرني السيد الصغير أنه سيأتي بنفسه إليك، أنت لست بحاجة للذهاب عنده، تحركك هذا سيتسبب في شك بعض المراقبين، إنه يريد تمضية هذا اليوم بهدوء"

أحبِط الكبير أكاغي قليلا، لكنه يريد تلبية طلب باسل، لذا مكث في مكانه منتظرا قدوم باسل فقط

و في القاعات الجانبية باليسار، هناك كان يمكث الإمبراطورين، كل واحد منهما أخذ قاعة كمبيت له مؤقتا

في جهة الإمبراطور شيرو

تحدث الإمبراطور شيرو عبر خاتم التخاطر (فلتجدوه بسرعة، لا أريد سماع أي خبر آخر منكم غير إحضاركم إياه، مما رأيت في تلك الحرب، ذلك الفتى هو ركيزة هذه الإمبراطورية، كسبه يعني كسب تلك الإكسيرات و الأدوات، مع معرفة كيفية بلوغ تلك المستويات الخارقة"

بعد انتهاءه اقتربت منه فتاة بيضاء، شعرا و عينا و جسدا، كما لو أنها منحوتة ثلجية تتحرك على قدميها، جمالها يجعل أي رجل يراها يسقط في غرامها، بدت كما لو أنها أميرة الثلج من الأساطير، فقط برؤيتها تجعلك تريد الموت من أجلها و تجعل روحك تخضع لها

تحدثت بصوت هادئ جدا "أبي، هل سيأتي 'قاتل الدم القرمزي' الذي تحدثت عنه؟"

حدق فيها أبوها و طرأت فكرة في باله جعلته يطرح سؤالا على ابنته "ماذا هناك؟ هل لديك اهتمام به يا شيرايوكي؟"

ضيقت الأميرة شيرايوكي عينيها و جعلتهما نصف مغمضتين ثم قالت بهدوء كبير "أنا فقط أريد أن أعلم، عندها سأحرص على عدم التواجد في حضوره"

استغرب الإمبراطور شيرو فسأل "لماذا؟ إنه البطل الذي أرجع عائلة كريمزون لحكمها"

لم تتغير تعابير الأميرة شيرايوكي و قالت "بطل؟ لقبه فقط يعطيك الخبر، أليس مجرد قاتل متعطش للدماء، شخص مثله قام بذبح عائلة كلها، كيف له أن يكون بطل؟"

تنهد الإمبراطور شيرو و قال "ابنتي الصغيرة، لقد كان في وسط حرب، إن لم يَقتل سيُقتل، ماذا تتوقعين؟"

التفت الأميرة شيرايوكي و تكلمت "أنا لا أهتم في الدوافع، قتل الناس كالحشرات شيء لا أطيقه فقط، لا يهمني إن ناداه الناس ببطل أو مجدوه كمنقذهم، في النهاية سيبقى مجرد قاتل بارد الدم بالنسبة لي، هناك الكثير يشبهونه في هذا العالم، من يبررون قتلهم بالعدالة، كلهم سيان بالنسبة لي، مجرد قتلة تحت قناع منقوش عليه اسم بطل"

تنهد الإمبراطور شيرو مرة أخرى ثم تكلم بداخله "شخصيتها هذه جعلت من الصعب قبولها بخطوبة أي شخص تقدم إليها، و أنا الذي كنت أظن أنني سأجعلها سببا في كسبنا لذلك الفتى"

بجهة الإمبراطور غلاديوس

"يبدو أن الفتى لا يريد مقابلة أي أحد حاليا، لكن في النهاية سيظهر نفسه لعائلة كريمزون، ضعوا أعينكم بحرص شديد هناك، محادثة صغيرة مع ذلك الفتى ستكون بمثابة كنز لا يضاهى، و مبارزة معه ستكون أكثر قيمة"

أمرهم الإمبراطور غلاديوس، فأجاب الجنرالين الراكعين على ركبة واحدة باحترام كبير "سمعا و طاعة"

مر الوقت، و ارتفعت الشمس فوق رؤوسهم، مما أعلن عن اقتراب موعد مجيء جدة باسل، هذا الأخير بدأ قلبه يتسارع قليلا، لا يعرف كيف عليه أن يواجه جدته هذه، و بينما يفكر في هذا الأمر، حتى تكلم صوت من بعيد مناديا باسمه "باسل"

لم يعرف باسل لمن هذا الصوت، كان لأول مرة يسمعه، لكن الصدى الناتج عن الصوت الذي ناداه تردد في قلبه مرارا و تكرارا، و أحس بشعور حنين جميل، أحس كما لو أن أمه قد نادته، صوت جديد على المسامع، مألوف للقلب، وقف باسل في مكانه بسرعة و تكلم "جدتي ! "

لم يلحظ باسل حتى وجد نفسه بذراعي تلك المرأة التي ظهرت، شعر بجسده يهتز، أحس بدفء لا يوصف في تلك اللحظة، لأول مرة في حياته، أحس باسل بدفء العائلة من شخص آخر غير أمه

حدقت به جدته التي لم تكن كبيرة كثيرا نظرا لعمرها، نظرت لوجه باسل من جميع الزوايا فدمعت عينيها ثم قالت "إنك تشبه أباك جاسر تماما" ثم عانقته من جديد

أحس باسل برجليه تفشلان، إنه يملك صلة دم أخرى، لقد استسلم عن هذا الأمر، في الحقيقة، كان قد اقتنع كليا أن أمه لوحدها كافية له كشخص يرتبط به بالدم، لكن بعد ملاقاته لجدته، علم عندها دفءً آخر مختلف عن الذي يستشعره من أمه

و من دون أن يدري حتى انسلت دمعة من جفنه جاعلة إياه يدرك أنه في الحقيقة لطالما تمنى في أعماق قلبه الالتقاء بشخص آخر يرتبط به بالدم

بادل باسل العناق مع جدته، فحدق بهما الجنرال منصف و أنمار بتعجب، و كذلك كان حال الأميرة سكارليت، لكن تعجبها هذا لم يطل حتى تحول لدموع متأثرة من لم الشمل هذا، أمّ الأميرة سكارليت و زوجة الكبير أكاغي التي رافقت جدة باسل كل الطريق إلى هنا، لم تستطع هي أيضا منع دموعها من النزول بغزارة

امرأة فقدت زوجا تاركا إياها مع ابن وحيد و والديها العجوزين، في يوم من الأيام اختفى الابن، و بعدها مات والديها الطاعنين في السن، انتظرت ابنها آملة رجوعه يوما ما، مرت سنين و لا زال لم يعد، حتى أتاها خبر موته، لكن الخبر الجيد المصاحب للخبر السيء كان الشيء الوحيد الذي جعلها لا تفقد إرادتها في الحياة

خبر موت ابنها قد حطم آمالها، لكن خبر وجود حفيد من ابنها الميت جعل تلك الآمال تُنعش من جديد، و الآن، التقى الحفيد و الجدة، الاثنين معا كانا يشعران بسعادة غامرة، و أحس كل واحد منهما بالقرب الشديد من الطرف الآخر

*********

في سلسلة جبلية امتدت لآلاف الأميال و اتخذت شكل حلزونيا، ظهر هناك إدريس الحكيم، كان يقف بالسماء في مركز هذه السلسلة الجبلية التي تعتبر كلها منطقة محظورة

حدق بالأسفل و تكلم "حسنا، هذا المكان مناسب، سيكون جيدا لتدريب الفتى باسل القادم، و الآن، فلنبني بعض المصفوفات الروحية"

من تأليف Yukio HTM

أتمنى أن يعجبكم الفصل، و أرجو الإشارة لأي أخطاء إملائية أو نحوية

و إلى اللقاء في الفصل القادم

2017/10/25 · 1,182 مشاهدة · 1971 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024