أريدكم ان تركزوا على كل ما هو مذكور في هذا الفصل، لأن هناك الكثير من الحقائق والكثير من الأسرار التي تستند عليه بشكل أساسي..
ستلاحظون تلميحات كثيرة لماضي الشخصيات. لكن وكما تعلمون، ليس هذا كل شيء..فلا تزال هناك أسرار كثيرة ستصدمكم لاحقاً، لذلك فلتنتظروا الفصول القادمة😉

استمتعوا بالفصل، وارجو أن ينال إعجابكم❤

*****


رأته جالساً أمامها، بينما تفصلهما مسافة أمتار قليلة فقط. في حين كان منهمكاً في صنع رجل الثلج الصغير ذاك...

عندها نظر إليها فجأة وهي تحدق به في شرود. لترتسم على وجهه تلك الابتسامة البريئة المشرقة، التي لطاما كانت تدخل السرور إلى قلبها...

خاطبها بصوته الطفولي الهادئ، بينما لم تغب تلك الابتسامة عن محياه أبداً: ايمي، تعالي لتلعبي معي...

اقتربت منه بخطوات سريعة، وقد بدت سعيدةً جداً...

لكنها في اللحظة التي مدّت فيها يدها نحوه، وكانت على وشك لمسه أخيراً. اختفى تماماً عن ناظريها!

نظرت حولها بذعر، حيث كانت واقفةً في قلب تلك العاصفة الهوجاء، والتي كادت تقذف جسدها الصغير بعيداً..

احتضنت نفسها بخوف، ثم أخذت تنادي بصوت باكي: آرثر...آرثر...

لكنها لم تسمع أي شيء غير صوت تلك الرياح العاتية، التي أخذت تشتدّ شيئاً فشيئاً..

شبكت يديها أمام صدرها، بينما ترتجف في خوف...

البرد مزّق أوصالها، الخوف فتّت روحها، وشعور الوحدة التي أحست به آنذاك، كان قد أرعبها حقاً...

لماذا على هذه العاصفة أن تأخذه منها بعيداً في كل مرة؟ لماذا لا يمكنها الوصول إليه؟ لماذا كان يجب أن يختفي؟!

قالت بهمس بينما تبكي بألم: آرثر، لا تتركني.

ظلت تسير وتسير دون توقف وسط ذلك الظلام الموحش، والبرد القارص. وقد كان جسدها يضعف شيئاً فشيئاً، في حين ظلت تنادي على اسمه بيأس علّها تعثر عليه هذه المرة..

لكن يداً ضخمة، شدّت كتفها الضئيل بقوة...لتسمع أخيراً ذلك الصوت الخشن الذي لطالما أرعبها أكثر من أي شيء آخر، عندما خاطبها قائلاً بنبرة مخيفة: سأشوّه وجهكِ أنتِ أيضاً.

انتفضت برعب ما إن سمعت كلماته تلك، لكنها لما التفتت خلفها، لم تجد أحداً أبداً...

ظلّت تبكي بينما تردد بألم: أرجوك ألا تضربني مرةً أخرى. أنا لم أفعل شيئاً..أرجوك...أرجوك ألا تفعل هذا!

عندها ظهر أمامها ظلاّن ضخمان من وسط تلك العاصفة، لينظرا نحوها وعيونهما تقدح شرراً...

تراجعت خطوة للخلف، ثم انطلقت راكضةً بذعر...

استطاعت سماعهما وهما يقهقهان بصوت عالِ، بعد أن هتف أحدهما قائلاً بشر: فلتستمري بالركض يا صغيرة، عندها سيكون قتلكِ ممتعاً أكثر!!

ظلّت تركض وتركض، بينما تتمتم بخوف: لا تقتربا...لا تقتلاني...ابتعدا عندي...

أحسّت بهما يقتربان منها أكثر. ليسمك أحدهما ذراعها، ويقول بابتسامة ماكرة: لا يوجد مكان تهربين إليه بعد الآن!

عندها نظرت نحوه ببطء، لتصيح بعدها بذعر شديد: لااااااا
.
.
.

ظلت ايمي تصرخ بأعلى صوتها بينما تهتف برعب: لا تقتلوني، ابتعدوا عني...أرجوكم، أرجوكم ألا تقوموا بقتلي!

عندها شعرت بتلك الذراعين اللتين أحاطتا جسدها الصغير، وهما تشدانها بقوة. بينما غطى ذلك الصدر العريض كل شيء أمامها..

سمعت صوته يقول وهو يحاول تهدئتها بهلع: اهدئي ايمي... أنتِ بأمان الآن، لن يقوم أي أحد بإيذائكِ أبداً. إنني هنا معكِ..أنا هنا ايمي!

رفعت بصرها نحوه ببطء..

كان كل شيء أمامها ضبابياً بسبب دموعها التي لم تتوقف أبداَ، منذ أن استيقظت قبل دقائق في تلك الحالة الهستيرية...

ورغم أنها لم تستطع رؤية وجهه، إلا أنها استطاعت تمييز صوته على الفور. فقالت بشك، بينما شفتاها ترتجفان: هاري؟

أجاب هاري بخفوت: أجل ايمي، إنني هاري. لا تخافي بعد الآن. كل شيء بخير.

دفنت وجهها في حضنه، وشدّت ملابسه من الخلف بيديها الصغيرتين. لتقول وهي تبكي بخوف: أنقذني هاري! أولئك الرجال سيقومون بقتلي! أنا خائفة...إنهم يقتربون، سوف يمسكونني، سوف أموت!

ضمها إليه هاري أكثر وأكثر، ثم قال بهدوء: اششش ايمي...لن يجرؤ أحد على الاقتراب منكِ أبداً...

ثم احتدّت عيناه بنظرة غاضبة، ليقول وهو يضغط على أسنانه بغيظ شديد: أعدكِ أنهم سيدفعون الثمن جميعاً!

لما سمعت ايمي كلماته تلك، شعرت بالهدوء أخيراً. إنها بأمان الآن...لقد كان ذلك حلماً، حلماً مريعاً فحسب...

لذا وما إن هدأ قلبها المذعور أخيراً، حتى استسلمت لسيل الدموع التي أخذت تنهمر من عينيها دون توقف...

كانت تشد ملابسه بقوة كما لو كانت تحاول أن تستشعر من خلالها، وجوده إلى جانبها في هذه اللحظة...
الإحساس بدفء جسده، ضد جسدها البارد. كان قد بعث الأمان إلى قلبها، لذلك لم ترد الابتعاد عنه أبداً...

لم يقل هو أي شيء. كان يربت على ظهرها برفق، بينما يشد ذراعيه حولها بقوة أكبر...
كان يعلم أن أكثر ما كانت تحتاجه في تلك اللحظة، هو الشعور بالأمان في ظل وجود أحد ما إلى جانبها...يعلم كم كانت مذعورةً وخائفة، لذلك ظل يلعن ويتوعد في داخله كل من كان السبب في جعلها تمر بهذه الحالة!

لقد سمعها تردد اسم آرثر أكثر من مرة، وقد استنتج من بعض الكلمات التي قالتها، أنها كانت تحلم بجدها أيضاً...

لكن ما كاد يقوده إلى الجنون، هي تلك الكلمات الغريبة التي قالتها

(أولئك الرجال سيقومون بقتلي!)

لم يكد يطيق صبراً حتى يسألها عن معنى ما قالته. لذلك ما إن شعر أنها هدأت قليلاً، حتى سألها على الفور بقلق: ايمي أخبريني ما الذي حدث؟

مسحت ايمي دموعها، ثم قالت وعيناها ما تزالان غارقتين في الدموع: أنا...أنا...

ثم خفضت رأسها، لتعود إلى البكاء من جديد. وتقول بصوت متقطع: أنا آسفة هاري...لقد أضعت القلادة التي أهديتها لي!

تنهد هاري بضيق، ثم قال بنفاذ صبر: ذلك ليس مهماً ايمي... أعرف أن ابنة ميليغان اللعينة تلك، هي من أخذتها منكِ. المهم الآن أن تخبريني...ما الذي كنتِ تقصدينه عندما قلتِ أن هناك رجال يحاولون قتلك؟!

تفاجأت ايمي لما سمعت كلامه، لكنها أجابت بخوف: لقد أخبرتني جانيت أنها وضعت قلادتي في الكوخ. لكنني عندما ذهبت إلى هناك، لم أجدها..

عندها عنفها هاري قائلاً بعصبية: هل أنتِ غبية ايمي؟! كيف يمكن أن تسمعي كلام تلك الحقيرة، وتذهبي إلى هناك بمفردكِ وسط تلك العاصفة؟!!

انتفضت ايمي من صراخه، وقد أغلقت ايمي عينيها بينما أخذت ترتجف بخوف.

عندها سحب هاري نفساً عميقاً محاولاً تهدئة نفسه، ثم قال بهدوء قدر الإمكان: إذن...ما الذي حدث بعد ذلك؟

فتحت ايمي عينيها ببطء، ثم قالت بتردد: بعد أن بحثت عنها في كل مكان، خرج رجلان ضخمان من الكوخ فجأة.
كانا مخيفان جداً! حاولت الهرب، لكنني لم أستطع بسبب البرد..حاولت الابتعاد عنهما بصعوبة، عندها قال أحدهما أنه من الأفضل أن أهرب، لأنهما لن يستمتعا إذا ما استطاعا قتلي بسهولة...

ضغط هاري على أسنانه بغيظ، ثم ضرب بقبضته تلك الطاولة الموضوعة إلى جانب السرير بقوة، ليقول لاعناً بغضب: الأوغاد! كيف يجرؤون على فعل ذلك!

لكنه سألها وهو يحاول تمالك نفسه بصعوبة: ثم ماذا حدث؟

ردت ايمي بخفوت: ثم ظهر ذلك الشخص...

علّق هاري باستغراب: ذلك الشخص؟ عمن تتحدثين؟

كانت ايمي تبدو مصدومة تماماً ما إن قالت هذا...فكرت في نفسها قائلةً بعدم استيعاب: هل يمكن أن يكون ذلك معقولاً؟ أعني...ذلك غير منطقي أبداً!

عندها نظرت إلى هاري وسألته قائلةً بانفعال: هاري، كيف وجدتني؟!

رد هاري بتردد: في الواقع، لقد وجدناكِ متكئةً على السور الخارجي للفندق...كنتِ في حالة سيئة جداً، لذلك أخذناك إلى المستوصف على الفور، ثم تم نقلك بشكل عاجل إلى باريس. ولم تستيقظي أبداً لمدة أربعة أيام!

اتّسعت عيناها ما إن سمعت هذا وهتفت بدهشة: نمت لأربعة أيام؟! كيف يمكن أن يكون ذلك معقولاً حتى!

أجاب هاري بضيق: لقد أصبتِ بالتهاب رئوي حاد....كان يمكن أن يصبح الأمر أكثر خطورة لو أننا تأخرنا في علاجك!

خفضت ايمي رأسها وهي تفكر فيما قاله...إنها متأكدة من أنها كانت قرب الكوخ في ذلك الوقت، فكيف يمكن أنه وجدها بجانب سور الفندق؟!

هل يمكن أن يكون ذلك صحيحاً إذاً؟ هل يمكن أن...

لكن، هل يجب أن تخبر هاري بذلك؟ إنها ليست متأكدةً من ذلك بعد. صحيح أنها لا يمكنها نسيان ذلك الصوت أبداً، لكن مهما فكرت في الأمر، تجد ذلك غير منطقي البتة!

عندها قطع تفكيرها سؤال هاري لما قال بحيرة: إذا ما قلتِ أنكِ قد ذهبت إلى الكوخ بالفعل، وقد التقيتِ بأولئك الرجال هناك. إذاً كيف استطعتِ الهرب منهم، والوصول إلى الفندق؟!

سكتت ايمي قليلاً قبل أن تقول بتردد: أظن أن أحدهم قد قام بمساعدتي...

استغرب هاري من كلامها وسألها بحيرة: كيف ذلك؟ هل رأيتِ شخصاً آخر كان هناك في ذلك الوقت؟

عندها تذكرت ايمي ذلك الشخص، لكنها لم ترد إخباره حتى لا يشعر بالقلق أكثر.. فأجابت قائلةً بتوتر: لست متأكدة...لقد سمعت صوت شخص آخر، لكنني لم أرى وجهه.

عقد هاري حاجبيه وقال بينما ينظر إليها بانزعاج: ايمي...أنتِ لا تخفين عني شيئاً ما مرةً أخرى صحيح؟

ارتبكت ايمي من كلامه، لكنها قالت متصنعةً الابتسامة: بـ..بالطبع لا...لا تقلق هاري.

تنهد هاري بضيق، لكنه عاتبها قائلاً بغضب بينما بدا مجروحاً نوعاً ما: لا تظني أنني سأتجاوز عن الأمر بسهولة. كان عليكِ إخباري أن تلك الفتاة ظلّت تقوم بمضايقتك طوال ذلك الوقت!
لقد أخبرتكِ من قبل ألا تخفي عني أي شيء صحيح؟ هل تعلمين ما شعرت به عندما علمت أنكِ أخبرتِ كارل وتلك الأفعى، لكنكِ تعمدت إخفاء الأمر عني؟

شعرت ايمي بالذنب لما سمعت ما قاله، لذلك خفضت رأسها وقالت بحزن: أنا آسفة هاري...لم أقصد أن أجعلك تشعر بالضيق مني...أنا فقط...لم أرد أن...

وضع هاري يده على رأسها وقال بهدوء: لا بأس ايمي...لا حاجة لأن تعتذري...

ثم أردف بضيق: في الواقع...أكثر ما أنا غاضب بسببه، هو أنني لم ألاحظ ذلك بنفسي. إنني معكِ في نفس المدرسة، ويفترض أن أكون أول من يلاحظ شيئاً كهذا حتى دون أن تقومي بإخباري. أنا آسف حقاً ايمي لأنني لم أستطع حمايتكِ كما يجب...

عندها قالت ايمي على الفور بانفعال، بعد أن تشبثت بملابسه: لا تقل هذا هاري، إنه ليس خطؤك على الإطلاق!

ابتسم هاري لمظهرها...وقد بدت كما لو كانت على وشك البكاء آنذاك...

عيناها كانتا ما تزالان منتفختين، وأنفها الصغير كان محمراً بسبب بكائها قبل قليل.
ورغم شحوبها، وأنفاسها المضطربة بسبب المرض، إلا أنها بدت لطيفة جداً في الواقع.

فشدّ أنفها بين سبابته ووسطاه، ليقول بابتسامة هادئة: لا بأس...أظن أنه لا داعي لأن نتحدث في الموضوع أكثر من هذا...المهم الآن أنكِ بخير...

زمّت ايمي شفتيها باستياء. لكنها قالت بشك، بينما تفرك أنفها الذي ازداد احمراراً بسببه: هل حقاً أنت لست غاضب مني؟

أجاب هاري بهدوء: أجل، لست غاضباً.

لكنه أردف بتحذير: لكن...لن أسامحك أبداً إذا ما أخفيتِ عني أي شيء مرةً أخرى مفهوم؟

أومأت ايمي على الفور وقالت بحزم: أجل...لن أفعل هذا بعد الآن أبداً!

ثم سكتت قليلاً، لتخفض رأسها وتقول بحزن: لكن حسناً....أنا آسفة لأنني فقدت القلادة. حتى بالرغم من أنها كانت ثمينة جداً وقد كلفتك الكثير، لكنني أضعتها!

فرد هاري ببرود: ما الذي تقولينه؟ تلك القلادة لم تكلفني أي شيء يذكر...

تفاجأت ايمي من كلامه وقالت هاتفة: كيف ذلك؟! لقد قالت فِيا أنها تكلّف ثلاثة مليون يورو!

فرد هاري بلامبالاة: أنتِ تتحدثين عن زهرة الشتاء...لكن هذه القلادة ليست زهرة الشتاء الأصلية. بل إنها مقلدة فحسب...

ثم سكت قليلاً وأردف بتهكم: أعني...بالطبع لن أنفق كل هذا المال على قلادة!

تفاجأت ايمي من كلامه، وقالت بشك: هل أنت متأكد؟

حرك هاري كتفيه بلامبالاة وقال ببرود: ولم أكذب عليك؟

لم تبد ايمي مقتنعةً بكلامه، وقد ظلت تنظر إليه بشك. عندها أشاح هاري بصره عنها وقال في نفسه بانزعاج: بالطبع لن أخبركِ أنها هي نفسها زهرة الشتاء الأصلية، وإلا فأنكِ ستفعلين نفس الشيء إذا ما فقدتها مجدداً!

تنهد هاري بضيق، لكنه اقترب منها فجأة. وقد كان خده على بعد ملليمترات قليلة من خدها، بينما بدا منشغلاً بفعل شيء ما.

حبست أنفاسها للحظة، وهي لم تدري لم اقترب منها هكذا فجأة...

لكنه بعد دقيقة، ابتعد عنها وقال وهو يشير إلى عنقها ببرود: انظري...لقد عادت إليك قلادتك، لذلك لا تثيري أي ضجة بشأن شيء رخيص كهذا مجدداً!

نظرت ايمي إلى عنقها، حيث كان قد ألبسها قلادتها من جديد.

فتحسستها بيدها بينما تنظر إليها بعدم تصديق...لكنها نظرت إليه وقالت هاتفةً بدهشة: كيف وجدتها؟!

حرّك هاري كتفيه بلامبالاة وقال: ذلك ليس مهماً...المهم أنني وجدتها...

ضمّت ايمي القلادة إلى صدرها وقالت بسعادة غامرة، بينما عيناها تدمعان: شكراً لك هاري! لقد اعتقدت أنني لن أعثر عليها مرة أخرى أبداً!

زمّ هاري شفتيه، وقال بتهكم: لماذا أنتِ سعيدة جداً هكذا؟ إنها مجرد قلادة رخيصة فحسب!

شدت ايمي القلادة أكثر، وقالت وهي تبتسم بإشراق: إن سعرها لا يهمني أبداً...لقد قام هاري بإعطائي هذه القلادة، لذلك هي كالكنز بالنسبة لي...

قام هاري من مكانه وقال متهكماً، بينما يخفي احمرار وجنتيه من الخجل: هراء! أنتِ تبالغين ايمي.

ثم قال بتوتر مغيّراً الموضوع: على كل حال...سأذهب لأخبر كارل أنكِ استيقظتِ.

استغربت ايمي من كلامه وقالت بحيرة: كارل هنا؟

فاجاب هاري بلامبالاة: أجل...جدتي وتلك الأفعى كانتا هنا أيضاً، لكنهما غادرتا هذا الصباح. يجب أن نتصل بهما لنخبرهما أنكِ استيقطت، فقد كانتا قلقتين جداً...

تفاجأت ايمي من كلامه وهتفت بدهشة: جدتي هنا أيضاً؟ متى عادت من انجلترا؟!

رد هاري بهدوء وهو يقوم من مكانه: في اليوم الذي ذهبنا فيه إلى الرحلة...حسناً، علي الذهاب الآن. فلتستريحي، ولا تغادري سريركِ أبداً...سيأتي الطبيب قريباً لرؤيتك..

أومأت ايمي بصمت، بينما سار هو مغادراً الغرفة...

بعد أن سار لبعض الوقت، استطاع سماع صوت كارل وهو يتحدث مع أشخاص لم يميز صوتهم أبداً. لكنه علم أنهما رجل وامرأة. فاقترب منهم أكثر، حتى صار قادراً على سماع محادثتهم بوضوح.

قال الرجل مخاطباً كارل برجاء: أرجوك ألا تصعّد الموقف أيها الرئيس تشادولي. أعلم أن ابنتي قد أخطأت في حق قريبتك، لكنهما محض طفلتين فحسب. لا يجب أن ندع الأطفال يؤثرون في علاقة عائلتينا!

رد كارل بنبرة حادة: لقد تغاضيت على تنمرها على ايمي في البداية، لكنها تمادت كثيراً هذه المرة. لو لم ننقذها في الوقت المناسب، كان يمكن أن تموت حتى!
إذا ما كنتما تحترمانني منذ البداية، كان يجب أن تعلّما ابنتكما أن تلزم حدودها. لا تحاول إقناعي أكثر سيد ميليغان، من الأفضل أن تغادر من أمامي حالاً طالما أنني ما أزال أعاملك باحترام!

في تلك اللحظة، صرخت عليه تلك المرأة قائلةً بعجرفة: لا تغتر بنفسك كثيراً أيها الوقح! ربما تكون صغيرتك قد تأذت، لكن ماذا عن ابنتي؟ هل رأيت ما فعله شقيقك بها؟ لم تتوقف عن البكاء أبداً، ولم تأكل شيئاً طوال الأيام الأربعة الماضية! إنها لا تريد الذهاب إلى المدرسة بعد الآن، كما أنها غير قادرة على مقابلة أي من أصدقائها ومعارفها بعد الآن أبداً...

ثم أردفت بتهديد: من الأفضل ألا تصعّد الموقف، وإلا فأننا سنقوم بمقاضاتك على الأذى الذي لحق بابنتنا!

في تلك اللحظة، وقف هاري أمامها عاقداً يديه أمام صدره ليقول بينما ينظر نحوهما بحدة: لا أنصحكما بفعل شيء كهذا، سيد وسيدة ميليغان. ربما لا تعلمان ذلك، لكن ابنتكما الموقرة، قد أرسلت رجالاً يتبعون لعائلة ميليغان حتى يقوموا بقتل ايمي، ولدينا أدلة تثبت هذا. يمكننا اللقاء في المحكمة كما تريدان، لكن حسنا...

ثم ابتسم بمكر، وقال بسخرية لاذعة: أي الحالتين أسوء يا ترى؟ محاولة قتل، أم جرح مشاعر فتاة مهووسة؟

نظر كارل إلى هاري بدهشة، في حين بدا والدي جانيت مصدومين تماماً..

قالت والدتها وهي تضغط على أسنانها بغيظ: كيف تجرؤ على اتهام ابنتي بالقيام بشيء كهذا؟!

حرك هاري كتفيه بلامبالاة، وقال وهو يضع يديه في جيوبه ببرود: إنني لا أتهمها سيدة ميليغان...بل إنني أخبرك بما فعلته فحسب. يمكنكِ سؤالها بنفسكِ إذا لم تصدقي كلامي..

عندها قال السيد ميليغان بارتباك: آه..لحظة واحدة. فلتهدأ سيد تشادولي، نحن بالتأكيد لن نقوم بمقاضاة أسرة تشادولي أبداً...أعني..كيف يمكن حتى أن نفكر بشيء كهذا؟

ثم هز كتف زوجته وقال وهو يشير إليها بعينيه بحدة: كريستين، فلتعتذري للسيد الصغير...

عضّت كريستين شفتها السفلى بقهر، لتقول وهي تنظر إليه بكره شديد: أنا آسفة على وقاحتي...لكن تذكر أنني لن أنسى ما فعلته بابنتي أبداً!

ابتسم هاري بسخرية وقال بوقاحة: آه أجل...من الأفضل ألا تنسي هذا أبداً. يجب أن تتعلمي أنتِ وابنتك ما الذي يعينه لمس شعرة من شخص يتبع لأسرة تشادولي!

ثم أردف وهو ينظر إليهما بحدة: والآن انقلعا من هنا....لا أريد رؤية أي مخلوق له علاقة بتلك الحشرة بالقرب من ايمي بعد الآن أبداً!

تفاجأ كلاهما من كلامه، ولم يعرفا كيف يردان على ما قاله أبداً.

لكن كارل تدخّل قائلاً بهدوء: سيد ميليغان، سيدة ميليغان. من الأفضل أن ننهي هذا النقاش العقيم الآن. أرجو أن تغادرا من هنا في الوقت الحالي. لقد أخطأت ابنتكما، وعليكما تحمل عواقب أفعالها.

ثم نظر إلى الحارس الواقف بالقرب منهما وقال ببرود: كيفين، أرجو أن تريهما الطريق.

اقترب كيفين منهما. عندها قالت السيدة ميلغان بعصبية، وهي تسير مبتعدةً عن المكان: لا حاجة لذلك. أعرف الطريق بنفسي!
عندها لحقها زوجها على الفور، ليختفيا من أمامهما ما إن ركبا المصعد الذي اتجه بهما نحو الأسفل.

وما إن غادرا، حتى قال كارل على الفور دون أن ينظر إلى هاري: ما الذي كنت تعنيه عندما قلت أن هناك رجال أرادوا قتل ايمي؟

أجاب هاري ببرود: لقد استيقظت ايمي وأخبرتني بهذا..

تفاجأ كارل لسماع كلامه، وقد كوّر قبضته بغيظ شديد..

لكنه سكت قليلاً قبل أن يقول بتفكير: لكن...إذا كان هناك من حاول قتلها حقاً، فكيف وجدتموها بالقرب من الفندق بتلك البساطة؟

تنهد هاري بضيق وقال بانزعاج: يبدو أن هناك شخص ما قد قام بإنقاذها. قالت أنها لم ترى وجه ذلك الشخص، لكنني أشك أنها تخفي شيئاً ما عنا!

سكت قليلاً وهو يفكر في كلامه، لكنه قال بعد ذلك بضيق: سأرسل من يحقق بشأن ما حدث. علينا الآن أن نفكر في كيفية التعامل مع أسرة ميليغان.

ثم نظر إلى هاري وقال بغضب: دعنا من هذا الآن... كم مرةً أخبرتك ألا تسمح له بالسيطرة عليك؟ لقد تصرفت بالطريقة التي أراد لنا أن نكون عليها. سمعت أن تلك الفتاة قد انهارت تماماً بسبب ما فعلته!

أجاب هاري ببرود، دون أن يظهر في عينيه أي نوع من المشاعر: إني لا أهتم أبداً لما حدث لها. لقد آذت ايمي، لذلك هي تستحق ما هو أكثر من ذلك بكثير...

عنفه كارل قائلاً بعصبية: هاري! حتى لو أردت أن تنتقم منها، فلتنتقم بها بذاتك الحقيقية، وليس بما أرادنا ذلك اللعين أن نكون عليه! متى تتوقف عن جعله يهيمن على تصرفاتك؟ هذا ليس أنت أبداً!

فسأله هاري بنفس تلك النظرة الخالية من المشاعر: إذن من أنا برأيك؟ هل تظن أن ارتداء قناع الشخص الجيد كما تفعل أنت الآن، سيغير من حقيقة ما نحن عليه؟ أنا لا أهتم أبداً لأي شيء كارل. هذا العالم بالنسبة لي، يدور حول خمسة أشخاص فحسب. أنت، ديفيد، روي، جدتي وايمي. أما البقية جميعهم محض حشرات لا أهتم أبداً بسحقها إذا ما تطلب الأمر ذلك...لا حاجة لي بأن أشفق على مخلوق لا يهمني وجوده.

حرّك كارل رأسه نافياً وقال بغصة: لا....ذلك ليس صحيحاً هاري. لا يفترض أن تكون هكذا...لا يفترض أن

نكون

هكذا أبداً!

نظر إليه هاري بحدة وقال: كارل، توقف عن إقناع نفسك بهذه السخافات! انت أيضاً في مكان ما في داخلك، ما تزال تسيطر عليك تعليمات ذلك الوغد. هل تظن أنني لا أعرف بشأن خطتك في سحق العائلات الخمس الأخرى؟ بداية بهورشام،
والآن أظنك ستستهدف ميليغان أيضاً. هكذا هو الأمر، لا يجب أن نهتم بالآخرين أبداً. المهم فقط أن نحصل على ما نريده بأي طريقة...

كوّر كارل قبضته وقال بخفوت: الأمر ليس هكذا...إنني فقط...

قاطعه هاري قائلاً ببرود: أنت ماذا؟ لا يوجد أي اختلاف بيننا كارل. الأمر فقط أنك تشعر بالذنب، بينما أنا لا أشعر بأي شيء!

ثم أردف بنبرة خاوية: لقد قتلتُ والدايّ وعائلتي بالكامل، ورغم ذلك لست نادماً على ذلك أبداً. عليك أنت أيضاً ألا تشعر بأي شيء. بهذه الطريقة، لن تطاردك تلك الكوابيس، ولن تضطر للنوم باستخدام الحبوب المنومة بعد الآن!

ضغط كارل على أسنانه وقال بانفعال: لقد أخبرتك أن تتوقف عن قول ذلك! نحن لم نقتلهم..ليس هذا ما أردناه، ليس هذا ما كان يجب أن يحدث!

فرد هاري قائلاً ببرود: لكن هذا ما حدث في النهاية!

كارل، إنهم يستحقون الموت جميعاً...متى تفهم هذا؟ حتى المرأة والرجل اللذان أنجبانا..ما الذي كنا نعنيه بالنسبة لهما؟
أدوات؟ مسوخ؟ شياطين ربما؟
إنني لا أهتم أبداً..ولن أشعر بالندم على ما فعلته حتى لو اضطررت لأعيد فعل ذلك مليون مرة!

عندها صاح به كارل قائلاً بعصبية: كم مرة أخبرتك ألا تتحدث عن هذا الأمر مرة أخرى؟! ذلك ليس صحيحاً هاري...ليس هذا ما يجب أن تفكر به!

ثم سكت قليلاً ونظر إليه لبضع ثوان، قبل أن يقول بهدوء غريب: كيف ستشعر ايمي إذا ما علمت أنك هكذا؟ لا تقل لي أنك لا تهتم لأمرها هي الأخرى!

أجاب هاري بفتور، وتلك النظرة الخاوية ما تزال مرسومة في عينيه: ليس بيدي أي شيء لأفعله إذا ما كرهتني ايمي بسبب ما أنا عليه...لكن المهم بالنسبة لي، هو أنني سأكون قادراً على حمايتها مهما حدث.

تنهد كارل بضيق. ثم أخذ يفرك جبينه بتعب، محاولاً تهدئة نفسه قدر الإمكان..

نظر إلى شقيقه الصغير، والذي لم تغب تلك النظرات من عينيه أبداً... كان حقده على ذلك الشخص يزداد في كل مرة يراه فيها هكذا. لكم حاول كثيراً أن يغيّره لكن بلا فائدة، لذلك كثيراً ما كان يكره نفسه بسبب عجزه هذا.

لكن هاري كسر ذلك الصمت المشحون بينهما لما سأله قائلاً باهتمام: هل ستخبر ديفيد بما حدث؟

سكت كارل قليلاً قبل أن يقول بضيق: إن ديفيد على وشك الخوض في امتحانات القبول بعد أشهر قليلة. لا أريد أن أقلقه الآن. كما أن ايمي بخير، لذلك لا داعي لإخباره. في الوقت الحالي على الأقل.

أومأ هاري بفهم دون أن يعلق على كلامه، لكنه قال فجأة وهو ينظر إليه بحدة: كارل...لا تتهاون معهم أبداً...

تنهد كارل بضيق، ثم قال بحزم وهو ينظر إلى الممر حيث غرفة ايمي: لا تقلق، أعلم جيداً ما علي فعله!

#ألمانيا_جامعة هايدلبيرغ_ الساعة 3:30 مساءاً


2006\3\11

هناك في الحرم الجامعي، كان يجلس وحيداً على ذلك الكرسي الخشبي. واضعاً رجلاً على الأخرى، بينما ظل منهمكاً في كتابة شيء ما في تلك المذكرة التي وضعها على فخذه...

كان يضع سماعات في أذنه، لذلك لم ينتبه على تلك الفتاة التي أخذت تنادي اسمه بخفوت.
ولما لم تجد منه أي إجابة، وضعت يدها على كتفه وقالت بصوت مرتفع قليلاً: ديفيد!

جفل ديفيد من لمستها المفاجئة، وقد رفع بصره نحوها على الفور. لكنه ما إن رآها، حتى ابتسم مرحّباً، وقد نزع السماعات عن أذنيه بعد أن أغلق ما كان يستمع إليه في هاتفه.

قال وهو ينظر إليها بود: مرحباً مونيكا...

كانت فتاةً جميلة رغم بساطتها وملامحها الهادئة...عيناها الخضراوتين الباهتتين، كانتا تشعان طيبة ورقة...
أنفها المستقيم، شفتيها الممتلئتين، بشرتها البيضاء الشاحبة، وشعرها البني القصير الذي كان بالكاد يلامس كتفيها...

ابتسمت مونيكا وقالت باهتمام بينما تجلس إلى جانبه: ما الأمر؟ لقد ناديتك عشرين مرة لكنك كنت منهمكا تماماً!

ثم نظرت إلى المذكرة وسألته باستغراب: هل كنت تستمع إلى محاضرة الدكتور يوهان؟

اكتفى ديفيد بإيماءة بسيطة، ثم قال وهو يشير إلى المذكرة: لقد كنت أدوّن بعض الملاحظات حول النقاط التي لم أستطع فهمها...

زمّت مونيكا شفتيها باستياء، وعلقت بتهكم: آه...إنك محظوظ حقاً ديف. بالرغم من أنني بقيت في ألمانيا لسبعة أشهر على خلافك، إلا أنني ما أزال أسوء منك في اللغة بكثير!

تنهد ديفيد بيأس وقال: لا تقولي هذا مونيكا...أنا أيضاً ما أزال سيئاً جداً. ما أفادني نوعاً ما، هو أنني كنت قد قررت الدراسة في ألمانيا منذ فترة طويلة. لذلك كنت دائماً ما أحاول دراسة اللغة، وقد حضرت بعض الدورات بالفعل. لكن مع هذا، ما تزال الدراسة الفعلية مختلفة جداً..

لما قال هذا، تذكرت مونيكا شيئاً ما. لذلك قالت على الفور باستدراك: أوه بالحديث عن الأمر! لقد أخبرتني إيزابيل أن برايان والآخرين يخططون للخروج معاً في عطلة نهاية الأسبوع...ستكون تلك فرصة جيدة للطلبة الوافدين مثلنا من أجل تطوير مهاراتنا في التحدث. إن برايان جيد جداً في التعليم. ما رأيك أن تحضر أنت أيضاً؟ سوف يفيدك ذلك كثيراً!

فكر ديفيد قليلاً ثم قال بهدوء: هممم، ليس لدي شيء أفعله في نهاية الأسبوع. أظن أنني سأحضر أنا أيضاً...ربما تكون تلك فرصة جيدة كما قلتِ.

خفضت مونيكا رأسها، ثم قالت بخفوت وهي تعبث بأصابعها في توتر: امممم ديفيد. ما رأيك أن...ما رأيك أن نذهب معاً للسينما بعد ذلك؟ أعني...لقد بقيت مشغولاً بالدراسة طوال الأشهر الماضية، لذلك فأنت تحتاج إلى أن ترفّه عن نفسك قليلاً. ألا تظن هذا؟

لم يلاحظ ديفيد توترها، واحمرار وجنتيها لما قالت هذا...كانت تقنياً تطلب منه الخروج في موعد معها، إلا أنه لم يكن يراها بهذه الطريقة أبداً...

فابتسم بعفوية، وقال بهدوء: شكراً لك مونيكا...لكن لا أظن أنه سيكون من الممتع الذهاب إلى السينما. ألا تظنين أنه من المربك مشاهدة فلم لا يمكنكِ فهم الكثير مما يقال فيه؟!

شعرت بالإحباط من كلامه. بدا الأمر كما لو أنه قد رفضها بطريقة غير مباشرة في تلك اللحظة. هي تعلم جيداً أنه لبق جداً في تعامله مع الآخرين، ومن المستحيل أن يجرح أحداً بأي شكل من الأشكال...وربما ذلك ما جعلها تنجذب نحوه هكذا...

لكنها تسمّرت مكانها ما إن سمعت ذلك الصوت الأنثوي الحاد، الذي خاطب ديفيد قائلاً بغضب: واو...ذلك مذهل حقاً! أن تجلس هكذا وتغازل فتاةً أخرى، بعد أن حطمت قلب أختي بكل قسوة. أنت بلا أخلاق حقاً!

نظر إليها ديفيد بعدم استيعاب، لكنه ما إن رآها حتى وقف على الفور وقال هاتفاً بدهشة: فيكتوريا؟!

عقدت فيكتوريا يديها أمام صدرها وقالت هي تنظر إليه بكره: آه أجل...بشحمها ولحمها. هل فاجأتك إلى هذه الدرجة؟

نظر ديفيد حوله متفقداً، عندها قالت فيكتوريا بسخرية: لا تقلق، لورنا ليست معي...لقد أتيت إلى هنا وحدي..

ثم نظرت إلى الفتاة الجالسة إلى جانبه بحدة، ونظرت إليه مجدداً. لتقول بعد ذلك بقسوة: آسفة على إفساد هذه اللحظة الحميمية مع حبيبتك، لكنني أريد التحدث معك قليلا...

ثم أردفت بنبرة حادة، موجهةً كلامها إلى مونيكا بطريقة غير مباشرة، ودون أن تنظر إليها: وحدك...

ارتبكت مونيكا من ذلك الجو المشحون بينهما، لكنها قامت من مكانها وقالت مخاطبةً ديفيد بابتسامة متوترة: آه ديفيد... أنا...أنا آسفة، استأذنك بالذهاب الآن...أراك لاحقاً..

رد ديفيد معتذراً بضيق: أنا آسف مونيكا...أعني...

حركت مونيكا رأسها نافية، وقالت بابتسامة مصطنعة: لا بأس ديفيد...ليس عليك أن تعتذر...

ثم نظرت بحذر إلى فيكتوريا، قبل أن تبتعد عنهما بخطوات سريعة وهي تفكر في كلامها...

تساءلت في نفسها قائلةً وهي تنظر إليهما من بعيد بتعابير قلقة: من تكون لورنا؟
.
.
.
ساد بينهما صمت طويل مشحون، ليقطعه ديفيد لما قال بابتسامة متوترة: آه امممم...كيف حالك؟ لقد مضى وقت طويل على آخر مرة التقينا فيها..

ضغطت فيكتوريا على أسنانها، ثم ردت بغيظ: ليس كما لو أن الأمر يهمك إذا ما كنت بخير أم لا، فأنت مشغول على ما يبدو بمغازلة حبيبتك اللطيفة!

تنهد ديفيد بضيق، ثم قال وهو ينظر إليها بجدية: فيكتوريا. لا يوجد أي شيء بيني وبين مونيكا...إننا زملاء في الدراسة، كما أنها بريطانية مثلي لذلك نقوم بمساعدة بعضنا أحياناً...

ضحكت فيكتوريا وقالت بنبرة ساخرة: لا يوجد شيء بينك وبينها؟ هل تمزح معي؟! حتى الطفل يمكنه أن يرى حمامات الحب التي تحوم حولكما!

لم يرد ديفيد أن يجادلها أبداً. فهو يعرف جيداً أن فيكتوريا إذا ما اقتنعت بشيء ما، لن يستطيع أحد تغيير رأيها حتى لو أمضى حياته وهو يحاول إقناعها..

سكت قليلاً قبل أن يسألها بتردد: ماذا عنها؟ كيف حالها الآن؟

عند تلك النقطة، لم تستطع أن تتمالك فيكتوريا نفسها أكثر من ذلك...

سارت نحوه بسرعة، لتشد ياقة قميصه وتقول صارخة بغضب، حتى أنها لفتت انتباه بعض الطلاب نحوهما: كيف تجرؤ على سؤالي عن لورنا بعد الذي فعلته؟! تلك الغبية..لقد أحبتك بصدق طوال حياتها. ثم ماذا قدمت لها في المقابل؟ لا شيء سوى الألم، وقلب محطم لن يكون قادراً على حب أي شخص آخر أبداً!

وضع ديفيد كلتا يديه على يديها اللتان شدتا ملابسه، ليقول بألم وهو يبعد يديها عنه: أنا لم أرد أن يحدث ذلك أبداً. لم أرد يوماً أن أجرح لورنا أبداً...أنتِ تعلمين أكثر من أي شخص آخر كم أن لورنا مهمة جداً بالنسبة لي...أنا أحبها...أنا أحبها فيكي!

أخذت تضربه على صدره بقبضتيها بألم، بينما عيناها تدمعان.

تعلم أنه يحبها، لكنه لن يحبها أبداً كامرأة. بل كأخته الصغيرة، وصديقة طفولته فحسب...
هذا ما كانت تصدقه دائماً، لذلك حتى رغم أنه قد اعترف لها بمشاعره الآن، لم تفهم فيكتوريا ما أراد أن يقوله لها في ذلك الوقت!

قالت بضعف، بينما تنظر إليه بعينين غارقتين في الدموع: لماذا؟ لماذا كان يجب أن يكون الأمر هكذا؟ لماذا يجب على تلك الصغيرة أن تعاني هكذا دائماً؟ أنا لا أريد هذا ديفيد...أنا أريد أن أراها سعيدةً ولو لمرة...

ثم أسندت رأسها على صدره، لما لم تعد قادرة على قول أي شيء. وقد استمرت فقط في البكاء بألم...
تعلم أنه لا يمكنها إجباره على أن يبادل أختها الصغيرة مشاعرها تلك. تعلم أنها لا يجب أن تكرهه على ذلك، تعلم أنه يهتم لأمرها، وأنه لم يكن يريد أن يؤذيها، أو يجرح مشاعرها يوماً..
لكنها لا تستطيع سوى أن تلومه...لا تستطيع سوى أن تكرهه على جعل شقيقتها العزيزة على قلبها، تتحطم هكذا بعد رحيله...

أخذ ديفيد نفساً عميقاً قبل أن يقول بضيق: أنا آسف حقاً فيكي، ليس لدي خيار آخر سوى أن أرحل. إن ايمي تحتاجني، ولا يمكنني تركها أبداً. لهذا السبب لا يمكنني البقاء مع لورنا بعد الآن، وهي أكثر من يدرك ذلك...

ابتعدت عنه فيكتوريا بضع خطوات، وهي تنظر إليه بصدمة وسط دموعها...لتقول هامسةً بعدم تصديق: ايمي؟

ثم حركت رأسها نافية، وقالت بعد أن جفت الدموع تماماً من عينيها: لا أصدق هذا...لم أكن أتصور أن تكون بهذه الفظاعة ديفيد..

عضت شفاهها السفلى، لتصرخ بعدها وهي تنظر إليه بغضب عارم: هل تقول لي أنك تركت أختي في تلك الحالة، بسبب امرأة أخرى؟!

ثم أردفت وهي تعيد خصلات غرتها إلى الخلف بانفعال: لا...وتقول لي أن لورنا هي أكثر من يدرك ذلك؟ لورنا التي أحبتك منذ أن كانت طفلة، ولم تعرف أي رجل غيرك على الإطلاق. تتركها هكذا من أجل امرأة أخرى؟!

ثم شدت خصلات غرتها بعصبية، لتقول بينما تنظر إليه بخيبة: يبدو أنني كنت أضيع وقتي فحسب. ظننت أنني سأكون قادرة على إصلاح الأمر بينكما، لكنك لا تستحق مشاعر لورنا أبداً...

ثم ابتسمت بسخرية وقالت: أتمنى لك حياةً سعيدة مع حبيبتك ايمي هذه...وإياك أن تجرؤ على الظهور أمام لورنا مرة أخرى أبداً. لا تجرؤ على السؤال عن أخبارها حتى! وداعاً..

قالت هذا لتسير مبتعدةً عنه بسرعة، بينما وقف هو مصدوماً يحاول استيعاب كل حرف مما قالته..

ولما أدرك الأمر أخيراً...قال هاتفاً بعدم تصديق: فيكتوريا لا تعرف بشأن ايمي؟!! ما الذي يعنيه هذا؟!

بدا مرتبكاً وحائراً حقاً. لا مجال للشك أن من ساعدهم ذلك اليوم على الهرب، هو الدوق آيشنبارت. لذلك كان متأكداً من أن فيكتوريا تعلم جيداً ما فعله والدها من أجلهم، ومن الطبيعي جداً أن تعرف بشأن ايمي أيضاً.
لكن هذه الحقيقة جعلته أكثر حيرةً مما كان عليه. لماذا لورنا فقط من تعلم بشأن ايمي؟ ما هي تلك الحقيقة التي أخفتها حتى عن أختها المقربة فيكتوريا، والتي كانت تخبرها دائماً عن كل صغيرة وكبيرة في حياتها؟!!

#فرنسا_باريس_ الساعة 10:35 صباحاً


2006\3\12

ظلت تركض في الممر بسرعة، متجاهلةً تماماً كل شيء من حولها. حتى وصلت أخيراً أمام باب تلك الغرفة...

وقفت تلتقط أنفاسها للحظات، قبل أن تفتح الباب بسرعة. وقد تعلقت عيناها فوراً على تلك الجالسة على سريرها، بينما تتحدث مع كارل وهاري بابتسامتها المرحة التي كانت الأحب إلى قلبها...

ركضت نحوها، لتجلس إلى جانبها على السرير، ثم تضمها إليها بقوة وتقول بسعادة بينما عيناها تدمعان: أخيراً استيقظتِ! لقد كدت أموت من القلق عندما رأيتكِ في تلك الحالة أتعلمين؟

ثم أردفت بهمس وهي تقربها إليها أكثر وأكثر: لا تخيفيني هكذا مجدداً ايمي!

ابتعدت عنها ايمي قليلاً، ثم قالت متأسفةً بينما تنظر إليها بحزن: أنا آسفة لوسي...لقد جعلتك تقلقين بسببي...

ضغطت لوسي على أسنانها، ثم قالت وهي تشد قبضتها بعصبية: الخطأ ليس خطأك...كل ذلك بسبب تلك العاهرة الـ*** ال*****!!

ليتها أمامي الآن...أرغب حقاً أن أشوّه وجهها اللعين ذاك...

وقف كارل خلفها، ثم قال وهو يضع يديه على كتفيها بينما يكتم ضحكته بصعوبة: اهدئي لوسي...ليس من الجيد قول كلام كهذا أمام الأطفال، ألا تظنين ذلك؟

ارتبكت لوسي من حركته تلك...

في الواقع، ربما يكون هذا أول اتصال مباشر بينهما منذ أن اعترف لها ذلك اليوم...
لقد انشغلا بسبب ما حدث لايمي، لذلك لم يلتقيا ببعضهما تقريباً طوال الفترة الماضية...

لاحظ كل من هاري وايمي توترها ذاك، في حين بدا كارل طبيعياً نوعاً ما...

ايمي ابتسمت بمكر وهي تشتم رائحة شيء ما بينهما، أما هاري فقد كان منزعجاً جداً، لكنه تظاهر بأنه لا يهتم كالعادة..

أبعدت لوسي يديه عنها، ثم قالت وهي تحاول جعل نفسها تبدو هادئةً قدر الإمكان: تلك اللعينة تستحق هذا وأكثر! أرغب حقاً في الانتقام منها...كيف تجرؤ على إيذاء ايمي هكذا؟!

وضعت ايمي يدها على يد لوسي وقالت بابتسامة هادئة: لا بأس لوسي...إنني بخير الآن. فلتنسي أمرها، ولا تزعجي نفسكِ بسببها.

أخذت لوسي نفساً عميقاً وهي تحاول تهدئة نفسها، سواء من غضبها، أو من ارتباكها في وجود كارل....

سألته وهي تحاول تجنب النظر إلى عينيه: كيف هي الآن؟ ما الذي قاله لك الطبيب؟

ابتسم كارل باستمتاع ويراقب ارتباكها ذاك، لكنه رد قائلاً بهدوء: لقد قال أنها بخير الآن. سيكون بوسعها الخروج من المستشفى في الغد على الأرجح.

تنهدت لوسي براحة، لكنها نظرت إلى ايمي ووبختها قائلة: ايمي...لقد أخبرتك أن تتجنبي الاحتكاك بتلك اللعينة. ما كان يجب أن تتصرفي بتهور هكذا...

خفضت ايمي رأسها، وقالت معتذرة، بعد أن سمعت تلك المحاضرة منهم جميعاً في الواقع: انا آسفة...لن أفعل ذلك مجدداً...

ابتسمت لوسي بهدوء، ثم قالت وهي تربّت على رأسها بعطف: لا بأس ايمي...المهم الآن أنكِ بخير. إننا هنا جميعاً من أجلك. في المرة القادمة، لا تتردي في إخبارنا عن أي مشكلة تحدث لك. مفهوم؟

أومأت ايمي بفهم، ثم قالت وهي تنظر إليها بامتنان: شكراً لكِ لوسي...

بعد دقائق، طُرق باب الغرفة...عندها قال كارل وهو ينظر إلى الباب: ادخل..

دخلت الجدة وهي تلتقط أنفاسها بتعب، ثم قالت وهي تنظر إلى لوسي بإرهاق: لقد فاجأتني حقاً لوسي...حاولت اللحاق بكِ، لكنك كنت تركضين كما لو أنكِ في سباق مع أحدهم!

قامت لوسي من مكانها. ثم سارت إليها بسرعة، لتقول باعتذار بينما تساعدها على السير: أوه يا إلهي! أنا آسفة حقاً جدتي...أنا...

قاطعتها الجدة قائلةً بابتسامة: لا بأس يا عزيزتي....أعلم أنكِ كنت قلقة جداً على ايمي.

ساعدتها لوسي على السير، ثم جعلتها تجلس على الكرسي الموضوع إلى جانب سرير ايمي، بعد أن قام هاري منه ليسمح لجدته بالجلوس.

ما إن جلست الجدة على الكرسي، حتى جلست ايمي أمامها على السرير. لتقفز نحوها، وتضمها قائلةً بسعادة: لقد اشتقت إليكِ جدتي!

تفاجأت الجدة من تصرفها في البداية، لكنها سرعان ما ابتسمت بإشراق، لتضمها هي الأخرى وتقول بينما تمسح على شعرها بحنان: وأنا أيضاً يا صغيرتي...إنني سعيدة جداً لأنكِ بخير. ما كان يجب أن تخرجي في ذلك الجو البارد دون أن تجففي شعرك! عليك أن تهتمي بنفسك جيداً في المرة القادمة، اتفقنا؟

أجابت ايمي بابتسامة مرتبكة: آه..أجل...

كانوا قد اتفقوا جميعاً على ألا يخبروا الجدة بحقيقة ما حدث حتى لا يشعروها بالقلق، ومن الجيد أنها لم تلاحظ ذلك الجو المرتبك الذي أحاطهم جميعاً في ذلك الوقت..

كسرت لوسي ذلك الصمت الذي ساد بينهم للحظة، لما قالت بابتسامة هادئة: سأذهب لأشتري بعض المشروبات للجميع. هل تريدون شيئاً معيناً؟

أجاب هاري ببرود: أي شيء عدا عصير البرتقال..

لم تعلّق لوسي على ما قاله، رغم أنها استغربت نوعاً ما من أنه يكره عصير البرتقال، إلى الحد الذي يجعله يشير إليه بشكل خاص هكذا...

لكنها نظرت إلى ايمي وقالت بابتسامة مرحة: ماذا عنكِ ايمي؟

وضعت ايمي سبابتها على ذقنها بتفكير، لكنها قالت فجأة بحماس طفولي: عصير الفراولة!

أما الجدة سمانثا، فقد طلبت منها أن تحضر لها كوباً من القهوة...

أخيراً، نظرت إلى كارل بتردد. لكنها سألته ببطء وهي تتحاشى النظر إلى عينيه: ماذا عنك؟

أجاب كارل بهدوء وهو يقف إلى جانبها: سأذهب معك. سيكون من الصعب عليك أن تحضري كل المشروبات وحدك.

ارتبكت كثيراً ما إن قال هذا، لكنها تدرك جيداً أنه لا مجال لها لرفض عرضه في وجود الجميع إلى جانبهما. لذلك رافقته إلى الخارج، بينما ساد صمت مربك بينهما طوال طريقهما نحو الكافتيريا الخاصة بالمستشفى.

كان كارل يبدو طبيعياً تماماً، وقد ظلّت لوسي تنظر نحوه خلسةً بين الحين والآخر..

كانت تنظر إلى الأرض بخيبة، لما فكرت في نفسها قائلة: إنه يبدو طبيعياً تماماً. هل يمكن أنه نسي ما قاله ذلك اليوم؟ لقد كان مريضاً جداَ، لذلك ربما يكون قد قال ذلك بسبب المرض فحسب!

ثم تنهدت بعمق، لتخاطب نفسها قائلةً بضيق: لكن لماذا؟ لماذا أشعر بالإحباط بسبب هذا؟!

لكن كارل توقف فجأة، ليخاطبها قائلاً بهدوء: لوسي..

توقفت هي الأخرى، لتلتفت نحوه بتردد.

كان يقف على بعد بضع خطوات عنها، بينما اعتلت وجهه ملامح جادة، مما جعلها تشعر بالقلق مما يريد قوله. هل كانت مخطئة؟ هل هو في الواقع يتذكر كل شيء؟!

أخذ كارل نفساً عميقاً قبل أن يقول بضيق: أنا...أنا آسف على ما حدث في ذلك اليوم...

وقفت لوسي في مكانها مصودمةً تماماً مما قاله، وهتفت في نفسها بعدم تصديق: آسف؟!

لكنها عضت شفاهها السلفى، وقالت في نفسها بخيبة: هل يمكن أنه يريد أن يسحب كلامه؟ ربما لم يكن يقصد ما قاله في ذلك الوقت...ربما كان ذلك بالخطأ فحسب بسبب الحمى!

عندها قالت بارتباك وهي تنظر نحوه بابتسامة مصطنعة: أوه لا بأس! لا تقلق، أعلم أنك كنت محموماً في ذلك الوقت، لذلك لم آخذ ما قلته بجدية...لابد أنك لم تعني ما قلته لذا...

ضغط كارل على أسنانه، ليسير نحوها بخطوات سريعة...

ارتبكت من اقترابه المفاجئ منها، لذلك ظلت تتراجع للخلف مبتعدة عنه، لكنه أمسك بكتفيها فجأة بقوة حتى يمنعها من الابتعاد أكثر...

كان يشدّ على قبضته كما لو كانت ستختفي تماماً عن ناظريه
في اللحظة التي يرخيها فيها..

فكرة أنها قد ترحل، كادت تصيبه بالجنون. لكن ما أفقده القدرة على التحكم في نفسه الآن، هي كلماتها تلك..

لا يمكنها أن تفهمه بشكل خاطئ..لا يمكنها أن تسيء فهم ما أراد قوله. ليس هذا ما أراده على الإطلاق!

فقال بجدية بينما ينظر إلى عينيها مباشرة: لقد كنت جاداً لوسي! إنني لا أعتذر لكِ بسبب أنني لم أقصد ما قلته. إنني أعتذر لأنني لم أرد أن أخبركِ بهذا في هذا الوقت...
أنتِ مضطرة للعيش في منزلي، وليس لديك مكان آخر تذهبين إليه في الوقت الحالي. لا أريد إخباركِ بهذا في الوقت الذي تحتاجين فيه إلي. كنت أنوي انتظارك حتى تجدين رفيقك وتصيرين قادرة على الرحيل. وسواء وافقتِ على أن تكوني معي، أو رحلتِ من هنا فالقرار قراركِ حينها. لا أريد أن يبدو الأمر كما لو أنني أستغل حاجتك إليّ لوسي!

تفاجأت لوسي كثيراً لما سمعت ما قاله...لكنه فاجأها أكثر لما قاله بابتسامة باهتة: أنا أحبكِ...لا أريد أن أسحب كلامي، ولا أريد الاعتذار عن قول هذا لك أيضاً.

ثم وضع يده على خدها، وأخذ يمسح عليه بإبهامه ببطء. ليقول بخفوت بينما ينظر إليها بخدر: لا تدرين كم أرغب في تقبيلك الآن. أريدكِ أن تكوني لي..لي أنا فقط!

لكنه سكت قليلاً قبل أن يقول بهدوء: لكن..بقدر ما أريد ذلك، لا أريد أبداً أن أجبركِ على شيء لا تريدينه. لذلك سأنتظر..

أمسك خصلةً من شعرها برفق. لينحني نحوها ويقبل خصلتها بهدوء، ثم يقول هامساً قرب أذنها بعشق: سأنتظر جوابكِ بفارغ الصبر...إنكِ مهمة جداً بالنسبة لي، ولا أريد أبداً أن أخسركِ لوسي...

في اللحظة التي سمعت فيها كلماته تلك، شعرت لوسي بالحرارة ترتفع في جسدها إلى حد جعلها تشعر أنها ستذوب، وتختفي من أمامه في أي وقت..
قلبها ظل ينبض بجنون، كما لو كان سيقفز من صدرها آنذاك. في حين شعرت أن الهواء لم يعد قادراً على الوصول إلى رئتيها أبداً..

أقال للتو أنه يحبها؟ أقال أنه لا يريد أن يخسرها؟!

لقد أحسّت أن جسدها قد تخدر بالكامل، تحت تأثير رائحة عطره الرجولي، وأنفاسه الساخنة التي ظلت تلفح جانب عنقها مع كل كلمة يقولها...

رفع رأسه قليلاً ليصير وجهه مقابلاً لوجهها تماماً، في حين ظلت يداه متسمكتين بكتفيها بقوة، وبرفق في الوقت ذاته...

عيناه كانتا تحدقان بعينيها مباشرة.

تفحصانها، تقرآنها، وتخترقان دواخلها بشكل أشعرها أنها مكشوفة تماماً أمام نظرات عينيه..

أنى لرجل أن يؤثر بها إلى هذا الحد؟ أنى لرجل أن يعبث بجوارحها، يحطم أسوارها، ويحفز كل خلية من خلايا جسدها كما يفعل هو الآن؟

كان كل جزء منها يصرخ لها بأن تندفع نحوه، وتخبره بكل ما تشعر به...إنها تريده. هي حقاً تريده، وتعلم ذلك أكثر من أي شخص آخر...

ترددت كلماته في ذهنها مرات ومرات

(أحبكِ)

(أريدك أن تكوني لي)

(لا أريد أن أخسرك)
.
.
.

(لا أعلم كيف سأعيش إذا ما خسرتك!)


هذا ما كان قلبها يصرخ به في تلك اللحظة..

لكنها لا تستطيع...لا تستطيع ذلك أبداً..

فحينها تراءت في ذهنها ابتسامة ذلك الشخص. ظهره العريض وهو يسير أمامها ببطء، ويلتفت نحوها بين الحين والآخر...

رائحة التراب العالق في ثيابه، ويداه المتشققتين اللتان كانتا تمسكان بيديها الصغيرتين، لتبعثا في نفسها السكينة والأمان..

ورغم سخرية الآخرين منه دائماً، إلا أنه كان بالنسبة لها أعظم رجل في هذه الحياة، والأمان والدفء الذي كان يحميها من قسوة هذا العالم..

لكنه رحل...رحل ليتركها وحيدةً بعد أن وعدها أنه سيظل معها دائماً...

والسبب....السبب...!!

عضت شفتها السفلى بقوة حتى استطاعت تذوق طعم دمائها، وهي تنظر إلى عينيه العاشقتين...

كانت ترتجف بالكامل. وبين صراعها المؤلم مع مشاعرها، عقلها، قلبها، وروحها. كان الشيء الوحيد الذي قالته بصوت مضطرب، لا تدري كيف أخرجته حتى: دعني أفكر في الأمر...

أطلق كارل تنهيدةً طويلة، ليحرر كتفيها ويبتسم قائلاً بهدوء: لديكِ كل الوقت في هذا العالم...سأكون في انتظاركِ بفارغ الصبر...

خفضت لوسي رأسها دون أن تقول أي شيء آخر، بينما ارتسمت في عينيها نظرة متألمة... عندها وضع يده على ظهرها ليقول بخفوت: دعينا نذهب الآن...

كان يسير إلى جانبها دون أن يعلم بما يدور في عقلها، وبما كانت تفكر به الآن.. ورغم أن ردة فعلها قد أشعرته بالقلق حقاً، إلا أنه لا يريد أن يفكر بأي شيء آخر في هذه اللحظة...

إنه يحتاجها إلى جانبه، يحتاجها في حياته، ولا يمكنه أن يتخيل نفسه مع أي امرأة غيرها أبداً...

أتريد قتله؟ ليكن الأمر كذلك إذن!

#فرنسا_باريس_ الساعة 11:30 مساءاً


2006\4\12

وسط ذلك الظلام الحالك، كانت واقفةً أمام تلك النافذة الزجاجية الكيرة التي كانت على طول الحائط. وهي تضع هاتفها على أذنها، تستمع إلى ما يقوله الطرف الآخر...

كانت ترتدي فستاناً طويلاً أسوداً، فصّل منحنيات جسدها الممشوق ببراعة. وقد أسدلت شعرها الذهبي إلى جانب كتفها، في حين ارتسمت على وجهها نظرة جامدة، خالية تماماً من أي نوع من المشاعر...

تكلمت أخيراً بعد أن صمتت لبضع دقائق: لا تقلق...كل شيء تحت السيطرة، سوف نحصل عليها قريباً جداً.
أخبر الزعيم أن يضع قدميه في ماء بارد، فملاكه الصغير سيكون عنده في أي لحظة...

ثم سكتت مرة أخرى، لتجيب على ما قاله الطرف الآخر بنفس جمودها ذاك: لن يمثل كارلوس تشادولي مشكلةً بالنسبة لنا... أستطيع اختراق المكان بسهولة، وجلبها معي دون أن يلاحظ أي أحد.

ثم ابتسمت بخبث وأردفت قائلةً بمكر: وفي كل الأحوال، لقد تدبرنا أمره منذ وقت طويل. أولئك الحمقى...سيقومون بقتله قريباً جداً!

قالت هذا لتغلق الخط بعدها...

تنهدت بعمق وهي تنظر إلى أضواء المدينة عبر ذلك الزجاج أمامها...

أخرجت تلك القلادة الذهبية، ذات الغطاء الدائري الصغير من تحت ملابسها، والتي كانت لا تتناسب أبداً مع فستانها الفخم...

ضغطت ذلك الزر الصغير أعلاها، حيث انفتحت على الفور مظهرةً لها تلك الصورة الصغيرة المثبتة داخلها...

ابتسمت بحزن، لتقول هامسةً كما لو كانت تخاطب تلك الصورة: لقد اقتربنا كثيراً. قريباً جداً ستكتمل جميع القطع، عندها سينتهي كل شيء!

يتبع...

*******

_

رأيكم في الفصل؟


_توقعاتكم للأحداث القادمة؟

_من هو الشخص الذي أنقذ ايمي من أولئك الرجال؟

_ما الذي كان يعنيه هاري من حديثه مع كارل؟

_أحقا كارل وهاري هما من قتلا عائلتيهما؟ وما الذي حدث لهما في الماضي حتى يصبحا هكذا؟

_لماذا لورنا فقط هي من تعلم بوجود ايمي؟ وما السر الذي تخفيه عن ديفيد؟

_هل أصبح مستحيلاً بالنسبة لهما أن يصبحا معاً مجدداً؟

_كارل قد أعترف للوسي بجدية..فما مصير علاقتهما الآن؟ وهل ستقبل لوسي بمشاعره اتجاهها؟

_ما السر الذي يجعل قبول مشاعره صعباً جداً على لوسي؟

_كارل سيقتل؟ ما الذي يعنيه ذلك؟ ومن تكون تلك المرأة التي ظهرت في نهاية الفصل؟

أحداث كثيرة وشيقة بانتظاركم في الفصول القادمة فلا تنسو متابعتي..

ارجو ان الفصل قد نال إعجابكم..ولا تنسوا التصويت والتعليق عليه

اقتربنا كثيرا من الاحداث التي سيختم بها الجزء الأول من الرواية..أحتاج تفاعلكم حتى أنشر بشكل أسرع


أراكم على خير أحبتي ودمتم في أمان الله وحفظه

2018/12/18 · 802 مشاهدة · 6710 كلمة
NajwaSD
نادي الروايات - 2024