الفصل الثالث عشر – صعود جبل أسترا
هذا الفصل سيمهد لوصول ريفان إلى جبل أسترا السماوي، حيث سينتظره أول اختبار حقيقي لإرادته وقدرته على حمل إرث الإمبراطور الخالد.
---
حين انقشع الضباب عن فجر جديد، كان ريفان يقف على حافة الغابة، يطالع الأفق البعيد. هناك، يعلو جبل أسترا مثل عمود يربط السماء بالأرض. قمته البيضاء تلمع كإصبع إلهي يشير نحو عالم آخر.
كل من حاول الصعود، قيل إنه لم يعد. لكن ريفان لم يأتِ ليرجع. بل جاء ليكمل ما بدأه سيده القديم.
---
شد عباءته الرمادية حول جسده. على كتفه الأيسر ارتسم ختم العين المزدوجة بعد لقاء رسول العالم العلوي. كان الختم ينبض بدفء خافت، كأنه يذكره بما ينتظره.
"سأصعد… حتى لو كانت هذه الخطوة طريقاً للهاوية."
---
سار على الطريق الحجري الطويل المؤدي لأسفل الجبل. كلما اقترب، شعر بثقل غريب يضغط على صدره. كما لو أن الهواء نفسه يرفض دخوله.
بعد ميل كامل من الصعود، توقف عند بوابة حجرية عظيمة. نُقشت عليها كلمات بلغة لم يعد أحد ينطقها:
> من يخطو هنا يترك اسمه خلفه. من يرفع عينيه يترك قلبه خلفه. من يصل إلى القمة… لا يعود بشريًا.
---
مدّ يده ببطء ولمس الحجر البارد. أغمض عينيه وهمس:
"ريثما أبلغ القمة… لن أكون ذلك الصبي المنبوذ."
ثم دفع البوابة براحتيه. تفتحت ببطء، كأن ألف روح تئن من الداخل.
---
في الداخل، امتد درج حلزوني لا يرى نهايته. جدران من صخور بلورية، تلمع أحيانًا كأن فيها ظلال وجوه قديمة. بردٌ قارس تسلل لعظامه. لكنه لم يتراجع.
خطا أول خطوة… ثم ثانية… ثم ثالثة.
---
مرت ساعات طويلة. خطواته الثقيلة لم تكف عن الصعود. كانت أنفاسه تتكاثف أمامه كغيوم. وجسده الضعيف يئن.
لكنه ظل يردد في صدره:
"هكذا فقط يولد الملوك."
---
حين بلغ هضبة صغيرة في منتصف الجبل، اضطر أن يتوقف. جلس على صخرة. تناول حجر مانا صغير من خاتم التخزين، وراح يمتص دفء الطاقة.
أغمض عينيه. مرّت أمامه صور الماضي: خيانات عائلته. طعنته خطيبته. جسده القديم يدمر في كهف . حياته كإمبراطور سامي … ثم موته الأخير.
---
فتح عينيه ببطء. همس في العتمة:
"كل شيءٍ انتهى… ولن أسمح له بأن يُعاد."
---
حين رفع رأسه، شعر بشيءٍ يتغيّر. الهواء صار مشبعًا بطاقة قديمة. ضوء شاحب انسكب على الدرب أمامه.
هناك، على بعد عشرين خطوة، ارتفع هيكل حجري يشبه المذبح. وفوق المذبح، كفن من قماش رمادي يغطي شيئًا.
خطا إليه ببطء. كل خطوة كانت تثقل صدره، حتى ظن قلبه سينفجر.
وحين بلغ المذبح، مدّ يده… ورفع الكفن.
---
تحت القماش… كرة بلورية في حجم قلبٍ بشري. تنبض بضوء رمادي. وحين لمسها بأطراف أصابعه، ارتجفت.
ثم انشق فيها خيط من الضوء، وشقّ صوته أذنه:
> "من يرث العيون… يرث اللعنة."
"هل أنت مستعد، يا وريثي الأخير؟"
---
رفع رأسه نحو السماء المظلمة فوقه. شفتيه انفرجتا عن ابتسامة شاحبة:
"لطالما كنتُ مستعدًا."
---
في اللحظة التالية، انفتحت الأرض تحته. سقط في هاوية من نور.
وكانت هذه بداية الطقوس التي ستخلع عنه آخر بقايا ضعفه… وتمنحه العينين.
---