الفصل الخامس – الطريق إلى أرين

مع بزوغ الفجر، كانت العربات تغادر العاصمة تباعًا. بعضها يحمل التجار، وبعضها يحمل الفرسان والنبلاء الذين سمعوا عن الشظية. لم يلتفت أحد إلى العربة الرمادية الصغيرة التي غادرت البوابة الشرقية، يجرّها حصان أسود هزيل.

في داخلها، جلس ريفان في صمت، متدثرًا بعباءة طويلة تخفي ملامحه. إلى جواره جلس العبد العجوز ذو الندوب، الذي صار يلقبه الآخرون الظل الأول. لم ينبس أحدهما بكلمة.

لم يكن هذا الصمت اعتباطًا. كل شيء في تلك الرحلة كان محسوبًا، حتى الأنفاس.

---

على بعد نصف يوم من العاصمة، توقفت العربة قرب غابة كثيفة الأشجار. خرج ريفان أولًا، عينيه تتأمل الطريق الترابي. كانت الرياح تعصف بالأغصان، فتتشابك كالأصابع. وفي قلبه، خفق يقين قديم: "ما من درب أقصر نحو العظمة… من الدرب الذي لا يلاحظه أحد."

---

وقف العبد العجوز إلى جواره، يهمس: "سيدي… كل شيء جاهز في أرين. استأجرنا نُزُلًا صغيرًا باسم مزيف. نقلنا المعدات وعبيدك الآخرين سرًا."

أومأ ريفان ببطء. "وماذا عن تحركات ليانا؟"

"غادرت هذا الصباح. يقال إنها ترافق ثلاثة فرسان من عائلتها. تحركت في موكب كبير يجذب الأنظار…"

ابتسم ابتسامة خافتة. "كما كانت دومًا… تحب الضوء."

---

عاد إلى العربة. جلس وأغمض عينيه. لم يخلد للنوم. كان يستعرض في ذاكرته كل تفاصيل المدينة التي اقترب منها خطوة بعد خطوة.

أرين… مدينة المزاد. حيث يشتري الملوك بقايا الأساطير. وحيث يقاتل الطامعون على فتات قوةٍ دفنها التاريخ.

---

في المساء، حين لاح لهم سور المدينة البعيد، كان الليل يهبط ببطء. توهجت أضواء المشاعل على الأبراج العالية. وعند البوابة الشرقية، اصطف عشرات الحراس يفتشون القوافل. انحنى العبد العجوز على أذن ريفان، يهمس: "ربما يفتشوننا…"

فتح ريفان عينيه ببطء. صوته خرج ساكنًا: "دعهم يفتشون."

أومأ الرجل، لكنه لم يخف قلقه. لم يكن يعلم أن ريفان أخفى كل آثار المانا في جسده، محاها كما يمحو الحبر عن الورق.

حين توقفت العربة أمام الجنود، خرج منها العبد أولًا، منحنيًا بخضوع: "نحمل بضائع قماشية… لا شيء ذي قيمة."

فتحوا الصندوق الخلفي، قلبوا الأكياس، بحثوا عن أي علامة. لم يجدوا شيئًا. حتى العيون المدربة على المانا، ما شعرت بأي أثر. وكأن من يجلس في العربة لم يكن يومًا أكثر من رجل هزيل.

بعد لحظات، أشار قائد الحراس بيده: "مرّوا."

---

دخلوا أرين مع قافلة التجار. كانت الشوارع مكتظة. مشاعل تتلألأ على الحجارة القديمة، رايات الممالك ترفرف. صوت المزادات يُسمع في كل زاوية، يتعالى مع رنين الذهب.

لكن ريفان لم ينظر إلى أحد. كل تركيزه على شيء واحد: الشظية.

---

في تلك اللحظة، في قصر مزخرف على تلٍ يطل على المدينة، كانت ليانا تقف على الشرفة. ثوبها الأبيض يتراقص في الريح، عيناها تشردان في صخب السوق. لم تكن تعلم أن الرجل الذي مات ذات مرة… صار يزحف نحو قدرها بخطواتٍ لا تراها.

---

حين دخل ريفان النُزُل الصغير الذي استأجره، جلس في غرفة خالية إلا من مصباح. أسند ظهره إلى الحائط. أغمض عينيه. واستدعى في عقله صورة الشظية: قطعة معدنية رمادية، يقال إن من يلمسها يشعر بذبذبة تشبه دق قلبٍ غريب.

"أول خطوة…" "ثم ستتبعها بقية الشظايا."

فتح عينيه، وابتسم تلك الابتسامة الهادئة التي لم يعرفها أحدٌ بعد.

2025/07/30 · 45 مشاهدة · 482 كلمة
نادي الروايات - 2025