أستطيع التذكر جيداً عندما قُتلت.. ولكن ليس لدي أي ذكريات حول بيع المخدرات... إنه غريب بعض الشيء أن رجلاً متردداً مثلي كان قادراً على ارتكاب الجرائم، سابقاً وقبل أن تُكشف حقيقة الموسيقار الغريب كنت جالساً لوحدي وأزلت قبعتي الدافئة وبدأت أتأمل فيها وشعرت بشيء غريب يخص تلك القبعة..

ليست فقط القبعة فقط بل الوشاح أيضاً، في تلك اللحظة كانت ذاكرتي مشوشة لأنني بدأت باسترجاع بعض الذكريات القديمة إلى عقلي ولكني لم أستطع استيعابها حينها. بعد أن ذهبت مع الموسيقار الغريب الذي في الحقيقة كان ملاك موت.. تذكرت كل شيء من الألف إلى الياء.

حيث بدأت القصة عندما كنت جالساً على الأرض متكئاً على العمود الذي يحمل الساعة الرمادية الضخمة في نفس الشارع الذي وجدت نفسي به وأنا فاقد للذاكرة أو بالأحرى المكان الذي قُتِلت فيه..

كنت أدخن كعادتي وعندها كانت تلك الفتاة قادمة نحوي وهي تهرول حتى وصلت:

- "أنت تدخن مجدداً!"

فأزلت السيجارة من فمي ورميتها بعيداً ومن ثم قلت لها ببرود وعدم اهتمام:

- "أنا فقط أدخن.... لا تضخمي الأمر"

- "هل تحاول أن تبدو رائعاً؟ لا تحاول لعب دور الرجل السيئ.. هل مازلت تتسكع مع أولئك الأشخاص السيئين؟"

ظللت صامتاً ولم أتكلم، فأكملت كلامها.

- "ألم تخبرني بأنك سوف تقلع عن هذا؟"

- "ول- لكن..."

- "اخترت الطريق الخاطئ مجدداً؟.."

ظللت صامتاً مرة أخرى لأنني لم أعرف ما أقول لها.

- "هاه.. لماذا أنت متردد وغامض جداً.. أو ببساطة لا تملك إرادتك الخاصة"

- "دعيني وشأني.."

فاقتربت مني أكثر وقمت بتحويل نظري إليها دون أن أحرك رأسي ولقد مدّت لي قبعة ووشاحاً وأنا مستغرب لماذا أعطتهم لي.

- "تفضل خذ"

التفتت الفتاة ومن ثم أجبتها بابتسامة مزيفة:

- "هذان سيبدوان جميلين على رجل الثلج"

استدارت الفتاة نحوي وقالت:

- "أرجعهم إليّ إن لم تكن تريدهم"

فنظرت إلى الأرض وقلت لها:

- "... أنا أمزح فقط"

ارتديت القبعة والوشاح وقمت من مكاني ونظرت إليها قائلا:

- "كيف أبدو الآن؟"

ابتسمت الفتاة في وجهي ابتسامة بريئة وصادقة.

- "أوه، يبدوان جيدان جداً عليك! مثل رجل الثلج"

كنت قد انزعجت من كلامها قليلاً واعتذرتُ لها مرة أخرى. ومن ثم عم صمت قصير ولاحظت الفتاة بأن ملامحي قد تغيرت وسألتني ما الأمر.. فأجبتها بأنني لن أتسكع مع أولائك الأشخاص مجدداً. فتفاجأت من كلامي وهي تبتسم وقالت لي:

- "هل تعدني بذلك؟"

فأومأت برأسي وهي قد فهمت بأنني موافق.. ففي تلك اللحظة كنت أفكر في شيء واحد فقط، بأنه كان لدي عمل مهم في الصباح الموالي وكنت قد قررت التوقف عن القيام بالأعمال السيئة فور إكمالي لذلك العمل المهم، وإلاّ... فعلى الأقل لن يكون لدي المال لكي أشتري لها هدية.

تلك القبعة وذلك الوشاح كانا هدية منها إليّ.. قبل تذكري لكل شيء كنت متخوفاً من حقيقة ذلك العمل المهم... ولكن على الرغم من ذلك، كان يجب عليّ حقاً القيام بذلك العمل.. فلقد كان شيئاً مهماً للغاية! كان العمل صباحاً عند إلتقائي مع ذلك الرجل الذي كنت متأكدا من أنه كان بائع مخدرات والذي كان يشبهني كثيراً ولقد كنتُ أنا تاجر مخدرات أيضاً.. وكانت محادثتنا كالتالي:

تاجر المخدرات: "حسناً... نستطيع العمل معاً جيداً.. ألست مهتما بهذا المنتوج الجديد؟"

كان يتكلم بحماس وقد اقترب إليّ كثيراً مما جعلني أبتعد عنه بسرعة، كردة فعل جعلتني أبدو وكأنني خائف منه أو ما شابه.

تاجر المخدرات: "أنت لا تحب المخدرات..؟ ماذا عن.... المال؟"

كنت أفكر مليا في كلمة (المال) التي قالها والتي جعلتني أبدو وكأنني مهتم ومتلهف للغاية. اقترب مني أكثر هذه المرة وكان قد أخرج بطاقة الأعمال الخاصة به وبدأ يتكلم:

تاجر المخدرات: "يبدو لي أنك أصبحت مهتما الآن... هذه هي بطاقة الأعمال الخاصة بي، تعال وزرني في العنوان المكتوب هنا.. أنا أضمن لك أنك ستحب الأمر"

استدار رجل المخدرات ومن ثم قال: "حسنا إذن، يجب أن أذهب الآن.... لا تنسى لقائنا القادم.."

ومن ثم ذهب أدراجه. هذا ما حدث عن كيفية حصولي على بطاقة الأعمال الخاصة به.. وفي وقت آخر تواصلت مع ذلك الرجل، وكان قد أعطاني (عملا) مقابله كان المال، الكثير من المال.

لاحقاً عندما التقينا في المكان الموعود، كنا نناقش ماهية العمل الذي سأقوم به.. ولقد كانت محادثتنا كالآتي:

أنا: "هل أنت متأكد...؟ هل هذا كل ما عليّ فعله؟"

كان يحمل معه تلك الحقيبة الخضراء التي سبق أن رأيتها في ذكرياتي عند موتي.

تاجر المخدرات: "أجل، فقط خد معك هذه الحقيبة، أنت تخطط للقاء مع صديقتك في ذلك المكان على كل حال، صحيح؟ هذا العمل يناسبك جداً"

أنا: "ه- هذا صحيح.... ولكن.... هل هذا يساوي ذلك القدر الهائل من المال؟"

تاجر المخدرات: "ماذا؟ هل تعتقد بأن هذا فخ أو ما شابه؟ أنا مصدوم منك. هذه فقط مساندة صغيرة... لأنك تشبهني كثيراً"

أنا: "آه، ل- لا، لم أقصد ذلك! سوف آخذ هذا العمل"

عندما قُتلت شعرت بأنني كنت في تلك اللحظة أكبر طماع في العالم وكما يقول المثل "الطماع يقضي عليه الكذاب"

فلم أفكر قط في التشكيك به ولو بقليل وكنت أؤمن بأن كل شيء سيكون على ما يرام، فقد كانت مهمتي سهلة للغاية وهي أن أحمل معي تلك الحقيبة فقط.. وبالرغم من أنني كنت مترددا قليلاً، لكنه وبكذبه عليّ فقد وقعت في الفخ بسبب طمعي. لن أستطيع الشعور بالندم مجدداً، بالتفكير في كيف كانت أفكاري سطحية وساذجة للغاية..

لا بد من أن تاجر المخدرات كان يعلم بأن ذلك الرجل المغتال ذو القبعة سيحاول قتله، وقد جاء بفكرة استخدامي كطعم. فقد كان تاجر المخدرات سيمُرّ من ذلك المكان الذي التقينا فيه، في نفس وقت لقائنا وهو يحمل معه تلك الحقيبة .. من المحتمل أنه قد أعطى معلومات كاذبة لخداع الرجل المغتال..

كان لدي شعور سيئ ولكن.. كنت جباناً للغاية عندما لم أثق بحدسي وشعوري. تذكرت كل شيء مباشرة بعد أن أخد ملاك الموت الموسيقي روحي.. وقبل ذلك عندما كنت فاقدا للذاكرة لم أكن أعلم بأنني ميت أصلاً، متجولاً في ذلك الشارع، أليس هذا بعار كبير؟ الرجل الذي يتوجب عليه الموت قد نجا، والرجل الذي يتوجب عليه العيش قد مات.. فبالرغم من ذلك كله.. الشيء الوحيد الذي ندمت عليه هو... عدم استماعي لها، و... بأنني جعلتها تبكي بسبب غبائي.

في الأخير استسلمت وقد سلمت أمري لملاك الموت والذي أرسلني إلى حيث أنتمي بعد موتي. وقبل ذلك طلبت من ملاك الموت الموسيقي طلبا واحداً قبل أن ينفذ مهمته.. طلبت منه بأن يأخذني إليها، حتى وإن لم تكن تستطيع سماعي.. فقد كنت أحتاج حقاً الذهاب والاعتذار لها....

والشيء المضحك والتي أذهلني بحق.. وهو سؤال غريب قد سألني إياه ملاك الموت الموسيقي في الأخير، والذي كانت إجابته رائعة وصادمة!

ذهب بي ملاك الموت الموسيقي إلى ذلك الشارع والذي تتواجد فيه تلك الفتاة وهي تكلم نفسها وهي حزينة للغاية.

"لا زلت لا أصدق أنك ميت. لقد كان هناك العديد من الأشياء.. التي كنت أريد أن أقولها لك"

- "أنا آسف"

فوجئت الفتاة وبدأت تستدير وتلتفت كالمجنونة وهي تبحث عن مصدر الصوت.

"هل... سمعت صوته حقاً الآن؟"

بعد توديعي لها بمدة.. بقيت أتساءل إن كانت بخير..

حسنا، دون أن أتكلم عن حالتي.. فهي ستكون بخير.. ولكنني لا زلت قلقاً عليها.

**

"لاتقل لي بأنك لا تعلم ما اسم هذا الشارع؟"

سألني ملاك الموت الموسيقي هذا السؤال الغريب الذي حيرني مسبقاً ولكن عندما تذكرت ذلك الإسم كانت مفاجأة رائعة وصادمة..

إسم ذلك الشارع كان هو.. "طريق الملاك"..

النهاية.

2021/08/21 · 66 مشاهدة · 1117 كلمة
نادي الروايات - 2025