#فرنسا_قصر تشادولي الرئيسي_ الساعة 7:30 صباحاً


2006

\3\7

وقفت إلى جانب الباب لتقول بقلق، بعد أن كوّرت يدها أسفل ذقنها بتفكير: هل تأكدتِ من كل شيء؟ الملابس، القبعات الصوفية، سدادات الأذن، الجوارب، الـ...

قاطعتها ايمي لما قالت باستياء، وهي ترتدي حقيبة ظهرها الوردية الكبيرة: لوسي! لقد قمتِ أنتِ بتجهيز كل شيء معي في الأمس، ألا تذكرين؟! لقد تأكدتِ من محتويات حقيبتي مليون مرة!

زمّت لوسي شفتيها وقالت بتهكم: لا يسعني سوى أن أكون قلقة..أعني، أنتِ ستذهبين في رحلة وحدكِ لثلاثة أيام!

تنهدت ايمي بإحباط وقالت بضجر، بعد أن وضعت يديها على خصرها: كم مرة علي أن أقول أن هاري سيكون معي؟! ثم إن كارل سيرسل معنا بعض الحراس الشخصيين حتى يقوموا بمراقبتنا في الخفاء...

ثم نفخت خديها وقالت باستياء طفولي: أنتِ وكارل لا تكفّان عن القلق علينا أبداً! إنها مجرد رحلة مدرسية، فلماذا تضخّمان الأمر هكذا؟!

أجابت لوسي بقلة حيلة: سوف تبقيان بعيداً عنا لفترة طويلة، لذلك من الطبيعي أن نكون قلقين هكذا!

تنهدت ايمي بضيق وقالت بتهكم: إنها ثلاثة أيام فقط لوسي!

لم تردّ لوسي على تهكمها ذاك، بل قالت بينما توصيها بحرص: عليكِ أن تكوني حذرة عندما تتزلجين. لا تتزلجي في الهضاب شديدة الانحدار، ولا تبقي بعيدة عن المرشد الخاص بفصلك. حتى لو كان هناك طلاب في صفكِ يجيدون التزلج، فليس من الضروري أن تحاولي تقليدهم...المهم فقط أن تستمعي بوقتك، لذلك تفعلي شيئاً خارج عن قدراتكِ مفهوم؟

شدّت ايمي حزام حقيبتها وقالت بملل، بينما تسير باتجاه الباب: آه أجل أجل فهمت هذا! لقد ألقى عليّ كارل المحاضرة نفسها ثلاثة مرات في الأمس، ومرتين هذا الصباح..

رفعت لوسي حاجبها باستنكار، ثم شدّت ياقة معطفها من الخلف وقالت بهدوء مخيف، بينما تنظر إليها من رأسها حتى أخمص قدميها: انتظري لحظة..منذ متى صرتِ تتكلمين بهذه الطريقة الوقحة؟ أرى أنكِ قد تعلمت بعض الحركات من هاري!

شعرت ايمي بالخوف نوعاً ما من نبرتها تلك. لكنها ضحكت بتوتر، ثم ردت بارتباك: آآه... أنا...أنا لم أكن أتكلم بوقاحة، يبدو أنكِ كنتِ تتوهمين لوسي!

نظرت إليها لوسي بشك للحظات. لكنها أرخت قميصها، ثم قالت بصرامة بعد أن عقدت يديها أمام صدرها: حسناً. لا تهور، لا عصيان لتعليمات الأستاذة، لا تزلج في الأماكن الخطرة. وأيضاً، احرصي على البقاء بعيدة عن تلك الفتاة!
حتى بالرغم مما فعلناه لها، لا أزال غير واثقة من أنها ستستلم بالكامل، خصوصاً إذا ما لاحظت أن هاري لا يعلم شيئاً عما حدث...

وضعت ايمي يدها إلى جانب رأسها مثل الجنود تماماً، لترد على تعليماتها بابتسامة مرحة: كما تأمرين، معلمة لوسي!

ضحكت لوسي على مظهرها، ثم قالت بعد أن انحنت باتجاهها لتضمها إليها وتقول بسعادة: ياااه...أنتِ حقاً كتلة من الظرافة ايمي!

ثم قبلتها على خدها وقالت بعد أن وضعت يديها على كتفيها: فلتستمتعي بوقتكِ هناك... سأكون بانتظارك هنا حتى تخبريني بكل ما حدث!

أومأت ايمي بابتسامة، ثم قالت بينما تنظر إليها بحزن: أنتِ تذكرينني حقاً بإيلي!

استغربت لوسي من كلامها وقالت بتساؤل: إيلي؟ من تكون؟

ابتسمت ايمي وردّت بفتور: إنها الخادمة التي قامت بتربيتي. إنكِ تذكرينني بها في كثير من النواحي...رغم أن شخصيتيكما مختلفتان جداً في الواقع!

فكرت لوسي في نفسها بحيرة: الخادمة التي قامت بتربيتها؟ ماذا عن والديها؟!
ثم تنهدت بضيق، وأردفت قائلةً بقلق: أتساءل حقاً ما حقيقة ما حدث معكِ ايمي...

لكن ملامح ايمي تغيرت فجأة، لتقول وهي تزمّ شفتيها باستياء طفولي: أوه صحيح! عليكِ ألا تدخلي في شجار مرة أخرى في غيابي! لقد شفيت جروحكِ أخيراً. أنتِ لا تريدين أن تنتهي بوجه متورم مرة أخرى صحيح؟ لقد قالت فِيا أنه على الفتاة أن تهتم بوجهها جيداً!

ضحكت لوسي من كلامها وقالت مدعيةً الانصياع: كما تأمرين ايمي!

نزلت كلتاهما إلى الطابق السفلي، حيث كان هاري في انتظارهما هناك برفقة خادمتين كانتا تحملان حقيبتي سفر متوسطتي الحجم.

ما إن رآها هاري، حتى قال بانزعاج واضح: أخيراً قررتِ النزول! ما الذي جعلكِ تستغرقين كل هذا الوقت؟!

فردّت لوسي عنها قائلةً ببرود: يجب على الرجل ألا يسأل المرأة سؤالاً كهذا! هناك الكثير من الأشياء التي يجب أن تجهزها الفتاة قبل الخروج لأي مكان، لذلك من الطبيعي جداً أن تتأخر!

ثم وضعت يدها على فمها وقالت باستفزاز: أوه صحيح! نسيت أنك محض طفل صغير، لذلك لن تفهم هذه الأمور بالتأكيد..

صرّ هاري على أسنانه بغيظ، لكنه لم يرد أن يزعج نفسه بالرد على كلامها ذاك...

أخذ نفساً عميقاً، ليقول بنفاذ صبر: ايمي...دعيناً نذهب الآن!

أسرعت ايمي باتجاهه وهي تعلم أنه يكاد ينفجر في أية لحظة، لذلك لم ترد أن تغضبه أكثر!

غادر الجميع إلى الخارج، متجهين إلى السيارة المركونة أسفل الدرج الحجري..

في تلك اللحظة، أقبل إليهم كارل بعد أن خرج راكضاً من باب المنزل، وقد كان يعدل ربطة عنقه وهو في طريقه نحوهم...

وقف بالقرب منهم بينما يلتقط أنفاسه بصعوبة، ليقول بعد ذلك بنفس متقطع: اعذروني على التأخر..

وما إن وقف بالقرب منهم، حتى بدت لوسي مضطربةً تماماً..

خفضت رأسها في ارتباك ملحوظ، بينما أخذت تعبث بأصابعها حتى تخفف من توترها ولو قليلاً...

في الواقع، منذ ذلك اليوم أصبح الجو بينهما متوتراً جداً.

كلاهما لم يتحدثا أبداً عما حدث، لكنهما استمرا في تجنب أي تواصل مباشر بينهما قدر الإمكان، مما خلق بينهما جواً غريباً ومربكاً إلى أبعد الحدود.

كانت ايمي تنظر إليهما بضيق، بعد أن أصبح ذلك مزعجاً حقاً بالنسبة لها.

لكنها تفاجأت كثيراً لما إن لاحظت شعر كارل المبلل، والذي بلل أطراف سترته أيضاً. فقالت هاتفةً بقلق: كارل! أنت لم تجفف شعرك بعد! ما يزال الجو بارد قليلاً في الخارج. سوف تمرض إذا ما بقيت هكذا!

خلل كارل أصابعه في أطراف شعره وقال بابتسامة مرتبكة: آه حسناً...لقد أردت أن أقوم بتوديعكما قبل أن تذهبا، لذلك لم أجد الوقت لتجفيف شعري...لا تقلقي ايمي، سأكون بخير..

فعلّق هاري بانزعاج: ما الذي تقوله أيها الأحمق؟ فلتدخل الآن بسرعة. أنت تصبح مزعجاً جداً عندما تمرض!

رد كارل بلامبالاة: قلت أنني سأكون بخير، لذلك وفّر نصائحك لنفسك...

تنهد هاري بضجر. ثم خاطب لوسي قائلاً ببرود، بينما يشير إلى كارل بانزعاج: من الأفضل أن تبقي بعيدة عنه إذا ما أصبح مريضاً...لا تقولي أنني لم أقم بتحذيرك.

احمر وجه لوسي خجلاً، ثم قالت وهي تشيح ببصرها بعيداً: مـ...ما الذي تقوله؟! ولم عليّ أن أبقى معه من الأساس؟!

زفر هاري بانزعاج، بعد أن ملّ تماماً من تصرفاتهما..

لكنه قال مخاطباً ايمي، بينما ينزل الدرج باتجاه السيارة: هيا بنا ايمي...

نظرت ايمي إلى كارل ولوسي وقالت وهي تلوّح بيدها لهما: سوف نذهب الآن...نراكما قريباً..

فقال كارل مبتسماً: اهتما بنفسيكما جيداً...

ثم رفع صوته مخاطباً هاري الذي كان ما يزال ينزل الدرج بخطوات سريعة: سوف أترك ايمي تحت رعايتك...اعتني بها جيداً!

لم يرد هاري عليه، بل اكتفى بالتلويح في يده بالهواء وهو يسير باتجاه السيارة معطياً إياه ظهره...

فتح الساق الباب لهما، فركب الاثنان السيارة. وقد قامت الخادمتان بوضع حقيبتيهما في صندوقها الخلفي..

ولم يمض الكثير من الوقت، حتى انطلقت السيارة بعيداً إلى خارج أملاك أسرة تشادولي...

ظل كارل ولوسي واقفين أعلى الدرج لبرهة، تفصل بينهما مسافة أمتار قليلة فقط...

عندها قالت لوسي بتوتر، دون أن تنظر إلى عينيه: امممم، أعتقد...أعتقد أنه من الأفضل أن تدخل الآن وتجفف شعرك وملابسك...سوف تمرض إذا ما بقيت هكذا...

أومأ بصمت دون أن يعلق على كلامها.

عندها همّت لوسي بالمغادرة، فأوقفها كارل بعد أن أمسك معصمها ليقول بتردد: لـ لوسي انتظري!

نظرت إليه لوسي بدهشة، وقد بدت متوترةً جداً...

فأرخى كارل يدها، ثم قال وهو يفرك مؤخرة عنقه بارتباك: آه..امممم...بما أن ايمي وهاري سيكونان خارج المنزل اليوم، ما رأيكِ أن نخرج معاً إلى مكان ما؟ سأكون متفرغاً هذا المساء. كما أنكِ لم تغادري المنزل منذ وقت طويل، لذلك لابد أنكِ تشعرين بالملل..

ضمّت لوسي يديها إلى صدرها بإحراج شديد، وقالت في نفسها بارتباك: كيف يفترض بي أن أرد على عرضه؟!

ثم سكتت قليلاً وفكرت قائلةً بتوتر: امممم...من الممكن أنه يحاول إعادة الأجواء بيننا لما كانت عليه قبل أن يحدث ذلك. أعني حسناً..ربما في الواقع لم يكن هناك شيء سيحدث من الأساس! من الممكن جداً أنني بالغت في التفكير فحسب!

فابتسمت وقالت مدعيةً الهدوء قدر الإمكان: لا بأس...إلى أين تريد أن نذهب؟

نظر إليها كارل بدهشة كما لو كان لم يتوقع ردها ذاك...لكنه رغم ذلك أجاب على الفور: لأي مكان تريدين الذهاب إليه!

وسكت قليلا ليردف وهو يكتم ضحكته: باستثناء صالة الألعاب طبعاً!

ضحكت لوسي بخفة، وهي تتذكر ما حدث معهما في ذلك الوقت. فقالت بابتسامة مرحة: معك حق! سيكون الأمر مريعاً إذا ما التقينا بأولئك الرجال مجدداً!

نظر إليها كارل بابتسامة هادئة، وقال في نفسه بارتياح: جيد. من الأفضل أن تستمري في الابتسام هكذا. سيكون الأمر فظيعاً حقاً إذا ما استمريتِ في تجنبي مجدداً!

سكتت لوسي قليلاً، ووضعت سبابتها على ذقنها بتفكير. لكنها قالت فجأة: دعنا نذهب إلى السينما! لقد مضى وقت طويل منذ آخر مرة شاهدت فيها فلماً ما هناك.

فابتسم كارل وقال مضيفاً على كلامها: ثم نذهب بعد ذلك لنتناول العشاء في مطعم ما..اتفقنا؟

كوّنت لوسي حلقةً بسبابتها وإبهامها، في حين رفعت أصابعها الثلاثة الأخرى كعلامة للموافقة. ثم قالت بمرح: اتفقنا!
(👌)

#فرنسا_في الطريق إلى باريس_ الساعة 8:45 صباحاً


2006\3\7

في الطريق، كانت ايمي تعقد يديها أمام صدرها، بينما تنظر إلى الأمام في غيظ شديد..

زفرت بضيق، وقالت بنبرة منزعجة: لا أفهم حقاً ما الذي حدث بين هذين الاثنين! مضى حتى الآن أكثر من أسبوع وهما على هذه الحالة!

عندها قال هاري وهو ينظر إلى نافذته ببرود: لا تكترثي لهما ايمي...لا أظن أن الأمر بتلك الأهمية..

فنظرت إليه ايمي وسألته بضيق: لكن لماذا؟ ألا تعرف ما هو السبب؟!

أجاب هاري بلامبالاة وهو يرخي جسده على مقعده: أراهن أن ذلك الأحمق قد فعل لها شيئاً غبياً، لذلك هي تتصرف معه هكذا!

استغربت ايمي من كلامه وقالت بتساؤل: لا أفهم..لماذا سيفعل كارل للوسي شيئاً يجعلها تتصرف هكذا معه؟!

فردّ هاري بسخرية مبطنة: هذا لأن الرجال أحياناً لا يستعملون عقولهم في التفكير في بعض المواقف.

عندها سألته بحيرة أكبر: ما الذي تقصده بهذا؟

نظر إليها هاري قليلاً، ثم قال وهو يكتم ضحكته من نظراتها البريئة تلك: لا شيء، ستفهمين قصدي عندما تكبرين.

أمالت ايمي رأسها إلى الجانب بينما تنظر إليه بحيرة، وهي لم تفهم حقاً ما الذي كان يعنيه بكلامه.

لكنها لم تفكر في الأمر كثيراً. سكتت قليلا لتقول بعد ذلك بتفكير: لكن. ألم تلاحظ أن لوسي لم تعد تخطط لفعل أي شيء خلال الفترة الماضية؟ ألا يعني ذلك أنها تخلّت عن رغبتها في إيذاء كارل؟

تنهد هاري بعمق، ثم علق على كلامها بضيق: ايمي...كونها توقفت عن ذلك قليلاً، لا يعني بالضرورة أنها تخلّت عن أهدافها. لا يمكنني الوثوق بها أبداً مهما حدث.

خفضت ايمي رأسها وقالت باستياء: لكن لوسي تحب كارل كثيراً. لا أصدق أنها قد تقوم بإيذائه أبداً!

أسند هاري مرفقه على مسند الباب، وقال بعد أن بسط كفه على خده في ضجر: لنفترض أن ما تقولينه صحيح، وأن تلك الأفعى تحب أخي حقاً. هناك مشاعر قد تكون أقوى بكثير من الحب ايمي. أشياء مثل الحقد، الكراهية، والانتقام. كل تلك المشاعر قد تغلب على الحب في كثير من الأحيان.

قوّست ايمي شفتيها وقالت باستنكار: كيف يمكن أن يكون هذا معقولاً حتى؟! كيف يمكن أن تحب شخصاً ما، وتكرهه في الوقت نفسه؟!

أجاب هاري ببرود، وفي عينيه نظرة خاوية: ذلك ممكن جداً، فلكل شخص تعريفه الخاص للحب.
أحياناً، قد يقوم أشخاص ما بتحويل إنسان إلى أبشع ما قد تتصورينه تحت مسمى الحب. قد يقومون بقتل روحه، وتحويل حياته إلى جحيم حقيقي باسم الحب. لذلك لا تستغربي أبداً إذا ما وجدتِ مثل هذا التناقض في شخص ما.

خفضت ايمي رأسها، وقالت وهي تضع يدها على قلبها بألم: مجدداً...تلك الكلمات مجدداً!

أرادت أن تسأله عما يقصده بكلامه. أرادت أن تعرف ما الذي يخفيه في داخله حتى يتحدث بهذه النبرة، ويرسم في عينيه تلك النظرات التي كانت تؤلم قلبها دائماً.

لكن السيارة توقفت فجأة، ليخاطبهما السائق قائلاً باحترام: سيدي الصغير، آنستي. لقد وصلنا إلى المطار..

نظر هاري إلى ايمي وقال بهدوء: لنذهب الآن ايمي..

أومأت ايمي بصمت، في حين ظلت تنظر إليه بضيق، دون أن تكون قادرةً على قول أي شيء..

#جبال الألب الفرنسية_ الساعة 2:30 مساءاً


2006\3\7

هنا في هذا المكان، ترسم الطبيعة أجمل لوحاتها الساحرة على الإطلاق، في منظر خلاب يأسر القلوب قبل الأبصار.

الجبال المرتفعة، الهضاب الشاهقة، والروابي المكسوة بالثلج بالكامل. كانت قد أعطت المكان رونقاً مميزاً. وجمالاً آخاذاً يسلب العقل.

تفترش الأرض بذلك البساط الأبيض ، حيث لا أثر لأي لون آخر، غير تلك الأشجار المجرّدة من أوراقها والتي انتشرت هنا وهناك، وكذلك الطلاب الذين انتشروا في كل مكان بملابسهم ذات الألوان الزاهية.

ومن بين جميع أولئك الطلاب، وقفت ايمي أعلى تلك الهضبة المنخفضة بينما تنظر إلى الأرض في خوف شديد..

كانت تمسك بعصاتي التزلج، وقد ثبتت في قدميها لوحي التزلج، بعد أن ارتدت تلك الملابس السميكة الخاصة والتي كانت عبارة عن معطف غليظ بلون رمادي باهت، مع بنطال وردي وقبعة صوفية وردية تغطي رأسها، مع سدادات أذن وردية ظريفة.


نظرت إلى هاري الواقف إلى جانبها وقالت بتوتر: هل حقاً علي النزول هكذا وحدي؟ دعنا نعد إلى التلفريك. إنه من الممتع مشاهدة المناظر من الأعلى، أكثر من فعل هذا...

ثم أردفت بخفوت: كما أنه أكثر أماناً أيضاً!

(لم أعرف كيف بصفونه بالعربية، لكن التلفريك يكون مثل العربات المعلقة في الهواء بين الجبال وتستخدم للتنقل ومشاهدة المناظر الطبيعية من الاعلى

تنهد هاري للمرة العاشرة تقريباً وقال بانزعاج: ايمي! لقد أتيتِ إلى هنا من أجل التزلج ألا تذكرين؟! هل تنوين قضاء اليومين القادمين أيضاً في التلفريك؟!

زمّت شفتيها وقالت وهي تتهرب من النظر إلى عينيه: لقد أوصاني كل من كارل ولوسي ألا أعرض نفسي للخطر، لذلك عليّ أن أتبع تعليماتها!

نظر إليها هاري بطرف عينيه وقال باستنكار: لقد أخبراكِ أن تكوني حذرة، ولم يقولا ألا تتزلجي أبداً!

ثم أشار إلى الأسفل، ورفع صوته قائلاً بنفاذ صبر: ألا ترين أمامك؟ إن الهضبة منخفضة جداً ولا تتجاوز سبعة أمتار تقريباً! كيف يمكن أن تكوني خائفةً هكذا ايمي!

عندها وقفت فِيا إلى جانب ايمي وقالت وهي تنظر إليه بانزعاج: توقف عن التذمر هكذا كالرجل العجوز! إنها أول مرة لها في التزلج، لذلك من الطبيعي أن تكون خائفة!

ضغط هاري على أسنانه وقال بهدوء متظاهراً الابتسام، بينما هو على وشك أن يفقد أعصابه حقاً: آنسة غريغوري. أنا لم أطلب رأيكِ، لذلك ابق خارج الموضوع رجاءاً.

أجابت فِيا باستفزاز وهي تمد لسانها نحوه: بل سأتدخل!

ثم سكتت قليلاً وأردفت بانزعاج: ثم ما الذي تفعله هنا من الأساس؟! هذه المنطقة مخصصة لطلاب الابتدائية، ولا يفترض بطالب في الإعدادية أن يتواجد هنا!

أجاب هاري ببرود: لا أذكر أن هناك قانون يحرم هذا، فيمكن للجميع أن يتواجدوا في أي مكان يحلو لهم. وفي جميع الأحوال، الأمر بيني وبين ايمي، لذلك لا شأن لك!

عقدت فِيا يديها أمام صدرها وقالت بغرور: لا علاقة لك إذا ما كان الأمر من شأني أو لا. ايمي هيا صديقتي، ومن الطبيعي أن أشعر بالقلق عليها.

ثم نظرت إليه بطرف عينيها، وقالت بانزعاج: خصوصاً عندما يحاول متذمر عصبي قليل الصبر، إفساد مرتها الأولى في التزلج!

ظلا ينظران إلى بعضهما بكره، ولقد شعرت ايمي أن هناك شرارة كهرباء لا مرئية تسري بينهما في تلك اللحظة!

تنهدت بضجر، وقالت في نفسها بانزعاج: ألا يمكن لهذين الاثنين أن ينسجما ولو قليلاً؟!

كانت تقف على حافة الهضبة. ودون أن تلاحظ، ظل الثلج القليل الذي كانت تقف عليه ينزاح من جانب قدمها ببطء.

وفي ثانية، وجدت نفسها تنزلق بسرعة إلى الأسفل. فظلت تصرخ بذعر وهي تهوي إلى الأسفل: هاااري، هاااري ساعدني!!

لكن صوتها اختفى ما إن سقطت أسفل الهضبة، وقد حشرت وجهها في كومة من الثلج!

نزل كل من هاري وفِيا إليها على الفور، غير أن هاري كان أسرع منها في التزلج بكثير.
فما إن استوى لوح التزلج الخاص به أسفل الهضبة، حتى ركض نحوها ليهتف قائلاً بانفعال: هل أنتِ بخير ايمي؟!!

رفعت ايمي رأسها من على الأرض لتجلس على ركبتيها ثم تنظر إليه للحظات. بدا مضهرها مضحكاً جداً بذلك الثلج الذي علق أعلى انفها ورأسها، وعلى ملابسها أيضاً.

فحرّكت رأسها بقوة لتنفض ذلك الثلج من على وجهها، لتبدو كجرو صغير قد ابتل بالماء!

كان هاري يبدو مذعوراً حقاً، لذلك انفجرت ايمي ضاحكة وقالت وهي تشير إليه: ما الأمر هاري؟! لماذا تبدو مرعوباً هكذا؟ إنني بخير كما ترى!

تنهد هاري بارتياح، ثم عقد حاجبيه بانزعاج، وقال وهو يمد يده نحوها: غبية! الأمر ليس مضحكاً أبداً. ماذا لو أنكِ تأذيتِ أو كسرتِ ساقك؟!

ابتسمت ايمي بهدوء وهي تنظر إليه. لطالما كان هاري هكذا دائماً، فهو كثيراً ما يبالغ في حمايتها والاعتناء بها حتى من دون ان يلاحظ ذلك أحياناً.

وقفت أمامه بينما تنظر إليه بهدوء، فاقترب منها لينفض ما تبقى من الثلج العالق في وجهها وملابسها برفق.

لكنها قالت فجأة بحماس طفولي، بينما تضم يديها إلى صدرها: لكن أتعلم هاري؟ صحيح أنه كان مخيفاً في البداية، لكنني أعتقد الآن أن التزلج على الثلج ممتع جداً في الواقع!
ذلك الشعور عندما تتزحلق من أعلى الهضبة بسرعة، بينما تضرب الرياح وجهك، ويتحفز جسدك بالكامل!

ثم أمسكت يده وقالت بعينين تشعان حماساً: أريدك أن تعلمني كيف أتزلج هاري!

تنفس هاري الصعداء، وقال براحة بعد أن أرهقته حقاً وهو يحاول إقناعها بيأس: أخيراً اقتنعتِ بهذا!

ثم ابتسم وقال بمرح: ما يزال الأمر ممتعاً أكثر عندما تجيدين التزلج!

فقالت ايمي بسعادة بينما تجره معها: إذا دعنا نذهب بسرعة! يجب ألا نضيّع الوقت!

بدا منظرها مضحكاً وهي متحمسة هكذا. فكتم هاري ضحكته وهو يسير خلفها، بينما ينظر إليها باستمتاع.

كانت فِيا التي نزلت من الهضبة قبل قليل، تنظر إليهما في صمت.

ابتسمت بهدوء وقالت في نفسها بتفكير: صحيح أن تشادولي يصبح مزعجاً وحقيراً جداً مع كل من حوله. لكن تعامله مع ايمي، واهتمامه بها مختلف جداً عن الآخرين!

ثم ابتسمت بخبث وقالت: ذلك يبدو ظريفاً حقاً!!
.
.
.
.
لم يلاحظ أي منهم تلك النظرات القاتلة التي كانت موجهةً لايمي آنذاك!

كانت جانيت تقف وحيدة على مقربة منهم، بينما تراقبهم بغيظ شديد.

ضغطت على أسنانها وقالت بكره: كيف تجرؤ تلك الحقيرة على الضحك مع هاري هكذا بكل براءة بعد الذي فعلته لي! سوف أجعلها تندم بالتأكيد!
.
.
.
.
في المساء، كانت ايمي وفِيا تسيران معاً في ردهة الفندق باتجاه غرفتهما. وقد كانتا مرهقتين تماماً.

قالت فِيا بارهاق، وهي تشعر أن كل عضلة من جسدها تؤلمها حقاً: ما هذا؟ لم أشعر بالتعب في حياتي هكذا أبداً!

فعلّقت ايمي بتعب هي الأخرى: وأنا أيضاً. لم أبذل مجهوداً كهذا من قبل أبداً!

ثم أردفت بتهكم: رغم أن هاري لم يسمح لي باللعب كثيراً!

فقالت فِيا بعتاب: بالطبع لن يسمح لكِ بإرهاق نفسكِ كثيراً! لا تنسِ أنك مصابة بالربو ايمي، وليس من الجيد أن تبقي في هذا الجو البارد لوقت طويل!

نفخت ايمي خديها باستياء طفولي، ثم قالت متذمرة: لكنني أريد اللعب كثيراً أنا أيضاً! لقد كان التزلج ممتعاً جداً.

فعلّقت فِيا وهي تنظر إليها بمكر: رغم أنكِ فظيعة حقاً في ذلك، فقد انتهى بك الأمر ملقيةً على وجهك في كل مرة!

احمرّت وجنتاها خجلاً، وهتفت قائلةً بإحراج: سوف أصبح أفضل إذا ما تدربت أكثر!

ثم أردفت بتذمر: كما أن هاري فظيع حقاً في التعليم!

ضحكت فِيا وقالت موافقة على كلامها: حسناً..إذا ما صغتها بهذه الطريقة، فأظن أنكِ محقة في كلامك!

بعد ان عم الصمت بينهما قليلاَ، قالت فِيا فجأة بينما تضم نفسها بحب: آآه. أشعر بالأسف لأنني سأضطر لنزع هذه الملابس الآن! أعني، لا أصدق أنني استطعت ارتداء شيء علية شعار ماركة فيريس!

نظرت ايمي إلى الشعار المطبوع على صدر معطفها إلى جانب شعار المدرسة، وقالت باستغراب: هل هذه العلامة التجارية مميزة إلى هذه الدرجة؟!

فقالت فِيا هاتفةً بانفعال: بالطبع هي مميزة جداً! شركة فيريس للمعدات والملابس الرياضية، هي إحدى أهم الشركات التابعة لمجموعة (WST) التجارية. إن معداتهم وأزياءهم مشهورة جداً ورائعة!

ثم أردفت بتهكم: وأيضاً غالية كاللعنة!

ضحكت ايمي على كلامها، ثم قالت وهي تنظر إلى معطفها مجدداً: لكن في الحقيقة، كارل لم يكن مقتنعاً أبدأً بأزياء هذه الرحلة. قال أن شركته اضطرت لإعدادها باستعجال بسبب ضيق الوقت، لذلك لم تكن بالجودة التي أرادها.

فعلّقت فِيا بتهكم: إنه يمزح بالتأكيد! أعني انظري، إنها في غاية الروعة!

ثم أردفت بإحباط: أنتِ محظوظة حقاً ايمي لكونكِ تعيشين رفقة شخص رائع مثله!

رفعت ايمي حاجبها باستنكار، وقالت بتهكم: ألم تكوني تذمينه في أول يوم التقينا فيه؟!

ارتبكت فِيا من كلامها وقالت بإحراج: آه حسناً، ذلك...إنه ثري جداً ووسيم ومشهور. لا يمكنني أن أكرهه أبداً، خصوصاً بعد أن حدثتني عن شخصيته!

فعقدت ايمي يديها أمام صدرها وقالت بحزم: عليك أن تستلمي بشأنه فِيا. كارل يـ...

فقاطعتها فِيا وقالت بضجر، بينما تنهي جملتها التي كررتها على مسامعها ألف مرة: كارل يحب لوسي فقط! أعلم هذا ايمي. لم أقل أنني أريد الزواج به، كل ما في الأمر أنني أريد رؤيته لمرة فقط!

ثم كوّرت يديها أمام صدرها، وقالت بإعجاب شديد: وفي الواقع، أرغب بلقاء لوسي أيضاً! إنني معجبة جداً بشخصيتها التي حدثتني عنها.

ثم ابتسمت بشر، وأردفت قائلةً بشماتة: يكفي أنها استطاعت كسر أنف تلك المغرورة جانيت، وتمريغ كرامتها في التراب!! أظن أنها هي والرئيس تشادولي، سيكونان ثنائياً رائعاً دون أدنى شك!!

ضحكت ايمي على كلامها، وقالت بمرح: لا بأس فِيا...يمكنك القدوم إلى منزلنا يوماً ما حتى تلتقي بهما.

فقالت فيا بسخرية: بالتأكيد لن أفعل هذا! سوف تجن أمي إذا ما علمت أنني صديقة لقريبة الرئيس تشادولي!

خفضت رأسها وقالت بتردد: لا أعلم ما إذا كان من الجيد إخباركِ بهذا أم لا لكن...إن أمي ترغب في التقرب منه بأي طريقة، حتى تطور من أعمال أسرتنا.

ثم أردفت بحزن: لا أريد أن تكون علاقتي بكِ لأجل مصلحة ما ايمي. لكن أمي لن تقتنع بهذا!
منذ أن أصبحت شركتنا تصبح أفضل شيئاً فشيئاً، أصبحت أمي لا تهتم بأي شيء سوى المال! ذلك مزعج جداً...

سكتت قليلاً لتضيف بألم: حتى أنها لم تعد تهتم بمشاعري وبما أريده. لقد جعلتني أنتقل إلى هذه المدرسة وأترك أصدقائي في مدرستي السابقة، من أجل الاختلاط بأطفال مغرورين لم أستطع تقبلهم أبداً!

ونظرت إليها لتقول بابتسامة باهتة: لكن أنتِ لستِ مثلهم ايمي. حتى رغم أن الأخوان تشادولي مقربان جداً منكِ، إلا أنكِ لست متكبرةً أبداً!

أتعلمين؟ أنا أحبكِ كثيراً، ولا أريد أن أفترق عنكِ أبداً.

ابتسمت ايمي وقالت بهدوء، بعد أن أمسكت بيدها برفق: لا تقلقي فِيا. أنا أيضاً أحبك كثيراً، وأريد أن نبقى صديقتين إلى الأبد.

عندها ضمتها فِيا وقالت بسعادة: أجل ايمي...سنبقى صديقتين دائماً!

ولما ضمتها، رأت تلك القلادة الفضية في عنقها. والتي لاحظتها منذ فترة طويلة في الواقع.

فقالت وهي تشير إليها باستغراب: لقد لاحظت أنكِ ترتدين هذه القلادة دائماً، رغم أنكِ تبقينها تحت ملابسك. هل يمكنني أن أراها؟

أجابت ايمي على الفور: أوه أجل، بالتأكيد.

ثم أخرجت تلك القلادة من تحت ملابسها، وأرختها لتنسدل على صدرها.

فما إن رأت فِيا القلادة، حتى شهقت بصوت عالٍ وهتفت قائلةً بانفعال: أنتِ بالتأكيد تمزحين معي صحيح؟!!

استغربت ايمي من ردة فعلها كثيراً، وسألتها بتعجب: ما الأمر فِيا؟ لماذا أنتِ منفعلة هكذا؟!

فقالت فِيا وهي تشير إلى القلادة: هل تقولين هذا لأنكِ لا تعرفين حقاً، أم أنكِ تدعين الجهل؟! ألم تسمعي بهذه القلادة من قبل؟! إنها معروفة بزهرة الشتاء. المنتج الأبرز للسنة الماضية، والذي أطلقته أشهر شركة لصناعة المجوهرات في العالم!
يوجد منها ثلاثة قطع فقط في العالم كله. والقطعة الواحدة، تكلف أكثر من ثلاثة مليون يورو، بسبب الألماسات النادرة الموجودة فيها!

نظرت ايمي إلى قلادتها بذهول وقالت هاتفة: أحقاً ما تقولين؟! لم أكن أعرف هذا أبداً!

ثم تنهدت بإحباط، وقالت بنبرة منزعجة: ذلك الغبي هاري يبالغ مجدداً! كيف يمكنه أن يشتري لي شيئاً غالياً جداً كهذا؟!

احمرت وجنتا فِيا خجلاً وقالت هاتفةً: أحقاً تشادولي هو من أهداكِ هذا؟!

ووضعت يديها على خديها المحمرين لتقول بحماس طفولي: ياااي ذلك رومانسي حقاً!

ثم أردفت بمكر: من كان يتصور أن ذلك البليد عديم الإحساس، قد يهدي الفتاة التي يحبها شيئاً كهذا!

نظرت إليها ايمي بانزعاج وقالت: من الذي تقصدينه ب(الفتاة التي يحبها)؟

وقد شدّدت على كلماتها الأخيرة.

فنظرت إليها فِيا باستغراب، وردّت بتردد: إنها أنتِ طبعاً!

ما إن قالت هذا، حتى أخذت ايمي تضحك بصوت عالِ، وقالت وهي تشير إلى نفسها باستنكار: هاري يحبني؟! أنت تمزحين حتماً! أعني... إنه أكبر مني بسبع سنوات فِيا! إنه حتماً يراني كطفلة صغيرة فحسب! أنا وهاري صديقين فقط، ولا شيء أكثر من هذا.

سكتت فِيا قليلاً لتقول بانزعاج: ايمي! سبع سنوات ليس فرقاً كبيراً جداً في الواقع. لقد شاهدت في الدراما أشخاصاً يتزوجون مع فارق عمر يصل حتى إلى عشرين سنة!!

تنهدت ايمي بيأس، ثم عقدت يديها أمام صدرها وقالت نافيةً قطعاً: ذلك مستحيل فِيا! أنا متأكدة أن هاري لن يفكر بي لهذه الطريقة أبداً!

نظرت إليها فِيا ببلادة للحظات، وقالت في نفسها وهي تكبت أعصابها بصعوبة: هذه الحمقاء. هل عقلها موجود في رأسها حقا؟!

ثم سكتت قليلا وفكرت في نفسها بأسف: للمرة الأولى في حياتي، أشعر بالتعاطف حقاً مع ذلك الأحمق تشادولي!
.
.
.
.
.
وغير بعيد عنهما، كانت جانيت واقفةً خلف إحدى الأعمدة الموجودة في الردهة. فقالت في نفسها بتفكير: تلك الحقيرة مصابة بالربو؟!

ثم ابتسمت بخبث فجأة وقالت بتعالي، مخاطبةً الفتاة الواقفة خلفها: ميراندا. هناك شيء أريد منكِ فعله..

خفضت تلك الفتاة صاحبة الشعر الأسود القصير، والعينين البنيتن الضيقتين، البارزتين من تحت نظاراتها الطبية الغليظة: ما هو آنسة ميليغان؟ سأفعل أي شيء تريدينه!

الساعة 6:30 مساءاً


نفس اليوم

خرجت ايمي من الحمام وهي ترتدي ملابس غير التي كانت ترتديها قبل قليل. وقد كانت عبارةً عن كنزة صوفية بيضاء، وبنطال من الجينز الأزرق..

كانت تضع المنشفة على رأسها بالكامل حتى غطت شيئاً من وجهها، بينما تقوم بتجفيف شعرها الأشقر الطويل.

فقالت وهي ما تزال منهمكة في تجفيف شعرها: لقد انتهيت فِيا. إنه دورك في الحمام.

لكنها لما لم تلق أي رد، أبعدت المنشفة عن وجهها وأرختها على كتفيها لتنظر حولها باستغراب.

كانت الغرفة خاليةً تماماً من أي أحد. وما جعلها تستغرب أكثر، هو أن النافذة كانت مفتوحة على مصراعيها...

سارت إلى النافذة لتنظر قليلاً إلى الخارج، حيث كانت العاصفة الثلجية تشتد شيئاً فشيئاً.

شعرت برجفة سرت في جسدها كله بسبب البرد. فأغلقت النافذة على الفور، وتمتمت قائلةً بتهكم: تلك المهملة فِيا! كيف يمكنها ترك النافذة مفتوحة في طقس كهذا!

قالت هذا لتسير إلى المنضدة في جانب الغرفة. عندها اتسعت عيناها بصدمة لما وجدتها خالية تماماً من أي شيء فوقها.

التفتت يمنة ويسرة متفقدةً أرجاء المكان. بحثت في كل ركن تقريباً من تلك الغرفة الثلاثية الفاخرة دون جدوى!

تحت الأسرة، فوق المناضد، في الحمام، تحت الأفرشة والسجادات. ولكنها لم تعثر على أي شيء..

كانت جالسةً على ركتبيها إلى جانب أحد الأسرة الثلاثة، بينما تبحث تحته بذعر عندما دخلت فِيا إلى الغرفة. وقد استغربت كثيراً لما رأتها هكذا.

سألتها وهي تنظر إليها بحيرة: ما الأمر ايمي؟ هل تبحثين عن شيء ما؟

نظرت إليها ايمي لتقول والدموع في عينيها: القلادة التي أهداها لي هاري. لقد اختفت!

اتسعت عينا فِيا وقالت هاتفةً بصدمة: ماذا؟!! أنتِ أضعتِ تلك القلادة؟!!

ثم قالت معاتبةً بينما تسير نحوها بسرعة: هل أنتِ غبية ايمي؟! كيف أضعتِ شيئاً ثميناً كهذا؟!!

أجابت ايمي وهي تكتم شهقاتها بصعوبة: أنا لم أستطع إدخالها معي إلى الحمام! عندما قلتِ أن الألماسات التي فيها غالية جداً، لم أستطع ارتدءها وأنا أستحم، فقد خفت أن تسقط تلك الألماسات من مكانها.

ثم أشارت إلى الطاولة وتابعت قائلة: لقد وضعتها على الطاولة هناك، لكنني لم أعثر عليها في أي مكان في الغرفة!

سألتها فِيا بشك: هل أنتِ واثقة من أنكِ وضعتها هناك؟

فأجابت ايمي مؤكدة بإصرار: أجل، لا مجال للشك أبداً! لقد نزعتها قبل أن أدخل إلى الحمام. لقد كنتِ معي في ذلك الوقت فِيا، ألا تذكرين؟!

كوّرت فٍيا يدها أسفل ذقنها وقالت بتفكير: غريب.

ثم سكتت قليلاً لتردف ببطء: ربما هناك أحد ما قد قام بسرقتها!

تفاجأت ايمي من كلامها وقالت هاتفةً بذعر: ما الذي تقولينه؟! ذلك غير معقول أبداً!

تنهدت فٍيا بضيق، وقالت بقلق: قبل قليل، لقد أتت طالبة إلى الغرفة، وأخبرتني أن المعلمة أغنيس تريدني. لكنني لما ذهبت إليها، قالت أنها لم تطلب رؤيتي أبداً. ربما يكون هناك أحد ما قد تعمّد إخراجي من الغرفة، حتى يحصل على القلادة!

ثم تمتمت بشك: أهي شريكتنا الثالثة لورا؟

خفضت ايمي رأسها وقالت بضيق: لا أريد أن أتهم أحداً.

ثم سكتت قليلاً لتردف بعد ذلك باستدراك: أوه صحيح! لقد كانت النافذة مفتوحةً لما خرجت من الحمام. هل يمكن أن يكون أحد ما قد تسلل إلى غرفتنا عبر النافذة؟!

فردت فِيا بانزعاج: ذلك ممكن جداً.

ثم تأففت بسخط، وقالت بعصبية: تباً! إذا ما كانت النافذة مفتوحة، فهذا يعني أنه لا يمكننا اتهام لورا أبداً. حيث أنه سيكون بوسع أي شخص التسلل إلى الغرفة!

ثم ضغطت على أسنانها وقالت وهي تكبت أعصابها بصعوبة: ايمي... دعينا نبحث في الممرات وفي الردهة للاحتياط، فقد تكونين قد أضعتها هناك دون أن تشعري. وإذا لم نجدها، فسوف نبلّغ المعلمين بما حدث!

أجابت ايمي بعدم اقتناع: إنني واثقة من أنني نزعتها هنا في الغرفة قبل أن أدخل إلى الحمام!

فردّت فِيا بانزعاج: أعلم هذا. لكن إذا ما أخبرنا المعلمين، فسوف يقولون أنك ربما تكونين أضعتها في الخارج.
هم لن يرغبوا بإحداث مشكلة إذا ما تبين أن ما حدث هو عملية سرقة. يجب أن نبحث عنها حتى لا يكون بوسعهم قول أي شيء..

أومأت ايمي بفهم. عندها قالت فِيا وهي تسير إلى خارج الغرفة: دعينا نفترق من أجل البحث عنها، ثم نجتمع بعد ساعة في قاعة الأكل. موافقة؟

فأجابت ايمي وهي تقوم من مكانها بسرعة: أجل..هيا!
.
.
.
.

كانت تبحث عنها في كل مكان وقلبها ينبض بقوة. هل يعقل أنها أضاعت شيئاً بهذه الأهمية؟
بغض النظر عن قيمتها المادية، فقد كانت تلك القلادة مهمةً جداً بالنسبة لايمي. كيف لا وهي أول هدية تلقتها من هاري العزيز جداً على قلبها؟!

شعرت بالغصة تحرق قلبها. لا يمكنها أن تتخيل أبداً أنها ستخسر كنزها ذاك بهذه البساطة!

كانت على وشك البكاء وهي تبحث خلف أصيص نباتات اصطناعية كان موضوعاً في أحد ممرات الفندق. عندها سمعت ذلك الصوت المألوف، يقول لها بنبرة ساخرة: هل تبحثين عن شيء ما؟

التفتت ايمي على الفور إليها. إلى جانيت الواقفة خلفها، وقد ارتسمت على شفتيها ابتسامة ساخرة.

ضغطت على أسنانها في محاولة لتمالك نفسها حتى لا تبكي أمامها. ثم سارت مبتعدةً عنها، بعد أن أوصتها لوسي ألا تحتك بها أبداً.

لكنها توقفت مكانها مصدومة ما إن قالت جانيت بمكر: تبحثين عن قلادة ما صحيح؟

التفتت ايمي إليها على الفور، وقالت هاتفةً بانفعال: هل أنتِ من قام بأخذها؟!

أجابت جانيت وهي تسير نحوها بغرور: على رسلكِ يا عزيزتي.

ثم توقفت أمامها وقالت هامسةً بمكر: هل تريدين أن تجديها حقاً؟

عقدت ايمي حاجبيها بغضب وقالت: ما الذي تريدينه الآن؟! ألم تتعهدي أمام الإدارة بأنك لن تقومي بمضايقتي مجدداً؟!

عقدت جانيت يديها أمام صدرها وقالت بسخرية: ومن قال أنني أقوم بمضايقتك؟ هل أمرت الطلاب بضربك، أو التنمر عليك مثلاً؟

سألتها ايمي بانزعاج، بعد أن وصلت حدها حقاً من تصرفاتها هذه: ما الذي تهدفين إليه جانيت؟ هل تظنين أنكِ بتصرفاتكِ هذه ستكتسبين قلب هاري؟ إنكِ تجعلينه يكرهكِ فحسب!

ردّت جانيت وهي تنظر إليها بكره مفضوح: سيكرهني ما إذا كان يعلم بذلك فقط. لا تظني أنكِ وتلك العاهرة استطعتما خداعي. أعلم جيداً أنكما كنتما تمثلان في ذلك الوقت، وأن هاري لا يعلم بأي شيء مما حدث!

ضغطت ايمي على أسنانها، وقد شعرت بالضيق حقاً لما أدركت أنها تعرف الحقيقة الآن!

فابتسمت جانيت بمكر، وقالت بنبرة ساخرة: ماذا؟ هل تشعرين بالخوف الآن بما أن تلك المرأة ليست معك؟ لا يمكنكِ فعل أي شيء وحدك، أليس كذلك ايمي؟

أجابت ايمي وهي تنظر إليها بهدوء: ليس من الضروري أن تكون لوسي معي. فأنا لست خائفةً منكِ أبداً جانيت..

ضغطت جانيت على أسنانها وقالت هاتفةً بسخط: توقفي عن التصرف بثقة هكذا! من تظنين نفسكِ أيتها اللعينة؟! كيف يمكنكِ أن تتحديني؟ كيف يمكنكِ ألا تخافي مني؟! إنني جانيت ميليغان، ابنة أحد أشهر وأغنى الرجال في فرنسا على الإطلاق، أما أنت..

ثم أردفت وهي تشير إليها من رأسها حتى أخمص قدميها باستصغار: أما أنتِ فمجرد طفلة بلا خلفية لائقة، تعيش تحت رحمة أسرة تشادولي. لا تغتري بنفسكِ لمجرد أن تعيشين في منزلهم!

تنهدت ايمي بضيق، وقالت في نفسها بانزعاج: ذلك الكلام مجدداً!

ثم سكتت قليلاً وأردفت في نفسها بحزم: علي أن أتصرف معها كما علمتني لوسي تماماً!

ردت ايمي وهي تنظر إليها متصنعةً البرود: هل أنهيتِ كلامك؟ إذا لم يكن لديكِ شيء آخر تريدين قوله، فسوف أذهب الآن!

لم تستطع جانيت أن تتمالك نفسها أكثر، وهي تنظر إلى نظرات التحدي في عينيها.
لم تبد ايمي خائفة حقاً، وبالفعل كانت كذلك! فما تعرضت له في حياتها، كان أكبر بكثير من أن تخيفها تهديدات طفولية كهذه!

عندها صاحت جانيت قائلةً بعصبية: تباً لكِ أيتها الحقيرة!

لكنهت ابتسمت بخبث، وقالت وهي تحاول استعادة شيء من رباطة جأشها: يمكنكِ الاستمرار في التصرف بغرور هكذا، لكن ذلك لن يعيد قلادتكِ إليك!

سألتها ايمي بانزعاج: أين أخفيتها؟!

فردّت جانيت وهي تنظر إليها بسخرية: لا أعلم. لقد أخبرت أتباعي أن يقوموا برميها في الخارج.

ثم نظرت إلى العاصفة الثلجية عبر النافذة القريبة منهما، وقالت باستفزاز: أراهن أن الثلج قد قام بدفنها الآن..

عندها تشبثت ايمي بملابسها وقالت هاتفةً بانفعال: جانيت! أعيدي لي قلادتي حالاً. سوف أخبر المعلمين أنكِ أنتِ من أخذتها!

دفعتها جانيت عنها حتى سقطت على الأرض أمامها، لتقول صارخةً بغضب: لا تلمسيني أيتها الحقيرة!!

ثم أردفت بنبرة ساخرة: ماذا؟ هل تظنين أنهم سيصدقونكِ في كل مرة؟

ثم اقتربت منها وانحنت أمامها لتردف بمكر: أم أنكِ ستقومين بتسجيل كلامي مجدداً؟ لن تنطلي عليّ نفس الحيلة مرتين ايمي.

خفضت ايمي رأسها بضيق بعد أن أدركت أنه ليس بوسعها فعل أي شيء. لكنها رفعت بصرها إليها وقالت فجأة بهدوء: إذا، ما الذي تريدينه؟

ابتسمت جانيت بانتصار، لكنها قالت بنبرة مستفزة: لا شيء. سأخبركِ بالمكان الذي وضعته فيها، شرط أن تذهبي إلى هناك وحدك.

سكتت ايمي قليلاً قبل أن تسألها بتردد: أين وضعتها؟

أجابت جانيت وهي تسير مبتعدةً عنها: لن أقول لكِ الآن. اذهبي وارتدي معطفك، ثم قابليني وحدكِ بجانب البوابة الخلفية للفندق.

ثم نظرت إليها وقالت محذرة: لا تفكري حتى التفكير في إخبار أي أحد، فلدي الكثير من الأتباع الذين يقومون بمراقبة جميع تحركاتك. إذا ما علمت أنكِ أخبرتِ أي مخلوق، فعليكِ أن تنسي أمر قلادتكِ إلى الأبد..

قالت هذا لتختفي عن ناظريها، بينما ارتسمت على وجهها نظرة خبيثة.

خفضت ايمي رأسها وقالت في نفسها بقلق: لدي شعور سيء حيال الأمر.
ماذا علي أن أفعل؟ هل أذهب إليها، أم أن علي أن أخبر أحداً ما بكل شيء؟!

شعرت بالحيرة حقاً، وتمتمت برجاء بينما تغلق عينيها بقوة: ما الذي ستفعلينه إذا ما كنتِ مكاني الآن لوسي؟

#فرنسا_قصر تشادلي الرئيسي_ الساعة 5:20 مساءاً


نفس اليوم.

كانت واقفةً أمام خزانة ملابسها، بينما تنظر إلى تلك الملابس المعلقة أمامها بحيرة شديدة.

بعثرت شعرها بعصبية، وقالت هاتفةً بسخط: ما الذي دهاني فجأة؟! لماذا أنا قلقة بشأن ما سأرتديه؟ ليس وكأننا سنخرج في موعد صحيح؟!

وما إن قالت هذا، حتى تلوّن وجهها بالحمرة من وقع تلك الفكرة.

موعد مع كارل؟ ترى كيف سيبدو الأمر حينها؟!

حرّكت رأسها بسرعة، طاردةً تلك الأفكار عن عقلها لتقول بسخط، وهي تسحب من الخزانة ملابس عشوائية: تباً، فليذهب ذلك الموعد إلى الجحيم! سأرتدي أي شيء ولن أهتم أبداً!!!

بعد ذلك، انتهى بها الأمر إلى ارتداء كنزة صوفية رمادية واسعة، مع بنطال رمادي ضيّق و معطف أسود طويل. بالإضافة إلى حذاء شتوي أسود، كان يصل إلى أعلى كعبها بقليل...

كانت واقفة في الردهة إلى جانب المدخل، بينما تضع حقيبتها الجلدية السوداء على كتفها...

نظرت إلى ساعتها باستغراب، وتمتمت قائلةً بتعجب: غريب، لقد تأخر كثيراً.

نظرت إلى الدرج متفقدة، بانتظار أن يظهر أخيراً. ولكن لا أثر له حتى الآن!

عندها رأت إحدى الخادمات تنزل ببطء من الدرج، فركضت لوسي نحوها، وخاطبتها قائلةً بينما ما تزال واقفةً أسفل الدرج: هيلين. هل رأيتِ كارل؟ لقد عاد من شركته في الظهيرة، ويفترض أننا سنلتقي قبل ساعة من الآن. لكنه لم يظهر بعد!

استغربت الخادمة هيلين من كلامها، لكنها سألتها وهي تقلب عينيها بتأفف: ألم تبحثي عنه في مكتبه؟

حرّكت لوسي رأسها نافيةً وقالت بضيق: لقد كانت نيللي تقوم بتنظيف المكتب قبل قليل، وقالت أنه لم يدخل إلى مكتبه اليوم أبداً.

فحرّكت هيلين كتفيها بلامبالاة، وقالت وهي تسير مبتعدةً عنها باتجاه المطبخ: إذن...ذلك يعني أنه في غرفته على الأرجح. يمكنك الذهاب إليه والبحث عنه هناك، بما أنكِ مقربة منه!

وقد قالت جملتها الأخيرة بنبرة ساخطة..

فنظرت إليها لوسي بضجر، لتقول في نفسها بانزعاج: لا أفهم حتى الآن لماذا لا تطيقني تلك الفتاة. رغم أن علاقتي جيدة بالخدم جميعاً، إلا أنها تكرهني لسبب لا أعرفه!

لكنها تنهدت بعمق، ثم فكرت قائلةً بضيق: أتساءل ما الذي حدث له حتى يتأخر كل هذا الوقت؟

عندها تذكرت كلام هاري هذا الصباح، فهتفت قائلةً بصدمة: هل يمكن أنه...!

فصعدت الدرج بسرعة متجهةً إلى غرفته...

كانت تشعر بالتوتر حقاً وهي تقف أمام باب الغرفة بتردد. هل تطرق الباب؟ هل يمكنها أن تتواجد في مكان كهذا حقاً؟!

لكن لا أحد في المنزل غيرها هي والخدم. وهي تدرك جيداً أنه لا يحب أبداً أن ينتهك الخدم خصوصيته، لذلك لا يمكنها إرسال أي واحد منهم حتى يتفقده.

ولكن ماذا عنها؟ ألا يعد تواجدها هنا انتهاكاً لخصوصيته أيضاً؟!

هي لا تعلم ما الذي عليها فعله، لكنها رغم ذلك كانت تشعر بالقلق حقاً.
إنه شخص نظامي جداً، ودقيق في مواعيده دائماً. ولم يتأخر عليها يوماً لدقيقة دون أن يخبرها مسبقاً، فما بالك بساعة كاملة!!

سحبت نفساً عميقاً كما لو كانت تحاول استجماع بعض الشجاعة في نفسها. ثم طرقت الباب عدة مرات لكن... لا إجابة!

هنا بدأت شياطين عقلها تعبث بأفكارها على الفور...هل يمكن أنه قد أصابه مكروه ما؟ هل يمكن أن شيئاً ما قد حدث؟!

رفعت صوتها قائلةً بقلق: كارل، هل أنت في الداخل؟

ومجدداً، لا إجابة..

عندها قالت وهي تمسك مقبض الباب بتردد: كارل...أنا سأدخل...

من حسن حظها أن الباب كان مفتوحاً وقتها...لذلك دفعت الباب ببطء، ودلفت إلى الداخل بخطوات مترددة.

نظرت حولها متفقدة، لتمسك شهقتها المتفاجئة على الفور...

كانت دائماً تحاول أن تتخيل كيف تبدو غرف النوم الرئيسية، لكنها لم تتصور أبداً أن تكون بهذه الروعة، وهذه الفخامة..

نظرت إلى الحوائط المطلية باللون الرمادي الداكن، مع بعض الزركشات الذهبية الفاخرة والشمعدانات الأثرية المنتشرة بنظام عليها...

الإضاءة الخافتة، منحت الغرفة رونقاً وسحراً خاصاً أبهرها كثيراً...

نظرت إلى تلك الأرائك الكلاسيكية الرمادية الموزعة حول تلك الطاولة الرخامية السوداء المنخفضة بقوائمها الذهبية الفاخرة..
تتوسط تلك الأرائك، مدخنة فخمة ملبسة بنفس ذلك الرخام الأسود الذي كسا أرضية الغرفة، ليزيدها فخامة وروعة...

تغطي النافذة الكبيرة أمامها، والتي تفتح على شرفة كبيرة على ما يبدو. تلك الستائر الرمادية الغليظة، والتي تخلل من خلالها ضوء الغروب الارجواني لينعكس على أثاث الغرفة، وأرضيتها اللامعة..

النار الهادئة التي كانت تتّقد داخل المدخنة. أضفت جواً دافئاً، ونوراً خافتاً في أرجاء المكان أشعرها بالراحة كثيراً...

نظرت إلى تلك الدرجتين على طول الجانب الآخر للغرفة، والتي كانتا تؤديان إلى ذلك السرير الزوجي الوثير، والذي اعتلته تلك الثرية الكريستالية المنخفضة...

هناك بابان أخران متصلان بالغرفة، أحدهما كان مفتوحاً قليلاً وقد أدركت لوسي أنها غرفة لتبديل الملابس، بينما استنتجت أن الباب الآخر يؤدي إلى الحمام على الأرجح.

ورغم انبهارها بجمال المكان من حولها، إلا أن عيناها استقرتا تلقائياً عليه...حيث كان جالساً على إحدى تلك الأرائك القريبة من المدخنة، بينما كان نائماً على ما يبدو، في وضعية بدت غير مريحة على الإطلاق..

كان الضوء الخافت المنبعث من نار المدخنة، قد انعكس على وجهه وخصلات شعره البني...

كان يرتدي ملابس رسمية، إلا أنها لم تبد مرتبةً كالعادة أبداً..

ربطة عنقه كانت مفكوكةً قليلاً، حيث فتح أزرار قميصه الداخلي. في حين لم يرتدي المعطف الخاص ببذلته، والذي كان مرمياً على الأرض إلى جانب قدمه...

اقتربت منه بخطوات قلقة، بينما تنادي على اسمه بخفوت.

بيد أنه بدا مغيباً تماماً.

لكنها توقفت مكانها بصدمة ما إن لاحظت قطرات العرق التي غلفت وجهه وجسده..
وجنتاه محمرّتين، وقد كان تنفسه ثقيلاً وغير منتظم على الإطلاق..

ركضت نحوه وهتفت بذعر بينما تحرك كتفه بانفعال: كارل! كارل! هل تسمعني؟!

فتح كارل عينيه بصعوبة، وقد كان كل شيء أمامه ضبابياً وقتها. لكنه نطق بصوت مرهق سمعته بالكاد: لوسي؟

وضعت يدها على جبينه، فاتسعت عيناها ما إن شعرت بجلده الذي كان يغلي تحت يدها! فضغطت على أسنانها، وقالت في نفسها لاعنةً: تباً، كما توقعت تماماً!

انحنت نحوه مقتربةً منه أكثر، لتسأله بعد ذلك بخفوت: هل يمكنك التحرك؟ يجب أن تستلقي على السرير.

أومأ كارل ببطء، ثم وقف بصعوبة..

ولكنه في اللحظة التي استقام فيها، شعر بالدوار على الفور. فاختل توارنه وكاد يسقط أرضاً لولا أن لوسي قد شد؟ته من كتفيه في آخر لحظة.

عاتبته قائلةً بضيق: أحمق! انظر إلى حالك الآن. ما كان يجب أن تخرج بعد الاستحمام مباشرةً في ذلك الطقس البارد!

لم يكن كارل واعياً تماماً لما حوله. لكنه سألها مجدداً بصوت واهن: لوسي؟ أهذه أنتِ حقاً؟!

تنهدت لوسي بضيق، ثم قالت وهي تلف يده حول رقبتها وتقربه منها أكثر: أجل إنها أنا...والآن يجب أن تستلقي على الفراش حتى ترتاح. يجب أن نخفض حرارتك في الوقت الحالي بأي طريقة. هل يمكنك مساعدتي حتى آخذك إلى سريرك؟

لم يرد كارل عليها، وقد بدا كما لو أنه لم يسمع ما تقوله أصلا...فسارت لوسي وهي تسنده على كتفيها ليتحرك إلى جانبها بثقل...

في تلك اللحظة، ارتخت يده إلى جانبها ليسقط ذلك الدفتر الذي كان يحمله، وقد انفتحت إحدى صفحاته أمامها.

ما إن رأت لوسي تلك الأرقام المكتوبة بنظام على صفحات ذلك الدفتر، حتى أخذ قلبها يخفق بقوة...

رددت في نفسها ببطء: هذا إنه...إنه دفتر الحسابات صحيح؟!!

نظرت إلى كارل الواقف إلى جانبها.

كان يتنفس بصعوبة، بينما استطاعت الشعور بجسده الذي يغلي من الحرارة آنذاك.

ونظرت بعد ذلك إلى الدفتر مجدداً، لتقول في نفسها بتوتر: ما الذي ستفعلينه لوسي؟ إنه أمامكِ الآن. كل شيء سينتهي ما إن تقومي بأخذه!
إنها خطوة واحدة فقط، حركة واحدة فقط. عليكِ فقط أخذه والرحيل من هنا، عندها ستحصلين على كل ما أردته لسنوات طويلة!

التفتت إلى كارل مرة أخرى، وفكرت قائلةً بتردد: إنه غائب عن الوعي الآن، ولن يلاحظ أبداً إذا ما أخذته ورحلت من هنا صحيح؟ إنها فرصتي، وعلي ألا أضيعها أبداً!!

رفعت بصرها إلى الاعلى، لتغلق عينيها بينما تضغط على أسنانها بقهر..

قالت هامسة، وهي تخاطب نفسها بغصة مريرة: هيا لوسي، عليكِ الاختيار الآن!!

يتبع..

*******

ما الذي ستختارونه إذا ما كنتم في مكان لوسي؟ 💔

المهم😌

_رأيكم في الفصل؟

_توقعاتكم للأحداث القادمة؟

_ ما السر وراء ما قاله هاري لايمي في السيارة؟ 💔

_في رأيكم، ما الذي تخطط له جانيت باستدعائها لايمي إلى الخارج؟

_لوسي وايمي قد وقعتا بين خيارين. فما الذي ستختاره كل واحدة فيهما؟

_ما الذي ستؤول إليه الأحداث في الفصل القادم؟

أحداث كثيرة وشيقة بانتظاركم في الفصول القادمة فلا تنسوا متابعتي

لا تنسوا التصويت والتعليق على أحداث الفصل، وتذكرو... موعد نشر الفصل القادم يعتمد على مدى تفاعلكم مع الأحداث.

يلا ما تبخلو علي ترا والله تعليقاتكم هيا اللي تحفز فيا للكتابة والنشر بسرعة. وما اظن انها رح تكون صعبة عليكم، بس اضغطو بالقلب واكتبو رايكم في الفصل حتى لو ما عجبكم رح أكون ممتنة ليكم كثير

لو لقيت تفاعل رح ابدا في الكتابة من اليوم واوعدكم اني ما رح اتاخر كثير...سلام حبايبي أشوفكم في الفصول القادمة. والله يحفضكم وين ما كنتو..

2018/11/30 · 680 مشاهدة · 6623 كلمة
NajwaSD
نادي الروايات - 2024