️ الفصل العاشر – مطاردة الظلال
بعد انقضاء الهدير، عمّ صمتٌ ثقيل كأنه عزاء. في وسط الركام، بقي دخانٌ رمادي يتصاعد من جثة الوحش، يترك رائحة لحم محترق لا تُحتمل.
كانت أنوار القاعة قد انطفأت إلا من مصابيح قليلة متأرجحة. المزاد انتهى… لكن اللعبة بدأت.
---
في أعلى المدرج، رفعت ليانا طرف ثوبها الممزق، تنظر إلى المكان الذي اختفى فيه الرجل المقنّع. بينما أسراب الحرّاس يهرعون لمساعدة المصابين أو إغلاق المخارج، كانت عيناها معلقتين في الظلال. "من أنت…؟" سؤال تردّد في صدرها. لم تعرف إجابته. لكن قلبها يعرف أنه ليس لصًّا عادياً.
---
أما ريفان، فكان يسير بخطوات شبه مترنحة داخل ممر حجري طويل. يده اليمنى تضغط على صدره، وأنفاسه متقطعة. جسده الضعيف لم يعد يحتمل. لو لم يكن الخاتم معه، لما نجا حتى هذه اللحظة.
توقّف بجانب عمود متهالك، أسند ظهره إليه. أغمض عينيه، وتردّد صدى صوته في صدره: "يا لسخافة أمري… أملك ذاكرة إمبراطور هزم قارات… لكنني عاجز أمام وحش واحد."
فتح عينيه ببطء. ومع ذلك… لم يكن في قلبه ندم. كان يعرف أن هذا الألم ثمنٌ لا بد منه. ثمن كيلا يعود ذلك المنبوذ الضعيف أبداً.
---
دوّى صوت طَرق الأحذية على الحجر. اقتربت أصوات الحراس.
"هناك! إنه هناك!" "لا تدعه يهرب!"
رفع رأسه. خطوات كثيرة، أكثر مما يستطيع التصدي له وهو في هذه الحالة. مرّر يده على خاتم التخزين. سحب عباءة رمادية طويلة. غطّى رأسه وكتفيه، وانحنى قليلاً ليقلل طوله. ثم تقدّم ببطء نحو أحد الأروقة الجانبية.
---
حين اندفع الحرّاس إلى الممر، وجدوا رائحة دم وغبار… لكن لا أثر للرجل المقنّع.
"ابحثوا في كل الأروقة!" "اقتلوا كل مشبوه!"
تفرّقوا كأسراب غربان.
---
ريفان مضى صامتًا بين الظلال. رغم صداعه وكدماته، بقيت عينيه الرماديتين متيقظتين. لكنه حين وصل إلى بوابة جانبية، خذله جسده. اضطر أن يستند إلى الحائط كيلا يقع.
لحظة صمت. ثم… صوت خفيف خلفه.
استدار ببطء. لم يرَ سوى طرف ثوبٍ أبيض يختفي خلف زاوية الرواق.
عقد حاجبيه. "هي… هل تتبعني؟"
لم يملك وقتًا للتيقن. أخرج من الخاتم قارورة علاجية صغيرة، شربها دفعة واحدة. شعلة مانا دافئة انسابت في عروقه، فخف الألم قليلاً.
رفع يده يمررها على القناع الذي شُقّ جزء منه في المعركة. تنهد. "لن أسمح لهم بكشف وجهي… ليس بعد."
ثم استقام، وسار في هدوء نحو المخرج الأخير.
---
في مكان بعيد بين الأعمدة، وقفت ليانا تراقبه بصمت. يدها على صدرها، لا تدري لم تشعر بشيء يشبه الخوف… والشفقة.
"هذا الرجل… فيه شيء يكاد ينهار."
لم تعرف هل تلاحقه لتعرف هويته… أم لتمنعه من الغرق أكثر في الظلام.
---
وبعيدًا عنهما، كان ظلّ أول يتابع كل شيء من سطح مبنى مقابل. أدار عينيه اللامعتين نحو سيده. "اصمد… يا مولاي. وقتك لم يأتِ بعد."