الامتحان الأخير تأجل ليوم السبت فبما ان كان عندي وقت فراغ حبيت انزل فصل جديد :)
ان شاء الله يعجبكم الفصل ونتمنا تعطوني رايكم فيه..
قراءة ممتعة❤

آه نسيت اقول أن مفيش حد كان توقعه صحيح 💔 شكراً ليك كثيير على تعليقك المحفز princess soso ❤


ملاحظة: ارجو منكم التركيز على التوقيت ما بين كل مقطع ومقطع. لأن ترتيب الأحداث ليس متتابعاً، فهناك أمور حدثت قبل الأخرى>>

**********


#لندن الساعة 1:25 صباحاً
2005/9/15


توقفت تلك السيارة السوداء الفاخرة على جانب الرصيف، في ذلك الشارع الواسع الخالي من المارة..

خرج يسير في خطوات سريعة باتجاه تلك الحجرة الصغيرة حيث يوجد الهاتف العمومي.

ضغط رقماً ما بسرعة ليرد عليه صوت نسائي قائلا بنبرة جافة:تفضل...من تريد؟

أجاب بسرعة:صليني بلاكساس.

فقالت ببرود:كلمة السر من فضلك؟

رد على الفور: بيراميس هوذر كورديليا دوقة من الطراز الرفيع...

سألته بهدوء:من أخبره؟

فقال بنفاذ صبر: روبرت جوناس


بعد أن مرت دقيقة تقريباً، سمع صوته عبر سماعة الهاتف يقول بمرح:مرحباً ديفيد! لقد مضى وقت طويل!

ارتبك ما إن سمع ذلك وقال بتوتر:آه..ذلك.


ضحك من ارتباكه ثم قال مطمئناً:لا تقلق، يمكنك أخذ راحتك في الحديث...هذا الخط ليس مراقباً.

تنهد ديفيد براحة ثم قال بتوتر:مرحباً روي..كيف حالك؟

سكت روي قليلا قبل أن يسأله بقلق:ديفيد..ما الامر؟ هل حدث شيء ما؟

تنهد ديفيد بضيق ثم قال وهو ينظر حوله في قلق:روي...أريد أن أطلب منك شيئاً.

شعر روي بالقلق أكثر من نبرته المتوترة تلك، وسأله مرة أخرى:أخبرني ما الذي حدث؟!

رد بضيق:في الحقيقة...أريدك أن تستخرج لي جواز سفر.

استغرب من كلامه وسأله بشك:جواز سفر لك أنت؟


أجاب ديفيد بعد أن أخذ نفساً عميقاً:كلا ليس لي أنا...إنه أمر معقد جداً ولا وقت لدي للشرح.. ثم سكت قليلا وهمس بسخرية:في الواقع أنا أيضاً لم أفهم أي شيء!

عندها قال روي بهدوء:لا بأس ديفيد، أخبرني بما تعرفه وسأفعل كل ما أقدر عليه من أجلك..


شعر ديفيد بالراحة نوعاً ما من كلماته تلك...أسند نفسه على جدار الحجرة، ثم قال وهو ينظر إلى الأرض في قلق:لقد علمت أن لي أختاً تصغرني بعشر سنوات، لكن لسبب ما يريد جدي أخذها إلى منزله حتى يقوم بإيذائها..
لا أعرف التفاصيل، ولا أعرف سبب فعله لهذا، لكن كل ما أعرفه أن علي إخراجها من البلاد بسرعة قبل أن تقع في قبضته. إنها لا تملك جواز سفر، كما أنها غير مسجلة في السجل المدني من الأساس لذا..

قاطعه بهدوء:تحتاج لأن تستخرج لها هوية مزيفة حتى تتمكنا من الهرب صحيح؟

سكت ديفيد قليلا قبل أن يجيبه بضيق:أجل..


أخذ روي نفساً عميقاً ثم قال:حسناً، يبدو الأمر معقداً كما قلت تماماً. ثم أضاف مطمئناً: لا تقلق ديفيد، إن هذا الأمر سهل جداً...سأتدبر الأمر بسرعة...

قال ديفيد برجاء:أرجوك أن تسرع في هذا، علينا المغادرة في أسرع وقت ممكن!

طمأنه قائلا بهدوء:بالتأكيد، كن مطمئناً...

تنهد ديفيد براحة وقال:شكراً لك حقاً روي...

عندها نهره روي قائلا بعتاب:ديفيد، أنت تزعجني حقاً عندما تتحدث بهذه الطريقة! أنت صديقي ومن الطبيعي جداً أن أساعدك عندما تقع في مشكلة!


لم يقل ديفيد شيئاً، كان يفكر دائماً أن أعظم هدية تلقاها في حياته، هي امتلاكه لصديقين رائعين مثل روي وكارل..
والآن ازداد يقيناً بذلك!



عاد إلى السيارة ليرخي رأسه بتعب على ظهر المقعد الخلفي..ثم قال بهدوء مخاطباً السائق:سنعود الآن..

السائق:أمرك سيدي. أعاد تشغيل السيارة لينطلق عائداً إلى القصر دون أن يقول أي شيء آخر.

أخذ ينظر إلى الشارع عبر نافذته بملل، لكنه شعر فجأة باهتزاز هاتفه في جيبه..

انعقد حاجباه باستغراب وهو ينظر إلى رقم والدته الذي أضاء شاشة الهاتف...ضغط رز الإجابة وكان ما يزال مسترخياً بتعب على المقعد..

قال بهدوء وبصوت ناعس:مرحباً أمي..


عندها اتسعت عيناه واستقام ظهره بينما لا زال جالساً في مكانه يستمع إلى كلماتها تلك..

هتف فجأة بانفعال:ماذا قلت؟!!



#لندن الساعة 12:30 صباحاً
في نفس اليوم..



كان جالساً على كرسيه وقد أسند رأسه على المقود في غضب.
رفع بصره إلى السيارتين السوداوتين اللتان توقفتا بشكل مستعرض في منتصف الطريق لتسدا الطريق أمامه.

صر على أسنانه وهو ينظر إلى أولئك الرجال الذين ارتدوا تلك الملابس الرسمية السوداء، واقفين بثقة أمام تلكما السيارتين.

قال بكره بعد أن ضرب المقود بقبضته في غضب:تباً لذلك العجوز اللعين!

ارخى جسده على المقعد وأخذ يقضم ظفر إبهامه في توتر..



نظر إلى أولئك الرجال أمامه ثم نظر إليه مرة أخرى وسأله بتردد:ما الذي سنفعله الآن؟ لابد أنه قام بأخذها وربما...

قاطعه قائلا بعصبيةأعلم! أعلم جيداً ما الذي ينوي ذلك المجنون فعله!

ثم أخذ يضرب المقود بقبضته مرة أخرى بينما يردد في غضب:لا يمكنني ذلك! لا يمكنني السماح له بتحويل ايمي إلى دمية للتنفيس عن غضبه مثل ذلك الطفل! إذا ما فعل ذلك، فلن أكون قادراً على استعمالها مجدداً!!



نظر ذلك الشاب الجالس إلى جانبه إلى الطريق، ثم نظر إليه مرة أخرى وقال بتردد:ماذا لو قمت بتسليمها إلى عمك؟ ألم تقل أنه كان يخطط لتهريبها؟ سيكون أخذها من عمك فيما بعد، أسهل بكثير من أخذها من جدك في الوقت الحالي..

نظر إليه لبعض الوقت ثم ابتسم بمكر وقال:بالرغم من أنك بلا فائدة، إلا أنك تأتي ببعض الأفكار الجيدة أحياناً!


لم يعلق على كلامه. اكتفى بنظرة متضايقة، مع اعتراض طفيف بدا واضحاً في ملامح وجهه، بينما قوس ظهره إلى الأسفل...


ضحك ماكس وضربه عل كتفه بخفة ليقول بسخرية: ماذا؟ ألم يعجبك كلامي؟

ثم سكت قليلا وأضاف بينما ينظر إليه باستحقار: على كل حال، عليك أن تتصرف بثقة أكبر.. لقد قام جدي بمنحك لقب هوريستون مؤخراً صحيح؟ إذا ما كان الأمر كذلك فعليك أن تتصرف كشخص يستحق هذا اللقب...


ضغط على ظهره بكفه حتى استقام جذعه. ثم قال بنبرة هادئة بدت أشبه بالتهديد، وعلى وجهه نظرة مرعبة:لا تحنِ ظهرك هكذا بل اجلس باستقامة...لا تقل جدك ، وعمك...بل قل جدي وعمي. أهذا مفهوم؟ إن النظر إليك أنت تتصرف هكذا يقرفني حقاً!

نظر إليه بخوف وقال بتلعثم:حـ...حاضر، لقد فهمت!


أبعد ماكس يده عن ظهره ثم دفعه من كتفه بقوة حتى اصطدم رأسه بزجاج النافذة، وعلق بقرف دون أن ينظر إليه:هذا سخيف حقاً، كيف يمكن لمخلوق أن يكون مثيراً للشفقة إلى هذه الدرجة!


أخذ هاتفه وضغط رقماً ما...وبعد لحظات رد عليه ذلك الشخص ليقول ماكس بسرعة وعلى وجهه ابتسامة ماكرة:مرحباً شيرين...لقد مضى وقت طويل جداً، لابد انك اشتقتِ إلي...

سكتت قليلا قبل أن ترد عليه بهدوء:أوه ماكس...لقد فاجأني اتصالك حقاً..ثم أضافت بغيظ: هل تعرف ما هو الوقت الآن؟

ابتسم ماكس بسخرية وقال بمكر وهو يرخي ظهره على المقعد: ما الذي تقولينه شيري؟ أنت تعلمين أن أمثالنا لا ينامون بهذا الوقت يا عزيزتي...

أطلقت شيرين ضحكة ساخرة وقالت:ما تزال حقيراً كعادتك! ثم سكتت قليلا وقالت ببرود:إذا، ما الذي تريده؟

ابتسم ماكس بخبث ثم قال وهو ينظر إلى الطريق: أريدك ان تقومِ بفعل شيء ما لأجلي، سأرسل لك التفاصيل بعد نصف ساعة...

علقت شيرين بتذمر:نصف ساعة؟ لا تقل لي أن الامر يحتاج للكثير من الوقت!

ماكس:إنه أمر ضروري جداً...دميتنا الصغيرة في مشكلة لذلك علينا التصرف بسرعة.

تفاجأت تلك المرأة لما سمعت كلامه وهتفت بدهشة:لا تقل لي.....

قاطعها قائلا ببرود:أجل، إنه كما تعتقدين تماماً.

سكتت قليلا ثم قالت بعد أخذت نفساً عميقاً:حسنا لقد فهمت، سأنتظرك...



لما أغلق الخط، شغل سيارته وهم بالانطلاق. عندها أقبل إليه أحد أولئك الرجال ونقر بيده على زجاج نافذة مقعده...

أنزل ماكس زجاج النافذة وقال بحدة:ماذا تريد؟

رد ذلك الرجل بحزم: لقد أمرني جدك ألا أسمح لك بالذهاب!

صر على أسنانه ورفع صوته قائلا بنبرة وقحة:سأعود إلى قصر جدي، أهذا ممنوع أيضاً؟

ثم أضاف بسخرية بينما ينظر إليه باستصغار: أم أنك تريدني أن أنام هنا في الشارع؟!

ارتبك ذلك الرجل من كلامه وتراجع خطوة إلى الوارء. انحنى برأسه إلى الأسفل وقال معتذراً: سامحني علي وقاحتي سيدي الشاب..أرجو أن تقود بأمان إلى المنزل!


لم يعلق ماكس على كلامه. أغلق النافذة ليستدير بسيارته عائداً إلى الطريق التي أتى منها...
ما إن استقامت السيارة حتى ضغط على الفرامل بقوة، لتنطلق سيارته مسرعة بعد أن أصدرت صوت صرير عالٍ، أزعج سكون ذلك الليل المظلم.


نظر الرجل إلى تلك السيارة وهي تبتعد عنهم بسرعة جنونية وهمس بكره:إنه بلا أخلاق حقا!



#لندن الساعة 12:10 صباحاً
2005/9/15



كان الظلام حالكاً، لذلك لم تستطع ايمي تمييز أي شيء من ذلك المبنى الذي توقفت السيارة أمامه.. خرج براد من السيارة ليفتح لايمي بابتسامة...

توقفت مكانها تنظر إليه، كان واقفاً أعلى ذلك الدرج المؤدي إلى الباب ينظر نحوها، ليبتسم ويقول بهدوء:أخيراً أتيتِ...ايمي...


تلك النظرة الحادة والباردة في عيني ذلك العجوز أرعبتها كثيراً.

عادت بها ذاكرتها إلى الوراء...في ذلك اليوم عندما مات آرثر.
نفس النظرة، نفس الحقد، ونفس مشاعر الخوف التي تملكتها في ذلك الوقت...


تراجعت خطوة إلى الوارء. كانت قد أدركت في أعماقها أن عليها الهرب في تلك اللحظة..هذا الشخص لا ينوي خيراً، وهذا ما كانت موقنة به تماماً!

ظلت تتراجع إلى الخلف وجسدها يرتجف ذعراً، لتوقفها فجأة تلك اليدان اللتان أطبقتا على كتفيها حتى أشعرها ذلك بألم طفيف.
رفعت بصرها إلى براد الواقف خلفها، وعلى وجهه ابتسامة لم تعرف تفسيرها..


تكلم باحترام مخاطباً الرجل الواقف أمامه شموخ وكبرياء:سيدي الدوق، لقد أحضرت الطفلة كما أمرتني..

ألقى نظرة استحقار على تلك الصغيرة الواقفة أمامه والتي أخذت تنتفض في ذعر ثم قال ببرود: خذها إلى مكتبي، سأجعل ذلك الحقير يعلم ما الذي يعنيه التمرد عليّ!

انحنى باحترام وقال:أمرك سيدي الدوق..


استدار الدوق عائداً إلى الداخل دون أن يقول اي شيء.

عندها نظر براد إلى ايمي وخاطبها قائلا بنبرة باردة، وقد ارتسمت نظرة خاوية في عينيه: أرجو ألا تكرهيني لأجل هذا ايمي، إذا ما أردت أن تكرهِ شيئاً فعليك أن تكرهِ حظك الذي جعلك تولدين كحفيدة لذلك الشخص!



كانت تسير برفقته في ذلك الممر الطويل إلى حيث لا تعلم..
لم تنظر إلى أي شيء حولها. ظلت تسير في خوف رفقة براد الذي أطبق بيده على يدها الصغيرة المرتجفة بإحكام، فلم تجرؤ حتى على التفكير بالهرب...

أخذت أسنانها تصطك ببعضها. وظنت وقتها أن صوت ضربات قلبها المذعور كان مسموعاً.


تمسكت بدميتها بقوة في محاولة يائسة لتهدئ من روعها، لكن أنى لها ذلك وهي تدرك جيداً في قرارة نفسها، أنها ستواجه قريباً أسوء ما قد تصورته في حياتها!



تعلم أن والداها يتجنبانها دائماً، لكنهما لم هذا لم يؤذياها يوماً...
لكن نظرات ذلك العجوز الذي تتذكر جيداً صفعته لها ذلك اليوم، جعلتها تدرك أنه قادر على فعل أكثر من هذا بكثير...


توقف براد فجأة لترفع ايمي بصرها باتجاه ذلك الباب الخشبي الكبير أمامها.
فتح براد الباب بهدوء ليسحبها معه إلى الداخل ثم توقفا أمام ذلك المكتب الخشبي الفاخر...



كان الدوق جالساً على كرسيه الجلدي الوثير في صمت، بينما أسند مرفقه على مكتبه وهو ينظر نحوهما ببرود...قال لبراد بنبرة جافة:أخرج وأغلق الباب وراءك....

رد براد بعد أن خفض رأسه باحترام:أمرك سيدي...


سار مبتعداً باتجاه الباب، ونظرات ايمي المذعورة تلاحقه في كل خطوة يخطوها.
أرادت أن تستنجد به رغم أنها تعلم جيداً أن هذا الشخص الذي اقتادها بنفسه إلى هنا، لن يستجيب لندائها الخفي ذاك أبداً...

صوت إغلاق الباب كان له وقع مؤلم في نفس تلك الصغيرة الخائفة...أغلقت عينيها بقوة بعد أن حشرت وجهها في شعر دميتها، والتي أدركت وقتها أنها ربما ستكون رفيقتها الوحيدة في هذا العالم...



سمعت صوت إبعاده للكرسي بعد أن وقف أمام المكتب...صوت فتحه البطيء لذلك الدرج في مكتبه، ثم أخيراً صوته وهو يقول بهدوء مخيف:لقد مضى وقت طويل حقاً منذ أن قمت باستخدامه....

رفعت بصرها ببطء باتجاهه...لكنها انتفضت في مكانها وهي تنظر بذعر إلى ذلك الشيء الذي أمسكه في يده...


سار نحوها وعلى وجهه نظرة جمدت الدم في شرايينها. بينما أخذ يلوح بذلك الشيء الذي أخذ يحرك الهواء حوله، مصدراً صوت حفيف مخيف أرعبها كثيراً..


بالكاد أخرجت تلك الحروف المتلعثمة من جوفها لما تمتمت بذعر:ما...هذا...لماذا...


وقبل أن تضيف أي كلمة أخرى، أمسكها من شعرها بقوة ثم رفع وجهها نحوه لتلتقي عيناها بنظراتعينيه المرعبة وقال بغضب:اخرس أيتها الوضيعة ولا تقولِ أي شيء...

ثم نظر إليها للحظات ليقول بحدة:ذلك الوجه يغضبني حقاً...كان يجب أن آخذك منذ ذلك الوقت، كان يجب أن أشوه وجهك انتِ أيضاً...عندها سيظهر ذلك الشخص بالتأكيد!


لم تفهم أياً من مما قاله...كانت تشعر بألم فظيع في رأسها لما شد شعرها بقوة، وقد تجمعت الدموع في عينيها...


أرادت أن تتوسله ليعفو عنها. لا تدري ما الذي فعلته لهذا الشخص، لكن أياً كان خطؤها، أياً كان ذنبها... أرادته أن يعدل عن ما يريد فعله الآن!



رفع ذلك السوط الأسود الغليظ لينهال عليها ضرباً بكل ما أوتي من قوة...
شعرت أن لحمها ينهش تحت وطأة تلك الضربات الحاقدة. شعرت أن كل خلية من جسدها كانت تستغيث من الألم...

وقعت أرضاً ولم تجد ماتفعله غير الصراخ ألماً، بينما لا زال ذلك السوط الغليظ يمزق جسدها الصغير كوحش مفترس جائع، انقض على فريسته أخيراً...

لم تنادي أحدا، فهي تعلم أنه لن يأتي أحد لأجلها...لا أب، ولا أم، ولا أخ سينجدها من ما تمر به الآن...


كان ألم إدراك هذه الحقيقة أقسى بكثير من ألم ضربات ذلك السوط، وركلات ذلك العجوز المجنون...
لم يكن أمامها سوى البكاء ألماً وقهراً بينما تمسكت بأنيستها الوحيدة بشدة، علها تخفف عنها بعضاً من ذلك الألم القاتل...


وبعد مضي بعض الوقت، لا تدري ما إذا كانت دقائق أو ساعات. توقف ذلك الرجل عن ضربها أخيراً.... أمسك بشعرها ليرفعها إلى الأعلى حتى استقامت واقفة...


كانت تنظر إليه بعينين خاليتين من الحياة، بينما كان إمساكه لشعرها هو الشيء الوحيد الذي جعلها قادرة على الوقوف. فقد كان جسدها عاجزاً تماماً على الحراك...

وجه لكمة قوية إلى وجهها حتى سقطت سنها لتنزف الكثير من الدماء من فمها...ثم رماها حتى وقعت أرضاً من جديد...


أخذ ينظر حوله ويصيح بهستيرية:يجب أن ترى ما فعلت! أنت...يجب أن ترى ما فعلت! في الماضي ذلك الولد، ثم ذلك الطفل والآن هذه الطفلة! هل ستستمر بالاختباء بعد كل هذا؟!


ولما لم يلقى جوابا لصراخه الهستيري ذاك، سار إليها ليمسك ساعدها ويجرها بقوة إلى خارج الغرفة...

توقف فجأة في منتصف ذلك الدرج الكبير المؤدي إلى الطابق الأرضي ثم أخذ يصيح بأعلى صوته:كل من في هذا المنزل...فلتخرجوا أمامي حالا!!


لم يمض الكثير من الوقت حتى تجمع الخدم أسفل الدرج ينظرون إليه في ذعر...
ألقى جسد ايمي الهزيل، والمضرج بالدماء أمام قدميه وصاح بهم قائلا: يجب أن تجعلوا ذلك الشخص يعلم هذا... أعلم أن ذلك الشخص يراقب كل شيء.. سوف يكون مصير هذه الطفلة مثل ذلك الصغير أتفهمون؟!!



في تلك اللحظة هرعت إليه سيدة في الأربعينات من العمر...نظرت إلى ايمي الملقاة على الأرض وسط دمائها فشهقت بقوة...

سارت إليه بخطوات متثاقلة وتشبثت بذراعه بقوة ثم أخذت تصيح بألم:أبي أرجوك أن تتوقف! ذلك يكفي بالفعل...ذلك الشخص لن يظهر مهما فعلت! لقد فعلت كل ذلك لفريدريك في البداية، ثم آرثر لكن ذلك الشخص لم يظهر! أرجوك أن تتوقف... لن أستطيع العيش إذا ما حدث ذلك مجدداً!


ثم أضافت بذعر:لا يمكنني نسيان آرثر حتى هذه اللحظة...ما يزال يظهر في أحلامي كل يوم! جسده المضرج بالدماء،صوت صراخه، ونظرات عينيه وهو يتوسلني لإنقاذه!
لا أستطيع نسيان كل هذا للحظة...لا يمكنني أن أتخيل أبداً أن ذلك الشيء الفظيع سيحدث مرة أخرى..منذ أن مات آرثر وأنا لم أستطع النوم أبداً مثل أي شخص آخر... أرجوك أبي أن تتوقف، هذا يكفي أرجوك!


تكلم بنبرة بدت أشبه بالتهديد دون أن ينظر إليها: ابعدي يديك عني مارغريت ولا تتدخلِ في هذا الأمر. أهذا واضح؟

عندها قالت برجاء:أرجوك أبي! أرجوك ألا تفعل هذا!

نظر إليها بحدة وقال بهدوء مخيف:مارغريت...عليك أن تشاهدِ بصمت فقط مثل ما فعل بقية إخوتك. لا تتدخلِ في هذا الأمر أبداً..


اعترضت مارغريت وسط دموعها التي أخذت تنساب على خدها بغزارة:أرجوك لا...أرجوك ألا تفعل هذا... أرجوك أن...

وقبل أن تكمل كلامها دفعها بقوة حتى اصطدمت بالجدار وصاح محذراً:إذا ما وقفتِ في وجهي مرة أخرى فستكونين أنت في مكانها أهذا مفهوم؟


شعرت بالذعر من كلامه...كانت تدرك أن تهديده ذاك لم يكن عبثاً، فهو قادر على فعل ذلك وأكثر! لذلك تسمرت مكانها بينما أخذت تنظر إليه بخوف...



في ذلك الوقت لم تكن تستمع إلى أي شيء حولها... كل ما ميزته هو صوت صراخ ذلك العجوز الغاضب دون أن تستوعب ما كان يقوله، فقد كانت تفكر في شيء آخر تماماً...


كانت ملقاة على بطنها فوق تلك الأرضية الباردة إلى جانب دميتها التي تلطخت بدمائها...يتوسد خدها الأرض، بينما سالت تلك الدماء المتدفقة من أنفها وفمها على وجهها، وصولا إلى الأرضية بجانبها...


جسدها لم يكن أفضل حالا، فقد كسته تلك الجروح الدامية، والخطوط الزرقاء والحمراء التي رسمها ذلك السوط الغليظ على جسدها الصغير....
كانت عيناها تنظران إلى الفراغ، ولم تقوى حتى على البكاء أكثر.



خاطبت نفسها بضياع:آه...الآن فهمت كل شيء، هل كنت تقاسي هذا الألم وحدك طوال الوقت؟ ألهذا السبب قلت لي ذلك الكلام وقتها؟ أخبرني...آرثر...



هي لم تكن تنسى أي شيء، فكيف نست كل ذلك؟



كلماته، تصرفاته، أفعاله...وتلك العلامات الغريبة التي كانت تراها في جسده في المرات القليلة التي التقيا فيها...

صدقاً لم تكن تعرف من يكون، لكنها كانت تحبه كثيراً...وكانت واثقة من أنه يحبها أيضاً...


كانت قد تجولت يوماً في ذلك القصر الكبير الذي يعيش فيه وحيداً في تلك الغرفة الكئيبة. تذكر أنها جلست إلى جانبه على سريره ثم قالت بتذمر:أنت محظوظ جداً آرثر...إنك تعيش في هذا القصر الجميل...ليتني أستطيع العيش هنا أنا أيضاً!

في ذلك الوقت لم تستطع أن تفهم سبب انفعاله لما قالت هذا...أمسك بكتفيها بقوة وقال بصراخ بينما حدقتاه ترتجفان في ذعر:لا..لا!! لا يجب أن تعيش ايمي في هذا المكان أبداً مهما حدث!!


تذكر أيضاً ذلك اليوم عندما كانت أمها تحضنه بينما تبكي بألم...
كانت تردد وسط دموعها: أنا آسفة جداً آرثر...أرجوك أن تسامحني...أنا آسفة،لو أننا كنا أقوى...لو أننا كنا قادران على حمايتك لو أننا....ثم اختفت كلماتها وسط نحيبها المؤلم.


كان يبكي هو أيضاً، لكنه قال لها بين شهقاته: لا تجعليه يأخذ ايمي أيضاً....أرجوك...لا تجعليه يأخذها مهما حدث!


لا تدري لماذا دفنت كل ذلك في أعماق ذاكرتها. ربما لأن موته صدمها كثيراً، إلى حد جعلها تقرر ختم ذكرياتها عنه بعيداً...



كانت صغيرة جداً وقتها لتدرك سبب كل هذا، لكنها لم تنسى أي شيء...لم تنسى، ولن تنسى ذلك الطفل الذي كان يعاني كثيراً بينما لم تكن قادرة على فعل أي شيء....
ذلك الطفل الذي أدركت بعد زمن أنه شقيقها، توأمها، والصديق الوحيد الذي عرفته في حياتها...



بعد ذلك أمر الدوق الخدم بأخذها إلى غرفتها...كانت مستلقية على الفراش وسط ذلك الظلام الموحش، تنظر إلى الفراغ في صمت، رفقة دميتها التي ظلت متمسكة بها كما لو كانت آخر ما تبقى لها في هذه الحياة..


شعرت بألم فظيع في كل جزء من جسدها...لكنها كانت تفكر وقتها، هل ستعيش بقية حياتها هكذا؟ ما الذي كان يفكر به آرثر عندما كان في مكانها؟ هل تمنى الموت؟


ذلك صحيح، ربما كان موته أرحم بكثير من أن يعيش مثل هذه الحياة.
لربما تمنى ذلك...لربما كان آرثر يريد الموت أكثر من أي شيء آخر...مثلما هي الآن!



#لندن الساعة 2:30 صباحا
2005/9/15



لا تدري كم مضى من الوقت بينما هي على هذه الحال...لكنها فجأة سمعت صوتاً غريباً في الغرفة...

صوت ضربة خفيفة، أعقبه صوت النافذة وهي تفتح على مصراعيها ليدخل منها ذلك الظل الطويل في صمت...

كان الظلام حالكاً، لذلك لم تكن قادرة على تمييز وجهه. لكنها كانت متأكدة من أنه يقف إلى جانب سريرها الآن!

شعرت به يقترب منها، يضع يديه تحتها، ثم يحملها إلى الأعلى...

انتفضت في تلك اللحظة، عندها أطبق بيده الكبيرة على فمها، ليهمس بصوته الخشن الذي لم تستطع تمييزه:لا تصدرِ أي صوت!

كانت تنظر إليه في خوف لكنها لم تقو على المقاومة. وضعها على ظهره،ثم ربطها بحبل حول خصره وثبتها بإحكام.


خرج من النافذة ثم أخذ ينزل ببطء متشبثاً بتلك الشجيرات الكثيفة التي تغطي جدار القصر حتى استقرت قدماه على الأرض أخيراً...


أخذ يسير بهدوء بين الأشجار المحيطة بالقصر، ثم يختبئ بين الفينة والأخرى عندما يشعر باقتراب الحراس منه، حتى وصل أخيراً إلى جانب السور المحيط بالقصر.


تسلق السور بسرعة ثم قفز على الأرض وركض نحو تلك السيارة المركونة إلى جانب السور. وما أن أغلق الباب، حتى انطلقت تلك السيارة بسرعة جنونية بعيداً جداً عن قصر الدوق...


من خلال الحديث المقتضب الذي دار بينهم، أدركت ايمي أنهم رجلان وامرأة...
أحدهما كان يقود السيارة، بينما جلست المرأة إلى جانبه. أما الرجل الآخر فهو الذي أحضرها من القصر، والذي أخذ يفك الرباط عنها ثم أسندها إلى المقعد الذي بجانبه، بينما كانت دميتها في حضنها...


قالت المرأة ببرود:أنت متأكد أنها هي صحيح؟

أجاب الرجل بثقة:لقد رافقتها معه في المرة الماضية، لذلك أنا متأكد...

قال الرجل الذي كان يقود السيارة:هل تأكدتِ من مكان اللقاء؟

أجابت المرأة:أجل، إنه في طريقه الآن إلينا، سنضعها هناك ثم نذهب..


كانت تشعر بألم فظيع في صدرها منذ مدة..أخذت أنفاسها المضطربة تعلو وتعلو، مصدرة أزيزاً عاليا استطاع ثلاثتهم سماعه..

صاح الرجل الجالس إلى جانبها بانفعال: شيرين ما العمل؟ هناك شيء خاطيء، إنها..

زفرت المرأة بضيق ثم قالت بتهكم: تباً! لابد أنها أصيبت بنوبة ربو!


انحنت إلى ذلك الكيس الذي وضعته باهمال تحت قدميها، ثم ألقته إلى ذلك الرجل وقالت بانزعاج: هذه أدويتها، لقد توقع أن تصاب بنوبة لذلك أخبرني أن أحضرها..

نظر الرجل إلى كيس الادوية بارتباك وقال معترضاً: ما الذي تقولينه؟ انني لا أعرف كيف أفعل هذا..إنها...

قاطعته بعصبية: إذا ماذا؟! هل تريدها أن تموت؟ لا يمكننا احتمال خسارتها الآن. مازلنا في حاجة إلى استعمالها أكثر!


ثم تمتمت بغضب: لأجل هذا اضطررت إلى السطو على الصيدلية، لأنني لم أكن أملك الوصفة الطبية! إنني غاضبة بما فيه الكفاية بسبب إخفاق ذلك اللعين، لذلك لا تضف أي كلمة أخرى. أهذا مفهموم؟!

بدت غاضبة حقاً لذلك لم يجرؤ ذلك الرجل على قول المزيد..


أخرج تلك الأدوية وقرأ التعليمات المدونة على كل منها، ثم أخذ يعطيها لها بحذر دون أن يتلقى منها أي مقاومة أبداً، فقد كانت كالجثة الهامدة تماماً..



وبعد دقائق توقفت السيارة فجأة في شارع ضيق خالٍ تماماً من أي وجود بشري..
حمل الرجل ايمي إلى خارج السيارة، ثم أسند جسدها على عمود إنارة كان قريباً منهم..

رفعت ايمي بصرها باتجاههم بعد أن شعرت بأن اضطراب أنفاسها قد خف كثيراً.


رغم الإضاءة الخافتة التي انبعثت من ذلك العمود، إلا أنها لم تستطع تمييز وجوههم...كانت متعبة كفاية لألا تكون قادرة على رؤية أي شيء...


اقتربت منها تلك المرأة، ثم جلست القرفصاء أمامها ووضعت يدها على خدها لتقول بابتسمامة:إذا فأنت ايمي...إنك جميلة جداً....
ثم أضافت متصنعة الشفقة:من المؤسف حقاً أن شيئاً فظيعاً كهذا قد حدث لك...


مررت أصابعها على خدها مروراً بذقنها ثم رفعته إليها لتتقابل عيناهما، وقالت وعلى وجهها ابتسامة مخيفة:لم أكن أتمنى أن تتورط صغيرة مثلك في أمر كهذا...لكن ما العمل؟ ليس هناك حل آخر، عليك فقط أن تلعني حظك الذي جعلك تولدين حفيدة لذلك الرجل!

تكلمت ايمي بصعوبة وبصوت مثقل: من أنت؟


ابتسمت بمكر وقالت بهدوء:لا حاجة لأن تعرفي من أكون..
ثم وضعت يدها على شعرها وقالت وهي تمسح عليه برفق:عليك أن تعلمِ فقط أنه لا علاقة لك بكل هذا.. لكن للأسف، حظك العاثر هو ما جعلك تتورطين في الأمر...اقتربت منها أكثر وهمست في أذنها قائلة: أنت مسكينة حقاً..ايمي..


ثم قامت من مكانها وألقت نظرة أخيرة نحوها، لتقول بنفس تلك الابتسامة الماكرة:سنلتقي قريباً...لن يطول فراقنا، ما نزال بحاجة إليك لذلك لن ينتهي الأمر بعد!


عندها قال أحد الرجلين بانفعال:شيرين! لقد وصلوا!

فركض الثلاثة إلى سيارتهم، لينطلقوا مسرعين بعيداً عنها...



توقفت تلك السيارة أمام ايمي فوضعت يدها أمام وجهها، لتحجب ذلك الضوء القوي المنبعث من السيارة عن عينيها...


أبعدت يدها ببطء لتنظر إلى ظل ذلك الشخص الواقف أمام السيارة، والذي أخذ يقترب منها شيئاً فشيئاً...


يتبع...


*******


_رأيكم في الفصل؟

_توقعاتكم للأحداث القادمة؟

_ما الذنب الذي ارتكبته ايمي لتعيش كل هذا؟ أم أن الامر كما قيل لها..أن ذلك فقط بسبب أنها ولدت حفيدة لذلك الرجل؟

_من هو ذلك الظل الواقف أمام تلك السيارة الآن؟

_هل ستكون ايمي قادرة على الهرب من جدها؟ وهل سيتركها وشأنها؟

_ما الذي سيحدث لها؟ وكيف ستكون حياتها من الآن فصاعداً؟

أسئلة كثيرة ستجيبها عليكم الفصول القادمة.. أرجو أن يكون الفصل قد نال إعجابكم.


رأيكم يهمني، وهو ما سيدفعني للاستمرار في النشر.. شكراً لكم..



2018/04/17 · 740 مشاهدة · 3645 كلمة
NajwaSD
نادي الروايات - 2024