___ MARCHELL __

في اللحظة التي سمع فيها فاستو لورد سؤال العجوز الأصلع، تذكر على الفور ذلك العجوز القذر سليل عين المسارات حيث ظهر إنزعاج واضح على محياه. وعلى الفور أخذ نفسا عميقا من الهواء الثقيل وهو يتأمل جثة المارشال التي بدأت تحدث لها تغيرات ملحوظة بعض الشيء !!

لقد تجاهل فاستو لورد وجود هذا العجوز الأصلع بشكل كامل حيث عاد الى سريره الخاص داخل الكوخ الخشبي الصغير، وإستمر في التحديق في جثة زيغان محاولا التدقيق في أصغر التفاصيل التي تطرأ داخل ذلك الستار الظلامي...

جثة عملاقة بطول يصل الى الثلاثة أمتار كانت تسبح بكل صمت وسط كتل الغازية غريبة للغاية. هذه الغازات المظلمة كانت تتداخل بإستمرار فيما بينها وتلتف بكل شراسة حول جسد المارشال، لقد كان جسد بشري مرعب للغاية !! رغم أنه كان جسدا تبدو عليه القوة الشديدة إلا أن هذا لم يكن مرعبا في نظر شخصيات على مستوى كل من فاستو لورد وهذا العجوز الأصلع. الشيء المرعب حقا حيال أمر هذا المارشال زيغان كان هو عدم قدرة فاستو لورد ولا هذا العجوز الأصلع على الرؤية من خلال ما يحدث لهذا الرجل المارشال زيغان ؟؟

لقد كانت هذه الظاهرة شيئا غامضا جدا لم يجرؤ حتى فاستو لورد بنفسه تصديقها !! كان عقله غارقا في الكثير من الأفكار منذ اللحظة التي أنقذ فيها زيغان من ساحة الحرب تلك. فقد شاهد فاستو لورد زيغان يموت على يدي العجوز سليل عين المسارات. لقد كان شيئا شاهده بأم عينيه ولا يمكنه التشكيك فيه أبدا...

حقيقة هذه الحادثة لا تزال تسلب تفكير هذا الرجل فاستو لورد الى هذه اللحظة، فلا تفسير أمامه يمكن أن يشرح تماما أي نوع من المعجزات هذه التي تحدث أمامه ؟؟

فقط أي نوع من القوة هي هذه التي تستطيع إعادة الموتى الى الحياة ؟؟

هذا حتما ضرب من الجنون ...

فوووووو !!~~~~~~~~~~

إرتفع الظلام وكتل الدخان الأسود بشكل أكثر كثافة من أي وقت مضى حيث إختفت جثة المارشال زيغان فجأة عن أنظار كافة الحاضرين داخل ذلك الظلام الكثيف!! حدث الأمر بشكل مفاجئ بينما ظل فاستو لورد والعجوز الأخر مندهشين حيال التغير الذي بدأ يطرأ على زيغان فجأة هكذا !!

داخل كتل الظلام المتكثفة هناك، كان هناك في الحقيقة مشهد حتى عيون فاستو لورد القوي هذا لم تستطع رصده إطلاقا.

..

..

" هذا الخادم يرحب بعودة جلالتك !.. "

مع إبتسامة مشرقة على وجهه، لم يحاول هذا العجوز حتى إخفاء مدى سعادته وهو يركع بكل حماس أمام ذلك الظلام الذي بدأ يختفي بشكل سريع للغاية، في الحقيقة هذا العجوز كان راكعا هناك منذ زمن بعيد جدا والشيء الوحيد الذي تغير فيه هو ظهور هذه الإبتسامة لا غير. أما سبب ظهور هذه الإبتسامة على محيا هذا العجوز فلم يكن ذلك سوى بسبب فتح المارشال زيغان لعينيه أخيرا !!

بادوم ... بادوم !!~~~~~~~~~~~~

إندفع صوت قلب العجوز شازان بشكل متفجر فجأة حيث إنقطعت أنفاسه وتسمر في مكانه من هول الصدمة في اللحظة التي استشعر فيها هذا الحضور المألوف ، كان غير قادر على كبح عاطفته إطلاقا... حتى الرجل الغامض صاحب القوة الغير مفهومة فاستو لورد والعجوز الأصلع الى جانبه كانا عاجزين عن رؤية جسد الشيخ شازان والذي كان في واقع الأمر راكعا في نفس مكانه الحالي أمام زيغان للعشر سنوات الماضية !!.

كان هذا العجوز يحرس جسد ملِكه لكل هذا الوقت بدون أن تفلت من حواسه أية تغيرات حول حالة زيغان مهما كانت صغيرة أو كبيرة. لقد كان في تركيز مطلق حيث سخر نفسه بالكامل للمارشال زيغان. حقا وصل وفاء هذا العجوز لزيغان الى مستوى غير مفهوم إطلاقا !!

فوووش فوووووووش فوووش !!~~~~~~~~~~

بدأ أخيرا هذا الظلام الذي غطى كامل جسد زيغان في الإختفاء حيث تم إمتصاص كل كتل الغاز الأسود هذه داخل وشم غريب بدأ يتشكل على وجه زيغان !!؟

لقد كان هذا الوشم على هيأة فك أشبه بفك وحش مفترس من العصر القديم !!؟ كان الفك العلوي عبارة عن صف من الأسنان الحادة باللإضافة الى زوج من الأنياب الطويلة بعض الشيء متموضعا ومنقوشا مباشرة فوق عين زيغان اليسرى، في حين كان الفك السفلي متموضعا أسفل نفس العين ؟؟

كان الأمر كما لو أن عين زيغان اليسرى أصبحت محصورة داخل فك وحش مقفر غريب للغاية، فرغم بساطة هذا الوشم إلا أنه كان يحمل هالة غريبة للغاية تنبعث منها شراسة لا حدود لها ؟؟

ورغم أن هذا الفك كان مجرد وشم أحمر قاتم، إلا أنه بدى كما لو كان شيئا مشبعا بالحياة الى أبعد الحدود !! حتى من شكل زيغان أصبح مرعبا أكثر من السابق بكثير بسبب ظهور مثل هذا الوشم الغريب. وحتى من نظرة العجوز شازان كانت متركزة بالكامل على هذا الوشم الغريب الذي ظهر فجأة على وجه زيغان !!؟

شوووووووو !!~~~~~~~

في اللحظة التي إختفى فيها كل الظلام الذي كان يغلف المكان، ظهر أخيرا جسد زيغان بالكامل. نظرات العجوز شازان كانت لاتزال مركزة بالكامل على ذلك الوشم الأحمر القاتم الذي كان يحصر عين زيغان اليسرى، بينما في حقيقة الأمر هذا العجوز شازان شرد بذهنه لدرجة أنه لم يلاحظ حتى أن بشرة المارشال زيغان نفسه بدأت تميل الى السمرة بعض الشيء، المارشال زيغان لم يعد ذو بشرة ناصعة البياض كما كان سابقا ؟!.

لكن ومع هذا التغيير في لون البشرة، في الحقيقة لقد إزداد المارشال جاذبية وسحرا وكان مثيرا بشكل لا يصدق. الأهم من ذلك أنه كان هناك جو مختلف تماما ينبعث منه. فعلى غرار هذه التغيرات التي كانت مجرد شكليات، كان الشيخ شازان لا يعرف أي شيء حول ما حدث للمارشال إطلاقا. لذلك كل ما كان بإمكانه فعله هو إنتظار بعض الأجوبة من المارشال نفسه بينما كان لا يزال راكعا على الأرض هناك.

لسوء الحظ لم يصدر المارشال زيغان اي رد فعل يذكر، حيث إستمر في التحديق في سقف الكوخ الخشبي بتعبيرات فارغة لا معنى لها !!

وحتى من ذلك الرجل فاستو لورد لاحظ هذا الشيء، رغم عدم قدرته على رؤية الشيخ شازان إلا أنه على الأقل لاحظ حالة المارشال زيغان وكان قادرا على وضع بعض الفرضيات حول ما يحدث مع زيغان في الوقت الحالي. في نهاية المطاف كانت دراسة هذه الظاهرة الغريبة والإعجازية واحدة من الأسباب التي جعلت فاستو لورد يهتم لشأن زيغان منذ البداية.

" حسنا. هنا تفترق طرقنا من جديد أيها الأصلع. لاتنسى ما أخبرتك به ."

بينما وضع فاستو لورد بعض الأمتعة التي حصل عليها من العجوز الأصلع داخل خاتم التخزين خاصته، أمر العجوز الأصلع بمغادرة هذا المكان، لكن وقبل مغادرة هذا الرجل الأصلع لذلك الكوخ الخشبي، كانت نظراته متركزة بفضول شديد حول زيغان، لم يكن هو الشخص الوحيد الذي كان في هذه الحالة. وإنما حتى من الشيخ شازان والفاستو لورد كانا ينتظران أي رد فعل من المارشال.

منذ أن لاحظ فاستو لورد التعبيرات الغريبة التي علت وجه العجوز الأصلع، شعر أنه مضطر لشرح بعض الأمور على الأقل لذلك العجوز. حيث باشر بالحديث بينما عيناه لم تفارق أبدا جسد زيغان :

" لقد أخبرتك أن هذا الشقي يملك أعداء أقوياء للغاية، ربما مستقبلا سيستمر في إكتساب المزيد من الأعداء. صحيح أن الأمر قد يكون كارثة على طائفتك لو إستمر هذا الفتى بإكتساب المزيد من الأعداء، لكن لا تنسى أنك أيضا ستحصل على فرصة لا تعوض لتترقى الى طموحك.

..

ذلك الشقي هناك قد يكون تلك الفرصة التي لطالما إنتظرتها ايها العجوز ... "

بينما كان فاستو لورد يحاول توضيح مدى تميز زيغان عن بقية الناس، وعن مدى الإمكانيات التي يحملها في جعبته رغم صغر سنه. إلا أن شخصا مثل ذلك العجوز الأصلع كان بالفعل قادرا على الرؤية من خلال ذلك الجانب من زيغان بالفعل. أي شخص من مستوى قوة هؤلاء الإثنان سيكون بالتأكيد قاردا على رؤية مدى تميز زيغان عن بقية جيله، لقد كان الأمر فقط واضحا بشكل مبالغ فيه، فزيغان شخصية لم يشهد لها حتى هذا العجوز الأصلع مثيلا من قبل ...

" هل يعاني من صدمة ما بعد الحرب أم ماذا ؟؟ هذا غريب بعض الشيء... "

فجأة بدأ العجوز الأصلع يتقدم الى ناحية المارشال زيغان بينما كان يتسائل حول ما يحدث لزيغان في الوقت الراهن. فصدمة ما بعد الحرب تعد حالة شائعة جدا في صفوف المقاتلين الذين ينجون من ساحات الحروب الدامية، لقبت هذه الحالة الغريبة بهذا الإسم نظرا لكونها تعكس المعاناة التي يعيشها هؤلاء الجنود، ونظرا لكونها تعكس مدى تمزق نسيج العواطف والمبادئ الخاص بهم إثر حروب لا معنى لها. فالشخص الذي ينجو من ساحة الحرب لا يخرج سليما أبدا، وإنما تغير فيه ساحة القتال الشنيعة تلك الكثير، وتجعله يتسائل حول أساس الحياة نفسها. من هناك يحدث إهتزاز كلي لجميع مبادئ الشخص اتجاه الحياة بصفة عامة.

هذه الحالة تعتبر مرضا عقليا قد يلازم الشخص طوال حياته، حقا كانت هذه الحالة شيئا خطيرا للغاية سواء على الشخص نفسه أو على محيطه. لذلك كان القلق الشديد واضحا على محيا الرجل الأصلع والذي حاول حتى مد يديه لتفقد جسد زيغان !!

2021/05/06 · 884 مشاهدة · 1358 كلمة
El Marchel-Z
نادي الروايات - 2024