الفصل الخامس عشر – وصية العين… وطفل العتمة

كانت الرياح تنثر الرمال على هضبة "ميراث الأوهام"، حيث لا يتقدّم فيها سوى من يملك إرادة تكسر حدود الروح.

هناك… وقف ريفان، متّشحًا بهالة سوداء رمادية، تتراقص حول عينيه شظايا نور وأطياف ظل. عيناه، لم تعودا عاديتين… بل كأنهما نُسختا من عيون كائن أسمى.

"أعين الإله الروحي"، كما سُمّيت في المخطوطات، لم تكن مجرد قدرة على الرؤية، بل بوابة للغوص في جوهر الكائنات… كشف الخوف، النية، والقدر المحتمل.

رفع ريفان رأسه نحو السماء، وقال بهدوء:

> "ما عاد الظلام يخيفني… لكن الحقيقة؟ ما زالت تفعل."

في لحظة صمت، اخترقت أذنه همسات غريبة… بكاء طفل.

استدار بخطوات سريعة نحو الصوت، حتى وجد عند أطراف الهاوية شجرة ميتة، وتحتها… طفل صغير ذو شعر فضي وعينين داكنتين كليلٍ أبدي، يضمّ قدميه ويبكي بهدوء.

اقترب ريفان منه، وسأله بصوت منخفض:

— من أنت؟ وكيف وصلت إلى هنا؟

لم يردّ الطفل، بل نظر إليه بعينين فيهما خوف وكراهية و… شيء آخر، لا يشبه الأطفال.

وفجأة… انفتحت الأرض تحته، وبدأت سلاسل من الظلال تسحبه نحو جوفٍ سحيق.

اندفع ريفان فورًا، وبضربة من ظلاله مزّق العتمة، وسحب الطفل إلى صدره.

الطفل ارتجف بين ذراعيه.

— لا تلمسني! أنت لا تفهم… أنا… أنا لعنة.

— بل أنت حي. وهذا يكفي.

صمت الطفل، قبل أن يقول بصوتٍ لا يشبه صوته:

> "أنا… فيكتور. كنت أحد حرّاس البوابة الرابعة. خانني الذين صنعتهم، وخانني الزمن."

— كم عمرك… حقًا؟

— خمسمئة عام. لكن جسدي انكمش… عندما دمّرت الأختام.

رفع ريفان عينيه إلى السماء، ثم ابتسم ابتسامة نادرة:

— إذًا… يبدو أنني لم أنقذ طفلًا. بل روحًا… أعرق من ظلي نفسه.

أمسك بيد الطفل وقال:

> "لن أدعك وحدك يا فيكتور. من اليوم… ستكون ابني، في هذا العالم الذي لا يرحم إلا الأقوياء."

ارتجف الطفل لأول مرة… لا من الخوف، بل من شيء نسيه منذ قرون.

الدفء.

2025/07/31 · 13 مشاهدة · 293 كلمة
نادي الروايات - 2025