الفصل الأربعون – نحت السيف
ليلة لا قمر فيها
امتد الطريق الضيق على حافة الوادي العميق، تبتلعه الضباب البنفسجي الكثيف.
كان ريفان يتقدّم بخطوات بطيئة، كتفيه يكسوهما معطف الليل، والظلال تزحف تحت قدميه كأفعى جائعة.
وراءه، وقف آزار صامتًا.
وعلى مسافة غير بعيدة، جلس فيكتور القليل الكلام، يراقب بعينين كبيرتين يشعّ فيهما فضول طفوليّ مخيف.
---
آزار
"أهذه حدود القارة المظلمة؟"
---
ريڤان
"مجرد الأطراف. الداخل… حيث يُصنع الرعب."
---
في الأمام
تربّعت صخرة عملاقة، لونها أسود كالفحم الميت، تغطيها نقوش لا يجرؤ بشر على فكّ رموزها.
اقترب ريفان ببطء، مدّ يده، ولحظة لمس الحجر تجمد الدم في عروقه.
---
صوت غامض همس داخل صدره
"يا من تلمس قلب الظلال… ماذا تطلب؟"
---
ريڤان
"أن أعيد ولادة جسدي."
---
النقوش أضاءت بوميض أسود
شعاع كالهاوية نفسها تسلل إلى جسده،
أحسّ أن عظمه يُكسر، وجلده يُسلخ، ودمه يغلي.
سقط على ركبتيه، أنفاسه تتحشرج.
---
آزار
تراجع خطوة، يشاهد الظلال وهي تصعد من باطن الأرض:
"ما هذا… الجنون؟"
---
ريڤان – داخل الألم
في عمق وعيه، رأى صورًا تنهمر فوق رأسه:
طفل ضعيف منبوذ، وجوه عائلته حين بصقوا عليه…
خطيبته السابقة وهي تصرخ تطرده…
وجه الخدم الذين دسّوا السم في شرابه…
ثم، وسط العتمة، ظهر وجه الإمبراطور خالد.
كان يبتسم ابتسامة واثقة:
"حين تستيقظ من هذا العذاب… لن يعود جسدك كسابقه."
---
تشققت الأرض
ارتفع عمود الظلال، رفعه عاليًا.
بدأت عضلاته تتمزق وتُعاد نسجها،
عظامه تتكسر وتلتحم،
كل شيء فيه يُمحى ويُخلق من جديد.
---
آزار
يحاول أن يخفي رعبه:
"إن فقدت وعيك… سأقتلك قبل أن تصير وحشًا."
---
ريڤان بصوت مختنق
"لا تقترب… حتى أفتح عيني."
---
فيكتور
كان يجلس على صخرة قريبة، يعانق ساقيه، يراقب.
لم يخَف.
بل ارتسمت على وجهه ابتسامة غريبة.
---
أيام وليالٍ
ظل معلقًا بين الألم والجنون.
كل ليلة كان يسمع همسًا قادمًا من قعر الظلال:
"نحت السيف بدأ… اصمد أو مت."
---
في اليوم الرابع
انفتحت شقوق عميقة في جلده،
خرج منها خيط دم أسود، رسم وشمًا غامضًا على صدره.
انهمر الضوء الرمادي من النقوش،
وتردّد صوت الإمبراطور خالد في صدره:
"حان وقت استعادة البصر الذي لا ينام."
---
في اللحظة التالية
انفتحت عيناه ببطء.
توهّجت بؤبؤاه:
العين اليمنى اشتعلت بوهجٍ أزرق سماوي… العين الروحية.
العين اليسرى تلألأت بذهبٍ صاعق… العين الإلهية.
---
آزار شهق
"…ما هذه…"
---
ريڤان بصوت مبحوح
"هدية… من ماضيّ…"
---
سقط على الأرض
جسده الجديد يلمع بهالة سوداء،
أنفاسه ثقيلة، عينيه تبرقان بنورٍ لا يقدر بشر على تحمّله.
---
خطوات صغيرة اقتربت
وقف فيكتور أمامه، رأسه مائل كأنه يتفحصه.
صوته خرج صافياً طفولياً:
"أبي… هل صرت قويًا بما يكفي… لتحميني من العالم؟"
---
ريڤان
أدار وجهه ببطء إليه.
ولأول مرة منذ زمن بعيد… ارتسمت على شفتيه ابتسامة صغيرة.
"أقوى… مما تتصور يا فيكتور."
---
آزار صمت
شعر أن شيئًا في هذه اللحظة قد تغيّر للأبد.
---