الفصل الرابع والخمسون – عرش السواد
في عمق مدينة الكريستال الأسود
مرّت ساعة كاملة منذ وطأ ريفان بوابات المدينة.
ورغم أن القتال توقف،
فإن العيون الخائفة ظلت تتبعه من خلف الستائر الحجرية.
---
لم تكن مدينة الكريستال مثل أي مدينة في القارة السفلى:
هنا، كل شيء يُشترى ويُباع…
الأسلحة الملعونة، العبيد ذوو الدماء النادرة، الأسرار، والعهود المكسورة.
---
آزار
كان يلهث وهو يلاحق خطوات ريفان:
"يا إلهي… كل هذا السوق السوداء تحت الأرض؟"
---
فيكتور
تشبث بمعطف والده، عيناه تتسعان للأنوار البنفسجية واللافتات الغريبة:
"أبي… هل سنشتري شيئًا هنا؟"
---
ريفان
"لن أشتري… بل سأجعلهم يشترون ولاءهم لي."
---
---
ساحة دائرية هائلة – مدخل سوق العبيد العظيم
نُقش على البوابة جملة قديمة:
"كل شيء له ثمن."
---
كان الحراس الستة أمام البوابة يراقبون الزائر القادم.
رغم تغطيته لهالته بمعطف رمادي،
شعروا بشيء يجعل أنفاسهم تضيق.
---
تقدم منهم رجل قصير أصلع،
يضع قناعًا ذهبيًا مشقوقًا في المنتصف.
صوته يخرج ببطء كهمس الأفاعي:
"يا هذا… ما غرضك من دخول السوق المقدسة؟"
---
ريفان (بهدوء مرعب)
"أريد لقاء سيدك."
---
---
الرجل الأصلع
"وما شأن سيد السوق بمثلك؟"
---
لكن ريفان لم يتكلم.
رفع يده قليلًا،
وتدفقت من أصابعه ذبذبة طاقة سوداء.
---
في لحظة،
انطفأت جميع مشاعل الساحة.
حل ظلام كثيف كالقطران،
وراح الهواء نفسه يرتعد.
---
الصوت الأصلع يرتعش
"انتظر…! سيدي… سيسمعك…"
---
---
ثوانٍ
تشققت الأرض خلف الحراس.
خرج منها عرشٌ حجري مغطى بجلدٍ أسود.
وفوقه جلس رجل عملاق يرتدي عباءة عريضة تخفي نصف وجهه.
---
صوته خرج خفيضًا:
"أيها الصاعد… ما الذي يدفعك لتخاطر بدخول سوقي؟"
---
---
ريفان
"أبحث عن حلفاء… يعرفون أن الثروة وحدها لا تصنع الخلود."
---
---
الرجل على العرش
"وتريدنا… أن نتبعك؟"
---
---
ريفان
"أريد شيئًا أدق. تحالفًا مؤقتًا.
ليكن سوقك أول من يذوق بركة عيني الإلهية… أو لعنتها."
---
---
سكت السوق بأسره
العبيد في الأقفاص توقفوا عن النحيب.
الحراس شحبوا وجوههم.
حتى آزار شعر بجلده يقشعر.
---
لكن الرجل العملاق لم يجب فورًا.
رفع يده إلى ذقنه،
كشف نصف وجهه عن ابتسامة مليئة بالندوب:
"اسمي فالاس.
أنا سيد السوق السوداء هنا.
وما الذي تقدمه… مقابل تحالفنا؟"
---
---
ريفان
"سأجلب لك رؤوس ثلاثة من أمراء القارات الذين يسعون لقتلي."
---
---
فالاس
"والأسماء…؟"
---
---
ريفان
"الأمير الأحمر من القارة الشرقية.
سيدة الدم الأزرق من القارة الشمالية.
وأمير الظلال من الجنوب."
---
---
ضحك فالاس ضحكة أجشت،
صداها هزّ الألواح الحجرية:
"هل تظن نفسك خارقا؟"
---
---
ريفان
فتح عينه الإلهية ببطء.
انطلقت منها خيوط دخان أسود،
تسللت بين الشقوق،
واقتربت من عرش فالاس حتى لامست رقبته.
---
صمت السوق.
---
ريفان (نبرة باردة)
"لا لست خارقا
مجرد رجل… لا يخشى شيء."
---
---
فالاس
أغلق عينه نصف انبهار، نصف رهبة:
"حسنًا… سأتذكر هذه اللحظة."
---
ثم خبط بكفه على ذراع العرش.
---
"ابتداءً من اليوم… هذا السوق لن يبيع معلومةً عنك لأيّ كان."
---
---
آزار
شهق:
"لقد… قبل التحالف؟"
---
ريفان
"قبل الرهان."
---
---
في الطرف الآخر من المدينة
كانت عيون أخرى تراقب.
في غرفة صغيرة يغمرها الضوء الأزرق،
جلس صائد الأرواح الذي أرسلته إلينورا.
وجهه خاوٍ بلا حواجب،
جلده أبيض كالجص.
---
أخرج لفافة صغيرة،
فتحها على الطاولة.
كانت مرسومًا عليها وجه ريفان القديم.
---
همس:
"سأجلب رأسك… وإن تخفيت خلف ألف جدار."
---
---
في سوق العبيد
نهض فالاس من عرشه.
اقترب من ريفان خطوة خطوة،
حتى لم يعد بينهما سوى نفس ساخن.
---
"كلمة واحدة…"
---
مد يده الضخمة:
"إن خانتني… فلن تجد جسدك أبدًا."
---
ريفان
وضع يده على يد فالاس:
"وإن خنتني… سأجعل روحك تصرخ ألف سنة."
---
---
تلاقت الأيدي.
اهتز السوق كله مع توقيع أول تحالف دموي في القارة العليا.
---
آزار
"ماذا الآن؟"
---
ريفان
"نذهب إلى معقل السحرة السود.
ثم نقتلع عيون أول جاسوس أرسلته تلك… إلينورا."
---
---
فيكتور
"أبي…"
---
ريفان
"نعم؟"
---
"هل سيتذكر هذا العالم اسمك؟"
---
التفت إليه،
رفع رأسه نحو سماء لا تعرف الرأفة.
---
"حين أفرغ من كتابة التاريخ… لن يجرؤ أحد على نسيانه."
---