بدأت ايمي في الاعتياد على نظام المدرسة شيئاً فشيئاً..

في الواقع، لقد تمت معاملتها كحالة خاصة بسبب نفوذ كارل. حيث أنه بدلاً من أن تبدأ من الصف الأول مع طلاب أصغر منها سناً، فقد التحقت بأقرانها في الصف الثالث الابتدائي مع دروس إضافية مكثفة جداً حتى يكون بوسعها أن تصل إلى مستوى زملائها الدراسي...
وبفضل مساعدة هاري ولوسي، فقد استطاعت أن تتجاوز الأمر بطريقة ما. وها هي الآن قد أتقنت اللغة، واستطاعت أخيراً فهم دروس العلوم والرياضيات التي كانت بمثابة كابوس حقيقي بالنسبة لها!

•••••••

فتحت باب تلك الحجرة الواسعة، والمليئة في كل زاوية منها باللوحات والتحف، والتماثيل المختلفة...
عدة الرسم، كانت موجودة في كل مكان. وقد كان هناك الكثير من الطلاب المنهمكين في الرسم بشغف شديد...

ابتسمت بسعادة. لتهتف قائلةً بمرح، مخاطبةً تلك المرأة الواقفة إلى جانب إحدى الطالبات، بينما تقوم بتوجيهها بكيفية الرسم..

"مرحباً آنسة ماكينيل!"

نظرت إليها الآنسة ماكينيل وقالت بابتسامة لطيفة: أوه ايمي! تبدين نشيطة جداً اليوم..

ثم أشارت إليها بالجلوس أمام الكرسي المخصص لها، والذي كانت أمامه لوحة بيضاء فارغة..

وما إن جلست ايمي مكانها، حتى صفقت الآنسة ماكينيل مرتين بصوت عالٍ حتى تجذب اهتمام الطلاب نحوها، لتخاطبهم قائلةً ما إن نظروا إليها جميعاً: اليوم سنقوم برسم شيء جديد لم نقم به من قبل...هل أنتم مستعدون؟

بدا الطلاب متحمسين لذلك، خصوصاً ايمي التي جهزت أدواتها بينما كانت مبتسمة بسعادة...
.
.
.
.
لقد بدأ الأمر في يوم ايمي الثاني بالمدرسة. كان طلاب صفها جالسين في مقاعدهم أمام لوحاتهم الفارغة في صف الفنون..

وقفت تلك المعلمة في منتصف القاعة، حيث كان الطلاب ملتفين حولها بلوحاتهم.. فخاطبتهم قائلةً بابتسامة: اسمي جينيفر ماكينيل...سأكون معلمة الفنون الجديدة، نظراً لأن المعلمة هارينز قد تعرضت لحادث في الشهر الماضي. أرجو أن ننسجم معاً...

لم يبد الطلاب مهتمين بذلك أبداً...فوضعت تلك المعلمة سلة فواكه على الطاولة المرتفعة في وسط القاعة، لتقول مخاطبةً الطلاب: اليوم سنبدأ برسم شيء بسيط...هل يمكنكم أن تحاولوا تقليد هذه السلة في لوحاتكم؟
بإمكانكم البدء الآن، وإذا ما واجهتم أي صعوبة في الرسم، فعليكم سؤالي. مفهوم؟

بدأ الطلاب الرسم بالفعل، في حين ظلت ايمي تنظر إلى اللوحة أمامها، وإلى السلة على الطاولة بقلق...

كانت كلمات هاري في ذلك الوقت تتردد في ذهنها...لقد قال أنه لا يجب عليها أن تجعل الآخرين يعرفون بموهبتها أبداً! لكن كيف عليها التصرف الآن بما أن عليها أن ترسم؟

فكرت في نفسها بحيرة: ما الذي أفعله الآن؟ هل أرسم بشكل طبيعي؟ أم أن عليّ التظاهر أنني أرسم بشكل سيء؟ إذا ما رسمت كما أفعل في العادة، فسوف تعرف كل شيء عن قدراتي...
الجميع يقولون أن رسمي ليس عادياً بالنسبة لمن هم في سني، لكنني لا أعرف حقاً كيف يفترض بمن هم مثلي أن يرسموا!

ثم نظرت إلى لوحة الطالب الجالس بالقرب منها وقد بدت لوحته فظيعة حقاً! لقد رسم الفواكه كدوائر كانت بعيدة عن السلة كما لو كانت معلقةً في الهواء، بينما بدت السلة كصندوق في الواقع..

فنظرت إلى لوحتها مرة أخرى وقالت بذهول: لا أصدق هذا! هل علي الرسم بهذه الطريقة؟! لكنني لا أعرف كيف!

عندها وقفت الآنسة ماكينيل بقربها وسألتها بقلق: ما الأمر يا عزيزتي؟ أنتِ لم ترسمي أي شيء بعد!

خفضت ايمي رأسها وقالت بارتباك: آه...حسناً...الأمر فقط أنني...

فقال المعلمة بتساؤل: هل تواجهين صعوبة في الرسم؟

حركت ايمي رأسها نافية وقالت بسرعة: لا...الأمر ليس هكذا!

فابتسمت الآنسة ماكينيل وقالت بلطف: لا بأس بسؤالي عن أي شيء...سوف أساعدكِ في الرسم إذا ما أردت...

لم تردّ ايمي على كلامها وقد ظلت تنظر إلى الأرض بقلق... لكنها بعد برهة، خاطبت نفسها قائلة بتفكير: امممم...لا أظن أن هناك مشكلة بالرسم بطريقة عادية صحيح؟ سأحاول ارتكاب بعض الأخطاء، عندها لن يكون هاري غاضباً مني بالتأكيد!

فنظرت إلى الآنسة ماكينيل وقالت بابتسامة: لا بأس معلمة ماكينيل! يمكنني الرسم وحدي..

ابتسمت الآسنة ماكينيل وقالت بود: أرجو أن تناديني بالآنسة ماكينيل...ثم سكتت قليلاً وسألتها باهتمام: ما اسمك؟

أجابت ايمي بمرح، بعد أن شعرت بالارتياح اتجاهها: اسمي ايمي...ايمي دوفيار...

تمتمت الآنسة ماكينيل بخفوت: همممم...ايمي دوفيار؟ ثم ابتسمت بلطف وقالت: اسمك جميل جداً...ايمي...

بعد أن انتهت ايمي من الرسم، وقفت الآنسة ماكينيل بقربها مرة أخرى بعد أن تفقدت الطلاب الآخرين لتنظر إلى لوحتها باهتمام...بدت متفاجئة جداً وقالت هاتفةً بإعجاب: واو ذلك رائع جداً ايمي! يبدو أنكِ موهوبة جداً في الرسم!

ابتسمت ايمي بمجاملة وقالت: شكراً لك...

سكتت الآنسة ماكينيل لتقول بهدوء، بينما تنظر إلى اللوحة: هناك بعض الملاحظات البسيطة فقط، والتي عليكِ أن تنتبهي لها جيداً في المستقبل...

ثم أشارت إلى الفواكه وقالت: الزوايا والأبعاد هنا بها الكثير من الأخطاء.. وأشارت إلى السلة لتقول: السلة أيضاً...تفاصيل رسم القش غير متناسقة...عليكِ أن تركزي عليها جيداً في المرة القادمة..

ابتسمت ايمي بارتباك وقالت: آه أجل...شكراً لك على تنبيهي!

ثم قالت في نفسها باستياء: بالطبع أعرف كل تلك الأخطاء جيداً...فقد فعلتها عمداً على كل حال!

تنهدت بإحباط، لتردف في نفسها قائلة بتفكير: هل عليّ الاستمرار بهذه الطريقة؟ أشعر كما لو أنني أكذب عليها هكذا!

لكن الآنسة ماكينيل قاطعت تفكيرها لما قالت باهتمام: لكن ايمي...أظن أن موهبتك ستكون عظيمة جداً في المستقبل إذا ما قمتِ بصقلها جيداً. ما رأيكِ بالانضمام إلى نادي الفنون؟ ستكونين قادرةً على تطوير نفسكِ بهذه الطريقة!

تساءلت ايمي باستغراب: نادي الفنون؟

فردت الآنسة ماكينيل قائلةً بهدوء: يمكنكِ القدوم إلى هنا خلال الحصة الحرة، وسأشرح لكِ كل شيء...

أومأت ايمي موافقة على كلامها وقالت بهدوء: أجل...لا بأس...

ومنذ ذلك اليوم، صار نادي الفنون المكان الأحب إلى قلب ايمي...صحيح أنها استمرت بإخفاء قدراتها الحقيقية، لكنها كانت قادرة على تعلم الكثير من الأشياء التي لم تكن تعرفها من قبل. وذلك قد أسعدها حقاً...

#فرنسا_ قصر تشادولي الرئيسي_ الساعة 8:30 صباحاً


2006\23\2

عقدت يديها أمام صدرها ناظرةً إلى النار المشتعلة في المدخنة أمامها، بينما تفكر بعمق...

زفرت بضيق وهي تتذكر تعابير وجهها بالامس، لتردد قائلة بانزعاج شديد: لا يعجبني...ذلك لا يعجبني أبداً!

عندها سألها قائلاً بفضول: ما هو الذي لا يعجبك؟

انتفضت لما سمعت صوته فجأة بالقرب منها، بعد أن كانت وحيدةً تماماً في الغرفة!

لكنها بعد أن أدركت أنه هو، التفتت إليه وقالت بانزعاج: هل من الصعب عليك أن تنبهني بدخولك أولاً؟! لقد كدت تسبب لي سكتةً قلبية!

كان واقفاً خلف الأريكة التي جلست عليها، بينما أسند مرفقيه على ظهر الأريكة وهو ينظر إليها مبتسماً..

فضحك من مظهرها ليقول بقلة حيلة: لم يكن لدي خيار آخر.. كان مظهركِ مسلياً حقاً وأنت تفكرين بجدية هكذا. حتى أنكِ لم تنتبهي لوجودي أبداً!

زمّت لوسي شفتيها باستياء وقالت بتهكم: تباً! لا يوجد شيء مسلٍ في هذا!

عندها لف كارل حول الأريكة، ليجلس إلى جانبها ويسألها باهتمام: إذا...ما الأمر الذي يضايقك إلى هذا الحد؟

تنهدت لوسي بضيق وقالت بقلق: لقد كنت أفكر بايمي.. إنها تقول أنها تستمع بالمدرسة، لكنني أشعر أنها تكذب! لم تعجبني تعابير وجهها في يومها الأول، فقد بدت خائبة الأمل تماماً. لكنها تبدو متضايقةً جداً هذه الأيام..

ثم نظرت إليه وسألته باهتمام: ألم يخبرك هاري أي شيء عن ذلك؟

حرك كارل رأسه نافياً وقال بضيق: إن مبنى الإعدادية ومبنى الابتدائية مفصولان عن بعضهما. لذلك من الصعب أن يلاحظ هاري أي شيء ما لم تخبره ايمي بنفسها.

ثم سكت قليلا وسألها بقلق: هل تظنين أنها تتعرض للتنمر من قبل الطلاب الآخرين؟

أجابت لوسي بشك: من الصعب الجزم بذلك، لكن الأمر محتمل جداً.. ايمي مقربة جداً من هاري، ويمكنني أن أفترض أن هناك الكثير من الفتيات يسعين وراءه. لذلك ليس مستغرباً أن يضايقن ايمي بسبب قربها منه!

فعلّق كارل بتشويش: لكن..أيمكن أن يشعرن بالغيرة من طفلة صغيرة؟! كيف افترضن أنها مرتبطة به بهذه الطريقة؟!

عقدت لوسي يديها أمام صدرها، لتقول بغيظ شديد: أنت لا تعرف كيف تفكر هذا النوع التافه من الفتيات!

ثم فرقعت أصابع يديها ببعضهما كما لو كانت على وشك الخوض في قتال ما، لتقول بعد ذلك بشر: لكن حسناً....إذا ما ثبت لي أن هناك من يضايق طالبتي العزيزة، فسوف أجعله يدفع الثمن حتماً!

شعر كارل بالوجل من كلامها نوعاً ما. فقد بدت غاضبةً حقاً، ولن يستغرب قيامها بأي شيء عندما تكون غاضبةً هكذا!

لكنه رغم ذلك شعر بالارتياح كثيراً لما رآها هكذا...إنها تهتم بايمي حقاً، وذلك كان كفيلاً بإسعادة..

سألها بهدوء، بعد أن سكت لبعض الوقت: إذا...ما الذي تخططين لفعله الآن؟

عقدت لوسي حاجبيها وقالت بحزم: سأتحدث إلى ايمي، وسأجعلها تخبرني بكل ما تخفيه حتى لو اضطررت إلى إجبارها!

ضحك كارل من كلامها وهو يتخيل منظرها كيف تقوم بتهديد ايمي حتى تجبرها على الاعتراف!

عندها نظرت إليه لوسي بطرف عينيها وقالت في نفسها بتفكير: إن تعامله معي لم يتغير أبداً بالرغم مما حدث ذلك اليوم. هل يعقل أنني كنت أبالغ في التفكير؟ هل يعقل أنه لم يلاحظ شيئاً في الواقع؟!

لكن كارل قطع تفكيرها لما قال بمكر: ماذا؟ لماذا تتأملين وجهي بسرية هكذا؟

أشاحت لوسي بصرها بعيداً عنه في إحراج شديد وقالت بارتباك: أنت تتخيل! لـ...لم أكن أتأمل في وجهك!

ثم سكتت قليلا وقالت مغيرةً للموضوع: حـ...حسناً... بخصوص الجدة سمانثا...ألن تعود من السفر بعد؟

رفع كارل حاجبه وهو ينظر إليها بمكر، ليقول بنبرة خبيثة: هل تغيريّن الموضوع الآن حتى تتجنبي سؤالي؟

احمرت وجنتاها خجلاً دون أن ترد على كلامه، لذلك ابتسم وقال بهدوء حتى لا يربكها أكثر: إن جدتي هكذا دائماً عندما تعود إلى انجلترا... تقول أنها ستبقى لأسابيع، ثم يتحول الأمر إلى أشهر!
لقد عاشت هناك أغلب حياتها، لذلك لديها الكثير من المعارف والأصدقاء...أفضّل أن تبقى هناك بين الفينة والأخرى. فهي حتى لو لم تقل لنا، كثيراً ما تشتاق إلى حياتها في بلدها الأم...

همهمت لوسي بفهم دون أن تعلق على كلامه...عندها قام كارل من مكانه وقال وهو ينظر إلى ساعة يده: عليّ الذهاب الآن. يجب أن أقابل شخصاً ما..

فأومأت لوسي بهدوء. ثم قالت بارتباك وهي تحاول تجنب النظر إلى عينيه: ر...رافقتك السلامة...

نظر إليها لبرهة مبتسماً بهدوء..لكنه بعد ذلك غادر الغرفة دون أن يقول أي شيء..

#باريس_ مدرسة هارفيان الكبرى_الساعة 12:30 مساءاً


2006\2\23

كانت ايمي تسير برفقة فِيا في الممر متجهتين إلى الكافتيريا.. عندها ركض أحد الطلاب باتجاهها، ليدفعها من كتفها بقوة حتى سقطت أرضاً..

لكنه بدلاً من الاعتذار إليها، نظر إليها بسخرية. وأخذ يضحك عليها رفقة رفاقه الآخرين..

زفرت ايمي بانزعاج، بعد أن أصبح الأمر بمثابة روتين يومي متكرر بات يزعجها حقاً..
هي لم تدري أبداً لم يعاملها الطلاب بهذه الطريقة. وفي الواقع، لم تكن تهتم أصلاً..
لكن ومع تكرر مثل هذه المضايقات التي كانت تافهةً وطفوليةً بالنسبة لها، صار الأمر مملاً ومزعجاً في الواقع..

نظرت فِيا نحوهم بغضب، رغم أنها لم تجرؤ على قول أي شيء. فقد كانت خائفةً منهم..

ولما ابتعدوا عنهما، مدت يدها لايمي وساعدتها على النهوض لتقول بعد ذلك بأسف: أنا آسفة ايمي..كان يجب أن أدافع عنكِ..

ابتسمت ايمي بلطف وقالت: لا تقلقي فِيا...الأمر لا يضايقني حقاً..

عندها قالت فِيا بغضب: لكنهم صاروا يتمادون كثيراً في الآونة الأخيرة! ايمي، عليك إخبار تشادولي بهذا! لا يمكنك إخفاء الأمر أكثر!

ردت ايمي بدون اهتمام: الأمر لا يستدعي أن أزعج هاري بهذا...ثم إنني بخير حقاً..لدي فِيا ونادي الفنون، لذلك لا يوجد أي شيء يستحق أن أكون قلقةً بشأنه!

تنهدت فِيا باستسلام وقالت بتهكم: أنت مذهلة حقاً ايمي.. كيف يمكنك ألا تتضايقي من تصرفات كهذه؟! إذا ما كنت مكانك، لا أدري حقاً ما الذي كان سيحدث لي!!

بعد ذلك، كانتا جالستين على تلك الطاولات الطويلة في الكافتيريا، بينما تتناولان طعامهما وتتحدثان عن مختلف المواضيع بانسجام..

لقد أصبحت علاقة ايمي بفِيا قوية جداً..وهو ما دفع هاري للتوقف عن زيارتها في مبنى الابتدائية منذ أن رآها معها، فهو يشعر بالاطمئنان عليها الآن..ولم يكونا يلتقيان في المدرسة إلا في بداية الدوام ونهايته..

عندها قطع حديثهما تلكما الفتاتان اللتان جلستا على الكرسيين المجاورين لايمي من يمينها ويسارها... لتقول إحداهما مخاطبةً ايمي بعجرفة: سمعت أنكِ قريبة جدة الرئيس تشادولي البريطانية...

نظرت ايمي نحوها بضيق، فأكملت تلك الفتاة قائلةً بخبث: أكملي فطورك بسرعة...هناك شخص عليك أن تقابليه... أتفهمين؟

عندها قالت فِيا الجالسة قبالتهن بانزعاج: ما الذي تريدونه من ايمي؟!

نظرت إليها إحداهما بازدراء وقالت: لا تتحدثي معنا...أنت ابنة ذلك التاجر غريغوري صحيح؟ فتاة حديثة الثراء مثلك، لا يحق لها أن تنظر إلينا حتى!

ثم نظرت إلى ايمي وقالت وهي تهز كتفها: هيا...أكملي طعامك بسرعة يا صغيرة!

تنهدت ايمي بملل. لتضع ملعقتها على الطاولة بهدوء، وتقوم من مكانها بصمت..

نظرت نحو تلك الفتاة وقالت بضجر: حسناً...كما تريدين... خذيني إلى ذلك الشخص الذي تتحدثين عنه!

ثم سألتها بحيرة: لكن.. أهو الشخص الذي أمر الطلاب بمعاملتي هكذا؟

تفاجأت الفتاتان من ردة فعلها، وقالت إحداهما بارتباك: يـ يجب أن تأتي معنا. لا يحق لك سؤالنا عن أي شيء!

تنهدت ايمي بقلة حيلة دون أن تعلق على كلامها..

أرادت فِيا إيقافهن، عندها خاطبتها ايمي قائلةً بابتسامة هادئة: لا بأس فِيا...سأكون بخير..

لم تبد فِيا مقتنعةً بكلامها، لكن ايمي سارت برفقتهما إلى خارج الكافتيريا. وبعد أن سرن لبعض الوقت، أخذتاها إلى أحد الممرات القريبة من السطح ولم يكن هناك أحد حولهن...

نظرت ايمي حولها باستغراب. عندها سمعت ذلك الصوت الناعم، يخاطبها بنبرة متعجرفة: أنتِ هي ايمي دوفيار؟

نظرت ايمي إلى تلك الفتاة. لتتفاجأ على الفور، وتقول في نفسها بدهشة: إنها تلك الفتاة الجميلة التي استقبلت هاري في اليوم الأول!

أخذت ايمي نفساً عميقاً قبل أن تقول بتساؤل بريء: أجل... ماذا تريدين؟ هل أنتِ التي أمرتِ الطلاب بمعاملتي هكذا؟

خاطبتها إحدى تلكما الفتاتان بغضب: لا تتحدثي هكذا مع الآنسة ميليغان!

رددت ايمي باستغراب: ميليغان؟

ثم أردفت في نفسها بتفكير: إذا لم أكن مخطئة، أظن أنها إحدى العائلات التي حذرتني منها فِيا في السابق!

اقتربت تلك الفتاة من ايمي أكثر، وقالت وهي تضم يديها أمام صدرها بغرور: لا يبدو لي أنكِ تلقّيتِ تعليماً ملائماً، لذلك يبدو أن عليّ تعليمك كيف تسير الأمور هنا.
هناك شيء يسمى بالنظام. وإذا ما خرقه البشر، سيصبح هذا العالم في فوضى...
البشر ليسوا متساوين أبداً...ومستوى كل شخص، يتحدد تلقائياً فور ولادته. ربما نتنفس جميعاً الهواء نفسه، لكن دماؤنا مختلفة تماماً...
عائلتي لا يمكن أن تقارن أبداً بعائلتك...وأنتِ لا يمكن أن تقارني بي أبداً...لذلك عليكِ أن تعرفي مستواكِ قبل أن تتفوهي بأي شيء أمامي!

لم تبد ايمي مهتمةً بكلامها على الإطلاق...لكنها سألتها بحيرة، متجاهلةً كل ما قالته: إذاً...ما الذي تريدينه مني؟!

ارتكبت جانيت من كلامها، لكنها قالت بصوت مهزوز: من المفترض أنكِ تعرفين الأمر جيداً. أنت لا تستحقين أن تقفي بالقرب من شخص بمكانة هاري تشادولي، ناهيك عن مناداته باسمه! إن عائلة تشادولي في مستوى مختلف تماماً عن البشر جميعاً.
العائلة الوحيدة التي يمكن أن تكون في مستوى عائلة تشادولي، هي عائلة هوريستون فحسب...

ثم نظرت إليها باستصغار وقالت: وبالتأكيد، فتاة مثلك لا يمكن أن تكون قريبة لتلك العائلة حتى!

تنهدت ايمي بانزعاج وقالت بتعب: لا أفهم لم تقولين لي كل هذا الكلام، لكن رجاءاً فلتخبري الطلاب أن يتوقفوا عما يفعلونه...لقد بات الأمر مزعجاً حقاً!

ضغطت جانيت على أسنانها وقالت بحدة: على ما يبدو، أنتِ لم تفهمي الأمر بالطريقة اللطيفة. لذلك يبدو أنني سأكون مضطرةً لجعل الأمر أكثر صعوبة عليك...

ثم همست قرب أذنها قائلةً بمكر: ابتعدي عن هاري، ولن أفعل لكِ أي شيء بعد الآن...

وابتعدت عنها بينما تنظر نحوها بخبث.. عندها نظرت إليها ايمي باستغراب، وقالت متسائلةً ببراءة : ابتعد عن هاري؟ لماذا؟ لا أجد أي سبب مقنع يدفعني للابتعاد عنه!

ضغطت جانيت على أسنانها بغيظ، وقالت وهي تحاول تمالك أعصابها بصعوبة: كيف تجرئين على قول هذا؟! ألستِ خائفة مني؟

أمالت ايمي رأسها إلى الجانب وقالت بحيرة أكبر: لماذا؟ هل تعنين أنه يفترض بي أن أخاف منك؟

ضغطت جانيت على قبضتيها بحنق، عندها قالت ايمي باستدراك: عرفت! هل يمكن أنكِ تفعلين هذا لأنكِ تريدين الزواج بهاري؟

نظرت إليها جانيت بدهشة، لكن ايمي أكملت كلامها موضحةً بنبرة طفولية: أتعلمين؟ في الدراما..غالباً ما تتعرض البطلة للمضايقات من قبل الفتاة التي تحب البطل!

ثم قوّست شفتيها وقالت بضيق: لكن كما تعلمين.. ذلك ليس من شأني..إذا كنتِ تحبينه، فيجب أن تخبريه مباشرةً!

عندها انفجرت جانيت ضاحكةً من كلامها وقالت هاتفة: ما الذي تتحدثين عنه؟! في الدراما؟!

نظرت إليها ايمي بانزعاج، لكن جانيت ابتسمت بخبث وقالت: حسناً...بما أنكِ قلت هذا، فلا يبدو لي أنك تحبين هاري صحيح؟

نظرت إليها ايمي بعدم ارتياح دون أن ترد على سؤالها..

عندها مدّت جانيت يدها نحوها وقالت بمكر: دعينا نعقد اتفاقاً ايمي...سوف أترككِ وشأنك، وسأخبر الطلاب بأن يتوقفوا عن مضايقتك.
وفي المقابل، عليك أن تساعديني في التقرب من هاري...ما رأيك؟

نظرت ايمي إلى يدها الممدودة نحوها، ثم نظرت إليها وقالت بضيق: صحيح أنني لا أعرف الكثير عن الحب، لكنني رأيت أشخاصاً واقعين في الحب مثل لوسي ولورنا...ولا أشعر أنكِ مثلهما أبداً.
لا أعرف لماذا تريدين الزواج به، ولكنني لا أظنه مهتماً بك.. لذلك لن أفعل شيئاً قد يضايق هاري أو يزعجه..

ثم خفضت رأسها وفكرت في نفسها بحزن: إنه يعاني كثيراً...وأشخاص مثلك يجعلونه يعاني أكثر وأكثر!

خفضت جانيت رأسها للحظات، ثم رفعت بصرها نحوها وقالت بهدوء مخيف: إذا، فأنت تعلنين الحرب علي...ايمي؟

ردت ايمي باستغراب: أعلن الحرب عليكِ؟ ما الذي تقصدينه؟!

ضغطت جانيت على أسنانها وقالت بتهديد: توقفي عن التظاهر بالغباء! لقد أعطيتكِ فرصة، وقد أضعتها بنفسك. تذكري أنكِ أنتِ من بدأتِ هذا ايمي...

ظلت ايمي تنظر إليها بحيرة دون أن تفهم لم قالت لها كلاماً كهذا. لكنها في النهاية حركت كتفيها بلامبالاة وتمتمت قائلة: لا يهم!

ثم نظرت إليها وقالت بهدوء: سأذهب الآن...

سارت مبتعدةً عنهن وهي تشعر بالانزعاج من تصرفاتهم، والتي لم تجد لها تفسيراً حتى الآن...

فكرت في نفسها قائلة: أتمنى أن تتوقف عن مضايقتي بعد هذا...لقد أصبح الأمر مزعجاً حقاً!

#فرنسا_ قصر تشادولي الرئيسي_ الساعة 7:30 مساءاً


نفس اليوم..

كانت جالسةً على سريرها بينما تقوم بمسح تلك الخربشات التي على كتابها بالممحاة...

لكنها تنهدت بانزعاج لما وجدت بعض الكتابات مكتوبة بقلم الحبر، لذلك لم تستطع مسحها..

ففكرت في نفسها قائلة: يبدو أن علي أن أطلب من كارل أن يشتري لي قلم تصحيح أبيض كالذي مع لوسي...لا أريد أن يرى هاري هذه الخربشات، فسوف يغضب حقاً إذا ما علم أنني لم أخبره بشأنها!

فقامت من مكانها وسارت في الممر، بينما تحمل كتابها في يدها. عندها قابلت لوسي في طريقها، فأخفت الكتاب وراء ظهرها على الفور وقالت بابتسامة مرتبكة: مـ مرحباً لوسي...

وقفت لوسي أمامها ووضعت يديها على خصرها بينما تنظر إليها بشك... لكنها وبحركة خاطفة، سحبت منها ذلك الكتاب على الفور لتقلب صفحاته وهي تنظر إليه بتمعن...

حاولت ايمي منعها، لكن لوسي وقفت مصدومةً وهي تنظر إلى تلك العبارات المكتوبة على إحدى صفحاته بقلم الحبر..

" ابتعدي عن السيد تشادولي أيتها العاهرة"

"فلتعرفي مستواكِ يا فقيرة"

"عليك أن تكوني ممتنة لعائلة تشادولي، فلابد أنك محض لقيطة قاموا بالتقاطها!"

"موتي"

وهناك أيضاً عبارات بذيئة، حتى أن ايمي لم تفهم معناها.

عندها ضغطت لوسي على الكتاب في يدها وقالت بانفعال: ايمي! ما الذي يعنيه هذا؟!!

خفضت ايمي رأسها بخوف، فهي تعلم أن لوسي تصبح مرعبةً جداً عندما تغضب...

لكن لوسي تنهدت بضيق، ثم قالت وهي تحاول تمالك أعصابها بصعوبة: لندخل إلى غرفتك...يجب أن تخبريني بكل شيء...

ثم نظرت إليها نظرة قاتلة جمدت الدم في شرايينها، لتقول ببطء: تعلمين أنني لن أقبل أي أعذار سخيفة صحيح؟ ستقومين بإخباري عن كل شيء بالتفصيل!

خفضت ايمي رأسها وردت باستسلام: حاضر!

كانتا جالستين على سرير ايمي...عندها سألتها لوسي قائلةً بهدوء: منذ متى وأنت تتعرضين للتنمر؟

استغربت ايمي من كلامها وقالت: ما معنى التنمر؟

فردت لوسي بضيق: أن يقوم أحد ما بمضايقتك بأي شكل من الأشكال...كأن يقوم بضربك وإهانتك وتحريض الطلاب عليك من أجل أن يسيئوا إليك!

سكتت ايمي قليلا قبل أن تقول بتردد: همممم حسناً....أعتقد أن الأمر بدأ بعد دخولي إلى المدرسة بأسبوع...

فعنفتها لوسي قائلة بعصبية: لماذا لم تخبرينا بذلك ايمي؟! ألم أوصكِ بإخباري إذا ما قام أحد ما بمضايقتك؟!

خفضت ايمي رأسها وقالت بتردد: لكن...لم أجد أنه من الضروري إخباركم. أعني أن الأمر لم يكن يزعجني كثيراً إلى هذا الحد!

فهتفت لوسي باستنكار: ما الذي تقولينه ايمي؟! كيف يمكن ألا يكون هذا مزعجاً! أتعلمين أن هناك أطفال ينتهي بهم الأمر بالانتحار بسبب التنمر؟! إنها ليست مسألة بسيطة أبداً!

ردت ايمي بهدوء غريب، وفي عينيها نظرة خاوية: لم يكن الأمر كبيراً حقاً لوسي... أعني...ليس وكأنهم قاموا بضربي و تعذيبي بالسوط أو ما شابه هذا!

شعرت لوسي بانقباضة في صدرها ما إن سمعت كلامها...لكنها قالت هاتفةً باعتراض: ايمي! لا تقولي كلاماً مخيفاً كهذا! ليس من الضروري أن يصل الأمر إلى هذه الدرجة حتى تعتبري الأمر مزعجاً بالنسبة لك!
لديكِ أنا وكارل وهاري وديفيد....ولن يسمح أي واحد منا بأن تتعرضي للمضايقة من أي كان!

أومأت ايمي بهدوء دون أن تعلق على كلامها. عندها سألتها لوسي بضيق: إذا...أخبريني بكل شيء. ما الذي فعلوه؟ ومن الذي وراء كل هذا؟

أجابت ايمي بتفكير: امممم...إنها ليست بالأمور الكبيرة حقاً... فقط خربشات كهذه على كتبي وعلى خزانتي...أحياناً يقومون بدفعي عندما أسير، أو يتحدثون عني بسوء.. وأحياناً يقومون بتخريب أشيائي الخاصة...وأمور مثل هذه...

فقالت لوسي بنفاذ صبر، بينما تتمالك أعصابها بالكاد: ايمي! كيف يمكن ألا تكون أشياء كهذه غير مزعجة؟!

لكنها تنهدت بضيق، وقالت بفتور: إذا...من المحرّض؟ غالباً ما يكون هناك شخص ما وراء تصرفات كهذه!

فأجابت ايمي بدون اهتمام: فتاة تريد الزواج بهاري على ما يبدو.... إنها من أسرة معروفة جداً، لذلك يطيعها الطلاب..

فتمتمت لوسي بتهكم: توقعت هذا! ثم سألتها بغيظ: تلك الحقيرة...هل تحدثت معك؟

أومأت ايمي بهدوء وقالت: أجل...لقد أخبرتني أن أبقى بعيدة عن هاري حتى تتركني وشأني...

فسألتها لوسي بمكر: إذا...هل ستبتعدين عن هاري كما أرادت، وتتركينها تحصل عليه؟

عندها قالت ايمي باستياء طفولي: بالطبع لن أفعل! أعني نحن نعيش معاً...من الغريب أن أبقى بعيدة عنه من الأساس!

ضحكت لوسي على كلامها، لكنها قالت بعدها بابتسامة شريرة: إذا ايمي...هل تريدين مني أن ألقّن تلك الحقيرة المدللة درساً لن تنساه أبداً؟

نظرت إليها ايمي بدهشة وقالت باستغراب: أنتِ ستفعلين؟

وضعت لوسي يدها على رأسها وقالت وهي تمسح على شعرها بحنان: بالطبع سأفعل... لن أسمح لأحد بأن يؤذيكِ بعد الآن. أخبريني فقط عن اسمها، وسوف أتصرف..

فردت ايمي بتفكير: لا أعرف اسمها الأول، لكنها من عائلة اسمها ميليغان...

تفاجأت لوسي لما سمعت هذا وقالت بغيظ: عائلة ميليغان إذا! لا عجب أنها تتصرف بثقة هكذا!

عندها سألتها ايمي بحيرة: لكن لوسي...حتى هاري لم يلاحظ أنني كنت أتعرض للتنمر في المدرسة..فكيف استطعتِ ملاحظة هذا؟!

ابتسمت لوسي بحزن وقالت: لقد تعرضت للتنمر في الماضي عندما كنت في مثل سنكِ تقريباً...لذلك أستطيع أن أفهم كيف يبدو الشخص الذي يتعرض لمثل هذه الأمور.. لكن بالنظر إليكِ الآن، أنت أقوى مني بكثير ايمي...

تفاجأت ايمي من كلامها وهتفت قائلةً بقلق: لوسي كانت تتعرض للتنمر؟ لماذا؟ أنتِ قوية جداً، فكيف استطاعوا فعل هذا لك؟!

أجابت لوسي بوهن: في ذلك الوقت، كنت مختلفة جداً عما أنا عليه الآن...كنت ضعيفة وجبانة...حتى أنني لم أستطع حماية أعز شخص على قلبي، بالرغم من أنه تعرض لكل ذلك بسببي!
دائماً ما أفكر...ربما لو أنني كنت أقوى في ذلك الوقت...ربما لو أنني أطعته، لو أنني لم أفعل ذلك، لما كان ليحدث كل ما حدث!

شعرت ايمي بالحزن حقاً من كلماتها رغم أنها لم تفهم أي شيء. فاحتضنتها بقوة، وقالت بنبرة متألمة: لا تقولي هذا لوسي...ليس عليكِ أن تلومي نفسك على شيء قد حدث بالفعل! أنا واثقة من أنه لم يكن يخطؤك...لقد فعل ذلك الشخص ما فعله لأجلك..إنه يحبك كثيراً، لذلك هو ليس نادماً بالتأكيد!

كلماتها تلك، أيقظت مشاعر كثيرة في داخلها...بدت لوهلة أنها على وشك البكاء حقاً.. فضمّت ايمي هي الأخرى. تلك الصغيرة الغامضة، التي بعثت الدفء في قلبها منذ أن تعرفت عليها أول مرة..

قبّلت رأسها وقالت بألم: شكراً لك ايمي..

ثم نظرت إليها وأردفت بجدية: ايمي...عديني أنكِ لن تخفي عني أشياء كهذه مرة أخرى..مفهوم؟

ابتسمت ايمي بسعادة وقالت وهي تحتضنها أكثر: أجل لوسي... أعدك..

ضمتها لوسي هي الأخرى وأخذت تمسح على شعرها بحنان، في حين ظلت تفكر في كلماتها بقلق...

فكرت في نفسها بضيق: من غير المنطقي أن تنطق طفلة بعمرها كلمات كهذه...هناك احتمال واحد فحسب جعل ايمي لا تهتم لما يفعلونه لها الآن..

ثم ضمتها بقوة أكبر، وقالت وهي تعض شفاهها بألم: ما الذي تعرضتِ له حتى تقولي هذا...ايمي!

#باريس_ المقر الرئيسي لمجموعة (WST) التجارية_ الساعة 11:25 صباحاً


2006\2\23

وضع السكرتير غرانتير أكواب القهوة الثلاثة أمام كل واحد منهم، ليقف بعد ذلك إلى جانب سيده بهدوء..

كان ذلك المكتب الواسع، بأثاثه الفاخر. يشغل الطابق الأخير من تلك البناية المرتفعة..

أحد حوائطه كان عبارة عن زجاج شفاف، يطل على المدينة بالأسفل..أمامه مكتب خشبي فخم. وفي المنتصف أرائك جلدية متقابلة. حيث يجلس الثلاثة الآن...

نظر كارل إلى ذلك الرجل الجالس إلى جانب ابنته الشابة، والتي بدا عمرها ما بين السابعة عشر والثامنة عشر...

كانت جميلة بملامح رقيقة وهادئة...شعرها أسود طويل، وعيناها زرقاوان واسعتان..

ظل كارل يحدق بهما بعدم ارتياح، لكنه لم يعلق على وجودها في هذه المقابلة المهمة حتى الآن، منتظراً من والدها أن يشرح الأمر...

استهل الرجل حديثه قائلاً: إنني سعيد حقاً أنك وافقت على توقيع العقد مع شركتي... سوف يكون بوسعنا كسب الكثير من هذه الشراكة بيننا...

أجاب كارل بهدوء: لقد قرأت بنود العقد جيداً، وأظن أنه سيكون مناسباً للاستثمار على المدى الطويل...أتطلع للعمل معاً في المستقبل...سيد هورشام...

ابتسم هورشام بتصنع وقال وهو يشير إلى ابنته: أقدم لك ابنتي العزيزة إيلينا... إنه لفخر لي أن نعزّز العلاقات بيننا على المدى الطويل كما قلت تماماً، وأظن أن إيلينا خير وسيلة لذلك...
إنها فتاة لطيفة ومتفهمة، كما أنها مطيعةً جداً. سيكون بوسعنا تنظيم بعض المواعيد المدبرة بينكما حتى تتعرفا على بعضكما أكثر...

سكت كارل قليلا قبل أن يقول محاولاً استيعاب كلامه: لحظة واحدة سيد هورشام...لا أريد أن أفهم كلامك بشكل خاطئ لكن...هل أفهم مما قلته أنك تعرض عليّ الزواج من ابنتك؟!

ابتسم هورشام وقال بهدوء: الزواج قد يكون خطوة مبكرة في الوقت الحالي أيها الرئيس تشادولي...يمكنكما البدء بالمواعدة، ثم سنفكر بالخطوة التالية لاحقاً...

احتدت ملامح كارل، ليقول بانزعاج واضح: سيد هورشام...ألا تعتقد أنك تماديت كثيراً؟ أعلم أن التعاون مع شركتك سيرجع لي بأرباح كثيرة. لكنني لا أخطط لتحويل حياتي الخاصة إلى مشروع تجاري.
إذا ما أردت أن نتناقش عن العمل، فأنت مرحب بك في أي وقت. لكن إذا ما فتحت هذا الموضوع مرة أخرى كشرط لتوقيع العقد، فأخشى أنني سأكون مضطراً لإلغائه..

ابتسم هورشام ليقول بمكر: لا أظن أن هذا سيكون في صالحك أبداً أيها الرئيس تشادولي...التحقيقات كلها تؤكد أنك لم تلمس أي امرأة في حياتك. أتعرف ماهي الشائعات المنتشرة عنك؟ إنهم يقولون عنك بأنك قد تكون شاذاً. ولا أظن أن إشاعةً كهذه جيدة لسمعتك.
يمكننا أن نوقع عقد الشراكة بيننا، ويمكنك أن تنفي تلك الإشاعات عنك في الوقت نفسه بأن تصبح ابنتي خطيبةً لك...إنه مثل ضرب عصفورين بحجر واحد!

ابتسم كارل بسخرية وقال: هل تظن أنني أهتم لما يقال عني؟

ثم نظر إليه بحدة، وقال بنبرة متعالية: هل تعلم ما الذي جعلني شخصاً ناجحاً بالرغم من صغر سني؟ الأمر هو أنني أفصل حياتي الشخصية، عن حياتي المهنية تماماً.
الأشخاص الذين تتحكم بهم عواطفهم، ويسعون فقط وراء رغابتهم، لا يكنهم النجاح أبداً.. لذلك مهما كان ما يقولونه، فهو لا يهم أبداً...

عندها وضع أمامه مجموعة صور مفبركة له، ليقول بخبث: لا أظن أنك تريد لشيء كهذا أن يُنشر في العلن صحيح؟ لدي تأثير كبير جداً على وسائل الإعلام، ويمكنني استعمالهم كما أريد..
ألا تعلم؟ إن الصحفيين يصبحون مخيفين جداً عندما يتعلق الامر بالفضائح! لديك أخ صغير...هل فكرت في مشاعره إذا ما علم أن أخاه ليس شخصاً سوياً؟

ضحك كارل من كلامه وقال بسخرية: هل تقوم بتهديدي؟!

رد هورشام ببرود متجاهلاً كلامه: إذا لم ترد الزواج منها، فلا بأس بأن تجعلها عشيقةً فحسب...
يجب أن يكون هناك ضمان قوي يؤكد لي أنك ستبقى في صفي مهما حدث، ولا يهمني أبداً أيا كان ما علي دفعه في سبيل ذلك!

نظرت الفتاة إلى والدها بصدمة، وهتفت قائلة باستنكار: أبي!

عندها قال بحدة أرعبتها، ولم تجرؤ بعدها على قول أي شيء: أغلقي فمك!

علّق كارل على كلامه بسخرية لاذعة: سيد هورشام...هل تدرك معنى كلامك الذي تفوهت به للتو؟ إنك حرفياً تبيع ابنتك لي! هل تظن أنك ستكون قادراً على أن تضمنني في صفك بهذه الطريقة؟

فقال هورشام بخبث: لا أظن أنها فكرة سيئة على كل حال... لقد كان لرجال عائلة تشادولي نساء كثر، ولابد أنك معتاد على شيء كهذا!

أرخى كارل جسده على الأريكة، وقال ببرود بعد أن أسند مرفقه على ذراعها: بالفعل...لطالما رأيت الكثير من النساء حول جدي وأعمامي..بل ووالدي أيضاً! لم يكن يخجل من أن يرى طفلاه الصغيران تلك المناظر أبداً...لكن هل تعرف ما الذي كنت أفكر به اتجاه هذه الأشياء؟

ثم أردف باستحقار: بالنسبة لي، إنه شيء مقزز ويجعلني أرغب في التقيؤ! لذلك لا تضعني في ذلك المستوى الوضيع، فلست خنزيراً يركض وراء غرائزه!

ضغط هورشام على أسنانه وقال بغيظ: إذا...هل تقول أنك تريد أن تؤكد تلك الإشاعة ضدك؟!

ابتسم كارل بسخرية وقال بمكر، بينما يشدد على كل كلمة يقولها: المال والسلطة، هما الأساس الذي يدور عليه هذا العالم القذر...هل تظن أن صغر سني وقلة خبرتي، ستجعلني أخاف من تهديدك السخيف هذا؟

ثم سكت قليلا واستطرد بينما يعبث بأصابعه ببرود: همممم حادثة انهيار المبنى السكني في تولوز قبل سنتين...هل ستكون سعيداً إذا ما أرسلت تقريراً للنيابة العامة حول حقيقة أن السبب في انهياره هو سوء جودة المواد، وليس خطأ المهندسين كما ادّعت شركة البناء الخاصة بابنك؟ أتساءل كم سيحكمون عليه إذا ما ثبت ذلك...

عندها قام هورشام من مكانه وهتف بذعر: كـ...كيف تعرف عن هذا؟!

فرد كارل ببرود: لكي تدافع، عليك أن تهاجم أولاً. ولن يمكنك الهجوم إلا إذا ما امتلكت الأسلحة التي يمكنك أن تهزم بها خصومك...

ثم نظر إليه وقال بحدة: لا تلمني على هذا...أنت من أراد أن ينهي الأمر بالأسلوب القذر أولاً...كان سيكون لطيفاً لو أننا وقعنا العقد بهدوء، دون اللجوء إلى هذه الطريقة...

أشار إليه بالجلوس في مكانه وقال بلامبالاة: والآن...دعنا ننهي توقيع ذلك العقد...

ثم نظر إليه بحدة أرعبته، ليقول ببرود: وتذكر ألا تساوم بابنتك في المرة القادمة، فذلك مثير للاشمئزاز حقاً...

ضغط هورشام على أسنانه بغيظ، بينما يقوم بتوقيع العقد أمامه وهو يدرك قطعاً أنه لا مجال له لهزيمته...
إنها المرة الأولى التي يتعامل فيها معه. وقد ظنه سيكون هدفاً سهلا نظراً لصغر سنه، لكنه عرف الآن أنه وفي الواقع...شيطان حقيقي!

وقع على العقد، ليوقع كارل من بعده. عندها نظر إليه هورشام وقال متوسلاً: أرجوك أن تغفر لي وقاحتي أيها الرئيس تشادولي...لقد تماديت كثيراً، ولم أقصد أبداً أن أتهمك بشيء كهذا...

ابتسم كارل وقال بسخرية: حسناً سأتغاضى عن الأمر...في الواقع أنت محق فيما قلته، فأنا بالفعل لست شخصاً طبيعياً...

وسكت قليلا ليردف بتفكير: أعني...لا يوجد شخص سويّ في هذا العالم، قد يقع في حب امرأة تريد قتله!

نظر الجميع إليه بدهشة، لكنه قال مخاطباً هورشام بلهجة آمرة: والآن، لا أريد رؤية وجهك مرة أخرى... فلتغادر حالاً إذا ما لم ترد أن أغير رأيي...

فقام هورشام من مكانه على الفور، وقال مخاطباً ابنته: إيلينا...لنذهب حالاً!

ثم انحنى لكارل وقال بخضوع: استأذنك بالذهاب الآن...أيها الرئيس تشادولي...

ما إن غادر هورشام وابنته المكتب، حتى وقف غرانتير إلى جانب كارل ليسأله بقلق: سيدي الشاب...أستطيع أن أستنتج أن المرأة التي تحبها هي الآنسة أليسون...لكن ما الذي كنت تقصده عندما قلت أنها تنوي قتلك؟!

فابتسم كارل وقال متصنعاً المرح: ما هذا غرانتير؟ لماذا تبدو قلقاً هكذا؟! بالطبع لم أقصد الأمر بالطريقة التي فهمتها...إن لوسي مسلية جداً، لذلك ستقتلني بظرافتها يوماً ما!

ارتبك غرانتير لما قال هذا، ولم يبد مقتنعاً بكلامه أبداً...لكنه سأله بقلق: لكن سيدي الشاب..هل تظن أنه من الجيد إعلان مشاعرك اتجاهها هكذا؟ ماذا لو أنهم قاموا بإيذائها؟!

ابتسم كارل بخبث، ورد بهدوء غريب: لا تقلق غرانتير...إنني أعرف جيداً ما أفعله..
.
.
.
.
ما إن خرج برفقة ابنته من الشركة، وخلفه حراسه الشخصيين. تعلقت إيلينا بملابسه وقالت وهي تصرخ بعينين دامعتين: كيف يمكنك أن تفعل هذا بي أبي؟! ماذا لو وافق على أن أصبح عشيقته؟ كيف ترضى لابنتك أن تصبح رخيصةً هكذا؟!

دفعها هورشام بقوة حتى سقطت أرضاً، ليقول بغضب عارم: توقفِ عن التصرف بعاطفية هكذا! حتى لو أصبحتِ مجرد عشيقة، فستكون لديك فرصة! ما إن تحصلي على طفل من ذلك الوغد، فسوف يكون بإمكاننا التحكم به كما نريد!
إن ابنة ميليغان تسعى وراء الوريث الثاني...هل ترضين بأن تهزمك تلك الطفلة؟! يجب أن تحصلي على الرئيس تشادولي بأي ثمن، هل تفهمين؟َ!

خفضت إيلينا رأسها بغيظ دون أن تعلق على كلامه...هي بالطبع لن تسمح لتلك الحقيرة بأن تهزمهما مهما حدث!

عندها أمر هورشام رجاله قائلاً بحدة: اعثروا على المرأة التي تحوم حول الرئيس تشادولي...

فسأله أحدهم بتردد: ما الذي علينا أن نفعله لها عندما نجدها؟

فابتسم هورشام وقال ببرود: أليس الأمر واضحاً؟

ثم سكت قليلا ليردف بنبرة خبيثة: عليكم أن تقتلوها فوراً!

يتبع..

.

*******

_رأيكم في الفصل؟

_ توقعاتكم للأحداث القادمة؟

_هل ستسكت جانيت بعد أن خاطبتها ايمي بتلك الطريقة؟

_لماذا برأيكم لم تهتم ايمي بمضايقاتهم تلك؟

_ما السبب الذي جعل لوسي تتعرض للتنمر في طفولتها؟

_ومن الشخص الذي فشلت في حمايته بسبب ضعفها؟

_كيف ستتصرف لوسي الآن حتى تمنع الطلاب من مضايقة ايمي؟

_

(

لا يوجد شخص سويّ في هذا العالم، قد يقع في حب امرأة تريد قتله)

ما الذي استنتجتموه من هذه العبارة التي قالها كارل؟ 🙊

_لماذا أفصح كارل لذلك الرجل أن

هناك

امرأة يحبها؟!

_ما الذي تخطط له تلك الفتاة إيلينا هورشام ووالدها؟ وهل سيقوم أتباعه بقتل لوسي حقا؟

أحداث كثيرة وشيقة بانتظاركم في الفصول القادمة فانتظروني ..

لا تنسوا التصويت والتعليق على أحداث الفصل، وأرجو أنه قد نال إعجابكم..دمتم في أمان الله وحفظه ^^

2018/10/26 · 688 مشاهدة · 5105 كلمة
NajwaSD
نادي الروايات - 2024