أعتقد... بأنني حصلت على بعض المعلومات.. فذهبت أمام الموسيقار الغريب وكان ينظر إليّ فقال لي بأن أجلس لنتحدث.
- "كيف كان الأمر؟"
- "كنت أعتقد بأنه سوف يطلق عليّ النار!"
- "آوه... حسنا، أنا سعيد لأنك لا تزال على قيد الحياة"
استغربت من كلامه ولكنه قال لي بأن لا أهتم لذلك وبأنه آسف..
- "إذن، هل عرفت شيئا ما؟"
- "كان يبدو عليه أنه يبحث عن شخص ما"
- "يبحث عن.... هدفه؟"
- "ربما، وأيضاً مؤخراً رجل ما قد قتل من طرفه، على ما سمعت"
فرد عليّ الموسيقار الغريب ببرود:
- "أوه، أنا خائف.. أنت لا تعرف من هي الضحية؟"
فأجبته: "لا، ولكنك قلت... بأن القتلة المحترفين لا يستهدفون العامة.. ربما، المافيا والعصابات أو..."
لم أكد حتى أكمل كلامي، شعرت بصداع في رأسي ولقد كانت نفس الذكرى التي رأيتها من قبل عن الرجل المجهول الذي قد يكون من المحتمل أنه تاجر مخدرات.. فسألني الموسيقار الغريب:
- "هل أنت بخير؟"
- "نعم أنا بخير"
هذا غير ممكن... يجب علي عدم التفكير كثيراً في الأمر. تنهد الموسيقار الغريب ومن ثم قال:
- "بعد كل شيء، لا يوجد ولا شيء واضح حتى الآن.."
- "ماذا يجب علي فعله الآن.. في بادئ الأمر، هذا غريب... لو كان الأمر مجرد فقدان ذاكرة لتفهمت ذلك.. ولكن ليس لدرجة عدم خروجي من هنا فيزيائياً!!؟ ما هذا بحق الحجيم؟"
- "لا أملك شيئاً لأقوله لك يا صديقي.. هذا شيء غير عادي، لا يمكن أن يكون الأمر حقيقياً.. حسنا، هذا هو سبب يأسك صحيح؟"
- "أجل... الأشياء الغير عادية التي لي تحدث حالياً"
- "ابذل قصارى جهدك. هذه مشكلتك لتحلها"
قمت من مكاني والعزم يتملكني، وأنهيت كلامي معه: "شكرا لك"
لماذا لا يمكنني الخروج من هذا الشارع... من أنا.. هذه مشكلتي (أنا).... علي إيجاد الجواب بنفسي، مهما كانت الحقيقة مؤلمة.. عزمت على إيجاد أجوبة لأسئلتي اللامتناهية.. فأنا لست أعلم حتى لم أتواجد هنا من البداية، ولكنني أعتقد بأنني هنا لأنني كنت أنتظرها.. ولكن لماذا لم تأتي لرؤيتي؟ هل لأنها ذهبت إلى المستشفى؟ فلابد من أنها ذهبت مع ذلك الشخص الذي أصيب إلى المستشفى.. ذلك الشخص الذي كان على الأرض.... أنا بالتأكيد أعرف من يكون..
هذا ليس جيدا، لا أستطيع التذكر.. ولا أملك الوقت الكافي لكي أصاب بالإحباط، وسوف أبذل قصارى جهدي.. سيكون من الحكمة أن أتحقق من كل شيء مرة أخرى، فربما سيساعدني هذا على تذكر المزيد.
تفقدت كل شيء موجود في الشارع بداية من التحدث إلى الناس مرة أخرى لأجد إن كان شخص ما يعرفني ونهاية بالتحدث إلى الرجل ذو القبعة عن الأمر مرة أخرى مهملاً تحذيره لي في المرة السابقة.. ولكن لا جدوى لم أتذكر شيئاً. حوّلت نظري إلى سيارة الليموزين السوداء ولقد كانت تلك السيارة هي الشيء الوحيد المتبقي لي والذي لم أتفقد أمره للمرة الثانية بعد..
فقمت بلمس السيارة مرة أخرى وأنا آمل أن يحدث شيء ما مثل المرة السابقة عندما سمعت طلقة النار التي لم يسمعها أحد غيري، وكما كنت متوقعاً شعرت بصداع في رأسي مرة أخرى ولقد كانت ذكرى جديدة هذه المرة..
لقد تذكرت الآن، كنت قد رأيت هذا الرجل المغتال ذو القبعة يرميهم بالرصاص.... لا عجب أنه كان مألوفا لدي. إذا كانت هذه هي القضية.. عندما قُتل ذلك الشخص، فقد كنت أنا أيضاً في نفس المكان وفي نفس الوقت.. وأظن بأن تلك الفتاة كانت هناك أيضاً.
لكن لماذا لم ألتقي بها؟.... ربما... لم أتردد هذه المرة فتوجهت قاصدا الرجل ذو القبعة مباشرة وخاطبته قائلا:
- "هاي أنت..."
استدار الرجل ذو القبعة إليّ ومن ثم قال لي:
- "هاي يا صاح، لقد أخبرتك من قبل.. لا تسأل مرة أخرى تلك الأسئلة.."
وفور ما أكمل جملته أجبته بسرعة وأنا عابس قليلا:
- "لابد من أنك تتذكر وجهي"
- "لا أعرفك يا صاح"
- "أرجوك، حاول التذكر.. لا بد من أنك رأيتني من قبل... في هذا المكان"
عم الصمت مؤقتاً بيننا ولكن فجأة تحولت ملامح الرجل ذو القبعة إلى ملامح جدية.
- "لا هذا غير ممكن.. أنت يجب أن تكون...."
توقف الرجل ذو القبعة لوهلة قصيرة ومن ثم قال مسرعاً وبعصبية كبيرة.
- "أنا.... أنا يجب أن أذهب الآن!"
قام بركوب سيارته الليموزين السوداء بسرعة وانطلق تاركاً ورائه سحابة صغيرة من الثلج المتساقط. لم أستغرب مما فعله ولكن ردة فعله تلك وكل شيء تذكرته إلى حد الآن.. لا بد من أنني يجب أن أكون...!
توجهت إلى الموسيقار الغريب كالعادة وطلبت منه أن نتحدث قليلا..
فقلت له: "أنا أتساءل.. منذ متى وأنت تتواجد هنا؟"
- "منذ متى...؟ أنا هنا منذ هذا الصباح"
ظللت صامتاً قليلا ومن ثم تكلمت قائلا:
- "إذن... فأنت تعرف الجريمة التي وقعت هنا اليوم"
كان الموسيقار الغريب صامتاً وقد توقفت يداه عن العزف.. لأكمل كلامي.
- "وأخيراً علمت لماذا لا أستطيع الخروج من هذا المكان.. وأيضاً ذلك الشخص الذي قتله الرجل المغتال ذو القبعة..."
- "من الذي قُتل من طرف القاتل المغتال؟"
- "...... لقد كان أنا.. تلك الذكرى عنها وهي تساعد الضحية، كنت أعتقد بأنها ذكرياتها.. ولكن لم يكن الأمر هكذا. فتلك كانت ذاكرتي.. ذاكراتي الخاصة. أستطيع التذكر الآن، لقد قُتِلتْ.. والسبب الذي يمنعني من الخروج من هذا الشارع هو.... لأنني أنا أصلا ميت..."
توقفت عن الكلام لوهلة من الزمن ولقد كان دور الموسيقار الغريب في التحدث قائلاً:
- "مهلا لحظة.. كيف لك أن تُقتَلْ؟ فالقتلة المحترفين لا يستهدفون العامة... لقد أخبرتك بهذا صحيح؟"
- "لقد كنتُ تاجرَ مخدرات، كل شيء يبدو منطقياً الآن.. لماذا تاجر مخدرات آخر يعرفني.... لماذا الرجل المغتال قد قتلني..."
ضحكت قليلاً على نفسي ومن ثم أكملت:
- "من الجيد معرفة الأمر.. إن كنت وغداً كالذي رأيته في ذكرياتي، فالعالم الآن أفضل بدوني"
نظرت إلى الأعلى وأنا أراقب السماء البيضاء التي يتساقط منها الثلج وأنا أشعر براحة لا أتذكر أنني شعرت بمثلها من قبل.
- "إذن.. هذا هو جوابك؟"
تقدمت أمام الموسيقار الغريب وأنا جاد في تصرفاتي ومقتنع جداً بجوابي.
- "أجل.. هذا هو جوابي!"
عم صمت قصير والشارع لم يعد مليئاً بالناس والضوضاء بل أصبح خالياً حرفياً، فرأيت الموسيقار الغريب يضع آلة الجيتار الخاصة به جانباً وقد قام من مكانه مقترباً مني حتى أصبح بيني وبينه ربع متر تقريباً ومن ثم قال:
- "حسناً من الآن، ستبدأ مهمتي"
أزال الموسيقار الغريب نظارته ولقد كان شكله غريباً حقاً، كانت عيناه حمراوان كلون الدم الطري وحاجباه كثيفان حمراوان.. كما أن الصدمة الكبرى أن أشيائاً رمادية بدأت تخرج من ظهره وهي مليئة بالريش..
لقد كانا جناحين رماديين طويلان جداً.. وأيضاً كانت هناك حلقة ذهبية قد بدأت بالظهور شيئاً فشيئاً فوق رأسه الأحمر ومن ثم قال لي:
- "هيا بنا. سوف آخذك معي"
ومن ثم بدأت أختفي شيئاً فشيئاً حتى لم يعد لي وجود...
يتبع..