مَنْ لم يتملَّكه الغرور .. لم يَذُقْ طعم النجاح
في غرفة مظلمة واسعة .. جلس مراد على الأرض مرتعبًا فزعًا وبجواره جسدا صديقيه محمود وسعيد ممدان بجواره والدماء ما زالت تتساقط منهما .. ويراقب من بعيد أمامه صديقه الثالث تامر .. واقفًا على حافة سور الشُّرفة مُضطربًا مُتعرِّقًا .. يتهادى ببطء على حافة سور الشرفة، وهو يحاول أن يحفظ توازنه بصعوبةٍ وهو يضع قدمًا تلو الأخرى بين فتحات صغيرة لا تكاد تسع قدمه بين صف طويل من الزجاج المحطم والبارز، موضوع بطول سور الشرفة أمامه وهو مطالب أن يصل إلى نهاية الشرفة دون أن تلمس قدمه أي قطعٍ من قطع ذك الزجاج المتناثر .. وقف مراد مُتحفِّزًا قلقًا عندما رأى صديقه تامر يقترب من نهاية سور الشرفة، وقد نجح في تخطي معظم قطع الزجاج، واقتربَ من النِّهاية .. فصرخَ به مراد وهو يُشجِّعه .. "ها قد اقتربتَ من النهاية .. هيَّا يا صديقي .. فقط خطوات قليلة بعد، وسوف تنجو .. سوف تنجو .. هيا يا تامر .. هيا يا صديقي .."
نظر تامر إلى مراد وعلى وجهه ابتسامة أملٍ قد بعثها تحفيزُه له .. وزادت ابتسامته أكثر .. عندما رأى مدى اقترابه من نهاية سور الشرفة .. ولكن اختفت تلك الابتسامة على الفور .. عندما رأى آخر جزء من الشرفة الذي لا يتعدى 40 سم تقريبًا وقد امتلأ كله بالزجاج المُحطَّم، ولا يوجد إلا مكان صغير للغاية فقط في نهاية تلك المساحة .. غير مُغطًّى بالزجاج .. نظر تامر إلى مراد وهو خائف مرتعب .. فاقتربَ منه مراد وهو يبتسم له ويشجعه .. "لا تخفْ يا صديقي .. لقد مررنا بما هو أسوأ من ذلك .. فلتقفز بدقةٍ من فوق هذا الزجاج المكسور .. وسوف تنجح .. أعدك سوف ننجح .. وننجو جميعًا"، هزَّ تامر رأسه لمراد بثقةٍ وهو يقوم بحساب المسافة التي سوف يقفز عليها من فوق الزجاج على سور الشرفة بدقة .. وظلَّ ينظر إلى الشارع أسفل منه وهو على ارتفاع عشرة طوابق بقلق .. ولكنه تذكَّر ما حدث لهم من قبل.. وكيف تخلصوا من اختبارات أصعب من ذلك بكثير ..
فتنفس ببطء وابتلع ريقه .. ثم تقدم بثقة شديدة .. وقفز بقدمه اليُمنى بسرعةٍ أمامه وبارتفاع محسوب من على سور الشرفة ..
قفزة طويلة تذكرك براقصي الباليرينا المشهورين وهم يتراقصون ويقفزون على أطراف أصابعهم بكل رشاقةٍ .. مع الفرق أنهم لم يكونوا مضطرين للقفز على حافة سور شُرفةٍ على ارتفاع عشرة طوابق وما بين قطع زجاج محطم .. مرت اللحظات القليلة التي قفز بها تامر فوق سور الشرفة كالدهر على مراد وهو يغلق عينه خائفًا .. من أن تتفلت قدم صديقه فيسقط ويكون شاهدًا على موته .. مثلما شاهَدَ أصدقاءه الآخرين يموتون أمامه .. ظل مراد مُغلقًا عينيه .. لم يسمع في حينها صوت صراخ صديقه أو صوت ارتطام ضخم .. ففتح عينيه مترقِّبًا .. ليجد صديقه يقف على قدمه اليسرى بأمان بعيدًا عن قطع الزجاج المحطم .. فهو في المنطقة الآمنة بالضبط .. فرفع تامر ..يده اليُمنى وهو مبتسمٌ فرحٌ بنجاتِه .. فتهلَّل وجه مراد وظل يصرخ به فرحًا مُهنِّئًا: "لقد نجوت يا صديقي .. لقد نجوت".. فجأةً أصدر هاتف المحمول نغمةً شهيرة تعبر عن الفوز .. فرفع تامر هاتفه وهو ينظر إليه فرحًا ليجد رسالة على هاتفه مكتوبًا بها .."مبارك، لقد أتممتَ لُعبتك بنجاح"، فوقف على قدميه فرحًا، وهو يهلل ويلوح بيدِه ويصرخ في مراد .. "لقد نجوت .. لقد نجوت يا صديقي" .. ولكن حدثَ فجأةً أن رنَّ هاتفه مرةً أخرى .. فنظر تامر إلى شاشته، فوجد مكتوبًا عليها .. "لقد أتممت لُعبتك بنجاح .. ولكن بعد أن انتهى الوقت المحدد لها بثلاث ثوانٍ.. "
فنظر تامر الذي ما زال يقف على الشرفة إلى مراد صديقه بذهول .. وهو يرفع ساعته .. ليراها مراد .. فوجد ساعته الرقمية متوقفة على 10 دقائق وثلاث ثوانٍ .. مراد أمسك رأسه مصدومًا .. وهو يتوقع ما سيحدث لصديقه تامر الذي سحب فجأةً من قدمه بسرعة شديدة على سور الشرفة .. فتمزق جسده بفعل قوة السحب الشديدة واحتكاكه بالزجاج المحطم المُثبت على الشُّرفة وهو يصرخ مُتألِّمًا .. فزعًا .. ليجد نفسه فجأةً رأسًا على عقب .. وهو مدفوع بالهواء يهوي من الطابق العاشر .. ثلاث ثوانٍ .. ثلاث ثوانٍ .. فقط هي ما جعلته يخسر في مهمته .. وهي أيضًا الوقت الذي استغرقه سقوطه من أعلى الشرفة إلى أن ارتطم بالأرض .. ليتهشم جسده .. وتختفي لمعة الحياة من عينيه وهو ينظر إلى صديقه مراد الذي يشاهده من أعلى وهو يفارق الحياة ..سقط مراد على الأرض مصدومًا مذهولًا .. من رؤية آخر أصدقائه وهو يُفارِقُ حياته بسبب ذلك الجنون الذي شاركوا فيه .. لم يلبث كثيرًا .. حتى رنَّ هاتفه المحمول برسالة .. رآها سريعًا .. فوجد مكتوبًا بها .. "لقد حان دورك الآن ..".. ابتسم في يأس وهو يعلم أنه سوف يُلاقي مصير أصدقائه هو أيضًا .. ولكنه وقف فجأةً وتراجَعَ عدةً خطوات للخلف ليقف في وسط دماء صديقيه بداخل الغرفة .. فنظر إليهم وهو غاضب .. "لا .. لن ألقى مصيرهم جميعًا"، قالها وهو يركض إلى خارج البناية هاربًا .. ولم يترك أي شيءٍ خلفه غير الندم .. وعلامات حذائه الملطخة بالدماء تزين أرض البناية خلفه وهو يعدو كالظَّليم .. هو يعلم أن هروبه شبه مستحيل .. لم ولن يستطيع أحد أن يهرب بحياته من قبل .. هو يعلم ذلك جيدًا .. ولكنه قرَّر على الأقل أن يُخبر شخصًا ما عمَّا حدث لهم .. رفع هاتفه المحمول وظل يضغط على أرقامه وهو يعدو هربًا .. وهو يتمنى أن يستطيع النجاة لعدة دقائق فقط .. ليخبر (آدم) .. أخاه الأكبر .. أن ينتقم لموته هو وأصدقائه .. هو يعلم أن ذلك شبه مستحيل .. ولكن أخاه الأكبر آدم مختلف .. قد يكون هو الوحيد الذي يستطيع أن يقف في وجهه .. الوحيد الذي يستطيع مواجهته .. نعم .. آدم .. هو الوحيد الذي يستطيع أن يقف في وجِه .. العابـــــــــــــــــــــــث.
هل تريد قراءة أعمال أخرى من نفس الكاتب؟ اكتشف روايات ومقالات حصرية على الموقع الرسمي: 👉 eslamabdallah.com