الفصل الرابع عشر – الطقوس الخالدة

حين ابتلعته الهاوية النورانية، لم يشعر بالألم ولا الخوف. بل إحساس غريب بأن جسده قد انفصل عن روحه.

مرّت لحظة… ثم وجد نفسه واقفًا على أرض لا يعرفها. سماء رمادية معلقة بلا شمس. وأفق مكسور لا ينتهي.

وسط الساحة الفارغة… وقف رجل طويل القامة، يرتدي عباءة سوداء كالليل، وغطى نصف وجهه قناع فضي.

حين نطق، كان صوته أقدم من الزمان:

"لقد أتيت… يا من تطارد ظلي."

---

تردد صدى صوته في الفراغ. لم يحتج ريفان أن يسأل من يكون. لقد رأى صورته آلاف المرات في كتب التاريخ:

الإمبراطور الخالد. آخر من امتلك العينين معًا. آخر من تحدى العالم العلوي… ودفع الثمن.

---

رفع الإمبراطور يده. في لحظة، احترق القناع الفضي، وكشف وجهًا شاحبًا تضيئه عينان غير بشريتين: إحداهما رمادية ضبابية… والأخرى قرمزية مثل دم قديم.

"قبل أن تأخذ إرثي… عليك أن تفهمه."

مد يده نحو ريفان. في التلامس الأول، اجتاحه إحساس بنيران جليدية تحرق قلبه. كل ذكريات الإمبراطور تسللت إلى عقله: حروبه، انتصاراته، خيانات أحبائه… ثم تلك اللحظة الأخيرة حين دمّر نفسه ليحمي ما تبقى من روحه.

---

وقع ريفان على ركبتيه. أنفاسه كانت تخرج كالزفير الأخير لإنسان يحتضر.

لكنه رفع رأسه ببطء وقال:

"علّمني."

---

طوال زمن لم يقسه الوقت، علّمه الإمبراطور أسرار العيون:

العين الروحية: كيف يرى تدفق الحياة في الأجساد والأسلحة. العين الإلهية: كيف يقرأ الكذب… وكيف يرى المستقبل. كيف يوازن بينهما كي لا يبتلعه الجنون. كيف يخفي قوته عن خصومه.

---

حين اكتملت الطقوس، غمره نور خافت. شعر أن جسده صار أقل وزنًا… وروحه أثقل من جبل.

رفع الإمبراطور كفه، ولامس جبهته. حين تلاشى طيفه، بقي صدى صوته:

"خمسة أعوام تحتاجها لتصير سيد عينيك… أو عبدًا لها."

---

وفي اللحظة التالية… فتح ريفان عينيه في أعماق كهف الجبل. أحسّ أن شيئًا داخله لم يعد بشريًا.

---

وهكذا بدأت عزلته.

خمس سنوات… لم يعرف فيها نور النهار ولا رفقة بشر. سنوات من التأمل والتمرين والصراع مع شياطين الرؤيا. حتى صار سيد العيون بحق.

---

وفي صبيحة اليوم الذي خرج فيه من الجبل، لم تعد ملامحه تشبه الصبي المنبوذ.

لقد خرج رجلًا مختلفًا. عيونه الرمادية والقرمزية كانت تشع بشيء لا يملكه إلا من عاش ألف حياة.

---

حين خطا أول خطوة خارج الكهف، حمل الريح صوته:

"انتظروني… سأعود إلى عالمكم."

2025/07/31 · 24 مشاهدة · 358 كلمة
نادي الروايات - 2025