#فرنسا_قصر تشادولي الرئيسي_ الساعة 8:00 مساءاً
2005\10\1


يقف أمام باب غرفتها، بينما يعصر تلك الورقة في قبضته بقوة.. أخذ نفساً عميقاً قبل أن يطرق الباب بخفوت، لينتظر بعد ذلك دقائق قليلة دون أن يتلقى أي رد منها..

لم يكن من النوع الصبور أبداً حتى ينتظرها أكثر، لذلك قال بانزعاج بينما يمسك مقبض الباب: ايمي سأدخل!

فتح الباب ببطء، ليدخل إلى الغرفة ويغلقه وراءه....


رآها مستلقية على بطنها فوق سريرها الكبير، في حين كانت تحشر وجهها في وسادتها وتنتفض باكية..
استطاع سماع صوت شهقاتها المكتومة. فضغط على أسنانه بضيق، وقال بعصبية بينما يسير نحوها بسرعة:لا داعي لكل هذا البكاء ايمي! إن الأمر لا يستحق كل هذا!

عندها قالت ايمي هاتفة ببكاء:لا تقترب! لا تجعل الأمر يزعجك هكذا...إنني بالنسبة لك شقيقة ديفيد فحسب أليس كذلك؟ لست مضطراً لأن تكترث لي!


عندها رفع هاري صوته قائلا بغضب: بل إنني أكترث لكِ، هل تفهمين؟ إنني أنزعج حقاً عندما أراكِ تبكين لأي سبب كان، لكن الأمر أكثر إزعاجاً بكثير، عندما أعلم أنك تبكين بسببي!

جلست ايمي على السرير، ثم نظرت إليه وصاحت قائلة:إذا لا تنظر إلي حتى لا تنزعج مرة أخرى! يمكنك الخروج والتظاهر بأنك لا تعلم شيئاً!

ضغط هاري على أسنانه بعصبية، واقترب منها، ليشد ياقة فستانها ويقول بغضب أكبر: لا يمكنني ألا أنظر إليكِ أيتها الغبية! أياً كان ما تشعرين به، فأنا لا يمكنني تجاهلكِ أبداً!


نظرت إليه ايمي بدهشة للحظات، دون أن تكون قادرة على استيعاب كلامه...فقالت بيأسٍ من أن تفهم أي شيء: إنني لا أفهم ما تقوله أبداً هاري! لقد قلت لي أنني بالنسبة لك محض طفلة صغيرة، صادف أن تكون شقيقة ديفيد فحسب. لكنك تقول الآن أنك تكترث لأمري ولا يمكنك تجاهلي!

ثم دمعت عيناها وقالت بصوت راجف:إنني لا أفهم هاري! عليك أن توضح لي ما تعنيه!!



وضع هاري كلتا يديه على رأسه وبعثر شعره بعشوائية، في حين بدا منزعجا حقاً...

هتف بانزعاج: آآآآآآغ أنا نفسي لا أفهم! ايمي أرجوك، لا تسأليني عن ما يعنيه هذا...


ثم تنهد بضيق، ليجلس على حافة السرير، بعد أن ولاها ظهره.

قال بضيق بينما ينظر إلى الأرض:اسمعيني ايمي... أنا آسف حقاً عن ما قلته لك قبل قليل. أعلم جيداً أن كلامي قد جرحك كثيراً لكن صدقيني. إنني لا أعني هذا أبداً...
عندما سألتني عن ما إذا كنت أعتبرك صديقتي أم لا، لم أعرف حقاً كيف أجيبك. إنني لا أملك أي أصدقاء أبداً، ولا أثق بالبشر الآخرين على الإطلاق...
المشاعر مثل الحب والصداقة، هي أمور لا أفهم ما تعنيه أبداً. لقد حاولت دراستها في الكتب من قبل، لكنها مبهمة جداً ولم أستطع استيعاب معناها مهما حاولت ذلك..
أخبريني ايمي...هل سيكون من العدل أن أقول بأنني أعتبرك صديقتي، في حين أنني لا أعرف أبداً ما الذي يعنيه ذلك؟!



كلماته الحزينة تلك أربكتها كثيراً وعصرت قلبها بألم. كيف يمكن لبشري أن لا يفهم ما الذي يعنيه الحب؟


أخذت تحبو فوق السرير باتجاهه، حتى جلست إلى جانبه بصمت...نظرت إليه بحزن ، وتلك النظرة الخاوية في عينيه آلمتها حقاً دون أن تفهم السبب..

وضعت يدها على يده برفق ثم قالت بحزن:لا بأس هاري...أنا آسفة لأنني غضبت منك هكذا...
ثم خفضت رأسها وقالت بخفوت: كما تعلم....لقد عشت طوال حياتي محرومة من أبي وأمي. كنت أظنهما يكرهانني طوال الوقت، ولم أعرف أنني كنت مخطئة حتى وقت قصير فقط. الأصدقاء الوحيدين الذين عرفتهم هم الخدم فحسب. لكن حسنا...

ثم أردفت بألم:من الصعب أن أقول عنهم أصدقائي. الكثيرون منهم مثل براد وبياتريس وغيرهما. كنت أعلم أنهم يملكون نوايا سيئة اتجاهي منذ أن التقيت بهم. واكتشفت لاحقاً أن ذلك الشعور الذي لطالما راودني اتجاههم، هو بسبب أنهم كانوا يعملون لمصلحة جدي حتى يراقبوا تصرفات أبي وأمي!
إيلي الوحيدة التي كانت تحبني بصدق...لكنها كانت أقرب للأم بالنسبة لي من أن تكون صديقتي... لكن عندما التقيت هاري كان الأمر مختلفاً تماماً... شعرت أننا سنكون قادرين على أن نكون صديقين.
أعلم أن هذه قد تكون أنانية مني، ولا أريد أبداً أن أزعجك بهذا. لكنني لم أستطع منع نفسي من الشعور بالحزن، عندما قلت أنك لا تعتبرني شخصاً مهماً بالنسبة لك... أنا آسفة حقاً على ما فعلته!



تنهد هاري بضيق قبل أن يقول بهدوء:ايمي...قد أكون لا أفهم ما الذي تعنيه تلك المشاعر حقاً، لكنني مع هذا أعتبرك شخصاً مميزاً، فأنت بالتأكيد لستِ مثل الآخرين أبداً بالنسبة لي..

ثم نظر إليها وقال بابتسامة باهتة:فلتقومي بتعليمي ما الذي تعنيه الصداقة ايمي...

ما إن قال هذا، حتى هتفت ايمي بسعادة:أجل! بالتأكيد!


ثم ضمت يده بكلتا يديها لتقول بحماس:سأقوم أنا بتعليمك ما الذي يعنيه الحب هاري!

احمرت وجنتا هاري خجلا وقال بارتباك:هيي أيتها الطفلة الغبية! هل تدركين ما الذي يعنيه كلامك؟! لا تقولي كلاماً عشوائياً هكذا!!


أمالت ايمي رأسها بينما تنظر إليه باستغراب، لتقول ببراءة: ما الذي تقصده؟

ضرب هاري جبينه بإحباط وقال:تباً! ارحميني أرجوكِ!

ثم نظر إليها قليلا، ليبتسم فجأة، وقال بمرح بينما يشد أنفها بسبباته وإبهامه:إذا حسناً أيتها الغبية الصغيرة... سأنتظر منك أن تعلميني ذلك!


وضعت يدها على أنفها متألمة بعد أن أبعد يده عنها، وقالت باستياء طفولي:ما هذا هاري! إنه مؤلم!

ضحك هاري على منظر أنفها المحمر وقال بينما يشير إليه: تبدين كالمهرج حقاً ايمي!

زمرت شفتيها باستياء، بعد أن عقدت يديها أمام صدرها وقالت بتهكم: كيف يمكن أن تضحك، بالرغم من أنك أنت من جعلته هكذا!


ابتسم هاري لملامحها وقال بمزاح بينما يبعثر شعرها بعشوائية: أتدرين؟ إنكِ تبدين لطيفة جداً عندما تغضبين!

نفخت وجنتيها باستياء، بينما عقدت يديها أمام صدرها دون أن ترد على كلامه..


عندها قال هاري فجأة:أوه صحيح، كدت أنسى! ثم قدم لها تلك الورقة المجعدة وقال بانزعاج: لقد وجدت هذه على الطاولة..

نظرت ايمي إليها، عندها احمرت وجنتاها خجلا وقالت بارتباك بينما تخفيها وراء ظهرها: من سمح لك برؤيتها؟! كنت أريد مفاجأتك بكتابة اسمك!

نقر هاري على جبهتها بسبابته وقال بتهكم: غبية! هل كنت تخططين لمفاجأتي بكتابة اسمي بشكل خاطئ؟

هتفت ايمي بصدمة:حقاً؟! أكان مكتوباً بشكل خاطئ حقاً؟


تنهد هاري بإحباط وقال: بالتأكيد أيتها الحمقاء! ثم أشار إلى الورقة وأردف بانزعاج مملياً عليها بالحرف: لقد كتبت (hare) و هي تعني أرنب بري بالمناسبة، بينما اسمي يكتب (harry).

خفضت ايمي رأسها بخجل وقالت بخفوت: أنا آسفة...

رد هاري بهدوء: لا داعي لأن تعتذري... ثم سألها ببرود: هل معك ورقة أخرى وقلم؟


ردت ايمي على الفور:آه أجل! ثم قامت من مكانها بسرعة لتجلب مذكرة وقلماً من درج مكتبها، ثم قدمتهما لهاري الذي أخذ يقوم بتدريسها وتعليمها كيفية كتابة ونطق بعض الكلمات الفرنسية..



#فرنسا_قصر تشادولي الرئيسي_ الساعة 9:45 صباحاً
2005\10\2


_ستصيرين معلمتي؟!!


قالتها ايمي هاتفةً بدهشة، بعد أن أخبرتها لوسي بالعقد الذي وقعته مع كارل في الأمس..

كانت تجلس مبتسمة بإشراق إلى جانبها على تلك الطاولة الحديدة البيضاء في البيت الزجاجي.. مسندةً مرفقيها على الطاولة، في حين تنظر إليها باهتمام...

ردت بمرح: أجل يا عزيزتي...أرجو أن ننسجم جيداً في المستقبل!

ثم أخذت الدفتر الموضوع على الطاولة ونظرت إليه لبرهة لتقول بضحكة:هل كنت تتدربين على كتابة اسم هاري؟

احمرت وجنتاها خجلا وقالت بارتباك:آه أ..أجل..في الواقع..لقد كنت أقوم بكتابته بطريقة خاطئة، لذلك قام هاري بتصحيحه لي في الأمس...

ابتسمت لوسي بمكر وقالت بمزاح: هووه..ما الذي لدينا هنا؟ هذه النظرة المحرجة تعني شيئاً ما بالتأكيد!


عندها سمعت صوته يقول بانزعاج:إنها طفلة صغيرة، لذلك لا داعي لأن تفسد عقلها بكلامك السخيف هذا!

نظرت إليه لوسي بلامبلاة وقالت:لا أدري حقاً متى ستتعلم كيف تتحدث بتهذيب مع من هم أكبر منك سناً!


اقترب منها هاري حتى وقف إلى جانبها، ثم قال بخبث بعد أن أسند يده إلى جانبها على الطاولة:ربما سأتصرف معك بتهذيب، بعد أن أراكِ تجمعين أغراضك وترحلين من هنا!

ابتسمت لوسي بخبث هي الأخرى، ثم قالت ببرود بينما تعقد يديها أمام صدرها في كبرياء:حسناً..إذا لم يكن بسبب أنني أكبر منك، إذاً يجب عليك أن تتحدث بتهذيب إلى معلمة ايمي!

ردد هاري بتعجب: معلمة ايمي؟


وضعت لوسي مرفقها على الطاولة، لتسند خدها على كفها وتنظر إليه بابتسامة ماكرة. ثم قالت بنبرة مستفزة: عزيزي هاري...من الآن فصاعداً سأصبح معلمة ايمي، لذلك عليك أن تكون مهذباً معي مفهوم؟

ما إن قالت هذا حتى نظر إليها هاري بدهشة للحظات، لكنه انفجر ضاحكاً فجأة، ليقول هاتفاً بينما يحاول تمالك نفسه بصعوبة: معلمة ايمي؟ أنت أذكى بكثير مما توقعته يا امرأة! حتى أنا لم تخطر هذه الفكرة ببالي أبداً!!

ثم اقترب منها وقالت هامساً بخبث: بهذه الطريقة سيكون بإمكانك الالتصاق بهذا المنزل كالعلكة تماماً، دون أن يبدوا الأمر غريباً صحيح؟


شعرت لوسي بالارتباك حقاً من كلامه، فهي لم تتوقع ردة فعله تلك أبداً. لكنها بالتأكيد لم تظهر ذلك له...

ابتسمت بتصنع وقالت باستنكار: يا امرأة هاه؟ لا تزال وقحاً يا صغير! ربما علي أن أكون معلمتك أنت أيضاً حتى أقوم بإعطائك دروساً في اللباقة!



نظر إليها هاري متفحصاً لثوانٍ، لكنه ابتسم فجأة ليقول بسخرية:هل تظنين أنك قادرة على إخفاء خوفك؟ عيناي لا تخطئان أبداً...لقد عرفت أنك تخططين لشيء ما منذ اللحظة التي رأيتك فيها.

ثم ابتعد عنها ليقول ببرود، بينما يسير خارجاً من البيت الزجاجي:لا بأس...يمكنك التوغل هنا بقدر ما تريدين... ربما كان سهلا عليك خداع أخي الأحمق لكن...

ثم نظر إليها نظرة أخافتها كثيراً رغم أنها لم تظهر ذلك..ليردف بنبرة بدت أشبه بالتهديد: مهما فعلتِ، أنت لن تستطيعِ خداعي أبداً!

قال هذا ليختفي من ناظريها بعد أن غادر المكان..كانت لوسي ما تزال تحدق إلى المكان الذي كان واقفاً فيه قبل لحظات..


قالت في نفسها برهبة: ما خطب تلك النظرة في عينيه؟ تباً! ذلك الطفل سيسبب لي المتاعب كما توقعت!


ايمي أيضاً كانت تنظر إلى هناك بحزن...كلماته التي قالها لها في الأمس، ما تزال تتردد في ذهنها حتى هذه اللحظة.

هل ستكون قادرة على تغيير نظرته للآخرين يوماً ما؟ هل ستكون قادرة على تعليمه تلك المشاعر كما قالت؟ ذلك الأمر أزعجها حقاً!


نظرت إلى لوسي التي بدت مرتبكة جداً وقلقة...ضمت كفها بيدها الصغيرة لتقول مشجعة بابتسامة هادئة: لا بأس لوسي.. أنا واثقة من أن هاري سينسجم معك يوماً ما..

نظرت إليها لوسي بدهشة للحظات، لكن نظراتها البريئة تلك أذابت قلبها حقاً...

هتفت بسعادة بينما تضمها إليها بقوة، في حين تحشر وجهها في شعرها الحريري: واااه... أنت حقاً كتلة من الظرافة ايمي!

قبلتها على خدها بقوة ثم قالت بحماس صادق: دعينا نبدأ ايمي! أعدك بأنني سأجعلك تذهبين إلى المدرسة في أقرب وقت ممكن!


ابتسمت ايمي لملامحها تلك...لوسي تحب الأطفال كثيراً. هذا ما أدركته بعد أن أمضت معها كل هذا الوقت!



#المملكة المتحدة_لندن_ الساعة 4:35 مساءاً
2005\10\2


جلس خلف مكتبه الفوضوي، الذي انتشرت فوقه زجاجات الخمر الكثيرة الفارغة. في حين بعضها كان مرمياً أسفله وقد انسكب محتواها على الأرضية الرخامية للمكتب.

كان قد أسند رأسه على حافة ظهر كرسيه الجلدي...منظهره كان مريعاً حقاً!
شعر ذقنه كان قد نما قليلا.. أزرار قميصه العلوية كانت مفتوحة، في حين كان قميصه الأبيض ملطخاً ببقع النبيذ الأحمر الذي انسكب عليه..
شعره كان مبعثراً، عيناه الخضراوان ذابلتان، وقد كست وجهه الحمرة نتيجة لإفراطه في الشرب..

كانت حدقتاه تحدقان بالفراغ، بينما يحمل في يده زجاجة الخمر في خمول شديد...
ثم أخذ يتجرع محتواها بنهم، بينما كانت تنسكب من فمه مروراً بذقنه ورقبته، ونزولا إلى أطراف قميصه الأبيض..


طُرق الباب عدة مرات، فقال بصوت أثقلته الثمالة: ادخل!

فتحت تلك الخادمة الباب ببطء، ثم أغلقته وراءها...وسارت نحوه لتنظر إليه باشمئزاز..

قالت في نفسها بينما تحاول إخفاء تقززها من منظره المريع هذا: ما هذا؟ هل حقاً الذي أراه أمامي هو الدوق هوريستون المعروف؟ كل ما أراه الآن هو محض عجوز ثمل مثير للشفقة!


نظر إليها فجأة وقد احتدت عيناه بنظرة بثت الرعب في قلبها.. قال بهدوء مخيف: أنتِ.. لقد نظرت إليّ للتو باشمئزاز صحيح؟!

خفضت تلك الخادمة رأسها وقالت بخوف: لا ذلك...سيدي أنا...


قاطعها بأن قام من مكانه وضرب المكتب بقوة، حتى انتفضت تلك الخادمة ذعراً...ثم صاح بهستيرية: بلى فعلتِ أيتها الحقيرة! إنك تظنين انني مثير للشفقة! جميعكم تظنون أنني هكذا! جميعكم تعتقدون أنني لن أصبح مثله أبداً!!

سار نحوها مترنحاً، ليمسك ياقة قميصها ويقول بصراخ، بينما يهزها بعنف شديد: قولي ها...أنتِ أيضاً تظنين أنه أفضل مني أليس كذلك؟! أنت أيضاً تظنين أنني مثير للشفقة!

ثم دفعها بقوة حتى اصطدم رأسها بالحائط، لينقض عليها ويضربها بكل قوته بوحشية مخيفة.. يشد شعرها حيناً، ويلكم وجهها وجسدها أحياناً...


سار إلى درج مكتبه ليخرج ذلك السوط الأسود الغليظ، وينهال عليها ضرباً بكل ما أوتي من قوة..
أما تلك الخادمة المسكينة، فقد ظلت تصيح في ألم، في حين أخذت تترجاه أن يصفح عنها. وقد كان جسدها النحيف قد تشبع بجروحها الدامية...

كان يهتف كالمجنون، بينما يقوم بضربها: ستندمين! ستندمون جميعكم على السخرية مني! سأريكم جميعاً أنني أفضل منه بكثير أيها الأوغاد!



بعد أن شعر بالإعياء تماماً، سار بتثاقل نحو كرسيه ليجلس عليه من جديد، ويشرب جرعة أكبر من زجاجة الخمر، ثم يضعها على مكتبه بقوة بينما يعيد النظر إلى الفراغ في شحوب شديد..
هي دقائق قليلة ربما التي مضت، حينما فُتح باب المكتب ليدخل مساعده جيرالد هاميل، وخلفه اثنين من الحراس...


نظر إلى تلك الخادمة النحيفة التي تكومت على نفسها في زاوية المكتب، تضم ساقيها وجسدها الدامي إليها، بينما ترتجف في رعب شديد..وصوت أنينها المكتوم كان مسموعاً.



ما إن سمع صوت فتح الباب، حتى أدرك على الفور من يكون. قال بضياع بينما يحدق إلى السقف بعنين ميتتين: هيي جيرالد..


سار جيرالد نحوه حتى وقف إلى جانبه ليرد بخنوع: ما الأمر سيدي الدوق؟

رد الدوق بضياع، وحدقتاه تنظران إلى الفراغ، في حين بدى على وشك البكاء: إنني أريدها.. أحضرها إليّ جيرالد. لقد تعبت حقاً من كل هذا، هؤلاء البشر جميعاً يعتقدون أنني مثير للشفقة، جميعهم يظنون أنه أفضل مني في كل شيء! لا أحتاج لأي بشري آخر إلى جانبي..أريدها..أريدها هي فقط!

خفض جيرالد رأسه وقال بهدوء:أمرك سيدي...سأحضرها لك بالتأكيد.

ثم سار إلى الحارسين اللذين كانا ما يزالان واقفين إلى جانب الباب، وقال مخاطباً أحدهما: بيتر، خذ الخادمة إلى الطبيب روبنسون وقم بما يلزم لإسكاتها..


خفض بيتر رأسه وقال بإذعان: أمرك سيدي.. ثم سكت قليلا وقال هامساً بينما ينظر إلى الدوق بقلق: لكن عمي... لقد مضت عدة سنوات حتى الآن وما يزال الأمر نفسه..كم من الناس سيكون بوسعنا إسكاتهم، إلى أن تظهر حقيقة ما يفعله هذا الشخص؟!

نظر إليه جيرالد بحدة وقال محذراً: بيتر... إذا ما سمعت هذا الكلام يصدر منك مجدداً، فستكون عاقبة ذلك وخيمة جداً أتفهم؟ وظيفتنا نحن عائلة هاميل أن نحمي سمعة عائلة هوريستون حتى لو عنى هذا أن نلوث أيدينا بالدماء..
تذكرا ذلك جيداً بيتر، روبن.. كونكما من عائلة هاميل، يعني أن ولاءكما الوحيد هو لسيد عائلة هوريستون! لا يهم كيف يبدو سيدنا، وما هي شخصيته وما الذي يفعله.. كل ما علينا فعله هو أن نحميه، وأن نحمي وجود هوريستون بأي ثمن كان...هل هذا واضح؟!

خفضا رأسيهما وردا بطاعة، وبصوت واحد: أمرك!


غادر كلاهما بعد أن أخذا الخادمة معهما، فلما أراد جيرالد المغادرة، ألقى نظرة أخيرة على سيده الجالس على كرسيه، في حين ينظر إلى السقف بنفس تلك النظرة الميتة.



لا يهم كم مضى من الوقت، فهذا الفراغ لن يزول من قلبه أبداً...صورة تلك الطفلة الشقراء وهي ترفع طرف فستانها إلى الأعلى قليلا حتى لا يبتل بالماء، بينما تقفز على تلك الصخور الصغيرة في النهر واحدةً بعد الأخرى، في حين تردد تلك الأغنية كالعادة... ابتسامتها المشرقة، ما تزال محفورة في ذاكرته حتى الآن..
يراها تقريباً تنظر إليه وتبتسم، بينما تنادي اسمه بمرحها المعتاد..


أخذ يدندن ببطء وخفوت، تلك الأغنية التي لم تكن تناسب أبداً صوته الخشن..ناظراً للفراغ بعينين تائهتين...وصدى صوتها الطفولي يتردد في ذهنه حتى هذه اللحظة وهي تغني ببراءة ومرح..


London bridge is falling down...falling down …falling down

London Bridge is falling down...my fair lady



ظل جيرالد ينظر إليه بإشفاق...قال هامساً بأسى، بينما يسير مبتعداً عن تلك الغرفة الكئيبة التي تشبعت بدماء الكثيرين: إلى متى ستظل حياتك متعلقةً بتلك الروح الميتة، سيدي الدوق!



#فرنسا- قصر تشادولي الرئيسي- الساعة 8:30 مساءاً
2005\10\2



طرق باب غرفته مرات عديدة دون أن يلقى جواباً، ففتح الباب ليدخل بسرعة بينما ينظر إليه بانزعاج.

رآه جالساً على سريره، بينما ينظر إلى تلك الورقة في يده بتجهم..

تنهد بضيق وقال:لقد طرقت الباب مائة مرة لكنك لم تجب! ما خطبك؟! ثم نظر إليه قليلا وسأله بقلق: لماذا تبدو متجهماً هكذا؟

أطلق ديفيد تنهيدة طويلة متعبة، ثم قال بعد أن وضع تلك الورقة إلى جانبه: كنت أقرأ في رسالة والدتي من جديد.

سأله كارل باستغراب: إذا؟


أجاب ديفيد بضيق: في ذلك الوقت، كنت مصدوماً لما علمت حقيقة موت آرثر لذلك لم أتابع قراءة بقية الرسالة. لقد ذكرت أمي بعد ذلك أن والدي قد سمع الحقيقة من حديث بعض الأطباء في المشفى. لكنه لم يستطع أن يكشف حقيقة ما حدث، لأن أتباع جدي قد زوروا شهادة الوفاة.
ذكرت أمي أنه حتى جدي نفسه، قد أقنع نفسه أن آرثر قد مات بسبب ايمي!

ثم سكت قليلاً وأردف بسخرية: ذلك مضحك صحيح؟ أن يكذب المرء كذبة ثم يقوم بتصديقها!


جلس كارل إلى جانبه وقال بتفكير: لقد فهمت تماماً كم أن جدك مجنون وقاسٍ... لكن مهما بلغت قسوة الإنسان، فمن غير المنطقي أبداً أن يتصرف هكذا دون سبب. لماذا ايمي وآرثر تحديداً؟ إن لديه الكثير من الأبناء، والكثير من الأحفاد...لكنني لا أفهم لماذا يستهدف والدك فقط في كل هذا!

رد ديفيد بضيق: إن هذا متعلق بالتأكيد بالحقيقة التي يخفيها عني أبي وأمي..مهما أردت، فهما لن يخبراني أبداً!!


ثم سكت قليلاً وأردف بقلق:المهم الآن... ما أردت إخبارك به هو شيء قد ذكرته أمي في الرسالة، وقد أزعجني حقاً...


استغرب كارل من كلامه، لكنه اكتفى بالنظر إليه باهتمام، يحثه بنظراته على مواصلة حديثه..


فتابع ديفيد كلامه بعد أن أمسك تلك الورقة مجدداً: ذكرت هنا أن من غطى جريمة جدي، هو شخص يدعى جيرالد هاميل. إنني أعرفه جيداً فهو بالنسبة لجدي مثل ظله تماماً..
إنها تحذرنا في رسالتها من الاقتراب من عائلة هاميل بأي شكل من الأشكال، فهم خطرون جداً...

سأله كارل بحيرة أكبر: عائلة هاميل؟ من يكونون؟!


سكت ديفيد قليلا قبل أن يرد بوجل: منذ أن تأسست عائلة هوريستون، كانت عائلة هاميل تعرف بأنها كلابهم المطيعة. هم يلازمون سيد عائلة هوريستون مثل ظله، ويخدمونه بكل ما يملكون.
كانوا يعرفون دائماً بأنهم هم من يقوم بكل الأعمال القذرة لأسرة هوريستون...ولاؤهم ليس لانجلترا ولا للعائلة المالكة. بل لسيد هوريستون فحسب لا يهمهم من يكون! فبمجرد أن يتغير السيد، يتغير ولاؤهم على الفور لمن يحمل لقب الدوق هوريستون فحسب!

علق كارل بتفكير: أفهم من هذا أن ولاءهم ليس لشخص ما بعينه...بل لمنزلة رئيس عائلة هوريستون فحسب!

أجاب ديفيد بضيق:أجل...لا يهم من يرأس العائلة، فهم يصبحون أتباعه على الفور، لينفذوا كل أوامره أياً كانت.

ردد كارل بتفكير: جيرالد هاميل هاه؟ حسنا، سأتذكر هذا الاسم جيداً...



ظل ديفيد صامتاً لفترة، قبل أن يقول بتردد: كارل...هناك شيء أريد أن أطلبه منك..

استغرب كارل من كلامه وقال بحيرة: ما الأمر؟

أجاب ديفيد بقلق: ما إن تبدأ الدراسة، سأكون مضطراً إلى مغادرة منزلك للبقاء في باريس من اجل أن أكون قريباً من الجامعة...أريد أن أترك ايمي في عهدتك. أنت الوحيد في هذا العالم الذي يمكنني أن أأتمنه عليها.


نظر إليه كارل بانزعاج وقال بعتاب: ما الذي تقوله أيها الأحمق! لست بحاجة لأن تطلب مني ذلك، فايمي قد أصبحت بالنسبة لي مثل هاري تماماً. ليس عليك أن تقلق عليها... سوف أعتني بها جيداً في غيابك، فلتركز على دراستك فقط الآن.

بدا ديفيد مرتاحاً جداً لما سمع كلامه وقال بامتنان: شكراً لك حقاً كارل...


ثم نظر إلى الورقة في يده وقال بحزن: كارل...أرجو منك أن تخبرني عندما تصبح ايمي قادرة على القراءة..

استغرب كارل من كلامه وسأله بحيرة: لماذا؟

رفع ديفيد تلك الورقة وقال بحزن بينما يعرضها عليه: بقية الرسالة هو كلام يخص ايمي فقط...أريدها أن تقرأه بمفردها عندما تصبح قادرة على ذلك...


خفض كارل رأسه بضيق ثم قال بعد أن سكت لبعض الوقت: ديفيد...ربما من الأفضل ألا تجعلها تراه الآن. فلتنتظر حتى تكبر قليلاً. ايمي ما تزال تتأقلم هنا، وهي تحاول بكل جهدها أن تنسى ما حدث... ما تزال تعاني من تلك الكوابيس في كل ليلة. هي لم تخبرنا بشيء، لكن هاري قد لاحظ ذلك منذ مدة، وأعتقد أنك أيضاً قد لاحظت ذلك!
دعنا لا نريها أي شيء مرتبط بما حدث. خصوصاً ما يتعلق بآرثر، وبما فعله جدك لهما.

أومأ ديفيد بفهم وقد بدا متضايقاً جداً. لكنه رد عليه بخفوت شديد: أجل...أنت محق.


ثم قام من مكانه ووضع تلك الرسالة في درج مكتبه ليقول بجدية: من الآن فصاعداً وحتى تعتاد ايمي على الحياة هنا، سنبقي أمر هذه الرسالة سراً عليها.



#فرنسا- باريس– الساعة 12:30 بعد منتصف الليل
2005\11\20


فتحت باب الحمام ببطء، لتخرج منه تسير بهدوء في تلك الغرفة الواسعة.. خلفها كبوة البخار التي اندفعت من الحمام بمجرد فتحها لبابه الخشبي...
كانت ترتدي ذلك الروب الأبيض القصير، بينما تلف شعرها الحريري الأشقر الطويل بمنشفة صغيرة، تحررت منها بعض الخصلات العشوائية المتمردة.


سارت بميوعة نحو تلك الطاولة على جانب الغرفة، لتسكب القليل من النبيذ في قعر كأسها الزجاجي الفاخر. ثم سارت بعد ذلك نحو تلك النافذة الزجاجية التي تغطي الحائط بالكامل، بينما تحرك كأسها ببرود، محركةً معه ذلك النبيذ الأحمر في قعره..


تنظر إلى برج ايفل البارز أمامها بين كل تلك الأضواء الساطعة التي بدت كنجوم مضيئة، تزين مدينة باريس الماثلة أمامها الآن..
هي تشعر بالطغيان حقاً لوقوفها في تلك البناية العالية، بينما تنظر للمدينة أسفل منها باستحقار شديد.


ابتسمت بخبث، لتهمس بعد ذلك بنبرتها الماكرة والساحرة في آن: الأمر كما أخبرتك من قبل ايمي، نحن سنلتقي قريباً جداً!



يتبع...

*******

_رأيكم في الفصل؟

_توقعاتكم للأحداث القادمة؟

_لماذا قال هاري أنه لا يفهم ما الذي يعنيه الحب والصداقة؟

_لقد قال هاري للوسي(يمكنك التوغل هنا بقدر ما تريدين) هل يعني هذا أنه سيتركها تفعل ما تشاء؟

_من تكون تلك الطفلة في ذاكرة الدوق هوريستون؟

_ما الذي كتبته والدة ايمي في تلك الرسالة؟

_ وأخيرا..من تكون تلك الشقراء التي ظهرت في نهاية الفصل؟!


أحداث كثيرة ومشوقة بانتظاركم في الفصول القادمة.. فانتظروني

لا تنسوا.. تصويت+ تعليق= فصل جديد بأسرع وقت ممكن😉

أتمنى أنكم استمتعتم بالفصل..سلام ✋


2018/08/18 · 606 مشاهدة · 3348 كلمة
NajwaSD
نادي الروايات - 2024