#الحدود الجوية للمملكة المتحدة_الساعة 7:45 مساءاً
2005\9\22


انحنت تلك المضيفة بعد أن وقفت إلى جانب مقعد كارل لتقول باحترام:هل يوجد ما أخدمك به سيدي؟

في ذلك الوقت، كان كارل منشغلا بالعمل على حاسوبه الشخصي...لكنه رد بلامبالاة دون أن ينظر نحوها: لا شكراً، سأستدعيك إذا ما احتجت إلى أي شيء.

ردت بنفس نبرتها المهذبة، بعد أن خفضت رأسها مرة أخرى: أمرك سيدي..
قالت هذا لتسير مبتعدة عنهم.


وبعد بضع دقائق، أغلق كارل حاسوبه المحمول، ليطلق تنهيدة متعبة بعد أن أرخى جسده على ذلك المقعد الوثير...

علق ديفيد الجالس على المقعد الذي بجانبه باستياء:ألا ترتاح من العمل أبداً؟ إنك في الطائرة الآن!

رد كارل وهو يفرك جبينه بانهاك:لقد كان الأمر مستعجلاً ولم يكن أمامي خيار آخر.

تنهد ديفيد باستسلام. فهو يعرف جيداً أنه أياً كان ما سيقوله، فلن يتوقف صديقه عن إرهاق نفسه بالعمل طوال الوقت!


ألقى نظرة على ايمي وهاري الجالسين قبالتهما على ذلكما المقعدين الفرديين. هاري كان يقرأ في كتاب ما بضجر، أما ايمي فقد كانت تنظر حولها بانبهار، مستكشفةً كل جزء من تلك الطائرة التي تركبها لأول مرة في حياتها..

لم تكن تلك طائرة عادية أبداً، فقد كانت طائرة خاصة، عالية الرفاهية، وبها فقط ست مقاعد فردية متقابلة في منتصفها تماماً. حيث جلس كارل وديفيد على المقعدين الذين في الخلف، بينما جلس هاري وايمي أمامهما ليظل المقعدين الأخيرين المقابلين لبعضهما شاغرين.



نظرت ايمي إلى كارل وديفيد، لتسألهما بحماس طفولي: إذا... بعد أن ننزل من هذه الطائرة، هل سنكون في بلد آخر حقاً؟

ابتسم ديفيد لمنظرها وقال بينما يكتم ضحكته: إنها ثالث مرة تسألينني فيها هذا السؤال!

احمرت وجنتا ايمي خجلاً وقالت بخفوت:لكنني لا أستطيع أن أصدق هذا..إنه مذهل حقاً!

ضحك كارل من كلامها وقال بمرح:إذا في هذه الحالة، سآخذك معي في طائرتي في المرة القادمة إلى بلدان كثيرة..إنها أفضل من هذه بكثير!

ما إن قال هذا حتى هتفت ايمي بسعادة:حقاً؟


ثم نظرت إلى هاري وقالت بحماس:هل سمعت هذا هاري؟ لقد قال كارل أنه سيأخذني للسفر معه إلى بلدان أخرى...ستذهب معنا صحيح؟

رد هاري ببرود بينما ما يزال ينظر إلى ذلك الكتاب:إنني لا أحب السفر كثيراً...يمكنك السفر معه وحدك.

قوست ايمي شفتيها باستياء، ثم أسندت رأسها على ظهر المقعد لتقول بتهكم:لن يكون الأمر ممتعاً إذا لم نذهب كلنا معاً!

فعلق كارل بعد أن أزعجه برود هاري كثيراً: لن يصيبك أي شيء إذا ما كنت أكثر لطفاً!
لكنه سكت لما لاحظ أنه كان يضع الكتاب على حجره، بينما يقلبه بيده اليمنى بصعوبة. في حين أسند يده اليسرى إلى جانبه على المقعد.


سأله بشك:أنت أعسر، فلماذا تستعمل في يدك اليمنى؟

ارتبك هاري من سؤاله، فأغلق الكتاب بسرعة وقال متظاهراً البرود: وما شأنك بهذا؟ يمكنني استعمال أي يد أشاء!

نظر إليه كارل بارتياب دون أن يعلق على كلامه، لكنه سأله فجأة بشك:لم تقل لي بعد..كيف استطعتما الهرب من أتباع الدوق هوريستون؟


ضغط هاري على أسنانه بغيظ، لكنه قال متصنعاً اللامبالاة: لقد ظللنا نركض حتى ظهرت لنا تابعة تلك الفتاة لورنا وأخذتنا معها إلى السيارة..إنه ليس بالأمر الكبير حقاً.

عندها قال كارل بحدة:هاري! توقف عن الكذب! لقد رأيت صورتكما في هاتف إحدى تابعات ذلك الرجل هارول، وقد كنتما مقيدين في سيارة ما!

زفر هاري بضيق وقال بانزعاج:وما المهم في ذلك؟ لقد استطعنا الإفلات منهم ونحن الآن في طريقنا إلى باريس.. لماذا أنت مصر على معرفة هذا؟!

فقال كارل باستياء:لأن هذه هي المرة الأولى التي تكذب فيها علي، وهذا يعني أنك تحاول إخفاء شيء لا ينبغي لي أن أعرفه!

رد هاري ببرود:إنك تتخيل ذلك فحسب! ثم قام مكانه وقال بلامبالاة:سأذهب إلى الحمام...


ولما كان على وشك المغادرة، قام كارل من مكانه بسرعة وأمسك بكتفه الأيسر محاولا إيقافه، بينما هتف بغضب:انتظر!

عض هاري على شفته محاولا كبت شعوره بالألم، لكنه لم يستطع. فتأوه متألماً بصوت عالٍ وقال بصراخ:آآآآه اللعنة! اترك يدي!!


عندها أبعد كارل يده عنه بسرعة وقد بدا مرتبكاً جداً..أماً هاري، فقد شد كتفه بيده، وقد أغلق عينيه بقوة بينما يضغط على أسنانه، علّ ذلك الألم الفظيع الذي أحسه كما لو كان صعقة كهربائية سرت في كل عصب من جسده، يخف ولو قليلا..

كان ديفيد ينظر إليهما بقلق. أما ايمي فقد بدت خائفة جداً ولم تعرف ما الذي تقوله، فتشبث بدميتها وأغلقت عينيها بينما كان قلبها ينبض بقوة.


عند تلك اللحظة لم يستطع كارل أن يتمالك نفسه أكثر..تملكه شعور فظيع بالخوف والغضب في آن..فكرة أن مكروهاً قد أصاب شقيقه الوحيد..وعائلته الوحيدة، كانت كفيلة بأن تشعره بالجنون!

صرخ بعصبية بينما كان صدره يعلو ويهبط من الغضب: أخبرني ما الذي حدث الآن!

فرد هاري بخفوت:لا شيء! لقد سقطت وتأذى كتفي بينما كنا نهرب منهم!

سأله كارل مجدداً بنفاذ صبر:هاري توقف عن الكذب! أخبرني ما الذي حدث ولا تجعلني أفقد أعصابي أكثر!

لكن هاري لم يرد عليه...



في حقيقة الأمر، لم يكن هاري يرفض إخباره عن ما حدث بسبب أنه يخاف منه أبداً، ولكن لأنه يدرك جيداً أن كارل يخاف عليه أكثر حتى من خوفه على نفسه..

منذ أن كان صغيراً، كان كارل يبالغ كثيراً في حمايته من كل شيء، وأي شيء..

يذكر أنه قد أصيب بحمى شديدة ذات مرة...في ذلك الوقت، كاد كارل أن يفقد عقله معتقداً أنه سيموت لا محالة! فظل بقربه طوال الوقت دون أن ينام أبداً، حتى تأكد أنه شفي تماماً.

لو لم يكن ديفيد وروي بقربه، لم يكن يعرف حقاً ما كان سيصيب عقله آنذاك! لذلك ومنذ ذلك الوقت، كان قد عاهد نفسه ألا يجعله يقلق عليه أبداً...رؤية شقيقه الذي كان كل شيء بالنسبة له بتلك الحالة الهستيرية، هو أكثر ما يرفضه عل الإطلاق! ولهذا السبب، آثر هاري ألا يقول له أي شيء.


فليغضب بقدر ما يريد، المهم ألا يعلم أنه في الواقع، كان ربما سيلقى حتفه في ذلك الحادث لو لم تسر الأمور على خير!



لما أيقن كارل أن هاري لن يقول أي شيء، نظر إلى ايمي فجأة وقال بحدة أرعبتها كثيراً:ايمي! أخبريني ما الذي حدث؟!

انتفضت ايمي ما إن سمعت نبرته الغاضبة تلك...ورغم أنها كانت تعلم أنه لم يكن غاضباً منها، إلا أنها لم تستطع منع نفسها من الارتجاف ذعراً...

نظرت إلى عيون كارل التي كانت تتطاير شرراً، ثم إلى هاري الذي كان ينظر إليها بغصة، بعد أن كان موقناً أنها ستقول كل شيء بالتأكيد!

خفضت ايمي رأسها وقالت بصوت راجف:امممم فـ... في الواقع...


ثم نظرت إلى هاري مرة أخرى وقالت بارتباك:لقد ركضنا أنا وهاري في المطار هرباً منهم...ولما نزلنا من الدرج، سقط هاري على كتفه وتأذى بشدة...أخذونا إلى السيارة، لكن كان هناك حادث فأوقفهم الشرطي. لذلك استطاع هاري إخبار الشرطي أنهم اختطفونا فقام بإنقاذنا...
في ذلك الوقت، كانت رفيقة الآنسة لورنا قد أتت وأخذتنا معها...ثم سكتت قليلا وقالت بكذب مفضوح:هـ...هذا هو الذي حدث!


كان هاري ينظر إليها بذهول...صحيح أنه تمنى لوهلة أنها ستساير كذبته، لكن ما لم يتوقعه أبداً هو أن تختلق مثل هذه الكذبة فجأة هكذا، رغم أنه كان متأكداً من أنها خائفة جداً من كارل..


في تلك اللحظة أقبلت إليهم المضيفة وسألتهم بقلق، بعد أن سمعت صراخ كارل قبل قليل:سيدي، هل ثمة مشكلة ما؟

أجاب ديفيد بسرعة متداركاً الأمر: آه لا شيء...اطمئني، كل شيء بخير!

لم تبد المضيفة مقتنعة بهذا، لكنها عادت أدراجها لما أيقنت أنهم لن يخبروها بالتأكيد.
وما إن غادرت المضيفة، حتى نظر ديفيد إلى كارل وقال بهدوء: كارل لا بأس..فلتهدأ، إنهما بخير وهذا هو المهم الآن..

أخذ كارل نفساً عميقاً محاولاً تهدئة نفسه، ولما شعر أنه قد هدأ نوعاً ما، عاد ليجلس إلى مكانه في صمت.

كان هاري ما يزال واقفاً في مكانه، بينما ينظر إلى كارل بحزن. عندها خاطبه ديفيد قائلا بهدوء:هاري..فلتعد إلى مكانك أنت أيضاً.


فجلس هاري على مقعده مرة أخرى، عندها سأله كارل بخفوت دون أن ينظر إليه:أهو كسر؟

أجاب هاري بارتباك:لا أعلم...لقد أحضرت لورنا طبيباً ليقوم بفحصي..قال أنه قد يكون محض خلع فحسب.

تنهد كارل بضيق، ثم أخذ يضغط على جبينه بتعب. قال بعد أن سكت لبرهة:سآخذك إلى المستشفى ما إن نصل إلى باريس...ثم نظر إليه بحزن وقال بنبرة قلقة:أيا كان ما حدث، عدني أنك لن تقوم بفعل أي شيء خطير مجدداً!

أومأ هاري رأسه إيجاباً وقال بصوت شبه مسموع:أعدك.


ساد صمت خانق بينهم لدقائق..لكن كارل قطع ذلك الصمت لما سأل ديفيد باهتمام:إذا..هل أخبرتك لورنا عن أي شيء؟

حرك ديفيد رأسه بالنفي وقال بإحباط:لا أفهم لماذا تصر هي ووالديّ على إخفاء الأمر عني. بل إن ما لا أستطيع فهمه أكثر، هو كيف تعرف لورنا كل هذا منذ وقت طويل، في حين أنني لم أعرف بوجود ايمي حتى!

عندها قال هاري بتفكير: لقد قالت شيئاً ما لي أنا وايمي أشعرني بالحيرة حقاً...قالت أن كل ما علينا معرفته الآن، هو أن شخصاً يهتم بك أنت وايمي هو من طلب منها أن تقوم بمساعدتنا!

استغرب ديفيد وكارل من كلامه كثيراً، وقال ديفيد بشك: شخص يهتم بي أنا وايمي؟ لا أظن أنها تقصد بذلك أبي وأمي!

فتساءل كارل بحيرة:إذا، من عساه يكون؟!

تنهد ديفيد بإحباط وقال بقلة حيلة:لا يزال هناك الكثير من الأشياء التي نجهلها، ولا أظن أننا سنجد لها جواباً الآن..


ثم نظر إلى ايمي وسألها بقلق:ايمي...ألم تلاحظِ أي شيء؟ لقد قالت الخادمة أن سبب معاملة أبي وأمي لك بتلك الطريقة، هي أوامر جدي لما تأثر بموت آرثر...لكنني مهما فكرت في ذلك، أجد الأمر غير منطقي أبداً!

ترددت ايمي قليلا قبل أن تقول:بخصوص هذا...لقد قال لي ماكس عندما أخذني من المستشفى في ذلك الوقت، أن تلك القصة لا أساس لها من الصحة!

ثم خفضت رأسها وقالت بحزن:صحيح أن آرثر قد مات بسببي، وصحيح أن معاملة أبي وأمي لي قد تغيرت منذ ذلك الوقت. لكن جدي لم يأمرهما بهذا لأنه حزن على موت آرثر بالتأكيد!



تفاجأ ديفيد كثيراً لما سمع هذا...عندها قال كارل بتفكير:الآن يبدو الأمر أكثر واقعية..صحيح أننا مازلنا نجهل حقيقة ما حدث، لكنني لم أرد أن أصدق أبداً أن مثل ذلك المجنون قد يتعلق بحفيده إلى الحد الذي يجعله يتصرف هكذا من أجله!

عقب ديفيد على كلامه قائلا:معك حق! ثم نظر إلى ايمي وسألها بقلق:هل أنت بخير مع هذا؟ أعني كونك لا تعرفين سبب ما حدث لك...

ضمت ايمي دميتها إليها وقالت بابتسامة حزينة:إنني لا أهتم لأمر جدي أبداً...كل ما كان يؤلمني في الماضي هو معاملة أبي وأمي لي..والآن بعد أن عرفت أنهما كانا مجبرين على هذا، وأنهما يحبانني في الواقع. أشعر أن الثقل في قلبي قد زال تماماً...ثم أردفت بغصة:بالرغم من أننا لم نستطع التحدث إلى بعضنا بشكل صحيح بعد!



نظر إليها ديفيد بحزن...يدرك كم كانت ايمي تتوق دائماً إلى أن تعيش حياةً طبيعية رفقة والديها، اللذان يوقن تماماً أنها كانت تحبهما كثيراً، وإلا لما كانت تحاول باستماتة أن تكسب ودّهما كما حدث في أول يوم التقيا فيه.
أراد حقاً أن يمنحها الفرصة بأن تلتقي بهما، وأن تشعر بحبهما لها ولو للحظة..لكن إدراكه لحقيقة أن هذا صار شبه مستحيل بالنسبة لها قد آلمه كثيراً...حتى رغم أنه قد قرر أن يعوضها عن كل الحنان الذي فقدته، إلا أن ذلك لن يكون كافياً أبداً ليخمد شوقها لحضن والديها وحنانهما الدافئ.


لكنه قام من مكانه وسار نحوها، ليجلس على ركبتيه أمامها ويضم يديها الصغيرتين بين يديه.
قال بعطف، بينما ينظر نحوها بحنان:ايمي..أنا واثق من أنك ستلتقين بهما يوماً ما...مهما طال الزمن، سوف نعود لهما بالتأكيد..عليكِ أن تكوني مؤمنة بهذا

أومأت ايمي رأسها إيجاباً وقالت بهمس:أجل..

ابتسم ديفيد بعطف، ثم وضع يده على رأسها وقال بهدوء: أحسنت القول..لأنك فتاة رائعة حقاً، سوف تكافئين ذات يوم. أنا متأكد من هذا!


كلماته الدافئة تلك أشعرتها بالسعادة حقاً...
رغم أنها تتمنى بشوق أن تلتقي بوالديها، وتعيش معهما الحياة التي لطالما حلمت بها دائماً. إلا أنه يكفيها الآن أن تعلم أن شقيقها سيظل إلى جانبها.
تستطيع الشعور بحنانه وعطفه معها. صحيح أنهما لا يعرفان بعضهما تماماً، لكنها واثقة من أنه سيحبها، وسيحميها، وسيعوضها عن السنين التي عاشت فيها محرومة من حنان عائلتها ودفئهم.

لذلك اقتربت منه، لتحيط رقبته بذراعيها، وتحشر وجهها في كتفه دون أن تقول شيئاً...أخذ يمسح على شعرها بحنان وفي ثغره ابتسامة حانية..



بعد أن بقيا على هذا الحال بعض الوقت. قال هاري لايمي بتردد:ايمي..هلاّ أعطيتني تلك الدمية؟

ابتعدت ايمي عن ديفيد، وقد نظرا نحوه باستغراب...فقال هاري موضحاً: تذكرين عندما سقطت منك تلك الدمية في المطار وقمت أنا بالتقاطها صحيح؟

ردت ايمي بارتياب:أجل.

فتابع هاري حديثه قائلا:هناك شيء أريد التأكد منه..أرجو أن تناوليني إياها.

أخذت ايمي الدمية وأعطتها له بتردد..فنظر هاري إلى ساقيّ تلك الدمية بتمعن، ليهتف بعد برهة: كما توقعت!

استغرب الجميع من كلامه وقد سأله كارل بشك:ما الأمر؟

أشار هاري إلى الساق اليمنى لتلك الدمية وقال:هناك آثار خياطة هنا...من الواضح أنها خياطة يدوية وليست من المصنع. ذلك يعني أن أحداً قد مزق الدمية بعد شرائها..

تساءل ديفيد باستغراب:لماذا قد يفعل أحدهم شيئاً كهذا؟


تحسس هاري ساق الدمية وقال بشك: إذا كان ما أعتقده صحيحاً، فهناك شيء ما مخبأ في هذه الدمية!
ثم رفع ساقها وقال بهدوء:أستطيع تحسس شيء ما هنا غير القطن، أحتاج إلى مقص حتى أعرف ما في الداخل!

عندها نادى ديفيد المضيفة على الفور..فلما أقبلت إليه، قال لها بانفعال: أحتاج مقصاُ أو سكيناَ حاداً!

سألته المضيفة بارتباك:هل لا بأس بمقص صغير خاص بالخياطة؟

فأجاب ديفيد على الفور: بل إن ذلك مثالي تماماً! أحضريه بسرعة!



ركضت المضيفة إلى الداخل، لتحضر لهم محفظة جلدية صغيرة كان بها عدة خاصة بالخياطة. أخذ ديفيد المقص والدمية من هاري وبدأ بقص القماش المحيط بساق تلك الدمية بحذر، متتبعاً موضع الخياطة.

ولما انتهى من ذلك، أدخل يده متحسساً القطن من الداخل. ليُخرج بعد برهة ورقة كانت ملفوفة بشكل إسطواني...

فتح تلك الورقة، فلما نظر إليها اتسعت عيناه وهتف بدهشة: إنها رسالة بخط يد أمي!


شعرت ايمي برعشة سرت في كل خلية من جسدها ما إن سمعت هذا..

كون والدتها قد دست رسالة في الدمية التي أهدتها لها، يعني بالتأكيد أن تلك الرسالة موجهة إليها! فأخذ قلبها ينبض بجنون بينما تفكر، ماذا يمكن أن تكون والدتها قد قالت لها؟


هتفت لاشعورياً بانفعال، بعد أن تمسكت بفخذ ديفيد:اقرأها أرجوك!

أومأ ديفيد برأسه إيجاباً...فاقتربت منه ايمي أكثر لتجلس في حضنه، وتنظر إلى تلك الرسالة الطويلة التي لا تستطيع قراءتها.


أما هو، فقد كان يحيط ايمي بذراعيه، بينما يمسك بالرسالة امام وجهها. نظر إلى الرسالة مرة أخرى ليبدأ بقراءتها بصوت عالِ، وقد أخذ الجميع ينصتون إليه باهتمام:


(عزيزتي ايمي..
بما أنك تقرئين هذه الرسالة الآن، فهذا يعني أنك استطعت الخروج من البلاد أخيراً..أو على الأقل، هذا ما آمله حقاً!

فكرت كثيراً بشأن ما سأقوله لك. لا أعلم من أين أبدأ، ولا كيف أصيغ ما أرغب بقوله.
أعلم أنك تتساءلين الآن عن الكثير من الأمور. لماذا حدث كل هذا؟ لماذا كنا نعاملك بتلك القسوة؟

وإذا ما أردت جواباً لهذا، فكل ما أستطيع أن أقوله لك يا صغيرتي هو لأننا كنا ضعيفين حقاً!
لم نستطع حمايتك أنت وآرثر، وأنا واثقة من أننا قد خيبنا أمل ديفيد كثيراً.

أعلم جيداً كم كنت تتمنين أن نهتم بك، وأن نلتفت إليك دائماً...حاولتِ مراراً، لكننا كنا نصدك في كل مرة. كنت أرى الإحباط واليأس في عينيك، لكنك رغم هذا لم تفقدِ الأمل أبداً..

لا تدرين حقاً ما كنا نعانيه في كل مرة نبعدك فيها عنا...في كل مرة نراك فيها تبكين بسببنا. أعلم أنك قد لا تصدقين كلامي بعد كل الذي حدث، لكن صدقيني يا عزيزتي..لقد كان قلبي يتقطع إلى أشلاء مع كل يوم يمر، دون أن أكون قادرة على أن أضمك إلى حضني، دون أن أكون قادرة على الحديث معك، ومشاركتك كل تفاصيل حياتك..
أردت دائماً أن ألعب معك، أن أحتفل بعيد مولدك، أن أدللك وأعتني بك...
إنك ابنتي الوحيدة. قطعة من روحي، وجزء من قلبي..لا تعلمين كم أحبك، وكم أفتقدك، وكم أحتاج إليك حقاً مثلما كنت تحتاجين إلي دائماً.

إنني آسفة حقاً لانني خذلتك بضعفي، آسفة لأنني لم أستطع منحك الحياة التي تستحقينها. لكنني آمل حقاً انك وبابتعادك عن انجلترا، ستتمكنين من العيش بسعادة أخيراً بعيداً عن طغيان جدك وقسوته.
حتى لو لم نكن جزءاً من تلك الحياة، فأنا أتمنى حقاً أنك ستكونين قادرة على عيشها بكل تفاصيلها، رفقة أخيك الذي سيحميك وسيمنحك كل الحب والحنان الذي لم نكن قادرين على تقديمه لك.. حتى لو لم تكوني قادرة على مسامحتنا، فأنا أرجو منك حقاً ألا تكرهِ أخاك، فهو لا ذنب له فيما حدث ولم يعرف بوجودك من قبل أبداً...)


لم تستطع ايمي أن تتحمل أكثر...أخذت دموعها تنهمر على خدها بغزارة بينما تئن في صمت.

ضمها ديفيد إليه، ثم قبل رأسها وقال بحنان:لا بأس يا عزيزتي..لا تكبتِ نفسك أكثر. يمكنك البكاء بقدر ما تشائين.

عندها دفنت ايمي رأسها في صدره..لتنهار باكية بينما تشبثت بملابسه بقوة...


رددت بمرارة:لماذا؟ لماذا يحدث هذا لي؟ لماذا في الوقت الذي عرفت فيه أنهما يحبانني، لا أستطيع أن أكون معهما أبداً؟! أنا أريدهما..أريد أمي وأبي! أنا لم أكرههما يوماً، حتى رغم ما فعلاه لي، كنت أسامحهما على كل شيء. إنني أحبهما حقاً... لماذا لا يمكنني أن أعيش معهما؟! ما الذي فعلته ليحدث كل هذا لي؟!!!

وضع ديفيد يده على رأسها وأخذ يمسح عليه بعطف. ليقول بنبرة متألمة:أنت لم تفعلِ أي شيء! إنه ليس خطؤك أبداً!

نظرت إليه ايمي وسط دموعها وصاحت بمرارة:بل إنه خطئي! لو لم يمت آرثر بسببي لما حدث كل هذا! أعلم أن جدي لم يأمرهما بنبذي بسبب هذا، لكن كل شيء تغير منذ ذلك اليوم! لو أنني لم آخذه معي إلى الخارج، لو أنني عرفت أنه كان مريضاً...

ثم أسندت رأسها على صدره مرة أخرى وهمست بتعب:ما كان يجب أن يموت...ما كان يجب أن يحدث كل هذا!


لم يعرف ديفيد ما الذي يقوله لها...أفلت الورقة من يده بدون أن يشعر، بعد أن أحاطها بيديه محاولاً بيأس التخفيف عنها ولو قليلاً. لتستقر تلك الورقة إلى جانب قدم هاري.

رفع هاري الورقة وظل ينظر إليها للحظات..عندها تغيرت ملامح وجهه فجأة وقال بغرابة، بينما بدا مصدوماً تماماً: ديفيد، ايمي...عليكما أن تقرءا هذا بسرعة!

نظر كلاهما إلى هاري باستغراب...عندها قدم هاري الورقة إلى ديفيد وقال وهو يكز على أسنانه غيظاً:لقد توقفت عند أهم جزء في الرسالة...عليك أن تتابع القراءة للنهاية!


أمسك ديفيد الورقة بارتياب..وقد كان كل من ايمي وكارل ينظران إليه بوجل. أما هاري، فقد خفض رأسه وقد بدا غاضباً وحانقاً إلى أبعد الحدود.


تابع ديفيد القراءة بتردد، وقد أشعره كلام هاري بالقلق كثيراً.


(أعلم أنه لا يوجد شيء بوسعي أن أفعله من أجلك الآن...لكن الشيء الوحيد الذي أريد منك أن تعرفيه هو أنه لا ذنب لك فيما حدث أبداً.
عندما انهرتِ في تلك المرة، أدركت أنك كنت تحمّلين نفسك الذنب في موت آرثر. لكن دعيني أخبرك الحقيقة حتى تمحِ هذه الفكرة من ذهنك تماماً.
موت آرثر لم يكن بسببك أبداً. السبب الحقيقي الذي أدى لموته، ليس لأنه قد مرض بعد أن لعبتما معاً في الخارج كما تعتقدين!
في ذلك اليوم، كان آرثر قد تعرض لنزيف داخلي بسبب الضرب، لكن أحداً لم يلاحظ هذا..وفي الوقت الذي أخذناكما فيه إلى المستشفى، كان الأوان قد فات بالفعل! )


في تلك اللحظة، توقف ديفيد عن القراءة وقد كان مصدوماً تماماً. أخذت يداه ترتجفان حتى كادت تلك الورقة أن تسقط من بين يديه. ردد بخفوت، بصوت أخرجه بالكاد:لا أصدق! ذلك مستحيل!

ايمي لم تكن أفضل حالا..كانت دموعها قد جفت تماماً ما إن سمعت هذا وقد شحب وجهها، وذبلت ملامحها...


ضرب كارل بقبضته مسند مقعده بعصبية، وقال بينما يحاول كبت نفسه بصعوبة: تباً! ذلك أفظع شيء أسمعه على الإطلاق!

ثم نظر إلى ديفيد وايمي بقلق..خاطب ديفيد بتردد:ديفيد...

لكنه لم يرد، فقد بدا شارد الذهن تماماً، في حين ظل ينظر إلى الفراغ بصدمة.

عندها رفع كارل صوته منادياً بحدة:ديفيد!

فاستفاق ديفيد من شروده وبحلق فيه ببلاهة للحظات... عندها قال كارل بجدية:ديفيد..أنت تعرف ما الذي يعنيه هذا صحيح؟


قبل أن يستوعب ديفيد الأمر، شعر بايمي التي أخذت ترتجف فجأة بذعر...
ظلت تردد بخوف:لقد قتله...لقد قتل آرثر!

ثم نظرت إلى ديفيد وقالت بانهيار: آرثر قد مات مقتولا!!

ضمها ديفيد إليه بقوة وقال وهو يضغط على أسنانه بقهر: أجل..أعلم هذا..

ثم أردف بحقد:لقد كان ذلك الحقير هو من فعل هذا!



تلك الحقيقة، كانت أكبر بكثير من أن تتحملها ايمي...أن تعلم أن شقيقها، وتوأمها، كان قد مات بتلك الوحشية، جعلها تنهار تماماً..

بكت بحرقة وهي تتذكر كل لحظة قضياها معاً...صحيح أنها استطاعت إبعاد شعور الذنب الذي ما فتئ يمزق روحها لوقت طويل، لكنها رغم هذا لم تستطع احتمال هذا أبداً.

تراه كم كان يتعذب دون أن تدري؟ كم كان يتألم دون أن تشعر؟ هل كان الوضع سيتغير لو أنها أدركت ما كان يعانيه وقتها؟ ولكن أنى لها أن تلاحظ وهي ابنة الأربع أعوام، أمراً كهذا؟

بكت وبكت حتى خارت قواها تماماً، لتسقط نائمة بتعب بين يدي ديفيد.


نظر إليها بألم للحظات، ثم أسند رأسه على ظهر المقعد وقال بغصة:منذ صغري كنت أكرهه بشدة...لطالما علمت أنه حقير ومختل، لكنني لم أتصور أبداً أن يصل به الأمر إلى تعذيب طفل لم يتجاوز الخامسة حتى الموت!

تنهد كارل بضيق وقال بألم:إنني عاجز حتى على التفكير بالأمر! أياً كان السبب، إن هذا لا يغتفر أبداً!


نظر ديفيد إليه بعينين تشتعلان حقداً...ليقول بكره شديد:لن أسامحه على هذا أبداً! سوف يندم على فعلته بالتأكيد!


كان هاري يستمع إليهما دون أن يقول شيئاً...نظر إلى ايمي النائمة، بينما دموعها المتألمة ما تزال تبلل خدها.

قبض على يده وقال في نفسه بغضب، بينما يتذكر الجروح التي تركها في جسد ايمي لما رآها أول مرة:هل كان ذلك الحقير يخطط لفعل الشيء نفسه لايمي؟!

ثم خفض رأسه وأردف في نفسه بإصرار:لن أسمح له بلمسها مجدداً! ذلك الوغد، يوماً ما سأجعله يندم بالتأكيد!



#لندن_الساعة 7:00 مساءا
2005\9\22


سحب المفرش الموضوع على الطاولة بعنف، فسقطت تلك الأواني الكثيرة على الأرض مصدرة بذلك صوتضجيج عالِ إثر تحطمها، لتختلط مع صوت صراخه الغاضب:ما الذي تقصده بأنها هربت منكم؟!!

خفض هارول رأسه وقال معتذراً:إنني آسف حقاً سيدي الدوق. يبدو أنهم تلقوا مساعدة من شخص ما، لذلك استطاعوا الفرار!

صرخ بغضب أكبر: وتركتهم يذهبون دون أن تلحق بهم؟ لماذا لم تعمّم عنهم في المطارات؟ هناك آلاف الطرق التي يمكنك أن تجلبهم بها!


رد هارول بقلة حيلة:لقد كان الدعم الذي تلقوه قوياً جداً... حاولنا منعهم من الرحيل، لكنهم غادروا على متن طائرة خاصة مجهولة لم نستطع أن نعرف لمن تكون. إنهم غالباً أشخاص يتبعون لوريث تشادولي الشاب.

قال الدوق بعصبية: إذا فأنت تقول أن ذلك الفتى الصغير، قد استطاع التغلب عليكم جميعاً؟

رد هارول بخفوت:لكنه رئيس عائلة تشادولي...أنت تعرف مدى قوتهم يا سيدي!

فقال الدوق بحدة: إنه محض طفل صغير لا يفقه شيئاً! لا يمكن أن يقدر طفل مثله على هزيمتكم!

ثم سكت قليلا وقال بينما يحاول تهدئة نفسه بصعوبة: تواصل مع سكرتيره وأخبره بأن يسلم لي تلك الطفلة حالاً!

تردد هارول كثيراً قبل أن يقول بحذر:لكن سيدي، ماذا لو لم يوافق على هذا؟

رد الدوق بحدة: إذا ما كان ذكياً بما فيه الكفاية فلن يرفض هذا! لقد مات جميع أفراد أسرة تشادولي في ذلك الحادث قبل عشر سنوات، وبقي هذان الطفلان فقط...كونه استطاع إبقاء قوة أسرته حتى الآن هي معجزة فحسب...
لكن تلك القوة ستنهار قريباً، لن يمكنه الصمود في هذا العالم أبداً. عليه أن يدرك أنه في وضعه هذا، لا يجب أن يكسب أي عداوات هو في غنى عنها خصوصاً مع عائلة هوريستون. هناك الكثير من الأعمال المشتركة بيننا. وتهديد تلك الشراكة، هو أغبى ما قد يفعله على الإطلاق!



في تلك اللحظة أقبل إليهم رجل كان في نهاية الثلاثينات من العمر..بدا ذكياً بملامح حادة مخيفة في عينيه البنيتين، تحت تلك النظارات الطبية.
كان طويل القامة،بشعر بني قصير، وقد ارتدى ملابس رسمية زادته وقاراً وهيبة.

اقترب منهم، تعلو عينيه تلك النظرة الباردة والجامدة، كجمود صوته لما قال: ما الأمر؟ هل حدث شيء ما سيدي الدوق؟

ما إن رأى الدوق ذلك الرجل، حتى بدت الراحة على وجهه وقال هاتفاً: لقد انتظرتك طويلا جيرالد! لماذا تأخرت هكذا؟!

أجاب جيرالد معتذراً: اعذرني سيدي الدوق، لقد أخذت المفاوضات مع شركة (رومينفيلد) وقتاً أطول مما توقعت.

سأله باهتمام:إذا..كيف انتهى الأمر؟

أجاب جيرالد بهدوء:لقد وافقوا على توقيع العقد معنا بحسب الشروط التي وضعناها.

ابتسم الدوق بخبث وقال:جيد! أولئك الحمقى، كان يجب أن يفعلوا هذا منذ وقت طويل، دون أن نضطر للجوء إلى تلك الطريقة للضغط عليهم!


وضع جيرالد سبابته على نظارته الطبية بين عينيه، ليحركها إلى الأعلى قليلا ثم يعيدها إلى مكانها، وقداعتلت وجهه نفس تلك النظرة الباردة.


نظر إليه الدوق وسأله ببرود:هل يمكنك التعامل مع ذلك الطفل تشادولي؟ لقد أخذ معه تلك الطفلة!


نظر إليه جيرالد للحظات ثم قال بجدية:سيدي الدوق، أخشى أن أنصحك ألا تخوض في صراع معه...تهديده لن يفيدنا أبداً!

استغرب الدوق من كلامه وسأله بانزعاج:ما الذي تقصده؟ إنه محض طفل فحسب!


أجاب جيرالد بحذر: قد يبدو لك مجرد طفل لا يفقه شيئاً، لكنه في الحقيقة ليس شخصاً عادياً أبداً..ليس هو فقط، في الواقع كلا الأخوين تشادولي.
منذ استلام ذلك الشاب رئاسة العائلة، بدأت أسهم الشركات التابعة لهم ترتفع بشكل غير عادي أبداً...إنهم يمتلكون مجموعة (WST) التجارية التي تعد أقوى وأكبر الشركات في أوروبا. وكذلك سلسلة فنادق ومطاعم (بونفيليو كوريوس) المشهورة عالمياً...هذا غير الأسهم التي يمتلكونها في العديد من الشركات المعروفة، والممتلكات التي لا نعرفها بعد!
لقد سمعت إشاعة في الماضي عن الطفلين العبقريين من أسرة تشادولي، لكن الأمر لم يكن مؤكداً وقتها...والآن بعد أن استلم ذلك الشاب الرئاسة، أصبحت الأمور أكثر وضوحاً. إنه شخص خطير، ولا يجب أن نعاديه دون أن نعرف حقيقته!


بدا الاستياء على ملامح الدوق لما سمع هذا...لكنه قال بغضب مكبوت:اللعنة على ذلك الوغد أندريه تشادولي! لقد قال لي في الماضي، أن مستقبل أسرة تشادولي يخبئ مفاجأة ستصدم كل خصومه! لقد تجاهلت كلامه وقتها فقد كان ثملاً...لكن يبدو أن هذا ما كان يقصده!
تباً له! لقد أرسلت ذلك الأحمق ديفيد إليه، حتى أتأكد من أنه سيبقى مطيعاً لي قبل أن تنهار أسرته وأتخلص منهم إلى الأبد، لكن يبدو أنني كنت مخطئاً!


ثم نظر إلى جيرالد وأمره بحدة:أجر تحقيقاً حول الأخوين في الحال!


ضغط على أسنانه وقال بحقد:لابد أنه سيكون ثعلباً مثل جده! لا يمكنني أن أنسى عندما استغل ذلك الوغد الحادث الذي وقع قبل خمسة عشر عاماً ليسرق مني شركتي في مانشستر، ويمنحها هدية لابنه!

خفض جيرالد رأسه بإذعان وقال بهدوء: أمرك سيدي!



#الحدود الجوية لفرنسا الساعة 9:00 بتوقيت فرنسا
2005\9\22



وضع ديفيد ايمي النائمة على مقعدها برفق، ثم عاد ليجلس إلى مقعده بجانب كارل الذي كان منشغلا بالعمل على هاتفه...

نظر كارل إلى هاري الذي كان نائماً هو الآخر، ليعلق باستياء: ذلك الوغد..لا أصدق أنه كذب في وجهي هكذا. صحيح أنه وقح وسليط اللسان ومتذمر ومزعج، لكنه لا يكذب علي أبداً!

ابتسم ديفيد لكلامه وقال:أنت تعرف أنه قد كذب لأنه لم يرد جعلك تقلق! ثم أردف بانزعاج: أنت تصبح مجنوناً ومزعجاً عندما يكون الأمر متعلقاً بسلامة هاري، لذلك لا استغرب أنه لم يخبرك!


زم كارل شفتيه باستياء دون أن يقول شيئاً فقد كان ديفيد محقاً في كلامه!
لكنه قال بتهكم:كان يجب أن أحضر معي حراسنا الشخصيين!

علق ديفيد بسخرية، محاولاً إغاظته: من الذي قال أنه يريد السفر وحده براحة، دون أن يكون محاطاً بالحراس؟!

رد كارل بانزعاج:إنها المرة الأولى التي أفضل فيها أن يكونوا معي حقاً!

نظر ديفيد إلى ايمي وقال وهو يكتم ضحكته من كلامه:لكن ما لم أتصوره أبداً أن تشاركه ايمي في كذبته تلك!


ابتسم كارل بسخرية وقال: بل إنها في الواقع أفضل منه بكثير! لقد استطاعت تأليف قصة كاملة في ثوان قليلة، حتى هاري بدا مصدوماً تماماً من كلامها!

ضحك ديفيد لكلامه وقال:معك حق!


ساد الصمت بينهما لدقيقة، عندها أمسك كارل قارورة المياه التي بجانبه وقال وهو على وشك أن يشربها:إذا...ما الذي حدث بينك وبين لورنا؟

قال هذا ليبدأ الشرب، بينما ينظر إلى ديفيد بطرف عينيه منتظراً إجابته باهتمام. عندها قال ديفيد ببرود، بينما ينظر إلى الخارج عبر نافذة الطائرة:لقد فسخت خطوبتنا!


ما إن قال هذا، حتى بصق كارل كل الماء الذي كان في فمه على الأرض وهتف بصدمة: مااااذاا؟!!!

نظر إليه ديفيد بانزعاج وقال بتهكم:لماذا أنت مصدوم هكذا؟

ثم أردف وهو يرخي جسده على المقعد، متظاهراً اللامبالاة: هذا هو ما قد حدث!


مسح كارل الماء من فمه بكم قميصه ثم سأله مكذباً:هل حقاً فعلت لورنا هذا؟ أعني لماذا؟ لقد كانت مجنونة بك! لا أصدق أنها فعلت شيئاً كهذا بإرادتها!

أجاب ديفيد بضيق:لقد قالت أنها الطريقة الوحيدة التي يمكنني أن أتحرر بها من جدي...

ثم سكت قليلا وقال بضياع:لقد كنت دائماً معترضاً على ذلك القرار...يفترض أن أكون سعيداً جداً أن الأمر انتهى بهذه الطريقة لكن....لا أدري لماذا أشعر بالضيق هكذا!

عندها قبض كارل يده محاولا كبت أعصابه، وقال في نفسه بانزعاج:ذلك لأنك تحبها أيها الأحمق!


ثم أسند مرفقه على مسند المقعد، وقال في نفسه بينما يضغط على جبينه بتعب:سيجن روي عندما يسمع بما حدث! لقد أوصاني قبل أن يرحل بأن أجعل هذا الأبله يدرك حقيقة مشاعره...سيقتلني بالتأكيد إذا ما علم بالأمر!

عندها قال ديفيد مغيراً الموضوع، بعد أن شعر بالضيق حقاً: على كل حال...لقد حدثت الكثير من الأشياء ولم نجد الوقت الكافي للحديث! ما الذي حدث بشأن العمل الذي أتيت من أجله إلى إنجلترا؟

سأله كارل بهمهمة:هاه؟ أي عمل؟

نظر إليه ديفيد بطرف عينيه وقال بانزعاج: أعني شركة والدك في مانشستر! هل استعدتها؟!


كان كارل ما يزال يضع يده على جبينه مغطياً بذلك عينيه أيضاً، ومسنداً مرفقه على مسند المقعد..
لكن شيئاً فشيئاً، استطاع ديفيد أن يرى تلك الابتسامة الخبيثة التي ارتسمت على شفتيه. ليرد عليه بهدوء مخيف: بالطبع استعدتها! تلك الشركة مهمة جداً بالنسبة لوالدي، فقد كانت أول شركة يديرها بمفرده..من الطبيعي أن استعديها من أولئك الأنذال الذين استغلوا موته ليأخذوها!


شعر ديفيد بالرهبة للحظة...تلك الهالة المخيفة التي أحاطت به فجأة، أشعرته بالوجل نوعاً ما مثل كل مرة...

تنهد بتعب وقال بتهكم:أنت تصبح مخيفاً حقاً عندما يتعلق الأمر بالعمل أتعلم؟ لا عجب أن روي كان يلقبك بالشيطان!


ثم نظر إليه بطرف عينيه وقال بقلق: لكن، أليس من السيء أن تتصرف هكذا؟ أعني أنك تلفت أنظار أعداءك نحوك بهذا الارتفاع المفاجئ في شركاتك! الجميع كانوا ينتظرون سقوط أسرة تشادولي بفارغ الصبر، ما إن قتل جميع أفرادها... لكن بدلا من أن تسقط، إنها تتجه لأن تصبح أقوى من الماضي بكثير!

رد كارل ببرود:إنه خطؤهم لأنهم استخفوا بي!


ثم أبعد يده عن وجهه وعدل جلسته على المقعد، ليقول بينما ينظر إلى هاري بقلق: من الأفضل أن ألفت نظرهم نحوي بدلاً من أن يلاحظوا قدرات هاري..أنت تعلم أن عقله مخيف أكثر مني بكثير...إنه يكره كل ما هو متعلق بهذا العالم القذر. لا أريده أن يتورط في هذا أبداً!

تنهد ديفيد بضيق وقال بجدية:كارل..إن الأمر كما قال لك روي من قبل، مهما حاولت حمايته، فأنت لن تستطيع إخفاءه للأبد!

خفض كارل رأسه بضيق، بينما عض على شفاهه السفلى محاولاً تمالك أعصابه بصعوبة..


عندها نظر ديفيد إلى هاري، وقال بعد أن أفرج عن شبح ابتسامة:لا يجب أن تقلق عليه، إنه لم يعد صغيراً. أنا واثق من أنه سيكون قادراً على حماية نفسه!

أومأ كارل بصمت دون أن يعلق على كلامه..


يدرك تماماً أنه لن يستطيع إبقاءه تحت ظله إلى الأبد...لكن فكرة تعرضه للخطر، كانت أكثر ما يخشاه على الإطلاق.

لقد فقد عائلته بالكامل، لكنه بالتأكيد لن يفقد أيضاً شقيقه الوحيد مهما حدث!!



#باريس_مطار شارل ديغول_ الساعة 9:35 مساءاً
2005\9\22



كانت تسير بهدوء، بينما تجر خلفها حقيبة السفر الوردية الكبيرة.

توقفت مكانها فجأة في منتصف المطار..حيث كان أفواج من البشر يسيرون حولها جيئة وذهاباً.
نزعت نظارتها الشمسية، لتظهر عيونها الزرقاء الواسعة كزرقة المحيط.

فدست النظارة في حقيبة يدها البيضاء الصغيرة، ثم وضعت يدها على جبهتها لتتخلل أصابعها خصلات غرتها الذهبية الناعمة.


حركت يدها إلى أعلى رأسها ببطء، حتى ظهرت جبهتها الصغيرة بعد أن أبعدت كامل غرتها عن جبينها، واضعة يدها على مقدمة رأسها.
أغلقت عينيها، ثم سحبت نفساً عميقاً من أنفها مستنشقة بذلك الروائح الكثيرة المنبعثة من حولها.

فتحت عينيها ببطء لتقول بهدوء: إنه هواء باريس حقاً!


ثم ابتسمت بحماس وقالت بمكر:حسناً لنرى الآن. هل ستستمر في تمثيل دور الحمل الوديع، أم أنك ستسقط في النهاية... كارلوس تشادولي!


يتبع..

******

_رأيكم في البارت؟

_توقعاتكم للأحداث القادمة؟

_ ما الذي سيحدث لايمي بعد أن عرفت الحقيقة وراء موت شقيقها آرثر؟

_كيف ستكون حياتها في فرنسا من الآن فصاعداً؟

_وكيف ستكون علاقتها بشقيقها، وبالأخوان تشادولي اللذان تجهل عنهما الكثير؟

أحداث كثيرة، وأسرار عدة ستكشفها لكم الفصول القادمة فانتظروني..
لا تزال القصة في بدايتها..ولا تزال الفصول القادمة تحمل العديد من الأحداث، والحقائق الصادمة..
فأرجو أن تنال القصة إعجابكم😊


بصراحة التفاعل مو عاجبني مرة😢💔 يا ليت تتفاعلو مع القصة أكثر والله كذا تحمسوني للكتابة ونشر الفصول بسرعة لو أن القصة أعجبتكم..الحقيقة حسيت باحباط مو طبيعي💔😭

المهم..اتمنى يكون الفصل عجبكم..دمتم في أمان الله وحفظه❤

2018/06/29 · 903 مشاهدة · 4964 كلمة
NajwaSD
نادي الروايات - 2024