هوتاكي الذي أجبر نفسه على القدوم الى زفاف صديقه بعد مدة طويلة من التفكير . كان الآن يقف في خارج قاعة الأفراح هذه وجسده قد إجتاحته قشعريرة غريبة جدا !!. الهاتف في يده كان يرن مرارا وتكرارا , لكنه لم يجب على الإطلاق !!. الناس كانوا يمرون من جانبه باستمرار بينما يلاحظون تسمره في مكانه طيلة هذا الوقت !. كان أشبه بحجرة متعثرة في وسط الطريق بدون أدنى حركة تذكر ؟؟
قاعة الأفراح التي كانت تبعث الكثير من أضواء الإحتفالات في كل الجهات , الناس الذين كانوا يأتون الى هذه القاعة في ملابسهم الفاخرة , ثم هذه الأجواء السعيدة . روائح العطور المختلفة التي كانت تداعب أنفه بإستمرار , كانت تدخله في خليط غريب من العواطف التي هو غير معتاد عليها على الإطلاق .
" ما خطبه ؟؟ هل هو بخير ؟؟..." تسائل أحد المارة من الجانب حيث تقدم لكي يتفقد حالة هوتاكي الغريبة !!. لكن بمجرد إقتراب هذا الشخص لمسافة كافية فإذا به يتعرف على هوتاكي , فهذا الرجل يكون أحد زملاء هوتاكي من أيام المدرسة !!
" يا شباب إنه في الحقيقة هوتاكي !!. واااه لقد تغير كثيرا منذ آخر مرة رايته فيها !!..."
بسرعة تمت إحاطة هوتاكي ببعض الرجال والنساء , حيث كان يرتدي بدلة غالية راقية غالية الثمن إشترتها له والدته بشكل خاص !!. حتى في وسط صدمته هذه , كان هوتاكي يراهن أن سبب تقدم هؤلاء الرجال اليه هو رؤية البذلة الخاصة به . فقد كان أنيقا للغاية وتبدو عليه الرزانة . رجل محترم من كل النواحي بمعنى أدق .
لكنه حتى مع الأسئلة الكثيرة التي إنهالت عليه , إستدار فقط وهو يعود الى الوراء بضع خطوات !!. بمجرد أن إستدار لكي يعود أدراجه بسرعة , فإذا به يسمع صوت صديقه يونو الذي أصبح خشنا بعض الشيء وبدأت سمات الرجل البالغ تظهر عليه أكثر !!.
" هوت ؟؟ الى أين تذهب بحق الجحيم ؟؟ ألست سعيدا من أجلي ؟؟..." بمجرد أن إلتفت هوتاكي الى من جديد لكي ينظر الى صاحب الصوت . فإذا به يجد كلا من يونو صديقه الوحيد في هذا العالم يأخذ بيد الفتاة الوحيدة التي أحبها هوتاكي في حياته حبا دام لأكثر من عشر سنين عجاف !؟؟
فتاة في فستان أبيض ناصع البياض !!.
شكل الثنائي أمام هوتاكي مزيجا غريبا للغاية , حيث لم يملك هوتاكي أي شيء لفعله سوى خفض القبعة على رأسه أكثر حتى يخفي وجهه .
لم يستطع تحمل هذا المنظر أكثر من ذلك حيث نزل سيل من الدموع من عينه اليسرى التي كانت حمراء متورمة من كثرة السهر !!..
" آه !!...."
تحول المشهد بالكامل الى صمت غريب جدا , كما تغيرت ملامح جميع الأشخاص المحيطين بهوتاكي , كيف لا وهؤلاء أصبحوا رجالا ونساء ناضجين . لقد تذكر جميعهم ذلك الحب المستحيل الذي ربط هوتاكي بالفتاة التي سيتزوجها صديقه يونو اليوم ؟؟
رغم معرفة الجميع بهذا السبب , لكنهم حاولوا عدم إظهار الأمر قدر المستطاع . أما يونو فقد تجمد في مكانه غير قادر على التحرك على الإطلاق !!. لقد كان يظن أن هوتاكي تخلص من حب الطفولة ذاك منذ زمن بعيد !؟ لكن يبدو أن إنقطاع الإتصالات بينه وبين هوتاكي تسبب في إنقطاع مثل هذه الأسرار بينهما كذلك !!.
شعر يونو بمرارة شديدة في قلبه وهو يظن أنه يعرف شعور هوتاكي حاليا !!. لكن في الحقيقة لا أحد علم بشعور هوتاكي على الإطلاق ؟؟
فالسبب الذي جعله يعود أدراجه لم يكن هو تزوج صديقه بحب حياته . وإنما كان السبب صدمة أخرى ؟؟
.....
....
...
..
.
" وااو واااو واااو طوووووط ؟....."
صوت سيارة الأسعاف كان يرتفع في آذان هوتاكي أكثر فأكثر حيث , حيث إنطلقت أصوات الممرضات في كل مكان في باب المستشفى , فقد أستقبل هذا المستشفى أحد المرضى الذين كانوا في حالة حرجة للغاية !!. سيارة الإسعاف أنتهت دورها بإيصال المريض في أقرب مدة زمنية ممكنة . والآن كل شيء مرهون بالطاقم الطبي في المستشفى !!...
" أين هو الطبيب هوتاكي بحق الجحيم ؟؟ لقد قال أنه سيجري العملية بنفسه لماذا تأخر هكذا ؟؟...."
صرخت أحد الممرضات بينما كانت تأمر بتجهيز غرفة العمليات بأسرع ما يمكن . ثم أخرجت هاتفها وبدأت في الإتصال على رقم هوتاكي الخاص !!. لكن لا يهم عدد المرات التي تتصل فيها , فلا أحد يرفع السماعة على الإطلاق !!...
هوتاكي الذي أسقط هاتفه وهم بالهرولة الى سيارته !!؟ كان هذا الفعل غريبا في نظر كل من يونو أو أيا من هؤلاء الرفاق هنا !!. لكنهم ظنوا جميعا أن هوتاكي لا يزال يحمل في قلبه بعض المشاعر لذلك لم يقوى على حظور هذا الزفاف . لذلك قام أحدهم بإلتقاط الهاتف ثم أغلقه على الفور !...
من جهة أخرى . هوتاكي كان يقود سيارته والدموع تنهمر على كل وجهه وتغطي مجال رؤيته بالكامل !. المسكين تعرض لصدمة نفسية برؤية هذا الزفاف فقط !!. لكن القدر لم يكتفي بهذا , وإنما ورده إتصال آخر حطم ما تبقى منه الى أشلاء !!.
* * * * *
" أخلوا الطريق بسرعة !!!!.... مباشرة الى غرفة العمليات !!.
فلتجهزوا الغرفة بسرعة !!. هذه المرأة هي والدة الطبيب هوتاكي !!. هو قادم الى هنا بأقصى سرعة , لقد قال أنه سيجري العملية بنفسه , لذلك هو حتما سيأتي !!...."
"آآآه ..!!!..."
صراخ الممرضات إنتشر في كل مكان , بينما كانت العديد من النساء تذرفن الدموع بمشاهدة مرأة عجوز تدخل الى غرفة العمليات !!.
هوتاكي الذي وصل بالكاد الى المستشفى كان يهرول مثل المجنون الى غرفة العمليات وهو يصرخ مثل المجنون :
" امي ..... أمي ........... إنتظريني أمي لن أخذلك أقسم بذلك !!!....... أمي .....!!؟؟, أمي لا تتركيني أنت أيضا ... أمي !!...."
كراااااك !!~~~~
إرتطم هوتاكي برجل عجوز على كرسي المعوزين , حيث سقط الرجل بكل عنف على الأرض وبدأ يصرخ من شدة الألم ؟؟؟ . لكن هوتاكي لم يكن يرى أي شيء أمامه على الإطلاق ولم يكن يفكر في أي شيء سوى الإنطلاق الى غرفة العمليات !!.
لقد عرف أنه ارتكب غلطا كبيرا جدا بوقوفه في ذلك المكان أمام الزفاف متحجرا , بينما كانت والدته في أمس الحاجة الى عملية جراحية !!.
لقد ضيع الكثير من الوقت بالفعل عن طريق بقائه في ذلك المكان مصدوما . في صدره , لعن كلا من الحب ولعن الحياة الحقيرة التي دائما ما تذيقه شتى أنواع العذاب !!. لعن الإله ولعن نفسه الغبية !.
لعن ولعن ...
..
..
" إنه الدكتور هوتاكي أخلوا الطريق وجهزوا كل شيء للعملية !!.. سنبدأ على الفور . لقد تأخرنا بما يكفي !!..."
إقتحم هوتاكي الغرفة حيث إرتدى ردائه الطبي وقام برمي أخته التي كانت ملتصقة على الباب تبكي بكل عنف على الأرض وهو يصرخ :
" إبتعدي أيتها العاهرة .. لماذا لم تعامليها بطريقة جيدة في الماضي ؟؟ الآن فقط أنت تشعرين بقيمة الأم .. إبتعدوا كلكم أيها العواهر من هنا , أقسم أنه لو حدث لها شيء سأقتلكم جميعا بيدي هاتين !!....هل سمعت سأقتلكم حتى آخر ساقطة منكم ..."
صوت هوتاكي المختلط بالدموع والمرارة الشديدة , صدر في كل الأنحاء حيث لفت إنتباه كل مريض وممرض في هذا الطابق بجوار غرفة العمليات !!. لكنه أمر فقط بإغلاق باب الغرفة بينما أدار وجهه لكي يلمح ذلك الشكل الذي يرقد على سرير العمليات !! وجه مليء ببعض التجاعيد التي تظهر حجم المعاناة التي ذاقتها هذه المرأة , مع إبتسامة دافئة جعلت قلب هوتاكي المسكين يرتعد في خوف , وهو يأخذ مكانه لكي يباشر العملية !!.
باشر العملية الجراحية وهو غير قادر على النظر الى وجه أمه البريء المبتسم مرة أخرى خوفا من الألم الذي يصدر من قلبه , خوفا من أن يفقد التركيز كلما رأى هذا الوجه الملائكي على السرير . حيث إختلط عليه كل شيء وكانت أعينه تنغلق من قلة النوم والتعب النفسي الذي لا يطاق !!.
كانت أصوات صرخاته على الممرضات والطبيبة المساعدة ترتفع في كل أنحاء الغرفة , فقد جمع شتات نفسه البئيسة وكان يحاول تذكر كل شيء تعلمه عن الطب وكل التجارب والعمليات التي مر منها طيلة فترة عمله .
كان عقله صافيا بالكاد , حيث لازالت صدمة الزفاف تلك تأتيه من حين لآخر !!. رؤية وجه تلك الفتاة من جديد قد ذكره بتلك النظرة قبل أكثر من عشر سنوات !!, حيث ضاق صدره بشكل لا يحتمل !!. إظطر في النهاية الى أخذ لمحة أخرى على وجه والدته , حيث كان يثبث نفسه ويعيد تركيزه على العملية بالتركيز على ما هو أهم , بالتركيز على الشيء الوحيد الذي يبقيه على قيد الحياة , بالتركيز على الشخص الوحيد الذي كانت له قيمة في حياته بأسرها , فلو فقد هوتاكي هذه الأم هو متأكد أنه سيفقد كل شيء !!.
كانت بعض الدموع تهرب من سيطرته وتتساقط على جثة والدته فإذا بإحدى الممرضات تمسح العرق من على جبهة هوتاكي وتمسح الدموع من على جثة المريض !!. وتحت صوت الآلات في الغرفة , وصراخ هوتاكي الذي لم يتوقف لثمان ساعات مستمرة . عقل هوتاكي كان تائها بكل ما للكلمة من معنى !!. فقد تحول الوضع بشكل لا يصدق ؟؟؟
...
..
.
كانت تتوافد الكثير من الشخصيات على هذا المستشفى حتى أن الشرطة قد وصلت !!. وما شاهده الناس كان مجرد مشهد يفطر القلب . شخص هزيل غارق في العرق الشديد مع وجه شاحب جدا , كان يمسك بعض الأدوات الطبية وهو يجري عملية جراحية على الهواء الفارغ أمامه !!
؟؟!!...
" ما الذي حدث له بحق الجحيم ؟؟؟..." سأل أحد رجال الشرطة بينما كان يتقدم لكي يأخذ الأدوات الحادة من يدي هوتاكي الذي بدى عليه الجنون بالكامل وهو يصرخ بأسماء الأدوات الطبية بينما يجري عملية جراحية على الهواء الفارغ أمامه ؟!!.
ثم لتجيب ممرضة كانت تمسك جرحا على يدها اليمنى والذي كان لا يزال ينزف . نطقت الممرضة بكل حزن والدموع تتساقط من عينيها :
" ل..لق..لقد توفت والدته في يديه بينما كان يجري العملية !!.
لقد تعرض لصدمة كبيرة جدا لدرجة أنه حاول طعني حين قلت له أن والدته توفيت بالفعل ويجب أن يستيقظ لأرض الواقع ويتماسك نفسه !!...
إنه ليس مجنونا , إنه طبيب المستشفى خاصتنا الدكتور هوتاكي !!...آآآآه..."
" ماذ..!!!!!! " الشرطي الذي كان غاضبا تسمر في مكانه وهو يحاول إستيعاب حجم الألم والإنهيار الذي كان يمر منه الشخص ضعيف البنية أمامه !!.
حيث تراجع الشرطي وقد أصبحت عينيه كلها شفقة حتى أنه إستحيى من مقاطعة هوتاكي المنهار , وأراد أن يعطيه بعض الوقت على الأقل !!. لكن في اللحظة التي رفع فيها هوتاكي رأسه فإذا به يلتقي بنفس النظرة المشؤومة التي لطالما رمقه الناس بها !!. نفس نظرة الشفقة اللعينة !!.
حينها فقط , بدأت عينيه في السيلان من جديد , في حين كان يضحك بصوت عال وهستيري غريب !!!!؟؟
..
..
.. ******
بعد ثلاث أسابيع .
كان كل من يونو وتلك الفتاة يقفان جنبا الى جنب حيث كان كل منهم متمسكا بالأخر بشدة . بعض الدموع كانت تتساقط من عيون الإثنين بينما يصدر صوت بائس متلعثم من فم يونو بالكاد :
" هل نحن السبب .؟؟ كلا هل أنا السبب في ما حصل ؟؟"
صدر صوت البكاء الخفيف والمختنق من الفتاة تحت يدي يونو , حيث كانت هناك كتابة كبيرة تملأ كل جدران الشارع الكبير المقابل للحديقة !!.
من هذا المكان , كان يمكن ليونو رؤية رجل متشرد , ليس أي رجل متشرد , بل رجل مجنون يلف نفسه في القمامة بينما ملأ كل حائط نظيف في المدينة بعبارة واحدة فقط !!.
[ ســــــامحـــينــــــي يا أمــــــــــــــي ]
..
..
..
إنهار يونو وبدأ في البكاء بصوت عميق حتى أنه جذب إنتباه الجميع , وبدأوا يرمقونه بنظرات الإستغراب !!. كيف لا وهو يلوم نفسه على تحويل أعز أصدقائه الى متشرد مجنون يكتب في كل مكان : سامحيني يا أمي .
" نحن من قتل أمه , لو علمت أنه ما زال يحبك لما تجرأت على جرحه بتلك الطريقة القاسية !!.
لو لم يتلقى تلك الصدمة العاطفية لما تأخر عن العملية , وكانت لتكون عملية ناجحة . ولم يكن هوتاكي صديقي العزيز ليصبح مجنونا هائما في المدينة هكذا .
لقد كان أنا من قتل صديقي وقتل أمه كذلك . أنا هو المجرم الحقيقي !!؟؟....... أنا ..."