مرحباً..اعتذر حقا عن التأخر في النشر حتى الآن، فقد مررت بظروف خاصة منعتني من كتابة هذا الجزء في الموعد💔

اترككم الآن مع الفصل وأرجو ان ينال إعجابكم..

******


# لندن الساعة 2:45 مساءاً
2005\9\22


نظر إلى ساعته مجدداً للمرة العاشرة على التوالي...

تنهد بضيق، ثم قال بقلق بينما ينظر حوله متفقداً:لقد مضت عشرون دقيقة، ألم يتأخرا كثيراً؟

كان كارل يشعر بالقلق أيضاً، لكنه لم يرد أن يزيد من توتره، فقد بدا أنه سيفقد أعصابه في أي لحظة!

قال محاولاً طمأنته: لا تقلق..المكان مزدحم جداً، لذلك سيستغرقان بعض الوقت.

رد ديفيد بوجل:ماذا لو أنهما تاها في المكان؟ ماذا لو أن...

قاطعه كارل قائلا بحزم:ديفيد اهدأ! إنهما لن يضيعا حتماً..أنت تعرف هاري جيداً، من المستحيل أن ينسى الطريق أبداً!


ضغط ديفيد على أسنانه محاولا تمالك نفسه بصعوبة...أخذ نفساً عميقاً ثم زفره بقوة...

عندها اقترب منه كارل وقال بهدوء، بعد أن وضع يده على كتفه:ديفيد...سيكون كل شيء بخير، ثق بي!

أومأ ديفيد رأسه إيجاباً ثم همس بتعب:أجل...



وبعد دقائق قليلة، وقفت أمامها امرأة في نهاية العشرينات من العمر، كانت ترتدي ملابس رسمية...

بدت جميلة بملامحها الحادة..عيناها الخضراوان، وشعرها الأشقر الطويل.


قالت بجمود دون أي مقدمات:أنت السيد ديفيد هوريستون صحيح؟

سألها ديفيد بحذر:من تكونين؟

ردت تلك المرأة ببرود: إيفا سالتزمان... لقد أرسلني السيد فرانس هارول لاصطحابكما...

شعر ديفيد بالارتياح نوعاً ما، لكنه قال بهدوء:لقد فهمت...لكن علينا الانتظار قليلا بعد. لقد غادرت شقيقتي إلى الحمام. سوف تعود في أي لحظة، لذلك علينا البقاء هنا.

فقالت المرأة بنفس تلك النبرة الباردة: الآنسة الصغيرة معنا بالفعل...علينا الذهاب الآن فلا يجب أن نضيع الوقت أكثر.


بدا الأمر مريباً جداً لديفيد الذي نظر نحوها بحذر...عندها وقف كارل بينهما وقال بحدة بينما ينظر إلى تلك المرأة بغضب:أنت لا تنوين اصطحابنا إلى السيد هارول صحيح؟ يمكنني أن أفهم أنك استطعت التعرف علينا. لكن لا أحد يعرف وجه ايمي غيرنا...الشيء الوحيد الذي يستطيع السيد هارول تمييزنا به، هو ملابسي أنا وديفيد فحسب!

ثم أضاف بنبرة بدت أشبه بالتهديد:أنت...من تكونين،وكيف تعرفين ايمي؟


لم تبد تلك المرأة متأثرة بكلامه...بل إنها ردت بنفس جمودها ذاك:إن تلك الطفلة معنا بالفعل... من الأفضل لكما أن ترافقاني دون أن تثيرا أي ضجة لا داعي لها. ستقابلان السيد هارول حتما.

عندها أسرع ديفيد إليها وشد ياقة قميصها الأبيض الذي ارتدته تحت سترتها الرسمية، ليقول بغضب:ما الذي فعلته لايمي أيتها الحقيرة!

نظرت إليه تلك المرأة بحدة وقالت بتهديد:توقف عن التصرف هكذا ورافقني بصمت!

ضغط على أسنانه وقال بحدة:اثبتِ لي أن ايمي معك حقاً!


أخرجت تلك المرأة هاتفها ورفعته أمامها ببرود، لتظهر في شاشته صورة هاري وايمي...

كانا مقيدين وجالسين في المقاعد الخلفية لسيارة ما...هاري كان فاقداً للوعي، أما ايمي فقد بدت مذعورة تماماً...

اتسعت عيناهما بصدمة بينما ينظران إلى تلك الصورة..وهتف ديفيد مكذباً: مستحيل!

أما كارل فقد قال بتهديد بينما يشدد على كل حرف يقوله:أنت تعرفين جيداً من أكون..إذا اتضح لي أنكم فعلتم شيئاً ما بأخي، فسوف أحول حياتكم إلى جحيم..أتفهمين كلامي؟!

فأجابت تلك المرأة ببرود:لا تقلق...شقيقك بخير...لن يجرؤ أحد على إيذائه.

نظر كارل إلى ديفيد وقال بقلة حيلة:ديفيد...يجب أن نذهب.

عض شفاهه السفلى بغيظ ونطق بقهر:تباً...تباً..


قام رجلان كانا برفقة تلك المرأة بأخذ أمتعتهم، ليسروا في صمت مطبق باتجاه مخرج المطار..

بعد أن ساروا لوقت طويل، توقفوا فجأة بالقرب من أربع سيارات سوداء كانت مركونة في جهة منعزلة من موقف السيارات في المطار...

أمام تلك السيارات، كان يقف مجموعة من الرجال الذين ارتدوا ملابس رسمية سوداء، توسطهم رجل كان قد ارتدى بذلة رسمية رمادية فاخرة...

بدا في نهاية الأربعينات من العمر. بشعر رمادي ناعم، وعينين سوداوين ضيقتين..


ابتسم بمكر لما رآهم وقال: مرحباً..لقد كنت بانتظاركما. ثم أشار إلى أحدى السيارات وقال مخاطباً ديفيد بنبرة بدت أشبه بالأمر:حسناً، والآن عليك أن تركب السيارة التي ستقلك إلى الفندق. ستقلع طائرتك بعد أربع ساعات.

استغرب ديفيد من كلامه وقال بشك:الطائرة؟ ما الذي تقصده؟


ابتسم هارول ابتسامة مصطنعةً استفزت ديفيد كثيراً، ليقول بهدوء:يبدو أنك قد فهمت الأمر بشكل خاطئ أيها السيد الشاب. سوف تغادر اليوم إلى فرنسا كما هو مخطط! لقد أمر الدوق بتسجيلك في جامعة البوليتيكنيك في باريس لتدرس إدارة الأعمال هناك. سوف تبدأ الدراسة بعد ثلاثة أسابيع.

شعر ديفيد أنه سينفجر غضباً لما سمع هذا، لكنه قال محاولاً تمالك أعصابه بصعوبة:لقد قمت بالتسجيل في الجامعة، حتى أنني حصلت على القبول بالفعل!

عندها رد هارول ببرود:أتقصد دراسة الطب في جامعة بيير وماري كوري؟ إن الدوق غير موافق على أن تصبح طبيباً. سوف تدرس إدارة الأعمال حتى تصبح مفيداً لسيدي. انت تعرف أنه لا يمكنك الاعتراض على أوامره!


أخذ يضغط على أسنانه بقهر. تكلم بحرقة بين أسنانه، محاولاً كبت نفسه بيأس:وايمي، ما الذي سيحدث لها؟

اجاب هارول بحدة:إن سيدي الدوق يأمرك بأن تنسى أمر تلك الطفلة. عليك ركوب تلك الطائرة، وتجاهل وجودها كما لو أنك لم تعلم بأمرها قط. أهذا واضح؟



لم يستطع ديفيد أن يقول أي شيء، فقد شعر بالعجز تماماً.

لطالما كان يكره استحواذ جده الكلي على حياته، وتحكمه في كل خطوة يخطوها.
العيش بعيداً عن وطنه كما أراد، الزواج من الفتاة التي اختارها له، العيش بالطريقة التي قررها.

والآن، حتى حلم طفولته سيسلبه منه بكل بساطة، لأنه فقط لم يرق له!


يرفض الإذعان لأوامره الغاشمة. لكنه ورغم أنه حاول مرات ومرات، لم يستطع يوماً الهرب من سطوته وطغيانه عليه..

بيد أنه قد يترك حلمه، وقد يتخلى عن حياته. لكن أنى له أن يغادر تاركاً وراءه أخته الصغيرة، التي يعلم يقيناً أنه سيقوم بتعذيبها أشد العذاب؟!


شعور العجز ذاك حطم قلبه تماماً. تساءل وقتها، أهذا ما ظل والده يقاسيه طوال السنوات الماضية؟
إذا فما أفظعه من شعور، وما أقساها من حياة تلك التي عاشها حتى الآن!



كان كارل ينظر إليه بألم. يعلم جيداً كم كان ديفيد يتوق إلى بدء حياته الجامعية، ليخطو خطوته الأولى في اتجاه تحقيق حلم طفولته الوحيد!
لكن كونه سيكون مضطراً للتخلي عنه، من أجل أن يسير في أكثر درب كرهه على الإطلاق. لابد أنه سيحرق روحه بالتأكيد!

لكنه مع هذا لم يرد أن يصدق أن هذه هي النهاية. لن يسمح له بإكراهه على هذا، وقطعاً لن يسمح له بأخذ ايمي وإيذائها من جديد!



وقف أمام هارول وقال بثقة، بينما اعتلت وجهه نظرة غاضبة: أتدرك ما تحاول فعله الآن؟ بدايةً اختطاف أخي، والآن إجباري على ركوب طائرتك اللعينة بالإكراه. لا تظن أنني سأتجاوز هذه الإهانة بسهولة، عليك تبليغ سيدك بذلك!

رد هارول بمكر:أوه..إننا آسفون حقاً أيها الرئيس تشادولي على معاملة شخص في مثل مكانتك بهذه الطريقة الوقحة.

ثم اقترب منه حتى وقف إلى جانبه ليهمس قرب أذنه بخبث:لكن لا أظن أن عليك إثارة ضجة حول هذا الأمر! قد تكون رئيس إحدى أقوى العائلات مكانةً وسلطةً في أوروبا، لكنك ما تزال شاباً عديم الخبرة، ولا تفقه الكثير حول الطريقة التي يسير بها هذا العالم! لكان جدك الراحل سيكون أكثر حكمة من أن يقوم بمعاداة الدوق هوريستون من أجل شؤون عائلية لا علاقة له بها! ما تزال صغيراً يا سيدي لذلك لا أنصحك بالخوض في أمر تجهل عواقبه!

فقال كارل بغضب: هل أفهم من كلامك أنك تهددني؟!


ابتعد عنه هارول، ثم قال بابتسامة مصطنعة:أوه بالتأكيد لا! لا يحق لرجل بسيط مثلي أن يهدد شخصاً في مثل مكانتك! إنني أقدم لك نصيحة صغيرة فحسب...


ثم أشار إلى السيارة مرة أخرى وقال:والآن...علينا ألا نضيع الوقت. لقد أمرت أن يعد لكم غداء فاخر في الفندق فلابد أنكم جائعون جداً...سيصل شقيقك إلى هناك بعد قليل، ليس عليك أن تقلق عليه.

ثم أمال رأسه باحترام وقال معتذراً:مجدداً، أرجو أن تعذر وقاحتنا أيها الرئيس تشادولي...

عندها وقف السائق الذي نزل من السيارة للتو أمامها وقال باحترام، بينما يشير إلى السيارة: أرجو أن تتفضلا بالصعود...


في تلك اللحظة تغيرت ملامح كارل تماماً بعد أن كان غاضباً جداً، ليبدو هادئاً فجأة...

اقترب من ديفيد وقال بعد أن وضع يده على كتفه:ديفيد، هيا بنا...

همس ديفيد باعتراض:لكن كارل! لا يمكنني ترك ايمي أبداً...أنا...

قاطعه كارل وقال بثقة:لا تقلق، سيكون كل شيء بخير...لا تنس أن معها هاري، أنا واثق من أنه سيتصرف!


لم يبد ديفيد مقتنعاً بكلامه...سار رفقته بصمت باتجاه تلك السيارة، ثم ركبا في المقعد الخلفي بعد أن قام السائق بفتح الباب لهما. ليقوم بدوره بالجلوس في كرسيه وإغلاق الباب وراءه.

عقد كارل يديه أمام صدره ثم أرخى جسده على مقعده ليقول بابتسامة منتشية:لقد مر وقت طويل جداً...أنطوني...

ابتسم السائق أنطوني وقال بهدوء:أجل سيدي الشاب...لم أعلم أنك قد أتيت لزيارة إنجلترا إلا مؤخراً...كيف حال الجدة مارغريت؟

أجاب كارل بود:بخير...ستفاجأ كثيراً إذا ما علمت أنني التقيت بك هنا في لندن. لقد كانت تتساءل عن أخبارك مؤخراً.

أنطوني:أوه حقا؟ أرجو أن تبلغها تحياتي!

ابتسم كارل وقال بمكر:أجل..سأخبرها عندما توصلنا إلى هناك...


بادله أنطوني الابتسامة ليقول بهدوء غريب:أرجو أنه لا أحد منكما يعاني من دوار الحركة...

فرد كارل بثقة:بالتأكيد لا...سنكون بخير، لا تقلق بشأننا!

كان ديفيد ينظر نحوهما باستغراب...لكنه همس لكارل بريبة:هل تعرفه؟

أجاب كارل بابتسامة واثقة:حق المعرفة...ديفيد، لقد قلت لك أن كل شيء سيكون بخير!


وقبل أن يقول أي شيء، كان هارول قد وقف بجانب باب المقعد المجاور لمقعد السائق. ولما أراد فتح الباب، تفاجأ كثيراً لما وجد الباب مغلقاً من الداخل..
أخذ يطرق على نافذة الباب، بينما ينظر إلى السائق أنطوني بغضب. فابتسم أنطوني ورمقه بنظرة ساخرة...ليشغل السيارة ويتراجع للخلف قليلا حتى يخرج من موقف السيارات.


عندها ابتعد هارول عن السيارة بسرعة فقد كادت عجلاتها أن تدوس على قدمه. ثم صاح بعصبية: ما الذي تفعله أيها الحقير؟!

لكن أنطوني لم يعره أي اهتمام..ما إن استوت السيارة بعيداً عن السيارات المركونة الأخرى، أدار أنطوني المقود باتجاه ممر السيارات في الموقف، لينطلق بسرعة إلى البوابة المؤدية إلى خارج المطار.


صاح هارول بغضب مخاطباً رجاله: الحقوا ذلك الوغد بسرعة!



#لندن الساعة 3:00 مساءاً
في نفس اليوم


شعر أن الألم في بطنه بدأ يخف شيئاً فشيئاً...كانت تلك السيارة المعتمة من الخلف، تسير بسرعة ثابتة في طرق لم يستطع التعرف عليها.
نظر إلى ايمي الجالسة إلى يساره، بينما تضم دميتها إليها في خوف، وقد آلمتها تلك الحبال السميكة التي لفها أحد أولئك الرجال على يديها...


استطاع الشعور بارتجاف جسدها الهزيل. كيف له أن يلومها وهي تدرك جيداً أن نهاية هذه الطريق، تعني حتماً العودة إلى جدها المجنون مرة أخرى؟!

لكنه لن يسمح بذلك بالتأكيد!


نظر إلى ذلكما الرجلين الجالسين في الأمام...أحدهما جالس أمامه على اليمين حيث مقعد السائق، بينما جلس الآخر في المقعد الأيسر المجاور له. وقد كان ينظر إلى النافذة ببرود..

أخرج علبة سجائره ووضع قطعة سيجارة في فمه. ولما أخرج قداحته وكان على وشك إشعالها، قال له هاري بحدة:لا تدخن! إن ايمي مصابة بالربو ولا يمكنها احتمال دخان السجائر!

نظر إليه ذلك الرجل بسخرية، ثم قام بإشعال سيجارته والتفت نحوهما لينفث الدخان عليهما وينفجر ضاحكاً...


أخذت ايمي تسعل بشدة، أما هاري فقد استشاط غضباً وقال بعصبية:كيف تجرؤ على فعل هذا أيها النذل؟!

نظر إليه الرجل ببرود وقال ساخراً:ماذا؟ ستخبر أخاك عن ما فعلته؟ لا تجعلني أضحك أيها الصغير!

عندها قال الرجل الذي كان يقود السيارة بخوف: هيي ماثيو..من الأفضل ألا تقوم باستفزازه، إنه الوريث الثاني لأسرة تشادولي..لا تنس هذا!


أعاد ماثيو السيجارة إلى فمه وأخذ يدخنها بنهم، ليقول بلامبالاة: وماذا في ذلك؟ ربما سأخاف إذا ما كنت في فرنسا الآن..أما هنا في بريطانيا، فلا سلطة لهم أبداً!

ابتسم هاري وقال بسخرية:يبدو أنك لا تعرف جيداً من نكون...ثم نظر إليه بحدة وقال بتهديد: لن أنس وجهك ما حييت..تذكر أنك أنت من بدأ هذا. عندما يحين الوقت المناسب، سأجعلك تندم على السخرية مني أيها الجرذ التافه!


نظر إليه ماثيو بغضب وقال بينما يحاول تمالك أعصابه بصعوبة:لا تغتر بنفسك أيها الصعلوك! كونك ولدت وفي فمك ملعقة ذهب، لا يعني أنك تملك كل شيء!

رد هاري بينما ينظر إليه باستصغار:يمكنك قول ما تشاء... الحثالة فقط هم من يلجؤون إلى هذه العبارات، حتى يغطوا على فشلهم في بلوغ منزلة ما...لا تنس أن ملعقة الذهب التي تتكلم عنها لم نخلقها من فراغ!


كلماته الواثقة تلك أخرسته تماماً...نظر إليه هاري بحدة وقال بنبرة آمرة:والآن..ألق تلك القمامة من يدك حالاً!

نظر إليه ماثيو بغضب وقال محاولاً إخفاء ارتباكه:أنت محض طفل صغير....كيف تجرؤ على مخاطبتي هكذا؟!


عندها قالت ايمي بهمس وقد بدت خائفة جداً:هاري..لا بأس، يمكنني احتمال دخانها، من الأفضل ألا تستفزه هكذا. أخشى أن يقوم بإيذائك!

فقال هاري بثقة:لا تخافي ايمي، إنني أعرف جيداً ما أفعله!



ثم نظر إليه مرة أخرى ورد على كلامه ببرود:لست مضطراً إلى احترام حثالة مثلك...ثم سكت قليلا وقال بحدة:أطفئها حالاً!

ضغط ماثيو على أسنانه في غيظ...عندها قال له رفيقه بقلق:ماثيو...افعل ما أمرك به، هذا الفتى وشقيقه، هما آخر من تبقى من أسرة تشادولي. من الأفضل ألا تعبث معهما لأي سبب كان فوضعهما حساس جداً بالنسبة للكثيرين!

فتح زجاج النافذة بغضب، ثم رمى سيجارته بعصبية ونظر إلى هاري ليقول بقهر:هل ارتحت الآن؟!


تجاهل هاري كلامه ونظر إلى النافذة من جديد...فشعر ماثيو بالغيظ أكثر، لكنه لم يقل أي شيء.

أسند ظهره على مقعده، وضم يديه إلى صدره محاولا تمالك أعصابه بصعوبة...



بعد نصف ساعة تقريباً، لاحظ هاري أن السيارة أخذت تتباطأ تدريجياً...فنظر إلى الأمام بسرعة ليجد أمامه شرطيين كانا واقفين في منتصف الطريق، وقد كان أحدهما يشير إلى السيارات بالتباطؤ والانعطاف يساراً، لتجنب الحادث المروري الذي وقع قبل دقائق. حيث انحرفت إحدى السيارات عن مسارها، لتصطدم بالشجرة التي كانت على الرصيف الجانبي...

زفر السائق بضيق وقال بحنق:تباً! ليس هذا وقت الحوادث المرورية!


نظر هاري عبر نافذته إلى تلك السيارة، ثم نظر إلى الأرض للحظات...فابتسم بمكر وهتف في نفسه:إنها فرصتي!

ثم اقترب من ايمي وهمس في أذنها قائلا:ايمي...عليك أن تربطِ حزام الأمان وتتمسكِ جيداً مفهوم؟

استغربت ايمي من كلامه، لكنها فعلت ما قاله لها بينما تنظر إليه بارتياب...



انعطفت السيارة ببطء ناحية اليسار مبتعدة عن تلك السيارة المصطدمة بالشجرة. ولما داس السائق على الفرامل ليتابع طريقه إلى الأمام، انقض هاري عليه فجأة ليمسك بالمقود بقوة ويديره بالكامل ناحية اليمين...
ولأن الطريق كانت زلقة نتيجة للزيت الذي انسكب من تلك السيارة، فقد انعطفت السيارة بسرعة باتجاه شجرة أخرى كانت على الرصيف، فاصطدمت بها بقوة كانت كفيلة بسحق الجزء الأيمن من مقدمة السيارة.


كان ماثيو قد فقد وعيه بعد أن اصطدم رأسه بزجاج نافذته وقد نزف بعض الدم...أما السائق، فقد حشر وجهه في الوسائد الهوائية التي انطلقت على الفور ما إن اصطدمت السيارة بالشجرة، ورغم أنه كان يشعر بالدوار، إلا أنه لم يفقد وعيه تماماً.
ايمي لم تصب بأي أذى، رغم أنها أصيبت بالهلع تماماً. في حين كان هاري قد تشبث بقوة بكرسي السائق قبل الاصطدام، فأصيب ببعض الرضوض في جسده، بعد أن اصطدم كتفه الأيسر بمسند الكرسي المجاور لكرسي السائق، مما أشعره بألم فظيع. وقد كاد أن يفقد وعيه لوهلة...


في تلك اللحظة ركض نحوهم أحد أولئك الشرطيين، ليفتح باب السائق بسرعة ويهتف بجزع: ما الذي حدث؟ هل أنتم بخير؟

عندها استعاد هاري وعيه بسرعة متناسياً الألم الفظيع في جسده، ليخاطب الشرطي متظاهراً الخوف، وقد بدا أنه على وشك البكاء:أنقذنا أيها الشرطي! هذان الرجلان قد قاما باختطافنا أنا وأختي!


تفاجأ الشرطي لما سمع كلامه وقال بارتباك:ما الذي تقوله أيها الفتى؟ ذلك...لكنه سكت لما رأى تلك الحبال الغليظة التي قيدت يداه. فأخرج مسدسه ووجهه إلى ذلك الرجل ليقول بحدة:أخرج من السيارة حالاً!

تلعثم الرجل وقال بارتباك:انتظر أيها الشرطي..ذلك...

قاطعه الشرطي قائلاً بحزم:اخرس ولا تقل أي شيء...سأستمع إلى أقوالك في المركز!

في تلك الأثناء، كان الشرطي الآخر قد أقبل نحوهم فسأل رفيقه بقلق:ما الأمر؟ ما الذي حدث؟

رد الشرطي بسرعة:هناك طفلان مختطفان في هذه السيارة.. أخرجهما بسرعة، وخذهما إلى المستشفى!


تفاجأ الشرطي لسماع هذا...لكنه أسرع باتجاه الباب الخلفي وفك حزام الأمان عن ايمي ليخرجها من السيارة...ثم ساعد هاري على الخروج، وفك تلك الحبال عن يديهما بسرعة..

ولما كان على وشك سؤالهما، دفعه هاري عنه بقوة. ثم أمسك بيد ايمي وركض معها مبتعداً عن المكان بأقصى سرعة، متجاهلا صراخ ذلك الشرطي عليهما بأن يتوقفا، ومتجاهلا الألم الفظيع الذي أحسه في كامل جسده خصوصاً في كتفه الأيسر..


خاطبته ايمي بخوف:لماذا نهرب؟ إننا في أمان الآن، سيقوم الشرطة بمساعدتنا!

فرد هاري بانزعاج:ايمي! لا يمكننا الوثوق بالشرطة البريطانية. سوف يسلموننا إليهم ما إن يعرفوا أنهم أتباع جدك! علينا الهرب الآن بسرعة، والاتصال بأخي وديفيد بأي طريقة!


في تلك اللحظة، توقفت أمامهم سيارة سوداء، خرجت منها امرأة بدت في منتصف الثلاثينات من العمر..ركضت باتجاههما حتى وقفت أمامها وقالت على عجل:بسرعة! اركبا السيارة في الحال!

توقف هاري وايمي عن ركضهما ونظرا نحوها بريبة..شعرت ايمي بالخوف، فاختبأت خلف هاري..

عندها قال هاري مخاطباً تلك المرأة بحدة:من أنت وما الذي تريدينه؟!

أجابت المرأة بانفعال:لا وقت لهذا الآن! إنني حليفتكما، سوف آخذكما إلى شقيقيكما حتى تغادروا انجلترا الليلة! لقد كنا نتتبع تلك السيارة منذ أن خرجت من المطار في انتظار الفرصة المناسبة لإخراجكما منها...سأشرح لكما كل شيء في السيارة، والآن اركبا بسرعة حتى ننطلق في الحال!

نظر هاري نحوها بشك، عندها نظرت المرأة إلى الشرطي الذي كان يقترب منهم شيئاً فشيئاً وقالت بصراخ:بسرعة! لا وقت لدينا لنضيعه أكثر!


لم يعرف هاري ما الذي يفعله، لكن تلك المرأة بدت صادقة في كلامها...فنظر إلى ايمي التي كانت مذعورة تماماً وقال بهدوء: ايمي...لا حل آخر أمامنا سوى أن نفعل ما قالته!

أومأت ايمي رأسها بالإيجاب دون أن تقول شيئاً، وأسرعت برفقة هاري وتلك المرأة إلى السيارة. لينطلق السائق بسرعة مبتعداً عن المكان، وقد سلك طرقاً فرعية كثيرة حتى ضاع أثر السيارة تماماً.



كان ذلك الشرطي ما يزال موجهاً مسدسه باتجاه ذلك الرجل، عندها قال الرجل بغضب:هل تدرك ما فعلته للتو؟ لقد ساعدت طفلين على الهرب من عائلتهما! ثم أخرج بطاقته وقال وهو يشير بها نحوه في غضب: نحن أتباع الدوق هوريستون! ذلكما الطفلين هما من عائلة هوريستون، وهما يحاولان التمرد على والديهما. لذلك أمرنا الدوق بإعادتهما بأي طريقة!

تفاجأ الشرطي كثيراً لما رأى تلك البطاقة وقد تراجع خطوة إلى الوراء، ثم انحنى بأسف وقال معتذراً:إنني آسف حقاً! لم أدرك هذا!

تجاهل الرجل كلام الشرطي وقال بغيظ، بينما شعر أن كل جزء من جسده يؤلمه بشدة:تباً لذلك الوغد الصغير! لم أتصور أبداً أنه سيفعل شيئاً كهذا!

ثم نظر إلى الشرطي وقال بعصبية:ما الذي تنتظره أيها الأبله؟! فلتتصل بالإسعاف حالاً!


اضطرب الشرطي لما سمع كلامه، وأخرج هاتفه بسرعة وقد اتصل بالإسعاف..عندها أقبل إليه الشرطي الآخر. فسأله بسرعة: هل أمسكت الصغيرين؟

أجاب الشرطي وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة:كلا...لقد ركبا في سيارة ما ولم أستطع أن أعرف إلى أين اتجهت تلك السيارة!

فسأله ذلك الرجل بغضب:هل رأيت رقم اللوحة؟!


رد الشرطي بينما ينظر إليه بارتباك:كـ...كلا، لقد كانت السيارة بعيدة لذلك لم أستطع قراءة رقم اللوحة!

عندها قال الرجل بانفعال:افحصا كاميرات المراقبة بسرعة! يجب أن تجدا تلك السيارة حالاً!

ثم ضغط على أسنانه وقال بغيظ:تباً! سيجن القائد عندما يعرف أننا أضعنا تلك الطفلة!



#الساعة 3:20 مساءاً



نظر ديفيد عبر النافذة الخلفية وقال بغيظ:تباً! ما يزالون يلاحقوننا!

فقال أنطوني مطمئناً:لا تقلق سيد ديفيد..إن هذا جزء من الخطة، قريباً جداً سنتمكن من الهرب منهم بشكل نهائي!

استغرب ديفيد من كلامه، ولم يمض الكثير من الوقت حتى وصلوا إلى تقاطع طرق ضخم، عندها انعطف أنطوني يميناً.

لكن ديفيد تفاجأ كثيراً لما رأى مجموعة من السيارات السوداء من نفس نوع السيارة التي يركبونها، وقد بدت مطابقة لها تماماً. قد اندفعت خلفهم من الطريق التي على يسار التقاطع لتلحق بسيارتهم بسرعة...

عندها هتف كارل بحماس وهو ينظر إلى تلك السيارات خلفه: ذلك مذهل! والآن لن يستطيعوا تمييز سيارتنا!



غير بعيد عنهم، كان هارول ورجاله يلحقون بسيارتهم بإصرار. لكن لما ظهرت تلك السيارات الكثيرة المطابقة لتلك السيارة، وقد كان عددها سبعة تقريباً بحساب السيارة التي ركب فيها ديفيد وكارل، ارتبكوا تماماً...

خاطب هارول رجاله عبر أجهزة الإرسال المثبتة في آذانهم:لا ترتبكوا، إنهم يحاولون الهرب منا! لا ندري من الذي قام بمساعدتهم، لكن علينا ألا نسمح لهم بالتغلب علينا!


فاستمروا بملاحقتهم باستماتة...لكن ما إن وصلوا إلى أول تقاطع آخر، افترقت تلك السيارات. منها التي سلكت الطريق الأيمن، ومنها التي سلكت الطريق الأيسر، والبقية استمرت في القيادة نحو الأمام.

ضغط هارول على شفاهه السفلى بغيظ وقال بعصبية:تفرقوا كل في طريق!

فسلكت سياراتهم الثلاث طرقاً مختلفة، ملاحقين تلك السيارات بيأس...


استمرت المطاردة لوقت طويل دون أي نتيجة.

كان هارول قد لاحق السيارتان اللتان سلكتا الطريق الأمامي. ليصدم لما وصلوا إلى تقاطع آخر، حيث سلكت إحدى السيارتين الطريق الأيمن، بينما سلكت الأخرى الطريق الأيسر!

فصاح بغضب عارم:تباً لهؤلاء الأنذال!

سأله السائق بخوف:أي طريق نسلك سيدي؟!

قبض يده بغيظ وقال بقهر:لا فائدة من هذا...فلتتابع الطريق نحو الأمام، لقد استطاعوا الهرب!



فانطلقت سيارتهم مسرعة باتجاه الأمام، دون أن يلاحظوا تلك السيارة السوداء التي كانت مركونة أمام المحلات التي بجانب الطريق قبل ذلك التقاطع، وسط العديد من السيارات الأخرى.

نظر ديفيد إلى سيارتهم وهي تنطلق مبتعدة عنهم، فقال بسخرية:يبدو انهم فقدوا الأمل في ملاحقتنا!

أرخى كارل جسده على المقعد وقال براحة:ياه، لقد مضى وقت طويل جداً منذ أن شعرت بالإثارة هكذا!


فنظر إليهما أنطوني عبر مرآة السيارة الداخلية بابتسامة، ثم قال بهدوء:أرجو أن الرحلة قد نالت استحسانكما!

ابتسم كارل بسخرية ثم قال بشك:إذاً...لمن ندين بهذه الرحلة؟

سكت انطوني ولم يعلق على كلامه، فاستطرد كارل قائلاً: بالتأكيد لا تتوقع مني أن أصدق أن هذا كان من تخطيطك صحيح؟ ثم سكت قليلا وأردف بحدة:من الذي أمرك بمساعدتنا؟!

تنهد أنطوني بضيق وقال:إنني آسف جداً سيدي الشاب..لا يمكنني إخباركما بأي شيء الآن... سآخذكما مباشرة للشخص الذي أمرنا بفعل هذا، وسيشرح الامر لكما بنفسه..

لم يبد كارل وديفيد مقتنعين بهذا، لكنهما لم يعترضا على كلامه، واكتفيا بالصمت، بينما شغل أنطوني السيارة مجدداً لينطلق بهما إلى وجهة غير معروفة..


#الساعة 3:45 مساءاً



بعد أن ساد صمت خانق بينهم لوقت طويل، سألتهما تلك المرأة بشك:ما حدث لتلك السيارة قبل قليل...هل أنتما من فعل هذا؟!

أجاب هاري ببرود:لقد كنت أنا من فعلها..

عندها خاطبته المرأة بعتاب:هل تدرك خطورة ما فعلت؟! إنكما محظوظان حقاً كون الامر انتهى بهذه الطريقة فحسب، كان يمكن أن تتأذيا بشدة!

فرد هاري بغيظ شديد:وما الذي تريدين مني أن أفعله إذا؟ أجلس في تلك السيارة اللعينة، وأسمح لأولئك الأوغاد بأخذ ايمي؟! لم يكن هناك احتمال ولو واحد بالمائة أن يأتي أحد لينقذنا من ذلك الموقف! إذا ما كانت لديك حلول أخرى، فلتتفضلِ وتكرميني بها الآن!


تنهدت تلك المرأة باستسلام وقالت بقلة حيلة:حسناً، لا فائدة من الخوض في هذا الحديث الآن...
ثم سكتت قليلا واستطردت بقلق:من الضروري أن يفحصكما طبيب بسرعة.

علق هاري بلامبالاة:إنني بخير..الأمر ليس خطيراً إلى هذه الدرجة!

فنهرته تلك المرأة بانفعال:بل إن ذلك ضروري جداً! ألا تعلم أنه في مثل هذه الحوادث، قد يكون الضرر الداخلي أخطر بكثير من الأضرار الخارجية؟!


زمر هاري شفتيه باستياء دون أن يرد على كلامها. كان يدرك جيداً أنها محقة تماماً، لذلك لم يستطع ان يقول أي شيء. لكنه بعد أن صمت لوقت قصير سألها بحدة:إذا..من تكونين؟ ومن أرسلك إلينا؟

أجابت المرأة بهدوء:اسمي ليزا سنوكر. أما الباقي، فستعرفانه عندما نصل.

عقد هاري يديه أمام صدره ثم زفر باستياء، وقال بتهكم بعد أن أسند ظهره على المقعد:ألم تقولي قبل قليل أنك ستشرحين لنا كل شيء في السيارة؟!

لم ترد ليزا على تهكمه ذاك..وفي كل الأحوال، لم يكن ينتظر منها رداً على كلامه من الأساس!



عندها شعر بايمي وهي تقترب منه، وتمسك كم قميصه في تردد بينما اعتلت وجهها نظرة خائفة قلقة...
أدرك جيداً كم كانت تشعر بالاضطراب وقتها. ما شهدته قبل قليل، لم يكن هيناً على طفلة في مثل عمرها أبداً..

فوضع يده على رأسها وقال مطمئناً:لا تقلقي ايمي..سيكون كل شيء بخير. إنني معك، ولن أسمح لأحد بإيذائك بالتأكيد!


كلماته الهادئة تلك، والتي تخللتها نبرة قوية واثقة. كانت قد بثت الأمان في نفسها المضطربة. ارتخت ملامح وجهها، وقد أسندت رأسها على ذراعه بعد أن شعرت بالهدوء يغمر قلبها.

أما هو، فلم يرد إبعادها عنه. كان يعلم كم كانت تحتاج للشعور بالأمان وقتها. نظر إلى دميتها التي كانت ما تزال متمسكة بها بقوة. فابتسم لمنظرها وقال بهمس: مذهل أنك ما تزالين محتفظة بهذه الدمية رغم كل الذي حدث!

نظرت ايمي إلى الدمية لبرهة، ثم قالت بابتسامة حزينة:إنها أول هدية أحصل عليها من أمي وأبي، لذلك لا يمكنني أن أفقدها مهما حدث!



بعد نصف ساعة تقريباً، توقفت السيارة أمام فندق فخم كان في مركز لندن. ترجل الجميع من السيارة، وقد رافقتهما ليزا إلى جناح خاص كان في الطابق الأخير من ذلك الفندق.

بعد أن دخلوا إلى ذلك الجناح، أشارت لهما ليزا بالجلوس على الأرائك الفاخرة التي كانت في الردهة حيث كانوا محاطين بالحرس الشخصيين في كل جانب.

عندها أقبل نحوهم رجل أربعيني، بشعر رمادي ناعم وعينين زرقاوين باهتتين. وقد كان يحمل معه حقيبة جلدية كبيرة.

أشارت ليزا على ذلك الرجل وقالت:هذا هو الدكتور جيمس دالتون. سيقوم بفحصكما الآن.


استغرق الطبيب نصف ساعة تقريباً في فحصهما فحصاً شاملا، حتى تأكد أنهما لا يعانيان من أي مشاكل تذكر. فلما انتهى من ذلك، خاطب ليزا قائلا: ليس هناك خطر من وجود نزيف داخلي، لكنني أفضل ان يذهبا إلى المستشفى للقيام بمزيد من الفحوصات.كما أنني أشك أن الفتى قد أصيب بخلع في كتفه الأيسر..من الضروري ان يذهب إلى المشفى في اسرع وقت.


غادر الطبيب الجناح بعد أن شكرته ليزا بحرارة. ثم سارت إلى هاري وقالت بقلق:انت تعرف أنه لا يمكننا الذهاب للمستشفى الآن صحيح؟

رد هاري ببرود:أعلم..ليس عليك القلق بشأن هذا، إنني بخير.

فقالت ايمي باعتراض: ما الذي تقوله؟! ماذا لو أن الامر كان خطيراً؟!

فقال هاري مطمئناً: لا تقلقي ايمي، إنني بخير حقاً. ثم سكت قليلا وقال برجاء: لا تخبرِ أخي وديفيد عن هذا. سأذهب إلى المستشفى عندما نصل إلى باريس اتفقنا؟

وافقت ايمي على مضض، ولم تبد مقتنعة بذلك ابداً.



سارت ليزا إلى غرفة النوم المتصلة بالجناح، لتطرق الباب بخفة وتقول بهدوء:سيدتي، لقد غادر الطبيب وقال أنهما بخير.

فسمعت صوتها من وراء الباب لما قالت:حسناً، أنا قادمة.

وبعد أن انتظروا لدقائق، خرجت تلك الفتاة أخيراً لتسير بشموخ نحوهما، وتجلس بهدوء على الأريكة المقابلة لهما.


كانت ترتدي فستاناً مخملياً أسوداً ضيقاً، أبرز تفاصيل جسدها الرشيق...شعرها الكستنائي الطويل، كان منسدلا بنعومة على كتفيها وظهرها من الخلف..
نظرت نحوهما بعينيها الزرقاوتين كزرقة المحيط،وقد اعتلتهما نظرة حزينة متعبة...فابتسمت لما نظرت لايمي وقالت بود:إنك تبدين أجمل بكثير مما في الصور!

كانت ايمي تنظر نحوها بإعجاب، فقد أبهرها جمالها الساحر كثيراً. لكنها تفاجأت كثيراً لما سمعت كلامها وسألتها بدهشة: هل تعرفينني؟

ابتسمت تلك الفتاة بإشراق وقالت بنبرة حنونة: بالتأكيد أعرفك! لقد كننت أتتبع أخبارك منذ وقت طويل جداً...

سألتها ايمي بتردد:من تكونين؟


أخذت تلك الفتاة نفساً عميقاً قبل أن تقول بهدوء:اسمي لورنا آيشنبارت...ثم أردفت بصوت مهزوز:خطيبة شقيقك ديفيد!

تفاجأت ايمي كثيراً ما إن قالت هذا وهتفت بدهشة:خطيبة أخي؟! لم يذكر أخي أن لديه خطيبة أبداً!!

عندها قال هاري ببرود:ذلك لأنه ليس شيئاً يفخر به، فقد كان مجبراً على خطبتها..

بدا الضيق على وجه لورنا لما قال هذا، فقالت ليزا بعتاب:لم يكن هناك داعِ لأن تصيغ الأمر بهذه الطريقة!

ضحكت لورنا ضحكة خفيفة وقالت:ما تزال وقحاً كما في الماضي تماماً!

لم يرد هاري عليها، فقالت ايمي بدهشة:هل تعرفين هاري أيضاً؟!


أجاب هاري بانزعاج:لقد كانت تأتي إلى زيارة ديفيد في فرنسا بعض الأحيان. ثم نظر إليها بحدة وقال:الأمر منطقي الآن بما أن الدوق آيشنبارت هو من خطط لكل هذا، لكن ما لا أجده منطقياً أبداً هو كيف تعرفين بشأن ايمي، بينما ديفيد لم يسمع عنها إلا مؤخراً؟!

تنهدت لورنا بضيق وقالت:إنني آسفة حقاً هاري...لا يمكنني البوح عن هذا بعد. ما يزال الأمر مبكراً لديفيد وايمي على أن يعرفا الحقيقة...
كل ما عليكم معرفته، هو أن شخصاً يهتم حقاً بأمرهما قد طلب مني مساعدتهما. لقد جهزت لكم طائرة خاصة سقلع الليلة من من مانشستر إلى باريس...هناك مروحية في الأعلى ستقلكم إلى مطار مانشستر بسرية تامة.

سألها هاري بريبة:ماذا عن أخي وديفيد؟

فردت لورنا مطمئنة:لا تقلق، إنهما في طريقهما إلى هنا الآن...علينا الإسراع حتى لا يلاحظ الدوق هوريستون الأمر. سنقع في مشكلة إذا ما علم أن والدي قد قام بمساعدتكم على الهرب!


سكت هاري قليلا قبل أن يقول بهدوء:لابد انك تعرفين ان ديفيد لن يقتنع بهذا.

تنهدت لورنا بضيق وقالت: لا يمكنني إخباره بالحقيقة الآن حتى لو طلب مني ذلك...إنني أفعل هذا لمصلحته، عليه أن يدرك هذا عاجلاً أم آجلاً.


في تلك اللحظة رن هاتف ليزا. فلما ردت على المتصل وأغلقت الخط بعد ان تحدثت معه ببضع كلمات، نظرت إلى لورنا وقالت: سيدتي...لقد وصلوا.

أومأت لورنا رأسها بالإيجاب، ثم قامت من مكانها ونظرت إلى هاري وايمي لتقول بهدوء:والآن أرجو منكما أن ترافقاني إلى الأعلى، لا يجب أن نضيع الوقت أكثر.



في ذلك السطح الواسع، كانت هناك طائرة مروحية مركونة في المهبط الخاص بالمروحيات. سار ايمي وهاري نحوها رفقة لورنا وأتباعها، وانتظروا هناك لبرهة. ولم يمض الكثير من الوقت حتى فُتح باب السطح مرة أخرى ليظهر كل من كارل وديفيد برفقة أنطوني، وقد أخذوا يسيرون نحوهم بسرعة...

ما إن رأت ايمي ديفيد، حتى ركضت نحوه وضمته بقوة... انحنى ديفيد إليها وقد ضمها إليه هو الآخر، ليقول بارتياح: الحمد لله! خلت أن مكروهاً قد أصابك!


عندها اقترب منهما هاري، فلما رآه كارل تنفس الصعداء وقال براحة:جيد أنكما بخير..ثم سكت قليلا وسأله بحيرة:كيف استطعتما الهرب من أولئك الأشخاص؟

فرد هاري بارتباك متملصاً من الإجابة:صدقني لن تود أن تعرف ذلك!

وقفت لورنا بقربهم وقالت بهدوء:لا وقت لدينا...عليكم ركوب الطائرة بسرعة...


ما إن سمع ديفيد صوتها، حتى نظر إليها على الفور وهتف بدهشة:لورنا؟!

ابتسمت لورنا بحزن لما رأته، لكنها قلت بثبات محاولة إخفاء مشاعرها بصعوبة:أعلم أن هناك الكثير من الأسئلة التي تريد أن تعرف إجابتها، لكن صدقني. لن أستطيع أن أجيبك على أي شيء..

اقترب منها ديفيد وسألها بإصرار:ما الذي يعنيه هذا؟ لماذا قمتِ بمساعدتنا؟ بل كيف علمت بشأن ايمي؟!

تنهدت لورنا بتعب وقالت:ديفيد...أنا آسفة حقاً، ستعرف كل شيء في الوقت المناسب!


ثم نظرت إلى عينيه برجاء وقالت:عليك المغادرة الآن من أجل أختك....يجب ان تأخذها بعيداً عن عيني جدك إذا ما أردتما العيش بأمان!

أدرك ديفيد لما نظر في عينيها أنها لن تجيبه حتماً..لكنه سألها بغصة:منذ متى وأنت تعرفين أن لي أختاً؟

أجابت لورنا بحزن:منذ وقت طويل جداً..أعلم بشأن ايمي، وآرثر أيضاً.


عندها أمسك بعضديها بقوة ليصيح بقهر:لماذا أخفيت الأمر عني؟! ربما إذا ما علمت بشأن هذا من قبل، ما كان هذا ليحدث لايمي، ولما كان آرثر ليموت أيضاً!

فنظرت إليه لورنا بحدة وقالت بقوة:كنت ستتألم فقط ولن يكون بوسعك تغيير أي شيء! أنا لم أتعمد إخفاء الأمر عنك، لم أرد رؤيتك تتحطم وأنت عاجز عن فعل أي شيء من أجلهما...
لقد كنا جميعاً ننتظر اللحظة المناسبة من أجل مساعدتهما. صحيح أننا فشلنا في إنقاذ آرثر، لكننا لن نكرر نفس الخطأ مع ايمي أيضاً!
أنت الوحيد القادر على حمايتها من الآن فصاعداً، يجب أن تصعد تلك المروحية، وتغادر انجلترا إلى الأبد حتى تمنع حدوث تلك المأساة من جديد. هل تفهم كلامي؟!

لم يستطع ديفيد أن يرد على كلامها...خفض رأسه بعجز، بينما أخذ يضغط على أسنانه بقهر..


عندها اقتربت منه لورنا وضمت وجهه بكفيها ثم قالت بحنو: ديفيد، لا يجب أن تلوم نفسك على ما حدث في الماضي. لم يكن بوسعك فعل أي شيء. لكن الوضع مختلف الآن، عليك أن تحمي ايمي بكل ما لديك من قوة، عدني بذلك!


نظر إليها ديفيد بألم...وقد ظلا يحدقان ببعضهما طويلا دون أن يقول أحدهما أي شيء...
اختلطت زرقة عينيهما لتحكي الكثير من المشاعر المختلطة، في صمت خانق آثراه عن أي كلام..
يدرك كلاهما أن مثل هذه اللحظة ستعني الكثير والكثير، لم يكن بوسع ديفيد انتقاء أي كلمة تعبر عن ما في داخله، بينما لم تستطع لورنا أن تجيبه بأي شيء..



في تلك اللحظة أمسك كارل بيد ايمي وقال بهمس:ايمي، هاري...يجب أن نصعد إلى المروحية الآن.

ثم نظر إليهما مبتسماً وقال بهدوء:علينا ترك هذان الاثنان يتحدثان مع بعضهما كما يجب.

كان يعلم أن هناك الكثير ليتحدثا عنه، وإن كان أي منهما لا يعرف من أين يبدأ!
فغادر برفقة كل من هاري وايمي وركبوا تلك المروحية في صمت...


أما ديفيد، فقد ظل على حاله دون أن ينبس بأي بكلمة.

الهواء القوي الذي حركته تلك المروحية ما إن قام الطيار بتشغيلها، ظل يعبث بخصلات شعرهما الحريرية بقوة..

كانت لورنا ما تزال تنظر إلى عينيه بشوق مفضوح، لكنها بعد برهة خاطبته بعطف:ديفيد...عندما تغادر انجلترا الآن ستصبح حراً. لن تكون مضطراً للعيش في القفص الذي صنعه لك جدك مرة أخرى. عليك أن تحقق أحلامك، وتعيش حياتك بالطريقة التي تريدها. أنت تريد أن تغدو طبيباً صحيح؟

ثم نظرت إليه بحب وتابعت حديثها بهمس مثقل:سأنتظر اليوم الذي أسمع فيه أنك قد حققت كل أحلامك، سأتمنى لك السعادة في حياتك دائماً.

فسألها ديفيد بشك:لماذا تتحدثين بهذه الطريقة كما لو أنها النهاية؟


ابتسمت بألم، وهي تدرك أن ما ستقوله الآن سيحرق روحها آلاف المرات..لكنها رغم هذا تدرك جيداً أنه لا مجال للتراجع بعد الآن، مهما دمرتها تلك الحقيقة.


أخذت نفساً عميقاً قبل أن تقول بغصة:أعلم أن أول القيود التي وضعها جدك عليك هي أنا...يجب علي أن أتركك تذهب من أجل أن تكون حراً. يجب أن ننهي ما بيننا حتى يكون بوسعك المضي قدماً في حياتك...
ثم وضعت يديها خلف رقبته وقربته نحوها، لتضع جبينها على جبينه وتقول بألم، بعد أن أغلقت عينيها بتعب:لم أرد يوماً أن أكون عائقاً في طريقك، لذلك لابد أن أختفي..إنني لست نادمة أبداً على أنني أحببتك. ثق أنني لن أنساك أبداً، ولا أعلم إذا ما كنت سأحب شخصاً آخر مثلما أحببتك..

نظرت إليه بحزن وقالت بمرارة: شكراً لك على وجودك في حياتي حتى الآن...شكراً لك على كل ما فعلته من أجلي في الماضي..
ثم قبلته على خده برفق، وابتعدت عنه لتقول بهمس: الوداع.. ديفيد..


كان ينظر نحوها بضياع...شعر أن الكلمات قد تحجرت في جوفه فلم يقو على قول شيء... ضغط على أسنانه بقهر وقال بحروف متلعثمة أخرجها بالكاد:لورنا أنا آسـ..

وقبل أن يكمل كلامه، نهرته بقولها:لا تعتذر أرجوك، فأنت لم تفعل أي شيء خاطئ. إذا ما اعتذرت فسأشعر بالسوء حقاً!
إنني لم ألمك يوماً على أنك لم تبادلني نفس المشاعر، فلا يحق لي أن أفرض عليك شيئاً كهذا...آمل أن تجد يوما ما من تبادلها الحب حقاً...


ثم قالت متصنعة المرح:لا تنس أن تقدمني إليها، فلا أزال صديقة طفولتك رغم كل شيء! لن أسامحها أبداً إذا ما قامت بإيذائك.
ابتسمت بهدوء وقالت ما تعلم يقيناً أنه محض كذبة يائسة لا أكثر:ليس عليك أن تشعر بالسوء لأجلي، سوف أتجاوز الأمر يوماً ما بالتأكيد، وسأحب شخصاً آخر يبادلني نفس المشاعر. أما نحن، فسنعود لكوننا صديقين كما كنا دائماً.


نظر إليها ديفيد بحزن ثم قال بخفوت:شكراً لك لورنا...لقد آذيتك كثيراً، ورغم هذا لم تلوميني يوماً. لن أعتذر لك، لكنني سأشكرك على كل شيء فعلته لأجلي..

ابتسمت لورنا بود وقالت:لا شكر على واجب فأنت صديقي... ثم نظرت إلى المروحية وقالت:عليك الذهاب الآن،إن شقيقتك بانتظارك. فلتعتن بها جيداً!

بادلها ديفيد الابتسامة وقال: بالتأكيد...إلى اللقاء، لورنا...



بقيت لورنا واقفة مكانها تنظر إليه وهو يسير مبتعداً عنها، بينما شعرت أن قلبها يتحطم في كل خطوة يخطوها..

قد تكون هذه هي النهاية حقاً، قد تكون هذه آخر مرة تراه فيها. وربما إذا ما إلتقته من جديد، فقد يكون برفقة امرأة أخرى لا تعرفها.
إدراكها لتلك الحقيقة الحتمية، كان كفيلاً بجعلها تتألم بقسوة. لكن عليها تركه يذهب، عليها أن تغادر حياته. وإلا فلن يستطيع المضي قدماً في مستقبله الذي لن يشرق إلا بابتعادها عنه، والتخلي عن حبها له إلى الأبد..

هل تراها ستصمد؟ هل تراها ستنسى ما تملّك قلبها لسنوات طويلة؟
إنها لا تدري..لكن ما تدريه أن رحيله سيخلف في قلبها ألماً قاتلاً، وفراغاً كبيراً قد لا يشفيه الزمن أبداً.



صعد تلك المروحية التي ما لبثت أن أقلعت تجر خطاها باتجاه مانشستر، حيث تنتظرهم رحلتهم القادمة المنتظرة باتجاه باريس..
الرحلة التي لا أحد يعلم كيف ستنتهي، وما الذي ينتظرهم هناك. في ذلك المستقبل المجهول الذي يترقبونه بوجل.


ما إن غابت المروحية عن ناظريها، حتى سارت لورنا عائدة إلى جناحها الملكي ليلحقها حراسها في صمت...فلما وقفت أمام باب الجناح، نظرت إليهم وقالت بهدوء:أريد أن أبقى وحدي رجاءاً...

أراد أحد الحراس أن يعترض على كلامها، لكن ليزا أوقفته مشيرة له بيدها، وقالت على الفور:أمرك سيدتي...يمكنك استدعاؤنا إذا ما احتجت إلى أي شيء.


فدخلت لورنا الجناح وأغلقت الباب وراءها...سارت بضع خطوات حتى توقفت في منتصف الردهة، لتجثو على ركبتيها وتجهش بالبكاء في ألم...

بكت كل أحلامها وآمالها التي صارت مستحيلة تماماً بالنسبة لها.. بكت حطام قلبها، وفتات روحها الكسيرة التي لطالما انتظرت بصمت دون جدوى.
الآن سينتهي كل شيء. حتى ذلك الأمل الواهن الذي تعلقت به ذات يوم، قد تلاشى تماماً أمام ناظريها.


أخذت تخاطب نفسها وسط دموعها الغزيرة:لقد ودعته بشكل صحيح أليس كذلك؟ لم أخطئ في شيء صحيح؟


ثم غطت فمها بيدها محاولة كبت عبراتها دون جدوى...

رددت بحرقة، بينما شهقاتها المتألمة تعلو وتعلو:إنه مؤلم جداً...مؤلم...


يتبع..

******

_رأيكم في الفصل؟

_توقعاتكم للأحداث القادمة؟

_هل سينتهي الأمر برحيلهم إلى فرنسا؟ وما الذي ينتظرهم هناك؟

_ما علاقة لورنا ووالدها بما حدث لايمي؟

_هل ستتخطى مشاعرها اتجاه ديفيد كما قالت حقاً؟

تساؤلات كثيرة ستجيبها عليكم أحداث الفصول القادمة باذن الله..

ستتخذ القصة من الآن فصاعداً منحنى آخر، مليء بالأحداث الجديدة والمختلفة..فانتظروني..


يسرني حقاً قراءة آرائكم وتعليقاتكم، ألقاكم في فصول قادمة وأحداث جديدة..دمتم في أمان الله

2018/06/22 · 770 مشاهدة · 5641 كلمة
NajwaSD
نادي الروايات - 2024