الفصل الخامس والأربعين – نحت العظام
في قاعة العرش الأسود
كانت العتمة تدور حول ريفان كإعصارٍ حيّ. جلسته أمام العرش ثابتة، ووجهه يشعّ ببرودةٍ صخرية. أما آزار وفيكتور، فقد تراجعا حتى الجدار البعيد، لا يجرؤان على التدخل.
---
دوامة الظلال اشتدت
خرج من قاعدة العرش ضوءٌ أسود باهت. راح يتسلل ببطء نحو جسده… كخيوط أفاعٍ تزحف تحت جلده. أحسّ بحرارةٍ مريرة تشتعل في عظمه نفسه.
---
آزار
"إنه لا يصرخ… أي قلب يملك هذا الرجل؟"
---
فيكتور
شفتاه الصغيرتان ارتجفتا:
"إنه يحرق نفسه… كي يولد مرة أخرى."
---
في داخل الظلمة
انفصل وعي ريفان عن جسده. وجد نفسه واقفًا وسط فضاءٍ شاسع يلمع بوميضٍ ذهبي شاحب. كانت هناك أشلاء عظامٍ ضخمة، تسبح حوله كجزرٍ ميتة.
---
صوت الإمبراطور خالد
"إن أردت أن تصير جسدك حصنًا للخلود… لا بد أن تحرق عظمك حتى لا يبقى سوى النواة."
---
ريڤان
رفع رأسه، عيناه الإلهية تلمعان:
"أرِني الطريق."
---
من بين العظام
ظهرت كرة ضوءٍ سوداء، بحجم قلبٍ بشري. بدأت تدور حوله ببطء. كل دورة كانت تشعل نارًا خفيةً في صدره.
---
صوت خالد
"هذه هي النواة السوداء… جوهر صقل العظام. إن احتملتها… ستصير عظامك أصلب من الفولاذ السماوي."
---
ريڤان
مد يده. حين لامس قلب الظلال… اشتعل جسده كله بألمٍ يفوق الوصف.
---
في الخارج
تشققت بشرته، تصاعد دخان أسود كثيف. مع كل نفس، كانت شروخ العظام تتوسع، كأن جسده ينهار رويدًا رويدًا.
---
آزار
"إنه يموت…!"
---
فيكتور بصوت طفولي منخفض
"لا… إنه يولد من جديد."
---
في الداخل
وسط العاصفة الذهبية، شاهد ريفان صورًا تتلاحق في ذهنه:
عائلته وهي تنظر إليه باحتقار.
خيانته من خطيبته السابقة.
أيام ضعفه وبؤسه.
ثم… صورته الآن، عاريًا من كل رحمة.
---
همس لنفسه
"الضعيف… لا يستحق أن يروي هذه القصة."
---
مد يديه الاثنتين نحو قلب الظلال
وضغطه داخل صدره.
---
في الخارج
تصدّع جلده تمامًا. تفتتت أظافره. انغرس جسده في الأرض، يتلألأ بسوادٍ ساطع.
---
صوت الإمبراطور خالد يتردد في وعيه
"إن نجوت… سيصير جسدك سلاحًا لا ينكسر."
---
ريڤان
فتح فمه، صوته خرج كزئيرٍ مكتوم:
"لن أموت… قبل أن أُنهي قصتي."
---
في تلك اللحظة
ذابت كل العظام التي حوله، ودخلت في عمق صدره.
---
في الخارج
انطفأ الضوء فجأة. عاد الصمت، وانبعثت منه رائحة رمادٍ محترق.
---
آزار تراجع خطوة
"انتهى…؟"
---
ببطء شديد
تحركت يد ريفان. ثم انفتح جفناه.
كانت عيناه لا تزالان تلمعان… لكن خلفهما توهجٌ جديد، كأنه لهب أسود لا ينطفئ.
---
همس بصوت خافت
"المرحلة الثانية… اكتملت."
---
فيكتور ركض إليه
تشبث بمعطفه المحترق:
"أبي… أنت بخير؟"
---
ريڤان
مرر يده على رأسه بلطف، ثم رفع بصره نحو العرش:
"الخطوة التالية… صقل الدم."
---