️ الفصل الثامن – المزاد
عند المغيب، تجمّعت العربات الفاخرة ص أمام القاعة الحجرية العظيمة، كأنها قافلة ملوك. حراس بصدور مدرعة يفتشون الداخلين واحدًا واحدًا، حتى أنفاسهم لا تمر دون تدقيق.
خرج ريفان من عربته الرمادية، تخطى درجات الرخام بخطوات هادئة. وجهه مغطّى بقناع فضي لا يعكس شيئًا سوى برودة. ثوبه الأسود بلا شارةٍ ولا رمز. كأن من صنعه تعمد إخفاء كل ما يمكن أن يدلّ على أصله.
حين اقترب، رفع الحارس يده: "الهوية."
مدّ ريفان ورقة مختومة بختم مزيف. قرأها الحارس ببطء، ثم رمق ذلك الغريب الذي لا يشبه أي تاجر رآه في حياته. شعر بوخزةٍ غريبة في صدره. كأنه يواجه شيئًا لا يعرف كيف يصفه. لكنه ابتلع قلقه وأشار بيده: "مرّ."
---
دخل القاعة، ولم يلتفت لأحد. هنا، في هذا البناء العتيق، كانت مقاعد كبار المزاد مصطفة على مدرج رخامي مرتفع. كل مقعد يعلوه لوح ذهبي يكتب عليه اسم الضيف.
جلس ريفان في الصف الأمامي. عن يمينه تاجر مخدرات من مملكة الشمال، وعن يساره أمير بدين يلمع وجهه بالعرق والطمع. أما فوق المدرج، فقد انتشرت المقاعد الملكية المخصصة لأشراف العائلات الكبرى.
وهناك… رآها.
ليانا إيريس فالين. ثوبها الأبيض ينساب على الرخام كقطعة ضوء، تاج فضي يزين شعرها الطويل. جلسَت وظهرها مستقيم، وعيناها تنظران للأمام بلا ارتباك. من حولها، عشرات العيون تنظر إليها بشهوةٍ أو رهبة.
"كم أنتم صغار."
قالها في قلبه وهو يخفض رأسه. لو عرفوا فقط من يجلس على بعد أمتار…
---
دوّى صوت الجرس، فعمّ القاعة صمت كثيف. تقدّم مدير المزاد، رجلٌ أصلع بثوب أسود مزخرف، رفع صوته الجهوري: "أيها السادة، الليلة نعرض لكم جوهرةً لا تقدّر بثمن…"
بإشارة من يده، كشف مساعدوه الستار عن صندوق بلوري. وفي قلبه… قطعة معدن رمادي يلمع بوميضٍ غامض، كأن نبضًا ينبثق من داخله.
"شظية السيف…" "أول خطوة."
---
ارتج القاعة همسًا. كل الوجوه تقدّمت، وكل العيون اتسعت. حتى ليانا، التي لم يعرف أحد أنها أتت خصيصًا لتأمين تلك الشظية باسم عائلتها، شهقت بهدوء لا يراه إلا من يراقبها.
رفع مدير المزاد صوته: "البداية بخمسين ألف قطعة ذهبية!"
لم يتأخر الرد. "ستون ألف!" "خمسة وسبعون!" "مئة ألف!"
صخبٌ يشبه عواء الجياع. حتى التاجر البدين بجانب ريفان كان يلهث وهو يلوّح بعصاه المطليّة.
أما ريفان، فظل جالسًا لا يتحرك. لم يرفع يده، لم ينبس بحرف. انتظر حتى بلغ المبلغ مئتين وخمسين ألف قطعة ذهبية. عندها فقط، رفع إصبعه بلا تردد: "خمسمائة ألف."
---
سقط الصمت على القاعة. حتى الهواء بدا أثقل. تجمّد الأمير البدين في مكانه، وعينا ليانا اتسعتا بذهول لم تعرف كيف تخفيه.
مدير المزاد ارتج صوته: "مـ… من يزايد؟"
لم يردّ أحد. مرّت لحظة طويلة. ثم أخرى. ثم هتف أحدهم في الخلف: "من هذا؟!"
لكن ريفان لم يردّ. ظل جالسًا كتمثالٍ من صقيع. عيناه من خلف القناع لا تشي بشيء. لم يكن أحد يعلم أنه يملك ثروة أخفاها في عصورٍ سابقة، تفوق ما في خزائن أمراء القارات.
---
أخيرًا، رفع مدير المزاد المطرقة: "الخمسمائة ألف مرة!" "مرتين!"
صمتٌ يشبه خفقان قلبٍ ضائع.
"ثلاث مرات… بيعت!"
---
هتف الجمهور أو شهقوا أو صمتوا في خزي. أما ليانا، فقد بقيت تنظر إلى ذلك الرجل المقنّع، وفي صدرها شيء لم تعرف اسمه: خوف؟ دهشة؟ انجذاب؟
كل ما عرفته أنها تشعر بأن هذا الغريب… ليس غريبًا تمامًا.
---
رفع ريفان رأسه قليلًا، وكأنه يبادلها نظرة لا يمكن تفسيرها. ثم أسند ظهره في هدوء، وصوته يهمس في قلبه: "الخطوة الأولى… صارت لي."