الفصل الأول:

...

- "كم من الوقت وأنا أنتظر...؟"

لقد كان يوما بارداً يتساقط فيه الثلج، كنت بجانب عمود حديدي ضخم تعلوه ساعة رمادية كبيرة الحجم تشير إلى الخامسة مساءً..

- "... إنها تثلج..."

تمشيت قليلا نحو الأمام ونظرت متأملاً السماء المليئة بالثلج المتساقط، فقررت بأنه على أن أذهب إلى المنزل بعد أن ارتديت قبعتي الدافئة، نظرت إلى يميني وقلت في نفسي: (منزلي في هذا الاتجاه.)

بدأت أتمشى بروية وأنا ذاهب إلى المنزل، تجاوزت الساعة الرمادية الضخمة بمسافة لا تتجاوز المترين فإذا بي أجد نفسي وبطريقة ما قد عدت إلى الخلف، لم أفهم شيئاً!!

فتمشيت بسرعة قليلا إلى الأمام نحو الساعة الرمادية الضخمة مرة أخرى، فأفاجئ بوجودي قد عدت إلى الخلف مجدداً!!

- "ماذا؟.. إنه نفس المكان الذي كنت فيه قبل قليل."

حاولت إقناع نفسي بأنني ضعت فقط في شارع آخر يتشابه مع الشارع السابق، فتقدمت إلى الأمام وأنا أمر مجدداً بجانب الساعة الرمادية الضخمة ولقد كانت لا تزال تشير إلى الساعة الخامسة مساءً..

خطوت خطوات معدودة بعد مروري بجانب تلك الساعة الضخمة.. فأجد نفسي قد عدت إلى الخلف مرة أخرى!

- "هذا غريب.. أنا أتمشى مباشرة نحو نفس الطريق، ولكني أظل أدور في حلقة وأعود إلى نفس المكان!!؟"

قررت بعد عدم فهمي لأي شيء من الذي كان يحدث معي أن أدخن سيجارة أو إثنين لكي أهدأ أعصابي قليلاً....

فذهبت إلى مكان بين الساعة الرمادية الضخمة وصندوق نفايات أسود صغير وجلست بعد إشعالي للسجارتي وبدأت أفكر.

- "دعنا نفكر في حالتي الحالية.. لقد كنت أنتظر شخصاً ما هنا، ولكن ذلك الشخص لم يظهر..."

أخذت سيجارتي من فمي وتوقفت عن الرمش للحظة ومن تم قلت مع نفسي:

- "مهلا لحظة... من هذا الشخص الذي كنت أنتظره؟؟" حاولت تذكر الشخص الذي كنت أنتظره ولكنني فشلت في تحقيق ذلك.

-" لا.... أستطيع التذكر.... "

-" ولكن مهلا لحظة، من.... أنا؟ "

-" اللعنة... أنا حقاً لا أستطيع تذكر أي شيء... "

أكملت سيجارتي ووقفت مكاني، فعدلت طريقي وذهبت عكس الطريق السابق حيث يوجد موسيقارٌ غريب يجلس على الأرض وهو لا يهتم للثلج الذي يتساقط عليه بل ولا زال يعزف على الجيتار...

ذهبت مباشرة نحو الطريق المعاكس ولكني لم أتفاجئ هذه المرة، لأنه قد حدث نفس الشيء السابق:

-" أنني أدور في حلقة في هذا الإتجاه أيضاً... "

كنت محبطاً للغاية لأنني لا أستطيع إيجاد طريق عودتي إلى المنزل، فسمعت صوتاً قريباً أحد ما ينادي عليّ.

-" هاي أنت.. "

نظرت خلفي لأرى من صاحب الصوت وأنا مستغرب، فأجده ذلك الموسيقار الغريب يحدثني.

-" ما الذي تفعله في الأرجاء هنا؟ "

لقد كان رجلا غريباً ذو شعر أحمر داكن اللون يلبس نظارات شمسية سوداء تحت هذا الطقس البارد المثلج، ممسكاً بآلة الجيتار الخاصة به وهو يعزف بها فسألته سؤالاً.

-" من أنت؟ "

فأجابني متسائلاً هو الآخر:

-"من أنا؟ كيف أبدو لك؟"

كان في رأسي إجابات عديدة عن سؤاله فقلت له:

-" موسيقار غير مشهور؟ "

-" حسنا، كان بإمكانك عدم سؤالي عن شهرتي حالياً.. "

-" هل أنت مشهور إذن؟ "

سكت الموسيقار الغريب قليلا ومن ثم أجابني قائلا:

-" لا، هذا النوع من الأشياء لا يهمني "

أطلت النظر إلى نظاراته السوداء والثلج يتساقط فوقها، فتحرك الموسيقار الغريب قليلا من مكانه مما جعل ذلك الثلج الموجود فوق النظارات يتساقط، فشتت ذلك إنتباهي وأخدت أنظر إليه. فقال لي:

-" عليك أن تأخد قسطا من الراحة فأنت تبدو مرهقاً... لم لا تستمتع بعزفي للجيتار؟ "

كان الصمت يعم وسط محادثتنا مما جعلني أجيبه بجواب لا جدال فيه..

-" لا أملك الوقت للإستماع لموسيقاك الآن... "

إستغرب الموسيقار الغريب من جوابي له، ومن ثم قال لي:

-" يبدو وكأنك على وشك البكاء.. ما المشكلة؟ يمكنني أن أستمع إلى مشكلتك إن أردت "

لم أعرف بما أجيبه، لأنه من الغريب حقاً هذا الذي يحصل معي الآن فهو لن يصدقني على أية حال..

-" لا أستطيع الذهاب إلى المنزل.... "

-" حقاً... أجل، يمكن للحياة أن تكون معقدة قليلاً "

-" لا.... ليس هذا ما قصدته... "

إستغرب الموسيقار الغريب ولكنه لم يقل شيئاً، فأكملت كلامي قائلا:

-" لا أستطيع الخروج من هنا فيزيائياً. "

أطلق الموسيقار الغريب تنهيدة قصيرة وأجابني:

-" لا أملك أي فكرة عما تتحدث عنه يا صديقي. "

إنفعلت من كلامه مما جعلني أعتقد بأنني مجنون حقاً، ولكنني قلت له بسرعة:

-" حسناً، إتبعني... سأريك عن ماذا أتحدث.. "

أخدت أتمشى إلى يميني ونهض الموسيقار الغريب من مكانه وتبعني إلى حيث ذهبت.

-" ما الذي تحاول فعله؟ "

-" فقط شاهدني.. "

بقي الموسيقار الغريب في الخلف وأنا تقدمت نحو الأمام أتمشى وهو يشاهدني حتى إختفى أثري مما جعله يتفاجئ قائلاً مع نفسه:

-" لقد إختفى!!!؟ "

فسمع الموسيقار الغريب صوتاً خلفه يقول:

-" هل رأيت ذلك؟ "

فاستدار إلى مصدر الصوت ووجدني أتحدث إليه قائلا له:

-" مهما أحاول بصعوبة، لا أستطيع الخروج.. كما لو أن الفضاء الموجود حولي ملتوي مثل الحلقة بلا نهاية، أدور هنا مرارا وتكراراً.. "

يتبع..

2021/08/21 · 91 مشاهدة · 768 كلمة
نادي الروايات - 2025