أعتذر عن التأخير بسبب بعض الظروف الخاصة..أترككم الآن مع الفص وأرجو أن ينال إعجابكم..


***************


#لندن الساعة 12:45 مساءاً



كان جالساً على حافة ذلك السرير الزوجي الكبير، الذي توسط تلك الغرفة الفاخرة بأثاثها الكلاسيكي الأبيض..

ظل ينظر إلى الأرض بقلق بينما أسند مرفقيه على فخذيه، وأرخى ذقنه على ظاهر يديه اللتان شبكهما أمام صدره في توتر ملحوظ.

عندها اقتربت منه زوجته الجالسة على ركبتيها في منتصف السرير..

وضعت كفها على ظهره وقالت بعطف: عزيزي، عليك أن ترتاح الآن. التفكير هكذا لن يفيدك في شيء...سيكون الأمر على ما يرام بالتأكيد!


أرخى كتفيه المشدودين ثم تنهد بضيق وقال:لا يسعني سوى القلق يا آني...ماذا لو أنه اكتشف كل شيء؟ ماذا لو حدث شيء ما؟

نظرت إليه آني بحزن. لم تعرف كيف تواسيه وقتها، فهي لم تكن أفضل منه حالاً أبداً...قبضت يدها بينما تشبثت بملابسه، علها تشعر ببعض الأمان يتسلل إلى قلبها المضطرب...


لكن صوت تردد نغمات هاتف فريدريك الموضوع على الطاولة الصغيرة إلى جانب السرير، كان قد قطع ذلك الهدوء الخانق الذي طغى على الغرفة، لتنتفض آني في ذعر وتهتف قائلة:من يمكن أن يتصل في هذه الساعة؟!

وضع فريدريك يديه على يديها اللتان تشبثتا بكتفه بقوة وقال وهو يبعدهما عنه بهدوء حاول إبداءه بصعوبة:ما الأمر آني؟ لماذا أنت مذعورة هكذا؟ ربما يكون ذلك اتصال من الشركة، كما تعلمين..ربما هناك مشكلة ما أو...

قاطعته بصوت مرتجف بعد أن حشرت وجهها في ظهره وأغلقت عينيها في خوف:لا أعلم فريد...إنني خائفة، أشعر أن شيئاً ما سيحدث!



كلمات زوجته المرتجفة تلك أشعرته بالقلق حقاً...لكنه قام من مكانه وسار بضع خطوات حتى وقف أمام تلك الطاولة ينظر إلى هاتفه في تردد...

غير أن ذلك الاسم الذي ظهر على الشاشة، جعل قلبه ينتفض ذعراً...


حمل الهاتف بيدين راجفتين وأجاب بصوت مهزوز:ما الذي تريده في هذا الوقت؟!

أجاب على الفور بنبرته الوقحة التي كان يكرهها كثيراً:هممم من خلال صوتك أظن أنك لم تنم بعد...ثم سكت قليلا وأضاف ببرود:حسناً ذلك جيد، من الأفضل أن تكون بكامل وعيك حتى تستوعب ما سأقوله لك الآن...لقد قام جدي بأخذ ايمي...أظنها في منزله الآن على الأرجح...

عندها صاح فريدريك بعصبية:ماكس! لا طاقة لدي لاحتمال مزاحك السخيف...لماذا سيقوم بأخذ ايمي في هذا الوقت؟ إذا ما كنت ستستمر بقول هذه الترهات فسوف أغلق الخط الآن!


لما قال هذا نظرت نحوه آني بخوف..كان ذكره لاسم ماكس فقط، كافياً لأن يبث الرعب في قلبها. لكنه ما إن تحدث عن ايمي حتى هرعت إليه في ذعر وأخذت تهتف في خوف بينما تشبثت بملابسه ودموعها في عينيها:ماذا بشأن ايمي؟ ما الذي حدث لها؟ ثم صاحت قائلة:ما الذي فعلتموه بابنتي!!


استطاعت أن تسمع صوت تنهيدته المتضايقة تلك والتي أعقبها بقوله:عمي...هل تظن أنني سأكون في مزاج يسمح لي بالمزاح معك في هذا الوقت؟ إنه كما سمعت تماماً، لقد أمر جدي أحد أتباعه بأخذ ايمي من المنزل..إذا لم تكن تصدق كلامي، يمكنك الذهاب إلى غرفتها وتتأكد من ذلك بنفسك!

صدم كلاهما لسماع ذلك...جثت آني على ركبتيها وقالت بضياع بينما أخذت دموعها تنهمر على خدها بغزارة:لقد علمت هذا! شيء ما في داخلي كان يخبرني أن هذا سيحدث عاجلا أم آجلا... ثم ضمت يديها إلى صدرها وأخذت تردد بخوف: ايمي...ايمي...آه يا صغيرتي..لا يمكن أن احتمل ذلك...لا يمكنني احتمال أن يتكرر ذلك مرة أخرى!

نظر فريدريك إليها بألم...صر على أسنانه وقال وهو يحاول تمالك نفسه بصعوبة:إذا..لماذا اتصلت بي؟ ثم أضاف بسخرية: أظن أنك تشعر بالسعادة الآن على الأرجح، فقد صرت قادراً على أن تفعل أي شيء تريده بايمي...

عندها قال ماكس بهدوء غريب:ذلك ليس صحيحاً...إذا ما قام جدي بتكرار ما فعله مع ذلك الصغير مرة أخرى، فلن يكون الأمر لصالحي أبداً. أنا لن أسمح بأن يحدث ذلك لايمي مهما حدث. لهذا السبب تحديداً اتصلت بك...سوف أقوم بإخراج ايمي من هناك لكنني أحتاج إلى مساعدتك لفعل ذلك...


استغرب فريدريك من كلامه وسأله بحيرة:لماذا تريد مساعدة ايمي؟

فأجاب ماكس ببرود:ذلك ليس من شأنك، لدي أسبابي الخاصة لفعل ذلك ولا شيء يدفعني لأخبرك بهذا...ثم أردف بسخرية:ما هو الأهم الآن؟ أن تخلص ايمي من ذلك المجنون، أو أن تعرف سبب فعلي لهذا؟

عندها رد فريدريك على الفور:ايمي هي الأهم! أخبرني، ما الذي علي فعله؟!

ماكس:بعد ساعتين تقريباً ستتصل بك امرأة، وستتفق معك على مكان معين تلتقيان فيه عندها ستقوم بتسليم ايمي لك....هذا كل ما أستطيع فعله، لا يمكنني الوقوف في وجه جدي، لذلك عليك انت أن تتدبر الأمر بنفسك...الأهم من هذا كله، إذا ما كنت تريد إنقاذها، لا تخبر جدي أنني قمت بمساعدتك مهما حدث...أهذا واضح؟

أخذ فريدريك نفساً عميقاً قبل أن يقول:حسناً لقد فهمت...

ماكس: الأهم الآن أن تجد طريقة لإخراجها من البلاد...

عندها أجاب فريدريك بهدوء:لا حاجة لأن تقلق على هذا..سأتدبر الأمر بنفسي..

ضحك ماكس ساخراً ثم علق باستهزاء: ذلك جيد...تعجبني هذه الثقة! أعتقد أنني سأعتمد على فاشل مثلك! أيا كان الأمر فأنت والدها في النهاية...وأضاف بمكر:لا تريد أن ينتهي بها الأمر مثل ذلك الصغير صحيح؟

عض فريدريك على شفته السفلى بغيظ، لكنه أجاب بهدوء محاولا تمالك أعصابه:إذا...سأنتظر مكالمة تلك المرأة...



قال هذا وأغلق الخط...ظل يضغط على الهاتف بقوة...أراد أن يكسره في تلك اللحظة لكن ذلك الاتصال المرتقب حال دونه ودون ذلك، فألقى الهاتف على السرير ثم سار لزوجته الجاثية على الأرض...


تنهد بضيق ثم قال وهو يمد يده نحوها:آني...فلتنهضِ...علينا التحرك الآن بسرعة...

نظرت له بضياع وسط دموعها وقالت بألم:فريد...هل سيحدث لها مثل آرثر؟ أنا لا يمكنني تحمل ذلك أبداً...لا أعلم ما الذي سيحدث لي إذا ما أصيبت ايمي بمكروه...أنا...

قاطعها فريدريك مطمئناً:آني..لن أسمح بأن يتكرر ذلك مجدداً...ثقي بي...أعلم أنني خذلتك كثيراً ، لكن هذه المرة فقط...أريدك أن تثقي بي..أرجوك آني...


نظرت إليه للحظات..أخذت نفساً عميقاً ثم مسحت دموعها ونهضت بتثاقل. ليس الأمر أنها لا تثق به، لكنها تعلم أنه لم يكن لديه شيء لفعله...
تعلم كم كان يتألم دائماً بسبب ما حدث، كم كان يلوم نفسه..كم كان قلبه يتقطع كل يوم وهو يفكر في ذلك..

لكنها أرادت أن تصدق أن شيئاً ما سيتغير هذه المرة..كانت قد عقدت العزم منذ البداية أنها هذه المرة لن تسمح بأن تعيش ذلك الجحيم مرة أخرى...ستنقذ ابنتها حتى وإن ماتت في سبيل ذلك!


نظرت إليه بعينان تشتعلان ثقةً وإصراراً...قالت بهدوء بعد أن جفت دموعها تماماً:إنني أثق بك دائماً فريد...لم تخذلني يوماً، وأنا واثقة من أنك لن تفعل! عليك أن تتوقف عن لوم نفسك على ما حدث في الماضي، إنه ليس خطؤك أبداً...


رغم أنها قالت له هذه الكلمات مراراً إلا أنه لم يكن يستطيع التوقف عن هذا أبداً..لقد مات آرثر بسبب ضعفه، هذا ما كان متأكداً منه تماماً!

لم يعلق على ما قالته..لكنه قال بحزم:علينا الذهاب لإيقاظ ديفيد الآن...سوف نأخذ ايمي ثم سننفذ الخطة التي اتفقنا عليها من قبل.

أومأت آني رأسها إيجاباً وقالت بسرعة:سأذهب الآن لإيقاظه!


خرجت راكضة إلى غرفة ديفيد..فتحت الباب بسرعة وضغطت على مفتاح الإضاءة، ثم سارت بسرعة إلى سريره وتكلمت بانفعال:ديفيد يجب أن تستيقظ بسرعة فايمي قد...

لكنها سكتت فجأة لما لاحظت أنه لم يكن موجوداً


وقفت مكانها لدقيقة كاملة تنظر إلى ذلك السرير الخالي في ذهول. لكنها بعد لحظات، تمالكت نفسها بسرعة لتنطلق راكضة إلى خارج الغرفة حتى تخبر فريدريك بهذا..


لما اقتربت من الغرفة، توقفت مكانها للحظة ثم اختبأت في أحد الممرات القريبة من غرفة النوم الرئيسية، لما سمعت ذلك الصوت المألوف يخاطب زوجها قائلا:اعذرني سيدي الكونت، لكن أوامر والدك تقتضي ألا نسمح لك ولزوجتك أن تغادرا المنزل مهما حدث، وكذلك من غير المسموح لكما بالتواصل مع أي شخص في الخارج..

صاح به فريدريك بقهر:ما الذي تقوله ألبرت؟! لقد قام والدي بأخذ ايمي..أنت تعرف ما الذي يعنيه هذا صحيح؟!


نظر إليه ذلك الرجل الخمسيني، بشعره الخفيف الرمادي الذي أحاط صلعته البيضاء، وعينيه السوادوين الغائرتين. ليقول بجمود كما هي ملامح وجهه:إن أوامر الدوق واضحة لذلك أرجو أن تنفذ الأمر بهدوء..لقد أعطانا الإذن بأن نستعمل أي أسلوب يقتضيه الأمر حتى تمتثل لأوامره!


جال فريدريك ببصره حول أولئك الحراس الضخام الثلاثة ببدلاتهم السوداء، بينما يقفون أمامه في ثبات، تعلو وجوههم تلك النظرة الحادة والباردة في آن واحد..

ثم استقرت عيناه أخيراً على كبير خدم منزله الكهل ذاك...ذلك الشخص الذي لطالما اعتبره كشقيقه الأكبر الوحيد..
الشخص الذي كان يعرف كل شيء. عن طفولته القاسية، عن الجحيم الذي عاشه، وعن معاناته حتى هذه اللحظة.


خاطبه قائلا بغصة مؤلمة، وبرجاء خفي استطاع ألبرت إدراكه:ألبرت، علي أن أنقذ ابنتي! لا يمكنني احتمال خسارتها هي أيضاً. إذا ما تركتها معه سيقتلها! سيقتلها كما قتل آرثر في الماضي!


لمعت في عيني ألبرت نظرة أسى باهتة. كان يعلم كل شيء فعلا، ولكنه لم يكن قادراً على فعل أي شيء..
يدرك أن وقوفه في وجه دوق انجلترا، يعني أن حياته ستدمر في لحظات. لذلك لم يجد أمامه سوى الرضوخ لجنونه واستبداده، ليدوس على قلب الشخص الذي كان يعني له الكثير..

مد يده نحوه بينما أغلق عينيه بحرقة، كاحتراق قلبه الآن. لينطق بكلمات أخرجها بالكاد، يرجو فيها هذا الماثل أمامه ألا يمزق روحه أكثر بتوسلاته المبطنة تلك:سيدي الكونت..أرجوك أن تعطيني هاتفك. لا تجبرني على تسوية الأمر بطريقة لا تليق بشخص في مكانتك!



في تلك اللحظة نظر نحوه بعينان تشتعلان حقداً وغضباً. صحيح أنه يدرك في داخله أن ألبرت مجبر على فعل هذا، لكنه وبالرغم من معرفته لهذه الحقيقة، إلا أنه لم يستطع كبت شعور بالغضب،باليأس، بالألم..وبالحقد الذي حمله في صدره طويلا دون أن تنطفئ ناره ولو للحظة.


هل ستموت صغيرته ايمي أيضا؟ هل ستموت ابنته الوحيدة ليعيش ذلك العذاب من جديد؟!

يكفيه أنه عاش محروماً منها، عاجزاً على أن يضمها لصدره، أن يدللها، يلاعبها ، ويثلج قلبه بقربها منه ووجودها في كنفه، وبين أحضانه..

هذه الحقيقة وحدها كانت كافية بأن تمزق روحه الكسيرة كل يوم! لكن، ما الذي سيصيبه لو أنها اختفت من حياته إلى الأبد؟!


تراجع ألبرت خطوة إلى الوراء بعد أن مد له فريدريك هاتفه، واضعاً له على يده بقوة آلمته وقد شعر أن نظرات فريدريك المشتعلة، تكاد تنهش لحمه بضراوة..

عندها قطع ذلك الجو الخانق صوت آني وهي تقول بينما تسير نحوهم بشموخ وكبرياء:ما الأمر؟ لما أنتم مجتمعون أمام غرفتنا هكذا؟


نظر ألبرت نحوها للحظات. تلك النظرة الواثقة في عينيها، جعلته يطأطئ رأسه خجلا من نفسه في حين خاطبها قائلا باحترام:إني آسف حقاً على إزعاجك في مثل هذا الوقت سيدتي الكونتيسة.. لكنني أرجوك أن تسلميني هاتفك. إنها أوامر الدوق لذا...

قاطعته قائلة ببرود:لقد فهمت..ثم أخرجت هاتفها من جيب فستانها المخملي الأزرق. وقالت باستياء ممزوج بنبرة استعلاء:لكنه من المخجل حقاً أن يتصرف الخدم بهذه الطريقة في وجه سيد المنزل!

خفض ألبرت رأسه ليقول بأسف حقيقي:إنني آسف حقاً سيدتي..أرجو أ ن تغفرِ لنا وقاحتنا.

عندها قالت آني بحدة متجاهلة اعتذاره ذاك:اسمح لي بإغلاق هاتفي أولاً، لا يمكنني احتمال فكرة أن يقوم أحدهم بالعبث بأشيائي الخاصة!

رد ألبرت على الفور:سيدتي! لن يجرؤ أحد على فعل شيء كهذا..اطمئني...


نظرت نحوه بحدة ثم قالت بنبرة قاسية:لا يمكنني الوثوق بك بعد الآن ألبرت..لقد كنت الشخص الوحيد المقرب من فريد. كان يعتبرك شقيقه الأكبر، لكنك تخليت عنه في سبيل أن يرضى عليك الدوق هوريستون!

عندها أراد ألبرت أن يدافع عن نفسه..ليس هذا ما يريده حقاً...أرادها أن تدرك هذا، لكن نظرات الأخيرة كانت قد ألجمته تماماً وقد رفعت صوتها قائلة بحدة قاتلة:لا أريد سماع أي شيء منك، إنني متعبة بالفعل!

أغلقت هاتفها ثم مدته له وقالت بغضب:غادروا من أمامي حالاً...لا أريد أن أرى أيا منكم!


ثم سكتت قليلا وأمرته بحدة:أخبر تلك اللعينة إيلي أن تأتي إلى غرفتي في الحال...لقد أخبرتها أن ترتب خزانة ملابسي، لكنها لم تفعل ذلك كما أريد، ساعاقب تلك التافهة أشد العقاب حتى تدرك ما يعنيه تجاهل كلامي!

زفرت بغضب ثم تمتمت بانزعاج:تباً...لا يوجد إلا الفاشلين فقط في هذا المنزل!


أخذ ألبرت الهاتف، ثم حنى رأسه كاملا وقال بخضوع:كما تأمرين سيدتي...ثم أردف بصوت متحجرش:أرجو أن تغفر لي أرجوك..

لم ترد آني عليه. ولته ظهرها ثم أمسكت يد زوجها الواقف أمام الباب في شرود، لتسحبه معها إلى داخل الغرفة وتصفق الباب وراءها بقوة..


سارا لبعض الوقت بينما ظل فريدريك على نفس جموده. لكنه بعد لحظات توقف في منتصف الغرفة فجأة لينفض يد آني عنه بقوة ويقول بصراخ:ما الذي تفعلينه آني؟ هل أنت بكامل وعيك حقاً؟

عندها ضمت آني كلتا يديه بيديها وقالت بهمس:فريد! عليك أن تهدأ...إنني أعرف جيداً ما أقوم بفعله!

ثم اقتربت منه أكثر ووضعت رأسها على صدره في تعب لتقول بصوت مهزوز:سأضيف رهاناً آخر على رهاننا السابق!

رفعت بصرها إليه، ثم ابتسمت بقهر وقالت وسط سيل دموعها التي أخذت تنهمر على خدها بغزارة:سأعلق آمالي كلها على أن يكون ما راهنت عليه صحيحاً!

استغرب فريدريك من كلامها وسألها بحيرة:آني...ما الذي تتحدثين عنه؟


عندها انحنت إلى الأسفل لترفع طرف ثوبها وتسحب ذلك الشيء الذي دسته في جوربها ثم تستقيم مجدداً...

مدته له وقالت بابتسامة:لن نسمح لأي شيء بإيقافنا..لا يهمني أبداً ما سيحدث لي. إذا ما كنت قادرة على الاطمئنان عليهما فهذا كاف بالنسبة لي...


نظر فريدريك إلى شريحة الهاتف تلك بدهشة وهتف قائلا: أهي شريحة هاتفك؟!

ابتسمت آني وقالت بهدوء: أجل..إن رقم ماكس مخزن فيها..

تنهد فريدريك بضيق ثم قال بقلة حيلة:لكننا لا نستطيع الخروج من هنا، ناهيك أننا لا نملك هاتفاً آخر لذا..

عندها قالت آني بأمل:ديفيد ليس هنا..لا أعلم أين ذهب ولماذا خرج في هذا الوقت، لكن ما تزال لدينا فرصة! لقد أخبرته بخطتنا في تلك الرسالة. كل ما علينا فعله الآن هو جعله يتواصل مع ماكس!

سألها فريدريك بقلق:لكن كيف سيكون بإمكاننا إخباره بذلك؟!

أخذت آني نفساً عميقاً قبل أن تقول بصوت مهزوز: لهذا السبب قلت لك أنني سأقوم برهان!


ثم نظرت إليه بعينان تشتعلان ثقة وإصراراً لتقول بقوة:حتى إذا لم ينجح الأمر..سأفعل المستحيل من أجل إنقاذ ابنتي!


نظر إليها فريدريك للحظات...أغلق عينيه ببطء ثم فتحهما مجددا وقد لمعت عيناه بنظرة حزينة تائهة..

همس بتعب بعد أن سكت لبعض الوقت: إنني آسف حقا آني..آسف لأنني جعلتك تواجهين شيئاً فظيعاً كهذا..لو أنني..

قاطعته بأن وضعت سبابتها على شفتيه وقالت بهدوء: فريد، أرجوك أن تتوقف عن الاعتذار...سيكون كل شيء بخير.. سينجح الأمر، أنا واثقة!



#لندن الساعة 1:20 صباحاً
2005/9/15


أخذت نفسا عميقاً قبل أن تطرق الباب ببطء، عندها سمعت صوتها تخاطبها من وراء الباب قائلة بهدوء: ادخلي..


فتحت الباب بحذر، ثم سارت بخطوات متثاقلة إلى حيث كانت تجلس سيدتها على تلك الاريكة الحمراء في جانب الغرفة. بينما جلس السيد على السرير، ينظر إلى الارض في هدوء غريب..

وقفت أمام سيدتها وقد خفضت رأسها في انكسار.. ترددت قليلا قبل أن تقول برجاء: سيدتي! أنا..


عندها قاطعتها آني قائلة بأسف: أنا آسفة لأنني استدعيتك بهذه الطريقة، لكن لم يكن أمامي خيار آخر!

ثم قامت من مكانها وسارت إليها، لتضع يديها على كتفيها وتقول بدون مقدمات وبرجاء خفي: إيلي، لقد بقيت مع ايمي لوقت طويل وقد ربيتها واعتنيت بها كما لو كانت ابنتك..
لأصدقك القول، أنا لا استطيع الوثوق بأيّ من الخدم في هذا المنزل، لكنني أريد أن أصدق أنك مختلفة!

ثم أضافت بصوت مهزوز وقد لمعت عيناها منذرة بهطول سيل من الدموع، حاولت آني كبته بصعوبة:لقد كنت أراقبك دائما كيف تعتنين بايمي.. لقد استطعت أن تفعلي ما لم أقدر على فعله لصغيرتي ايمي طوال السنين الماضية..
أريد أن أثق أنك تحبينها فعلا، وتفعلين ذلك لأجلها بصدق!

ترقرقت تلك الدموع الساخنة على خدها برفق لتقول بحشرجة أليمة:إيلي ارجوك أن تقومِ بمساعدتي.. ساعديني على إنقاذ ابنتي!


ارتجف جسد إيلي بقوة وهي تستمع إلى كلمات سيدتها المتألمة تلك..
كان قلبها يخفق بقوة وتلك الكلمة تتردد في عقلها بجنون (ساعديني على إنقاذ ابنتي).


أذلك يعني ان مكروها أصاب صغيرتها العزيزة؟!


تشبثت بملابس سيدتها متجاهلة اختلاف مكانتهما، ووقاحة فعلتها تلك في هذا المجتمع الطبقي الكريه. لتهتف بجزع: ما الذي حدث لايمي؟ ما الذي تقصدينه بأن أنقذها؟!



ذلك الخوف الحقيقي الذي رأته في عينيها، أثلج قلب آني المحترق.. وقد أخذ الأمل يكبر في نفسها شيئاً فشيئاً.

قد ينجح الامر! لقد راهنت على حب إيلي لصغيرتها.
ذلك الحب الذي لم تستطع منحه لها قط. لذلك كان قلبها يتقطع كل يوم وهي ترى مدى تعلق ابنتها الوحيدة بتلك الغريبة.


أخذت آني نفساً عميقاً وقالت بثبات، بعد أن مسحت آخر ما تبقى من دموعها:اسمعيني جيداً، لا وقت لدي لشرح الأمر بالتفصيل، لكن كل ما عليكِ معرفته أن ايمي سنكون في خطر كبير جدا إن لم نسرع..


ثم مدت لها تلك الشريحة وقالت: خذِ هذه الشريحة وضعيها في هاتفك.ستجدين رقم ديفيد من ضمن الارقام المخزنة..
اتصلِ به وأخبريه أن جده قد أخذ ايمي، لكننا سنقوم بإنقاذها..ثم ارسلِ له رقم ماكس، وقولي له أن يتواصل معه وهو سيخبره بالتفاصيل..
بعد ان نستعيد ايمي من الدوق، سوف ننفذ الخطة التي اتفقنا عليها مسبقاً. لا تنس أيا مما قلته لك أرجوك، إن حياة ايمي تعتمد على هذا!!


#لندن الساعة 1:35 صباحاً


وقفت في ظلام غرفتها تنظر إلى الهاتف في يديها المرتجفتين..
كانت قد أدركت تماماً ما تعنيه كلمات سيدتها، فهي قد لا ترى عزيزتها ايمي بعد اليوم أبدا!


لم تستطع أن تفهم شيئاً مما يحدث..لماذا على تلك الطفلة البريئة أن تعاني هكذا؟ ما هي مشاعر والديها حقا؟

حديثها السابق مع سيدتها، جعلها تدرك أنها لن تخبرها بالحقيقة أبدا..ليس انها توقعت ان تفعل ذلك في المقام الاول، لكنها ورغم هذا، أرادت حقاً أن تفهم لماذا يحدث هذا كله!


أخذت نفساً عميقاً ثم مسحت تلك الدموع التي ترقرت على خدها بضعف، لتتصل أخيراً برقم السيد الشاب..

بعد أن انتظرت لبرهة، سمعت صوته يقول بتعب وبصوت ناعس:مرحباً أمي..


لم تعرف كيف تشرح له الامر، لذلك قالت بنفس واحد ودون أي مقدمات:مرحبا سيدي الشاب..هذه أنا الخادمة إيلي..لقد طلبت مني السيدة أن اتصل بك فهي لا تستطيع التحدث معك حالياً..
لقد قام جدك بأخذ ايمي، لكنهم سيقومون بإنقاذها منه..عليك أن تتصل بماكس حتى يخبرك بالتفاصيل. وبعد أن تأخذ ايمي، عليك أن تنفذ الخطة التي اتفقتم عليها من قبل!


عندها سمعته يهتف بصدمة وبعدم استيعاب:ماذا قلتِ؟! انتظري لحظة، ما الذي تقصدينه أن جدي قد أخذ ايمي؟!

عندها قالت إيلي بانفعال وهي تكاد تفقد ما تبقى من الثبات الذي حاولت إظهاره له:أرجوك ألا تسألني على أي شيء فهذا كل ما اعرفه!


ثم تمسكت بالهاتف بقوة وقالت بصوت راجف وقد فاضت عيناها بالدموع:سيدي..أعلم أنني قد لا أرى ايمي مرة أخرى لذا..أرجوك أن تخبرها أنني أحبها.. أنا لا استطيع إنجاب الأطفال، لكن وجود ايمي إلى جانبي أنساني هذا الأمر..إنني أحبها حقا كابنتي تماماً!!


أغمض ديفيد عينيه وأرخى جسده على المقعد مجددا، ثم همس بتعب:أجل...شكراً لك على اهتمامك بايمي طوال هذه السنوات..

بعد أن أغلق الخط صر على أسنانه وهمس بغيظ: تباً!!



ومن دون أن يدرك، وجد نفسه يضغط رقمه بضياع... أجاب بعد الرنة الثالثة تقريباً بصوت أثقله النوم ليقول بتذمر:أتعرف كم الساعة الآن؟!

عندها قال بارهاق محاولا تمالك نفسه بصعوبة: إنني في مشكلة! لقد قام جدي بأخذ ايمي!

سكت للحظات محاولاً استيعاب كلامه، لكنه هتف فجأة:ما الذي تقوله؟!


لم يرد عليه، كان يستطيع سماع صوت أنفاسه المتعبة من وراء السماعة..فتنهد بضيق ثم سأله بهدوء: أخبرني أين أنت الآن؟



#لندن الساعة 2:20 صباحاً



كانا جالسين في السيارة وقد اعتلت وجهيهما نظرة قلقة، بينما ينتظران بترقب..

قال ديفيد بقلق بنبرة بدت أشبه بالسؤال: لقد تأخرت!

تنهد كارل بضيق ثم قال محاولا طمأنته:لا تقلق..سيكون كل شيء بخير..

لم يرد عليه، أرخى رأسه على نافذته بتعب، بينما يضغط على الهاتف بيده في توتر..


نظر إليه للحظات، ثم نظر إلى الفتى الجالس في المقعد الخلفي عبر مرآة السيارة..
كان قد أسند رأسه على النافذة، يصارع النعاس في تعب شديد بينما يغلق عينيه أحيانا، ثم يفتحهما من جديد بسرعة حتى لا يستسلم للنوم..

سأله باهتمام:هاري..هل أنت بخير؟

أجابه هاري بلامبالاة محاولاً إخفاء تعبه المفضوح:لا تهتم لي، المهم الآن هو أن نحضر تلك الطفلة!


قال ذلك ليعم بينهم صمت كئيب قطعه صوت رنين الهاتف.. نظر إليه ديفيد باضطراب وقلق، وقد تردد كثيراً في الإجابة..


عندها مد كارل يده نحوه وقال بهدوء:ديفيد اعطني الهاتف، سأقوم انا بالرد عليه..

كان يعلم عادات صديقه جيداً، فهو يصبح عاجزاً عن التصرف بشكل صحيح عندما يكون منفعلاً!


لما رد على الهاتف سمع صوت تلك المرأة تقول بنبرة جافة: مرحباً..أنت ديفيد هوريستون صحيح؟

سكت كارل قليلا قبل أن يجيب بهدوء:أجل..من معي؟

ردت المراة بعجرفة:لست في حاجة لأن تعرف من أكون..

عندها سألها كارل ببرود وبنبرة واثقة، متجاهلا كلامها:أين يجب أن نلتقي حتى تسلمينا ايمي؟


سمع صوت ضحكتها الرنانة لتقول بعد ذلك:لا يبدو لي أنها المرة الاولى التي تتعامل فيها مع شيء كهذا، إنك لست كما سمعت عنك!

نظر كارل إلى ديفيد الذي كان ينظر نحوه بترقب، ثم قال بنبرة بدت أشبه بالسخرية:حسناً..بما أن كلانا يعرف جيداً كيف تسير الأمور، إذا دعينا لا نطيل الحديث بلا داعي!

أجابت المرأة بهدوء حذر، فهي تدرك أن من تخاطبه الآن ليس شخصاً عادياً أبداً:إننا الآن أمام المكان الذي سنأخذه منها..لن يستغرق الامر أكثر من عشر دقائق، ثم بعد ذلك سنتركها في مكان معين لتأتوا انتم لأخذها..سأرسل لك الموقع في رسالة، عليكم الذهاب إلى هناك بعد 35 دقيقة بالضبط.

ثم أضافت محذرة: احذرك من أن تنتظرونا هناك مسبقا.. سنغادر المكان إذا ما شعرنا بأي حركة. فذلك الشارع يكون خاليا دائما من المارة في هذا الوقت!

عندها قال كارل ببرود:لا تقلقي..ليس وكأنني اهتم بمعرفة من تكونون..المهم أن تحضروا ايمي فقط..


لما أغلق الخط، سأله ديفيد بسرعة: ما الذي قالته؟!

أجاب كارل بهدوء:سترسل لي الموقع قريباً..علينا الذهاب لاستلامها بعد 35 دقيقة...


قال هذا ثم سكت وقد عقد حاجباه، في حين اعتلت وجهه نظرة متجهمة..
عندها سأله ديفيد بقلق:ما الأمر؟ هل حدث شيء ما؟

رد كارل بتفكير:لا تقلق..إنه ليس شيئا مهما..ثم استطرد بحيرة بعد أن سكت لبرهة:تلك المرأة..أشعر أنني سمعت صوتها في مكان ما من قبل!

استغرب ديفيد من كلامه وقال بشك:هل أنت متأكد من هذا؟

كارل:لا أعلم..لقد كان صوتها مألوفاً جداً خصوصاً ضحكتها تلك..


ثم سكت قليلا وقال مغيراً الموضوع:هذا ليس مهماً الآن! كل ما علينا الاهتمام به في هذا الوقت هو استعادة ايمي فحسب!



#لندن الساعة 3:00 صباحاً


غادر أولئك الثلاثة، في حين تركوها مستندة على عمود الانارة ذاك، غارقة في دمائها، تعلو وجهها تلك النظرة المتعبة والمتألمة، إلى جانب دميتها الملطخة بدمائها..

توقفت تلك السيارة أمامها. فوضعت يدها أمام وجهها، لتحجب ذلك الضوء القوي المنبعث من السيارة عن عينيها...


أبعدت يدها ببطء لتنظر إلى ظل ذلك الشخص الواقف أمام السيارة، والذي أخذ يقترب منها شيئاً فشيئاً، حتى استقر أمامها ينظر نحوها في ذهول..

ظل جسده يرجف بقوة..جثى على ركبتيه أمامها بينما يردد في حرقة: لا..لا..هذا مستحيل!!

أخذ يحبو نحوها حتى توقف أمامها مباشرة..ليضع يده خلف رأسها ويسنده على صدره برفق..

قال بألم وقد حشر وجهه في كتفها الصغير: أنا آسف..أنا آسف..لو أنني لم أتأخر..لو أنني أخذتك معي ما إن أخبرتني أمي بالأمر..لو أنني..


ثم عض شفته السفلى بقهر وطوقها بيديه، في حين أخذ يضمها إليه أكثر وأكثر...ليقول بلوعة مريرة: أرجوك أن تسامحيني..أرجوك أن تسامحيني ايمي!!

تلك العيون الزرقاء التي كانت تنظر إليها بألم جعلتها تعرف من يكون على الفور، رغم أنها كانت تبصر بالكاد.


كلماته المتألمة، نظرات عينيه الملتاعة، وارتجافة جسده بينما يحضنها بقوة، جعلها تفهم أخيراً مشاعره اتجاهها..
تلك المشاعر التي لطالما انتظرت الاحساس بها طويلاً..إنه شقيقها، شقيقها الذي يحبها ويخاف عليها بصدق!


ذلك الأمان الذي تحسه لأول مرة في حياتها بين يديه، حرر سيل الدموع التي ظلت مكبوتة في داخلها تحرق صدرها بقوة منذ قليل..
وضعت كفيها على ظهره، وما لبثت أن تشبثت بملابسه بقوة، لتحشر وجهها في صدره وتطلق العنان لعبراتها المؤلمة.
بكت آلامها، بكت جراحها، بكت احزانها، وبكت أحلامها التي ظنت أنها قد تلاشت تماماً من أمامها!


كانا متمسكين ببعضهما بقوة..صحيح أنهما لم يعرفا عن بعضهما أي شيء، صحيح أنهما لم يلتقيا إلا منذ وقت قصير فقط! إلا أن المشاعر التي جمعتهما في تلك اللحظة كانت حقيقية...
لم ينطقا بأي شيء، فليس هناك أي كلمات في هذا العالم تصف ما يشعران به الآن..



كانا واقفين خلفهما..ظل كارل ينظر إلى صديقه بحزن، بينما تلبَس هاري قناع البرود كعادته دائما..

بعد برهة سكن بكاء ايمي أخيراً..فقام ديفيد بحملها بين يديه..


كانت قد غطت في نوم عميق، مسندة رأسها على صدر شقيقها..في حين كان وجهها ما يزال مبللا بدموعها..


اتسعت عينا هاري وهو ينظر نحوها في ذهول، أما كارل فقد صر على أسنانه وهمس في غضب مكبوت: تباً!!


كان قلقا جدا على صديقه..تلك النظرة الغاضبة والحانقة التي يراها على وجهه لأول مرة في حياته، جعلته يشعر بالكثير من القلق..

ظل يسير باتجاهه بخطوات بطيئة، بينما يحمل ايمي بين يديه حتى توقف بمحاذاته، ليقول بحقد لم يستطع إخفاءه أبدا:ذلك الحقير..لن أسامحه أبدا! لقد تجاوز حدوده هذا المرة!!



صحيح أنه كان قلقاً جداً على ديفيد، لكن رؤيته لوجه ايمي جعله يقف مكانه مصدوماً..
تجاوزه ديفيد ليدخل السيارة، ويجلس في المقعد الخلفي بينما ما تزال ايمي في حضنه..


بقي كارل متسمراً في مكانه...فشعر هاري بالقلق نوعاً ما، فتح فمه ليسأله على عن ما به. لكنه توقف قبل أن يقول أي شيء ما إن سمعه يردد بصدمة:تلك الطفلة..لا يمكن!!

استغرب هاري من كلامه وسأله بشك:ما الأمر؟ هل تعرفها؟!

أجاب كارل بذهول:أتذكر تلك الطفلة التي أخبرتك عنها قبل أيام؟!


قال هاري مشككا:الرسامة الشقراء التي التقيت بها في الشاطئ؟!

رد كارل ببطء: أجل..إنها نفسها!

تفاجأ هاري كثيراً لما سمع هذا، لكنه لم يعلق على الأمر..ظل ينظر إلى السيارة بصمت وقد ارتسمت على وجهه نظرة تائهة..وبعد برهة قال بهدوء غريب:كارل..



نظر إليه كارل مستغرباً من نبرته تلك، لكنه قبل أن يقول أي شيء، سأله هاري بنفس هدوئه الغريب ذاك: هل يمكن أن يعامل أفراد العائلة بعضهم بهذه الطريقة؟


أخذ كارل نفساً عميقاً، ثم وضع يده على رأسه وفرك شعره الأسود الناعم، حتى صار فوضويا تماماً ليقول بنبرة حانية: ما الذي تفكر به أيها الأحمق!
نظر إلى السيارة وأضاف بهدوء:العائلة ليست هكذا بالتأكيد!

خفض هاري رأسه بهدوء، ثم وقف أمامه ليركل ساقه بخفة ويقول بانزعاج: لقد أخبرتك ألف مرة ألا تفعل هذا لي!


قال هذا ثم سار إلى السيارة بينما يعدل شعره مرة أخرى..تعلو وجهه ابتسامة حزينة أخفاها عن كارل..
أما كارل، فقد وضع يده على ساقه وهو يتأوه متألما..ثم قال بصوت مرتفع:أيها الحقير..لم يكن عليك أن تفعل هذا!


لم يكترث له..فتح باب السيارة الخلفي ثم نظر إلى كارل بطرف عينيه وقال ببرود:هل تخطط للبقاء جالساً هناك كالأبله؟

تمتم كارل بانزعاج بينما يقوم من مكانه ويسير باتجاه السيارة:لماذا حظيت بأخ عنيف ووقح هكذا؟
ثم نظر إليه وقال بنبرة حالمة:كان يجب أن تكون لطيفاً وبريئا، تركض خلفي بينما تناديني أخي بكل رقة..

سكت قليلا ثم أضاف بإحباط:لكن انظر إلى نفسك، أنت لا تمتلك أي ذرة لطافة على الإطلاق!!


نظر إليه هاري باشمئزاز وقال: ماذا حدث لعقلك؟ هل أكلت شيئاً فاسداً أم ماذا؟!

تنهد كارل بيأس ثم قال:اركب السيارة وارحني..لا أمل منك حقاً!!


وقبل أن يركب كارل السيارة أيضاً، لاحظ تلك الدمية الملقاة بجانب عمود الإنارة حيث كانت ايمي جالسةً هناك..
سار إليها ثم حملها بين يديه ليركب السيارة، ويضع الدمية في الكرسي الذي بجانبه برفق..



طوال الطريق كان الصمت هو سيد الموقف، نظر كارل إلى ديفيد عبر مرآة السيارة..كان ينظر إلى الشوارع خلال نافذته في صمت، بينما أسند رأس ايمي النائمة على كتفه..


أما هاري فقد كان يجلس إلى جانبه..كان ينظر إلى ايمي بين الفينة والأخرى..
ماحدث لهذه الطفلة الصغيرة صدمه حقاً..كيف يمكن أن يكون هناك بشر بهذه القسوة؟ هذا إن جاز لنا أن نقول عنهم بشراً من الأساس!


بعد وقت طويل..سأل كارل الذي كان ينظر إلى الطريق أمامه، بينما يقود السيارة في هدوء:ما الذي سنفعله الآن؟

ديفيد:سنختبئ في منزل جدتك الريفي في الوقت الحالي..إنه ليس معروفاً لأحد..سنبقى هناك حتى يجهز لي روي جواز سفر لايمي..

استغرب كارل من كلامه وهتف بدهشة:هل اتصلت بروي؟!

ديفيد:أجل..لقد أخبرته عن ايمي...

تذمر كارل بانزعاج قائلاً:ذلك الوغد! لقد مضى وقت طويل جدا منذ آخر مرة اتصل فيها!


ثم سكت قليلا وسأله بهدوء:إذا..ماذا قال لك والداك؟ لا أصدق أبداً أنه قد قام بتعذيبها بهذه الطريقة الوحشية، فقط لأنها كانت السبب في موت حفيده!

أجاب ديفيد بضيق:لم يخبراني عن السبب..لقد قالت أمي في الرسالة التي اعطتها لي أنه لا وقت لديها لشرح القصة.. أعطتني رقم شخص سيجهز لنا طيارة خاصة ستأخذنا إلى فرنسا بسرية حتى دون الحاجة لجواز سفر لايمي..لكنني سانتظر حتى يجهز لي روي الجواز للاحتياط لأي ظرف طارئ قد يحصل..

أومأ كارل رأسه بفهم ثم قال: هكذا إذا..ألم يخبرك روي متى سيجهز؟


رد ديفيد بقلق:كلا..قال أنه سيحاول تجهيزه في أقرب وقت ممكن..حالياً سأتواصل مع ذلك الشخص وأخبره أننا قد نتأخر قليلا في السفر..

ثم خفض رأسه وقال بغيظ:إنني غاضب حقاً، وأشعر بالعجز تماماً..كان يجب أن يخبراني بالسبب حتى أعرف كيف أتصرف..ما الذي يحدث بحق؟
لماذا فعل ذلك الوغد شيئاً فظيعاً كهذا لايمي؟ لماذا أبي وأمي عاجزان هكذا؟ لماذا عاملاها بقسوة طوال السنوات الماضية؟ إنني لا افهم حقاً!!


لم يعرف كارل ما الذي عليه قوله لمواساته..كان يفهم جيداً مقدار الألم الذي يشعر به..رؤيته لشقيقته الوحيدة بهذه الحالة كان شيئاً مريعاً بحق!
لا يمكنه أن يتخيل أبداً ما قد يحدث له إذا ما رأى شقيقه هاري هكذا..فهو سيجن بالتأكيد!!


عندها قطع هاري ذلك الصمت الذي ساد للحظات لما قال ببرود: لا أظن أن والداك ينويان إخبارك بالحقيقة..ضيق الوقت ليس عذراً أبداً..إذا ما كانا يملكان الوقت لكتابة تلك الرسالة، فهما بالتأكيد قادران على إخبارك بما حدث أيضاً!


صر ديفيد على أسنانه بغيظ..كان يدرك هذه الحقيقة جيداً، وهذا ما كان يزعجه أكثر من أي شيء آخر.
لماذا يخفيان الحقيقة عنه؟ هذا السؤال ظل يدور في عقله طوال الوقت دون أن يجد له أي إجابة..

عندها تنهد كارل بضيق وقال بهدوء: أظن أنني أفهم الأمر نوعاً ما..ليست المسألة أنه لا يوجد وقت لذلك، بل على الأرجح أنهما يقصدان أن الوقت غير مناسب لتعرف الحقيقة بعد..



خفض ديفيد رأسه باستسلام..كان يشعر بالتعب حقاً، لذلك قرر أن يتوقف عن التفكير بالأمر، في الوقت الحالي على الاقل!

أرخى جسده على المقعد ثم همس بارهاق:كارل..شكراً لك حقاً، لا أعرف ما الذي كنت سأفعله لو لم تكن إلى جانبي!


عندها قال كارل بانزعاج: لا تشكرني أيها الأحمق! ركز فقط على الاهتمام باختك!
ثم ارتسمت على وجهه نظرة حزينة ليقول بهدوء: بالنسبة لي، أنت وروي تعنيان لي الكثير..لقد كنتما الوحيدين اللذين وقفا إلى جانبي في أسوء لحظات حياتي..لا أدري ما الذي كنت سأفعله وقتها لو لم تكونا معي!


ابتسم ديفيد بهدوء دون أن يقول شيئا، بينما تسللت إلى عقله تلك الذكريات التي جمعتهم معاً قبل أكثر من عشر سنوات..



#لندن الساعة 9:30 صباحاً
15\9\2005



اقتاده أولئك الاثنين في ذلك الممر الطويل بعنف..كانت الدماء من فمه وأنفه المتورمين، لتلطخ سترته البيضاء التي تجعدت بفوضوية..
ملأت الكدمات كامل وجهه وجسده، بينما كان يتنفس بصعوبة وهو يستمع إلى صوتها لما كانت تركض وراءهم وتصيح بألم وسط دموعها التي أخذت تنساب على خدها بغزارة: اتركوه! اتركوه أيها الأوغاد! تباً لكم..تباً لكم!!


تشبثت بملابس أحدهما محاولةً تحريره من قبضتهما، فقام بدفعها حتى اصطدمت بالحائط لتئن بألم..

لما رأى هذا ، صاح قائلا بانفعال: آني!!

ثم نظر إلى ذلك الضخم بملامحه القاسية وهتف بحقد: لا تلمسها أيها الحقير! إنها لا علاقة لها بالأمر!


لم يرد عليه..واقتاده كلاهما إلى تلك الغرفة الكبيرة في آخر الرواق..
ما إن وصلا إليها حتى دفعاه بقوة ليجثو أرضاً على ركبتيه..


عندها سمع صوته الأجش يقول وهو يسير نحوه:هنا..في نفس المكان، بنفس هذه الوضعية، كنت جالساً على ركبتيك كما أنت الآن تتوسلني لكي اتركها..


ثم جلس القرفصاء أمامه ليقول بحدة: ما الذي حدث الآن؟ كنت مستعداً لفعل أي شيء في سبيل أن تمنعني من أخذها، أين عزيمتك التي أبديتها لي وقتها؟
ثم أردف بسخرية: أم أن مجيء ابنك، أيقظ مشاعرك الأبوية فجأة؟!


صر على أسنانه بقوة ليقول بغضب عارم حاول كبته بصعوبة: لن اسمح لك بفعل ما يحلو لك بعد الآن! لا تظن أبداً أنني لا أعرف حقيقة ما حدث قبل أربع سنوات! أعلم أن موت آرثر لم يكن بسبب ايمي كما تدعي..الحقيقة التي حاولت بكل السبل إخفاءها ستظهر يوماً ما!
سيأتي يوم ستندم فيه على كل ما فعلته! سواء لي أو لايمي أو لآرثر..أولجميع الأشخاص الذين دمرت حياتهم بيديك!
لا تظن أبداً أنك ستنجو، لا تظن أن أفعالك ستظل مخفية للأبد، أتفهم؟!


عندها ضحك بقوة حتى دمعت عيناه..ورفع السوط الذي كان في يده، واضعاً مقبضه تحت ذقن فريدريك، ليرفعه به بحدة حتى التقت عيناهما..
ثم قال بنبرة بدت أشبه بالتهديد: لقد مضت سنوات طويلة منذ آخر مرة استعملته فيها معك..يبدو أن هذه السنين أنستك طعم ضرباته، لذلك أنت تتمادى بتصرفاتك الآن!


نظر إليه بعينين تشتعلان ثقة وإصراراً ليقول بثبات: لا يهمني أبداً ما تفعله لي...بما أنهما سيكونان بخير فلا اكترث لأي شيء!


عدها نظر إليه بازدراء وقال بأسف بينما يقوم من مكانه: ذلك مؤسف حقاً..لم أظن أبداً أن هذا أقصى ما تستطيع فعله!

ثم رفع السوط أمام وجهه وقال بحدة:هذا السوط تشبع بدماء آرثر في الماضي..وفي الأمس قد تشبع بدماء ابنتك مرة أخرى..سيتكرر الأمر مراراً وتكراراً، ولن تكون قادراً على فعل أي شيء!


عض فريدريك على شفاهه السفلى ليقول بألم:توقف عن هذا أرجوك! لا فائدة أبداً مما تفعله. مهما عذبتنا، مهما دمرت حياتنا، مهما كان ما تقوم به، فهي لن تعود إليك أبداً!


ولما قال هذا ركله الدوق بقوة على بطنه حتى بصق بعض الدماء على الأرضية من الألم..
لم يفسح له المجال ليتنفس حتى..أخذ يركله بكل قوته إلى أن خارت قواه تماماً..

فلما أحس بالتعب، توقف يلتقط أنفاسه بعصبية وصاح به قائلا: اخرس!! سوف تظهر..سوف تظهر يوماً ما بالتأكيد!!


لم يستطع الاحتمال أكثر..كانت ضربات أولئك الرجال وحدها كفيلة بجعله يفقد كل طاقته، والآن لم يعد يقوى على حمل نفسه حتى!
سقط على الأرض، وصوت أنفاسه المتعبة يعلو ويعلو..



كان يستطيع سماع صوت صرخات آني وهي تحاول التملص من ذلك الرجل الذي كتف جسدها، ليمنعها من دخول الغرفة. كانت تنظر إلى زوجها الملقى ارضاً وسط دمائه والالم يمزق قلبها بقوة، لكنها لم تكن قادرة على فعل أي شيء..

كان كل جزء من جسده يؤلمه، لقد ذاق هذا الألم مراراً في طفولته لذلك فقد اعتاد عليه تقريباً..
لكن معرفته أن فلذات كبده قد شعروا بهذا الألم ولو للحظة، كان يحرقه ويمزق قلبه بعنف..لكن عزاءه الوحيد الآن أن صغيريه سيهربان بعيداً.

لذلك فهو مستعد الآن لتحمل أي نوع من العذاب، حتى الموت نفسه! المهم فقط أنهما بخير..وسيعيشان حياتهما بسعادة، بعيداً عن هذا الجحيم..


لكن ذلك الأمل قد تلاشى في لحظات لما قال الدوق بنبرة ساخرة: أكان اسمه فرانس هارول؟ الرجل الذي تآمرت معه ليقوم بتهريبهما من البلاد!
هل تظن أنك ذكي حقا؟ إنني أعلم كل ما تفعله! لن تستطيع الوقوف في وجهي مهما حاولت..كان يجب عليك أن تلتزم الصمت، وتفعل ما وعدتني به قبل أربع سنوات.
لكن بسبب غبائك سينتهي كل شيء الآن! لقد أخبرني أن ابنك قد تواصل معه وقال أنهم سيسافرون بعد أيام..
ستبقى هنا، بينما تنتظر مصير ابنك وابنتك دون أن تكون قادراً على فعل أي شيء!
فلتتعفن هنا، ولتعض أصابعك ندماً على ما فعلته! سأجعلك تعرف جيداً ما الذي يعنيه الوقوف في وجهي!!



في تلك اللحظة شعر أن كل شيء أمامه صار ضبابياً، ولم يعد قادراً على رؤية أي شيء..
أما آني فقد خارت قواها تماماً، لتجثو على الأرض في صدمة، بينما أخذ جسدها يرتجف ذعراً..


كان وقع تلك الكلمات شديداً جداً على قلبيهما..هما لم يهتما حقا لما سيحدث لهما، طالما أنهما سيكونان قادرين على إنقاذهما..لكن ما الذي سيفعلانه الآن؟

أحقاً قد تلاشى الامل؟ أحقاً قد انتهى كل شيء؟
هل سيشهدان موت أحد ابنائهما، ولربما كلاهما من جديد؟؟!



يتبع..

**********

_رأيكم في البارت؟

_رأيكم في القصة عموماً؟

_توقعاتكم للأحداث القادمة؟

_هل سيتمكن ايمي وديفيد من الهرب؟

_أهذه هي النهاية؟ هل حقاً ليس هناك أي امل؟

_اعتقد ان هناك بعض الحقائق بدات تتضح شيئاً فشيئاً.. ما رايكم بها؟ وما الذي فهمتموه منها حتى الآن؟

يسرني جدا ان تدعموني بآرائكم وتعليقاتكم فرأيكم يهمني حقاً..وعلى أمل أن الفصل قد نال إعجابكم...

دمتم في أمان الله..



2018/04/29 · 769 مشاهدة · 5447 كلمة
NajwaSD
نادي الروايات - 2024