#لندن_ الساعة 12:30 صباحاً
2005\9\23


ظلت واقفة وحدها في منتصف ذلك الممر، تقبض يدها على صدرها وهي تفكر فيما سمعته قبل ساعات.


كانت على وشك دخول غرفة الطعام، لما سمعت صوت تحطم الأطباق إثر اصطدامها بأرضية الغرفة. أعقب ذلك الضجيج الصاخب، صوت صراخه الذي هز أرجاء المكان:ما الذي تقصده بأنها هربت منكم؟

عندها رد عليه رجل آخر كان بالغرفة، بنبرة منكسرة خافتة: إنني آسف حقاً سيدي الدوق، يبدو أنهم تلقوا مساعدة من شخص ما، لذلك استطاعوا الفرار!

تراجعت خطوة إلى الوراء وهي تكتم أنفاسها بيديها بقوة حتى لا يلاحظوا وجودها..لتسير بعد برهة بخطوات حذرة هادئة، مبتعدة عن المكان.



الآن هي تسير بهدوء باتجاه تلك الغرفة، حاملة بيدها صينية بها طبقين مغطيين برقائق الألمونيوم.

لما رآها ذلك الرجل الواقف إلى جانب باب الغرفة، اعترض طريقها قائلاً بجمود: لقد أمرني سيدي الدوق بمنع أي شخص من دخول هذه الغرفة!

أشارت على تلك الصينية بأن حملتها أمامه وقالت ببرود: سأحمل لهما العشاء فقط.

رد الرجل بنفس نبرته الجامدة تلك:لقد قمنا بإدخال العشاء لهما بالفعل!


فعلقت تلك المرأة بنبرة بدت أشبه بالسخرية:أدخلتموه ولم يلمسا منه شيئاً!

ثم تبدلت ملامحها إلى نظرة حادة، وقالت بنبرة آمرة مستعلية تناسب مظهرها الراقي:افتح لي الباب حالاً! على هذه الحال سيهلكان قريباً، فهما لم يتناولا شيئاً منذ أيام!


نظراتها الواثقة والمتكبرة تلك أربكته كثيراً.

هي سيدة هذا القصر الآن بعد وفاة الدوقة هوريستون قبل سنوات...الأرملة والكونتيسة مارغريت وينستون، والابنة الصغرى لدوق انجلترا الأعظم تشارلز هوريستون!


خفض رأسه احتراماً، وتوقيراً لمكانتها المرموقة ليقول بأسف حقيقي:أرجو أن تغفرِ لي وقاحتي سيدتي الكونتيسة.. ثم فتح لها الباب وقال بإذعان مطأطئ الرأس:يمكنك الدخول..

سارت أمامه تمشي بشموخ وكبرياء، حتى دخلت وأغلقت الباب وراءها...



ما إن فُتح الباب حتى انتفضت آني واقفة في منتصف الغرفة، بينما ظل فريدريك متكئاً على السرير يتململ في تعب شديد.

لما رأى أخته مارغريت تسير نحوهما، وفي يديها صينية بها تلك الأطباق، رفع جذعه وأنزل قدميه على الأرض استعداداً للوقوف. لكن مارغريت نهرته بقولها:استرخِ...لابد أنك متعب.

وضعت الصينية على الطاولة المستديرة، التي توسطت تلك الأرائك المخملية الفاخرة في جانب الغرفة. وقالت بينما تتخذ مجلساً لها على إحدى تلك الأرائك: كيف حالكما؟


نظرا إليها ببؤس بدا جلياً في ملامحهما. ..آني كانت تبدو شاحبة جداً، وقد غزت تلك الهالات السوداء أسفل عينيها لتفسد جمال وجهها الحزين. في حين بدت أكثر نحافة مقارنةً بآخر مرة رأتها فيها.

فريدريك لم يكن أفضل حالاً، كان يبدو منهاراً حقاً.
شعيرات لحيته قد نمت بعشوائية أسفل ذقنه وفي جانب خده. شعره البني المموج كان فوضوياً ومهملاً. وعيناه الزمرديتان، كانتا قد فقدتا بريقهما تماماً.


لم تنتظر إجابتهما حتى تدرك ما كانا يمران به آنذاك. تنهدت بتعب وقالت وهي ترخي جسدها على تلك الأريكة الوثيرة: أظن أن منظركما كفيل بالإجابة!

ثم سكتت قليلا وقالت بابتسامة باهتة:اطمئنا، إنهما بخير. لقد سمعت والدي يتحدث قبل قليل مع رجاله. يبدو أنهما استطاعا الهرب إلى فرنسا!

ما إن قالت هذا حتى استقام فريدريك واقفاً وهتف مكذباً: أحقاً ما تقولين؟!

آني أسرعت إليها وجلست إلى جانبها لتقول بينما تمسك يدها بانفعال:هل أنت واثقة من هذا؟ هل حقاً استطاع ديفيد وايمي السفر إلى فرنسا؟!

نظرت إليها مارغريت بحزن وردت بخفوت:ذلك صحيح آني.. إنني متأكدة من هذا.

أطلقت آني تنهيدة طويلة متعبة، تعبر عن حجم الراحة التي تشعر بها الآن..لقد نجا طفلاها، لقد استطاعا الهرب أخيراً!

وقف فريدريك أمامها وقال بانكسار، بينما كسا الحزن ملامح وجهه:شكراً لك حقاً أيتها الكونتيسة وينستون..



الكونتيسة وينستون! تلك الكلمة أحرقت قلبها بقسوة، رغم أنها تعلم هذا جيداً. هي لم تكن، ولن تكون بالنسبة له أخته الكبيرة أبداً!


نظرت إليه بألم وقالت:هذا أقل شيء يمكنني فعله من أجلك.

ثم خفضت رأسها واستطردت بحزن: لقد كان وجودك هو ما وقانا من جنون أبي. لا يمكنني نسيان ما كان يفعله بك في الماضي. في ذلك الوقت، اكتفينا جميعاً بالمراقبة فحسب دون أن نفعل شيئاً، لم نحاول إيقافه. لأننا كنا خائفين من أن نكون هدفاً له لو فعلنا ذلك!


ثم نظرت إليه بعينين واهنتين وقالت بصوت راجف:أرجوك أن تسامحنا على هذا فريدريك، أعلم أنك لم تنظر لنا يوماً كإخوتك. لكنني حقاً نادمة على تركك وحيداً آنذاك..كنت أستطيع مواساتك على الأقل، لكنني كنت خائفة جداً من أبي لذلك لم أفعل.
جميعنا كنا كذلك! أنا...إيدي، ليام، فيليب ،جوزيفين وحتى أمي! جميعنا كنا خائفين منه، لذلك لم نفعل شيئاً.


خفض فريدريك رأسه دون أن يكون قادراً على قول أي شيء... هو بالفعل لم يشعر أن لديه إخوة من قبل أبداً..كان يعاني دائماً وحيداً، منبوذاً، مكروهاً من الجميع.
كان يتمنى دائماً لو أنه ولد يتيماً على أن يولد وهو يحمل لقب هوريستون.ابناً لذلك الرجل الذي يحقد عليه من أعماق قلبه!

ربما مجيء آني في حياته، كان الشيء الوحيد الذي بث فيه الرغبة في العيش! لطالما حاول قتل نفسه مرات عديدة. حتى أنه قابلها في إحدى تلك المرات، فقامت هي بإنقاذه رغم أنها كانت أول مرة تلقاه فيها!

أخذ نفساً عميقاً قبل أن يقول بشبح ابتسامة أبداها بصعوبة:لا بأس...لقد كان هذا من الماضي.


أومأت مارغريت بصمت، بينما شقت شفتيها ابتسامة حزينة متعبة. كانت تدرك أنه مهما قالت، فلن يغير هذا حقيقة ما حدث. لن يسامحهم فريدريك أبداً، رغم أنها تدرك أنه لا يكرههم. الآن على الأقل!

قامت من مكانها وقد شعرت بالاختناق حقاً...قلبها يحرقها، ضميرها يعذبها بقسوة.
كانت تعيش حياتها في نعيم متجاهلة ما يحدث حولها. تزوجت الرجل الذي عشقته، وتركت هذا القصر التعيس لتعيش في رغد ورفاهية. فنست بذلك ذلك الطفل الذي كان يتعذب كل يوم أمام ناظريها.
نسته، أو ربما تناسته. لكن بعد أن رحل زوجها، وعادت لتعيش في هذا الجحيم مجدداً. كان أول من التقته هو آرثر!

طفل أقل ما يمكنها أن تقول عنه أنه كان جميلاً..وجه ملائكي لم تر مثيلاً له من قبل أبداً. ابتسامته المشرقة أحيت روحها الميتة آنذاك. لم تعرف في البداية من يكون. لكنها لما أدركت الحقيقة، شعرت بالألم يعصر قلبها لأول مرة!

هو ابن ذلك الطفل الذي تركته بكل برود قبل سنوات عديدة. رأته يقاسي المصير نفسه، والعذاب ذاته. صراخه، بكاؤه، الجروح والدماء في جسده ذكرها به, بمن تجاهلته دائماً في الماضي.


أرادت أن توقفه هذه المرة...لن تكرر نفس الخطأ مجدداً! صحيح أنها فقدت الحق في أن تعتبر نفسها شقيقته، لكنها على الأقل، أرادت أن تساعده هذه المرة! هذه المرة فحسب!

لا تريد أن تموت حسرة مثل أمها...لا تريد أن يعذبها ضميرها فيما تبقى من حياتها!
لكنها مع هذا لم تقدر! شعور الخوف عاد ليتملكها من جديد.. ليحكم قبضته عليها، ويحثها على التجاهل مرة أخرى.

بالفعل كادت أن تستسلم لوهلة، لكن ما حدث فجأة قلب موازين حياتها نهائياً. ذلك الملاك قد مات، قد قتل، قد سحق!

تحطم دون أن تكون قادرة على مواساته ولو لمرة!

إذا مجدداً..مجدداً قد انتهى الأمر بنفس الطريقة. لكنها هذه المرة، لن تحترق بحقيقة أنه لن يعتبرها قريبته بعد الآن عندما تلتقي به أحياناً. بل إنها ستموت ألف مرة وهي تدرك أنه قد رحل إلى الأبد!


سارت مغادرة الغرفة، تجر وراءها ندماً وألماً لن يختفي أبداً، حتى تختفي هي من هذه الحياة.
ألقت نظرة أخيرة عليه..واقف وحده في منتصف تلك الغرفة المضاءة بخفوت. لكنها أفرجت عن ابتسامة أليمة لما رأت آني تسير إليه، وتضمه إليها بقوة..

إنه ليس وحيداً الآن كما عهدته دائماً..هناك من يواسيه، وهناك من يربت على كتفه، يمسح دموعه..ويخبره أن كل شيء بخير.


هناك الآن من هو قادر على فعل ما لم تفعله يوماً!!



#باريس_مطار شارل ديغول_ الساعة 9:30 مساءاً
2005\9\22


بخطى واثقة، كان يسير بشموخ دون أن ينظر إلى أي شيء حوله.
إلى جانبه ديفيد، وخلفه كل من هاري وايمي.

ايمي كانت تلتفت يمنة ويسرى مستكشفة معالم المكان بانبهار، رغم أنها كانت متعبة بحق. هاري كان يسير بضجر، عاقداً يديه خلف رقبته بينما تثاءب مرات عدة معلناً للجميع أنه ما يزال يريد النوم أكثر، بعد أن حدثت معركة بينه وبين كارل لما أيقظه قبل قليل.


قال ديفيد بتفكير:يبدو أن ايمي وهاري متعبان جداً..الطريق طويلة من هنا إلى القصر الرئيسي. أليس من الأفضل أن نمكث الليلة في شقتك في باريس؟

تنهد كارل بضيق وقال:لقد أخبرت جدتي بالفعل أننا سنأتي الليلة. أنت تعرف أنها لا تستطيع النوم عندما تعرف أننا عدنا من السفر.

أومأ ديفيد مبتسماً بينما يفكر فيما قاله...يستطيع أن يتخيلها الآن تدور في كل أرجاء القصر، بينما تأمر الخدم بتجهيز غرفهم منتظرة وصولهم بفارغ الصبر.

سأله بعد أن صمت لدقائق:هل أخبرتها عن ايمي؟

أجاب كارل بهدوء:كلا ليس بعد. سنخبرها بكل شيء عندما نصل.


لم يرد ديفيد على كلامه. والتفت ليخاطب ايمي، لكنه توقف في مكانه فجأة وهتف بانفعال: أين ايمي؟!

نظر هاري وكارل إلى حيث كانت تقف خلفهم، ليقول هاري بغضب طفيف بينما يقاوم انسدال جفنيه من التعب: لقد كانت هنا قبل لحظات!
.
.
.


كانت واقفة تنظر إلى ذلك المتجر، حيث الألعاب الكثيرة التي أبهرها منظرها كثيراً. تفقدت كل إنش منه تقريباً حيث كانت تلك أول مرة في حياتها التي تدخل فيها محل ألعاب. أو بالأحرى، كانت أول مرة تدخل فيها إلى محل ما!

وقفت بالقرب من لعبة لإحدى أميرات ديزني وقد أعجبتها كثيراً....ظلت تتأملها لوقت طويل، عندها قالت لها البائعة بابتسامة مشرقة:هل تحبين ساندريلا؟

تجهمت ملامح وجهها، وقد ارتبكت كثيراً لما لم تفهم ما قالته...لكنها نظرت حولها فجأة وهتفت بدهشة:أين أخي؟!

ابتسمت البائعة وقالت بلطف:إذا فأنت بريطانية؟

الآن فهمت ايمي ما قالته، لذلك تعلقت بثيابها وقالت بانفعال: هل رأيت أخي؟ لقد كان معي قبل قليل!

بدا الارتباك على ملامح تلك المرأة وقالت بتردد:كلا أنا...

لم تنتظرها ايمي لتكمل كلامها...ركضت مبتعدة عنها إلى خارج ذلك المتجر، ثم أخذت تنظر حولها بخوف.


أفواج من البشر يسيرون حولها جيئة وذهاباً...أصوات كثيرة من حولها. أحاديث لم تفهم منها شيئاً ، ووجوه أشعرتها بالرعب كثيراً.
غطت أذنيها بيديها وقد كانت ترتجف ذعراً. عندها اقترب منها رجل بدا في منتصف الثلاثينات من العمر وسألها قائلاً بلغة لم تفهمها:ما الأمر يا صغيرة؟ هل أنت بخير؟


ارتعدت ايمي لما خاطبها هذا الغريب. تراجعت خطوة للخلف بينما أسنانها تصطك ببعضها من الخوف. كانت تستطيع الشعور بأنفاسها تضيق شيئاً فشيئاً...
وضعت يدها على صدرها وأخذت تلهث بألم شديد. بحثت في جيبها، لا أثر لدوائها، فقد تركته مع ديفيد!

رددت ببكاء: ديفيد..أين أنت؟!


نظرت حولها مرة أخرى وهي تكاد تموت خوفاً...ركضت من جديد ممسكة بصدرها بقوة وهي تنظر حولها بهستيرية، متفقدة وجوه الجميع. لكنها اصطدمت بأحدهم فجأة فاندفعت للوراء حتى سقطت أرضاً.

كان ذلك الرجل الضخم، بملامحه القاسية، شعره الأشقر الطويل، والأوشام التي غطت ذراعيه ورقبته، يحمل في يده كوب قهوة. فلما اصطدمت به، انسكب كوب القهوة ليلطخ قميصه الأبيض. فنظر إليها بغضب وصاح بها قائلا:ألا تنظرين أمامك أيتها الطفلة الغبية؟! كيف ستعوضين هذا الآن؟ أتعرفين كم يكلف هذا القميص؟

ثم شد ذارعها وقال وهو يهزها بعنف:أين هم والداك هاه؟ يجب أن يدفعا لي ثمن ما فعلته!

كانت تنظر إليه بذعر بينما لم تفهم شيئاً مما قاله. انعقد لسانها وقد شعرت أنها عاجزة تماماً عن قول أي شيء.


في تلك اللحظة، جن جنون ذلك الرجل وصاح بها قائلا:لماذا تنظرين إلي كالبلهاء هكذا؟ هيا تكلمي أيتها العاهرة! لماذا لا تعتذرين حتى؟!

كان الناس ينظرون إلى المشهد أمامهم باستنكار، لكن أحداً لم يتجرأ على قول أي شيء لذلك الرجل الذي بدا كرجال العصابات تماماً.


لما لم يجد رداً منها، رفع قبضته إلى الأعلى في استعداد للكمها، ولما حرك يده في اتجاهها، شعر بتلك اليدان اللتان أحاطتا يده بقوة، لتلوياها فجأة خلف ظهره بعنف.. عندها صاح متألما:تباً لك أيها الحقير! اترك يدي!

دفعته إلى الأمام بقوة حتى سقط أرضاً، ثم وقفت بينه وبين ايمي لتقول له بغضب عارم: هل تحسب نفسك رجلا يا هذا؟ كيف تستعرض عضلاتك على طفلة صغيرة لا حول لها ولا قوة؟!

نظر إليها مذهولا للحظات وهتف بدون استيعاب:امرأة؟! ثم تغيرت ملامحه فجأة ليقوم من مكانها بسرعة ويركض باتجاهها بغضب...صاح بينما يرفع يده استعداداَ للكمها، وقد كادت عروق وجهه أن تنفجر للحظة: كيف تجرئين أيتها الحقيرة!


وما إن اقترب منها، حتى أمسكت ذراعه بقوة ثم اقتربت منه لتركل ساقه بقدمها فاختل توازنه. وفي تلك اللحظة، شدت ذارعه بقوة أكبر لتنزله إلى الأسفل، وتقلب جسده في حركة خاطفة حتى سقط أرضاً على ظهره..في حين ضربت وجهه بمرفقها في نفس اللحظة التي قلبته فيها ففقد وعيه.

استقامت واقفة من جديد وهي تنفض يديها ببرود وقالت بغضب، تخاطب جسده الذي كان فاقداً للوعي: كيف تتجرأ على مد يدك نحو امرأة أيها الوغد الحقير!


كان الجميع ينظرون نحوها بذهول بمن فيهم ايمي...نظرت إليها تلك الفتاة وقالت بابتسامة أظهرتها فجأة، بعد أن بدت كما لو كانت على وشك قتل أحدهم قبل لحظات فقط:هل أنت بخير يا صغيرة؟

لم تفهم ايمي ما قالته..فقالت بتردد:أنا آسفة...

ابتسمت الفتاة بإشراق وقالت بمرح:إذا فأنت تتحدثين الانجليزية أيضاً؟ من أين انت؟ بريطانيا؟ أميريكا؟ كندا؟

نظرت إليها ايمي بارتباك وقالت بتردد:اممم أنا...من..من بريطانيا!


اقتربت منها الفتاة أكثر وقالت وهي تمد يدها نحوها بابتسامة:اسمي لوسي أليسون..إنني بريطانية أيضاً.

شعرت ايمي بالراحة كثيراً اتجاه تلك الفتاة...مدت يدها بتردد وقالت:وأنا ايمي هور..

وقبل أن تكمل جملتها، قاطعها أحد رجال الأمن لما هتف قائلا وهو يفض الجموع من أمامه:ماذا حدث هنا؟ لكنه توقف مكانه مصدوماً لما رأى ذلك الرجل مفترشاَ الأرض، وعلى أسفل عينه بقليل، كدمة زرقاء منتفخة..

صاح بحدة قائلا:ما الذي حدث هنا؟!

اقتربت منه لوسي قائلة بثقة لا تتناسب مع الموقف أبداً:أنا التي ضربته...لقد كان يحاول ضرب تلك الطفلة!

رد رجل الأمن قائلا بينما يحاول تمالك أعصابه:ما الذي تقولينه ياهذه؟ كيف يمكن لفتاة أن تفعل شيئا كهذا لمثل هذا الرجل الضخم؟!

حركت لوسي كتفها بلامبالاة وقالت ببرود:الأمر كما ترى..

ضغط الرجل على أسنانه بغيظ من أسلوبها الذي استفزه كثيراً وقال بعصبية:ستذهبين معي إلى المركز الآن!

تنهدت لوسي بانزعاج وقالت:حسناً حسناً لقد فهمت...لا داعي لأن تصرخ علي هكذا!

ثم أردفت ببرود:لكن علي إحضار أغراضي أولا...


ثم التفتت إلى حيث رمت حقيبتيها قبل قليل. لكن عيناها توسعتا بصدمة لما رأت حقيبة سفرها الوردية فقط، بينما حقيبة يدها الجلدية البيضاء كانت قد اختفت تماماً..صاحت بصدمة وهي تشير إلى موضع الحقيبة:أين حقيبتي؟!!

اقترب منها طفل بدا في العاشرة من عمره وقال وهو يشد سروالها الأبيض:أيتها الآنسة القوية.. لقد رأيت رجلا يرتدي معطفاً طويلا، قد أخذها وهرب عندما كنت تقومين بضرب ذلك الرجل!

صاحت لوسي قائلة بصدمة:مااذااا؟!! كيف يمكن أن يكون هذا معقولا!!


ثم ركضت نحو رجل الأمن وشدت ياقة قميصه لتقول بانفعال بينما تهزه بعنف:ما الذي تفعله بوقوفك هنا كالأبله؟ يجب عليك أن تعثر على حقيبتي في الحال!

ثم ابتعدت عنه قليلا ووضعت كلتا يديها على رأسها لتردد بهستيرية:ما الذي أفعله؟ ما الذي أفعله؟ كل شيء أملكه في تلك الحقيبة! ماذا سأفعل الآن؟!!

أخذ رجل الأمن يسعل بشدة بعد أن شعر أنه كاد أن يختنق جراء ما فعلته قبل قليل، ثم قال بصرامة وهو يعدل ياقة قميصه:سنبحث على الحقيبة فيما بعد..أما الآن فعليك التوجه معي إلى المركز!


صاحت لوسي بعصبية: ما الذي تقوله أيها الوغد؟ أيهما أهم.. حقيبتي التي بها حياتي كلها، أم هذا المختل الذي يهاجم الأطفال؟!

قالت هذا مشيرةً على ذلك الرجل المطروح أرضاً، كما لو كانت تشير إلى حشرة ما..


عندها قال رجل الأمن وهو يكاد يجن من أسلوبها حقاً: سوف أخبر أحداً ما ليتولى أمر الحقيبة. أما الآن فعليكِ الذهاب معي إلى المركز!

عقدت لوسي يديها أمام صدرها وقالت بعناد:لن أذهب إلى أي مكان حتى تعيدوا لي حقيبتي!


أراد الرجل أن يقول شيئاً، لكن قاطعه صوت كارل وهو يركض باتجاه ايمي ويقول يانفعال: ايمي! أخيراً وجدتك!

ما إن رأته ايمي حتى ركضت إليه لترتمي بين يديه اللتان مدهما نحوها...حملها من الأرض وضمها إليه بقوة ثم قال وهو يلهث بعد أن ركض طويلا بحثاً عنها:أين كنتِ طوال الوقت؟!

ردت بصوت متقطع، بينما تبكي بخفوت:كان هناك محل ألعاب.. كنت..أنظر إليهم...وفجأة.. لم أجد أحداً!...كنت خائفة جداً..بحثت عنكم لكن...أنا...


عندها وقفت لوسي أمامه وقالت معاتبةً بعد أن وضعت يديها على خصرها:هيي أيها الأحمق، هل أنت شقيقها؟ كيف يمكن أن تترك طفلة صغيرة في مثل عمرها وحدها هكذا؟ لقد كادت تتعرض للضرب قبل قليل من قبل مختل تافه وغد عديم الرجولة!

نظر إليها منصدماً من حديثها، وكمية الشتائم التي قالتها للتو، والتي تضمنته هو أيضاً في الواقع..


هي جميلة حقاً. بعينين زرقاوتين باهتتين، وشعر ذهبي قصير بدا ناعماً جداً..
لم تكن طويلة، ولا قصيرة أيضاً...جسدها متناسق وأنثوي.. رغم أن ملابسها لم تعبر عن ذلك في الواقع. فقد ارتدت سروالا أبيضاً ضيقاً، وقميصاً رياضياً أسود واسع مع كتابات كثيرة باللون الأبيض بدا كقميص رجالي، بالإضافة إلى حذاء رياضي أسود اللون.


في تلك اللحظة وقف رجل الأمن بقربها وقال وقد نفذ صبره تماماً: أيتها الآنسة! بدلا من إلقاء المحاضرات على الآخرين، عليك أن تنظري لوضعك الآن!

نظرت إليه لوسي وقد كانت قد نسيت أمره كلياً..لكنها ردت ببرود شديد:حسناً حسناً قد فهمت... إنك مزعج حقا!!

اتسعت عيناه بدهشة لما خاطبت رجل الأمن هكذا دون أي خوف. وقفتها، ونبرة صوتها كانت تدل على ثقة لا متناهية بالنفس. استطاع أن يدرك فوراً كم أن شخصيتها قوية فعلا...

ابتسم لاشعورياً..فهو لم ير في حياته امرأة بهذه القوة قط!


عندها قالت ايمي بسرعة:كارل! عليك أن تساعد الآنسة لوسي! إنها في مشكلة بسببي...لقد حاول ذلك الرجل ضربي، لكنها ساعدتني وضربته. لذلك يريد هذا الشرطي أخذها!

نظر كارل إلى الرجل الواقع أرضاً..فانطلقت منه ضحكة عفوية دون أن يشعر وقال بذهول: أنتِ فعلت هذا؟!

رفعت لوسي حاجبها باستنكار وقالت:ما قصدك بهذا؟!

حرك كارل رأسه نافياً وقال وهو يكتم ضحكته:لا..لا شيء!


ثم أنزل ايمي من حضنه وأوقفها أرضاً، ليسير باتجاه رجل الأمن...

قال بنبرة هادئة رزينة:إنني أعتذر حقاً عن ما فعلته صديقتي.. يمكنك أن تأخذني أنا بدلا عنها، سوف أحل الأمر مع هذا الرجل.

اتسعت عيناها وتمتمت بتعجب:صديقتي؟ ما الذي يحاول ذلك المخبول فعله؟!


بدا رجل الأمن مرحباً بالفكرة، فهو لم يرد أن يتعامل مع تلك الفتاة أكثر، لأنه كان متأكداً أنها ستفقده صوابه حتماً!


في تلك الأثناء، كان زملاء ذلك الرجل قد أتوا بالفعل. وقد حملوا ذلك الرجل المصاب في حمالة الإسعاف، ليأخذوه إلى المرفق الصحي التابع لأمن المطار.

نظر كارل إلى ايمي وقال مخاطباً رجل الأمن، بينما يرفع هاتفه بهدوء:لكن أولا علي أن اتصل بصديقي حتى يأخذ الفتاتين معه. أرجو أن تنتظر قليلاً ريثما يصل.


بعد دقائق قليلة، كان ديفيد وهاري قد وصلا بالفعل. ما إن رأى ديفيد ايمي، حتى ركض نحوها وضمها إليه بقوة...قال بارتياح بعد أن كاد يفقد عقله تماماً:الحمد لله أنكِ بخير!

بادلته ايمي بدورها وقد بدت مرتاحة جداً...عندها قال كارل لديفيد:انتظروني في أحد المطاعم. هناك مسألة علي أن أتدبرها أولا.

ثم نظر إلى لوسي وقال بصوت منخفض لم يسمعه رجال الأمن:أرجو أن تنتظرِ معهم أنتِ أيضاً..أريد شكرك على إنقاذ ايمي بشكل لائق.


أشاحت لوسي رأسها عنه بعجرفة وقالت ببرود:لا داعي لهذا... لقد فعلت ما كان يجب علي فعله. إنه خطؤك في المقام الأول لتركك تلك الصغيرة وحدها.
ثم نظرت إليه وقالت بكبرياء:لذلك لن أشكرك على ذهابك في مكاني...تذكر هذا!

رد كارل وهو يكتم ضحكته:إنني لم انتظر منك أن تشكريني حقاً!


كان هاري وديفيد ينظران نحوهما باستغراب..لكن كارل غادر برفقة رجال الأمن..لتبتعد لوسي عنهم، تجر وراءها حقيبة سفرها الوردية بكل ثقة. رغم أنها كادت تنفجر حقاً من الداخل، بينما تفكر في حقيبتها التي سرقت منها قبل قليل!
.
.
.
كانت قد أسندت حقيبة سفرها على الحائط بشكل عمودي، لتجلس فوقها بتعب وقد بدت يائسة تماماً.

تنهدت للمرة المائة تقريباً وأخذت تخاطب نفسها بإحباط: سيقتلني راولي بالتأكيد! كيف يمكن أن أضيع حقيبتي؟! بطاقتي..جواز سفري..أموالي...والأهم من ذلك، رقم هاتفه!!


نظرت إلى هاتفها الذي كانت قد وضعته في جيبها...لحسن الحظ ربما.


كانت قد اشترت الشريحة الفرنسية قبل أن تسرق منها حقيبتها بقليل. لقد كتبت رقم رفيقها راولي في ورقة وضعتها في حقيبتها، ولما كانت على وشك الاتصال به، رمت الحقيبة دون أن تشعر، ووضعت الهاتف في جيبها ما إن رأت ما حدث لايمي. حيث هرعت غريزياً لمساعدتها.

بعثرت شعرها بانفعال ليصبح فوضوياً تماماً وقالت بغضب من نفسها:تباً! كيف سأتصل به الآن؟! هل سأبقى وحدي هنا؟ إنني لا أعرف أحداً في فرنساَ، والغبي لم يخبرني في أي فندق هو!


ثم خفضت رأسها بإحباط وقالت ساخرة من نفسها:بل إنها أنا الغبية! لقد حاول إخباري لكنني قاطعته كالبلهاء وقلت له أنني سأعرف عندما أتصل به!

ضربت رأسها مرات عديدة وهي تردد بقهر:غبية! غبية! غبية!
كيف يمكن ان أكون عديمة الفائدة لهذه الدرجة؟ حتى المهمة الذي أتيت من أجلها إلى فرنسا، لا يمكنني القيام بها الآن! فأنا بغبائي كالعادة، نسيت أن أطلب من راولي أن يعطيني صورة له حتى أتعرف عليه!!


ثم توقفت فجأة لتتنهد بعمق أكبر وتقول باستياء:لماذا حظي هكذا دائماً؟ لماذا ولدتني أمي بهذا الحظ التعيس؟؟ أكاد أجزم أنني الفتاة الأتعس حظاً في العالم! لا شيء في حياتي يسير بصورة صحيحة! ألا يمكن أن يتبسم الحظ في وجهي لمرة على الأقل؟!!


عندها سمعت صوته يقول بضحكة:إذا فلتسمحِ للحظ أن يبتسم لك الآن!

نظرت إليه بدهشة وهتفت قائلة:أنت؟!

ابتسم كارل وقال وهو يقف أمامها:لقد سمعت عن ما حدث لك..إنني أدين لك بالكثير، لذلك اسمحِ لي بأن أساعدك.

نظرت إليه لوسي بشك وقالت متجاهلة كلامه:كيف خرجت من المركز بهذه السرعة؟!

ابتسم بارتباك وقال:آه...لقد تحدثت مع ذلك الرجل ووصلنا إلى إتفاق!

ثم تذكر كيف اضطر إلى إعطائه شيكاً بمبلغ مائة ألف دولار، حتى لا يفتعل أي مشكلة.

تمتمت لوسي بتفكير:هممم...إذا فقد استفاق ذلك المختل في النهاية!


نزلت من فوق الحقيبة وقالت وهي تضع يديها في جيبها متصنعة البرود، بينما هي في الحقيقة يائسة تماماً:إذا..كيف تنوي مساعدتي حتى ترد دينك؟

ابتسم من تصرفها، وقد كان واضحاً تماماً أنها في الحقيقة تنتظر إجابته بلهفة.
فرد بهدوء:إن منزلي كبير جداً وبه غرف إضافية...يمكنك أن تمكثِ في منزلي ريثما تجدين حلاً لمشكلتك.

ردت على الفور باعتراض:لا يمكنني المكوث في منزل شخص التقيته للتو!

فقال وعلى ثغره ابتسامة ماكرة:لكنك لا تملكين مالا لاستئجار غرفة صحيح؟ هل تخططين للمبيت هنا في الأيام القادمة؟ إننا في نهاية سبتمبر، وسيحل البرد قريباً كما تعلمين!

ردت بانزعاج من كون كلامه صحيحاً:لن أبقى طويلا! سيلاحظ رفيقي ذلك، إنه الآن في تولوز، وإذا ما تأخرت في الذهاب إليه، سيأتي للبحث عني في المطار!


ابتسم كارل وقال بهدوء:إذا في هذه الحالة...سأترك رقم هاتفي لدى أمن المطار، وعندما يأتي رفيقك للبحث عنك، سيجد رقمي هناك وبهذا يستطيع الوصول إليك..وإلى أن يتصل بك، يمكنك البقاء في منزلي بدلا من قضاء الوقت هنا وحدك!

اقتنعت نوعاً ما بالفكرة، لكنها رغم هذا كانت قلقة جداً..

نظرت إليه بحدة وقالت بتهديد مبطن:إنني قوية جداً...لقد رأيت ما فعلته لذلك الرجل قبل قليل صحيح؟!

ضحك من كلامها وقال بمرح:لا تخافي! لن أقوم بفعل أي شيء لك!


أشاحت ببصرها عنه وقالت بغرور، فهي لم ترد أن تشعره بأنها تحتاجه حقاً:حسناً...فقط لأنك ألححت عليّ سأقبل عرضك.

ثم نظرت إليه وقالت محذرة:لكن إذا ما مددت يدك علي فسوف أقتلك بالتأكيد!

ابتسم كارل لكلامها وقال بهدوء:لن أفعل لك شيئاً...والآن هيا بنا.


سارت مبتعدة عنه دون أن تقول شيئاً...فنظر إلى حقيبتها التي تركتها وراءها ورفع حاجبه قائلا بخفوت:هل تريد مني أن أحضر لها حقيبتها؟! ثم نظر إليها وهي تمشي أمامه بكبرياء.

ابتسم لهذا، هذه الفتاة تستمر في مفاجأته حقاً في كل مرة يتعرف عليها أكثر!
أمسك بذراع الحقيبة ليجرها وراءه بهدوء بينما تعلو وجهه ابتسامة خفيفة...


ذهبا بالفعل إلى إدارة المطار، وقد ترك كارل رقمه لديهم. بعد أن شرح لهم ما حدث..

سألته تلك المرأة الجالسة خلف ذلك المكتب الخشبي الكبير بجمود: ما اسمه؟

نظر كارل إلى لوسي منتظراً إجابتها، فتقدمت أمام تلك المرأة وقالت بتردد: راولي ساكفيل.

كتبت تلك المرأة اسمه في مذكرتها، ثم سألتها ببرود: هل معك صورة لذلك الشخص؟

فركت لوسي موخرة عنقها وقالت بإحباط: كلا..ليس لدي صورة له!

تنهدت المرأة بضيق وقالت بنفاذ صبر: إذا صفيه لي..


بدأت لوسي تصف رفيقها ذاك، بينما أخذت تلك المرأة تسجل كل ما تقوله في مذكرتها بدقة: إنه طويل..طوله حوالي 184 متر.. عيناه زرقاوان داكنتان وشعره أسود قصير وناعم.. ملامحه جادة وحادة. رغم ذلك، هو وسيم أيضاً..

أومأت تلك المرأة ببطء بينما تستمع إلى وصفها. فلما انتهت من الكتابة، أغلقت المذكرة وسألتها بجمود: هل بلّغتِ بشأن السرقة؟


امتعضت ملامح لوسي وقالت بسخط، بينما عقدت يديها أمام صدرها في غضب شديد: لقد بلغت أمن المطار، لكنهم لم يهتموا بذلك، واهتموا بذلك المخبول الذي يضرب الأطفال بدلا مني!!

قطبت المرأة جبينها بينما تنظر نحوها بعدم استيعاب، فتدخل كارل متداركاً الموقف: إنها تقصد أنها قامت بتبليغهم بالفعل!

ثم أمسك يدها وقال مخاطباً المرأة بابتسامة متكلفة: شكراً لك!

قال ذلك ليجرها معه إلى خارج المكتب. أما هي، فقد ظلت تضرب ذراعه بغضب وتقول بعصبية:دعني! دعني أيها الوغد! سوف أشكوا في أولئك الحمقى عديمي الفائدة!


ثم التفتت إلى تلك المراة وقالت بصراخ بينما تشير إليها بغضب: هل تسمون أنفسكم موظفين حقاً؟! يجب أن تعلم إدارتكم بما تقومون به! أنتم لا تستحقون قرشاً واحداً من المرتب الذي تحصلون عليه كل شهر!!!


كانت تلك الموظفة تنظر إليها بذهول، بينما لم تستطع أن تفهم حقاً لم تلقت منها كل هذه الشتائم!


اختفى صوتها ما إن اقتادها كارل إلى خارج المكتب وأغلق الباب وراءه..عندها سحبت يدها من يده بقوة، وقالت بغضب عارم: لم أوقفتني؟ لم أشف غليلي منها بعد!!

تنهد كارل بيأس وقال:ما الذي ستشفين منه غليلك بحق؟! تلك المرأة لا تعرف حتى ما الذي كنت تتحدثين عنه!


زمّت لوسي شفتيها باستياء طفولي، وقد عقدت يديها أمام صدرها بارتباك لما أدركت اخيراً كم كانت تتصرف بغباء حقاً. لكنها بالتأكيد، لم تكن لتعترف بذلك أبداً!!

نظر إليها كارل وهو يكتم ضحكته..فعلا تصرفات هذه الفتاة قد خرجت عن توقعاته تماماً!

قال محاولاً استرضاءها:سوف أقوم بالتبليغ عن حقيبتك.. ربما يجدون السارق بطريقة أو بأخرى..

تمتمت لوسي بتهكم: لقد مر وقت طويل بالفعل..لابد أنه تصرف في محتوياتها منذ زمن!


تنهد كارل بقلة حيلة..لكنه قال بعد أن سكت لدقائق: على كل حال..علينا الذهاب إلى المنزل. الوقت متأخر الآن والإجراءات ستأخذ وقتاً، سآخذك لاحقاً إلى سفارة بلدك حتى تبلغي عن ضياع جواز سفرك. على الأقل، هذا ما يمكننا فعله في هذا الوقت.

زفرت لوسي بضيق ثم تمتمت بتذمر:حسناً..لقد فهمت!

ابتسم كارل لمنظرها..بدت وقتها كطفلة عنيدة متذمرة. لكنه وبطبيعة الحال، لم يعلق على ذلك بالتأكيد!

سارا بصمت إلى المخرج، وقد كان الجو مشحوناً حقاً.


لما وصلا إلى خارج المطار، اتسعت عيناها وهي تنظر إلى أولئك الرجال ببدلاتهم الرسمية السوداء، واقفين على جانبي الممر المؤدي إلى موقف السيارات. حيث توقفت سيارة الليموزين السوداء الطويلة التي لم ترى مثيلا لها في حياتها أبداً.


كان بعض الناس قد توقفوا ينظرون نحوهم باهتمام، بينما الفضول يقتلهم لمعرفة هذه الشخصية المهمة التي تمتلك كل هذا!


في تلك اللحظة، ركض أحد أولئك الرجال نحوهما ليمد يده إلى كارل ويقول بتملق:سيدي الرئيس! لم تحمل هذه الحقيبة بمفردك؟! أرجوك أن تعطها لي..سآخذها إلى صندوق السيارة!

أومأ كارل بهدوء وهو يمد تلك الحقيبة إليه، ليجرها مبتعداً عنه...


عندها وقف أمامه رجل بدا في الخمسين من العمر..بشعر أبيض بالكامل، وعينين زرقاوتين داكنتين بدا عليهما الذكاء والطيبة.
انحنى بجذعه كاملاً ليقول بترحيب:مرحباً بعودتك سيدي الشاب..لقد كنا جميعاً في انتظارك..

ابتسم كارل بهدوء وقال: مرحباً غرانتير..ثم نظر إلى لوسي ومد يده لها ليقول بلطف:هلا ذهبنا؟


استطاعت لوسي أن تسمع همسات الناس من حولها وهم ينظرون نحو كارل باهتمام.
بعض الفتيات كن يشرن نحوه، لتقول إحداهن بانفعال مخاطبة صديقتها: هل رأيته؟ إنه وسيم جداً! من يكون هذا الشخص؟!

الكثير من الفتيات كن يتدافعن لرؤية هذا الوسيم...الذي أدركن قطعاً أنه يمتلك الكثير من الأموال، والتي أغرت الكثير منهن..
بعضهن حاولن الاقتراب، لكن الحراس منعوهن على الفور بينما اعتلت وجوههم نظرة باردة متجهمة.

أما كارل، فهو لم يعر أي اهتمام لما حوله.. اعتاد دائماً على أن يسمع مثل هذه الهمسات، وهذه الأحاديث المزعجة بالنسبة له. لذلك فهو لم ينظر لهن حتى!
يدرك أن ما جذبهن نحوه، هو مظهره وأمواله فقط. لذلك بالنسبة له، مثل هؤلاء الفتيات هن محض قمامة لا أكثر!


كانت لوسي تنظر لما حولها بعدم استيعاب....لكنها فجأة تراجعت خطوة إلى الوراء وهتفت بينما تشير إليه بشك:انتظر لحظة! أنت..من تكون يا هذا؟!!

ابتسم كارل بخبث وقال:إذا...فقد سألتني عن اسمي أخيراً.. لوسي أليسون!


ثم اقترب منها وقال بهدوء بعد أن أمسك بخصلة من شعرها، ليعبث بها بخفة، ثم يتركها تنساب إلى جانب وجهها بنعومة: اسمي هو كارلوس تشادولي...يمكنك مناداتي كارل!

قال هذا، ليتجه إلى السيارة حيث تركها غارقة في صدمتها... وضعت يديها على فمها بصدمة، وقالت في نفسها بذهول:لا أصدق! كيف يمكن أن يكون هذا معقولا حتى!!


ثم نظرت إليه وهو يسير مبتعداً عنها وهتفت في نفسها، بينما تحاول إخفاء ابتسامتها الخبيثة تلك بيديها:ربما ما اعتقدتِه ليس صحيحاً. فبعد كل شيء، يبدو أنكِ في الواقع محظوظة جداً... لوسي أليسون!!


يتبع..

******

_رأيكم في البارت؟

_توقعاتكم للأحداث القادمة؟

_من تكون لوسي أليسون؟ وما رأيكم بشخصيتها حتى الآن؟

_كيف ستكون حياة ايمي في فرنسا من الآن فصاعداً؟


حقائق كثيرة ستكشفها لكم الفصول القادمة فاتتظروني..

دمتم في أمان الله🌷

2018/07/04 · 662 مشاهدة · 4390 كلمة
NajwaSD
نادي الروايات - 2024