استعدت إيميليا للعمل بسرعة، فقد كانت متوترة للغاية خاصة بعدما سمعت من جون بأن للمقيم وجه مخيف ينسيك الإجابة.
توجهت إيميليا نحو الأسفل سريعا ذاهبة للمطبخ لتناول اي شيء بسرعة، فلا تريد الوصول متأخرة و هذا ما سيزيد الأمور سوءاً.
دخلت المطبخ، فتحت الخزائن تبحث عن اي شيء صالح للأكل، حينها دخل آدمز المطبخ و وجدها تبحث بسرعة.
«إيميليا ماذا تفعلين هنا!»
قالها آدمز بنبرة حازمة، فلديه أوامر بطردها من المطبخ ان تواجدت فيه.
«ابحث عن شيء ما اتناوله، لا يمكنني الذهاب للعمل جائعة! »
«انتظري قليلاً اذا سنقدم الإفطار بعد قليل »
«لا أستطيع الانتظار، أنا مستعجلة لدي تقييم اليوم لا أريد التأخر! »
صرخت إيميليا في وجهه، أخرجت جميع التوتر و الغضب و الخوف فيه.
«حسناً حسناً فهمت حاضر، هيا ابتعدي سأحضر لك شيئا سريعاً»
فتح آدمز خزانة اخرى، اخرج برطمان مربى الفراولة و عبوة قهوة سريعة التحضير، ذهب إلى قسم الخبز و احضر رغيفاً ثم ادخله في آلة التحميص.
اخرج الخبز و وضعه في طبق، ثم وزع عليه طبقه من المربى، بعدها احضر كوباً فسكب فيه القهوة و قدمه لإيميليا.
«تفضلي يا مزعجة»
رمقته إيميليا بنظرة منتصرة و سرعان ما بدأت في تناول طعامها.
عندما انتهى آدمز من التحضير، طلب من الطهاة الاستعجال في تقديم إفطار السيد هارث وحذف حصة إيميليا لأنها تتناولها الآن. _____
ذهبت إيميليا إلى سيارتها بسرعة، قادت حتى وصلت إلى المكتب و أوقفت سيارتها في المواقف المخصصة لهم.
عندما دخلت إيميليا البناية، سمعت الجميع يتحدث عن المقيم السيد "رويس فوكس هيرالد "، وأنه طرد السيد بوارو، فدب الرعب في إيميليا من جديد، الجميع يثرثرون حوله، الجميع بلا استثناء.
حاولت إيميليا تجنب احاديثهم، لذا توجهت نحو مكتبها سريعاً حتى تنفرد عنهم.
و بمجرد ان دخلت إلى المكتب ترك الجميع ما بيدهم و تمركزت الأنظار نحوها، تحرك السيد إدوارد – و هو احد العاملين معها في المكتب- نحو إيميليا ثم امسك بكتفيها ، حينها تعجبت إيميليا من فعلته هذه فما باله بحق الإله!
«سيد إدوارد ما خطبك! »
نظر إدوارد نحو زملاءه ثم أعاد نظره نحو إيميليا بتعابير تملؤها الحزن والشفقة.
«اليوم سنودع عضواً أنيقاً و مميزاً في فريقنا، سنودع الآنسة إيميليا هارث، اصغر عضو في فريقنا وأكثرهم حيويه سيغادر قبل ان يتوج بانجاز واحد! لذا من لديه شيء ما لقوله أو اعتذار ليتفضل »
كان يتحدث السيد إدوارد و كأنه في ندوة لحفل ما، صدح صوته في الأرجاء مما جعل الجميع يتأثر بكلامه رغم جملته القصيرة.
«ما الأمر! لم ستودعونني!»
ظل الجميع ينظر لإيميليا بحزن، فهي حتى لم تحظى بفرصة التقييم و ستغادر بهذه السرعة!
«دورك التالي. قد كانت فتاه جيدة! »
هذه المرة تحدث احد المتدربين الجدد، فحتى المتدربون اشفقوا على حالها.
«رفاق سأتجاوز الاختبار بسلام! »
هز الجميع رأسه نافياً لما تقول و هبطت أمال إيميليا معهم.
«ألن افعل؟ . لا؟ »
التفت الجميع بعيداً، و تظاهر إدوارد بأنه تلقى مكالمة هاتفية.
«شكرا لكم على تشجيعي يا رفاق»
خرجت إيميليا من المكتب و أغلقت الباب خلفها بقوة متسببة في فزعهم.
_____
إيميليا هارث......
صدح صوت قوي عبر مكبرات الصوت ليعلن عن دورها، فمن حسن حظها كان جون بجوارها ليشجعها.
تقدمت إيميليا نحو مكتب المُقيم ، قدم تريد التحرك و قدم تأبى إلا ان وصلت.
«حانت لحظة الحقيقة إيميليا تشجعي»
ظلت تحدث نفسها لتتشجع اكثر، و أخيرا همت بطرق الباب والدخول.
حسناً قيل انه رجل ذو وجه حازم، بارد الملامح، كبير بالسن ذو نظارة على طرف انفه، قد يخيل لكم هذا ايضاً من اسمه لكن هو على خلاف ذلك!
أغلقت إيميليا الباب خلفها وبقيت ثابتةً في مكانِها
«تفضلي بالجلوس آنسة هارث»
تحركت إيميليا نحو مكتب السيد رويس ثم جلست في الكرسي المقابل لمكتبه.
كان السيد رويس شاباً ذو بشرة فاتحة للغاية، من يراه يظن بأن وجهه غُطي بطبقه من الجليد الأبيض! شعرهُ حالكُ السواد، ويرتدي بِذله ذات معطفٍ طويل مع وشاحٍ رماديّ. تنبعثُ منه هالةٌ غريبة تبثُ الخوفَ والرهبة وله نظرةٌ قاتمة توحي بشخصيته الواثقة.
اما المكتب فقد كان يشبهُ اغلبَ مكاتب المؤسسة بتصميمها الراقي والكلاسيكيّ والذي يمزجُ بين الماضي والحاضر.
«آنسة هارث، سأقوم بطرحِ بعض الأسئلةِ عليك، إذا لم تستطيعي الإجابة اكتفي بالصمتِ حتى لا نضيع الوقت» ظل السيد رويس ينظر للملفات والأوراق أمامه بينما كان يحدثُ إيميليا، مما جعلها متوترةً أكثر.
«السؤال الأول سيحددُ ما إذا كنتِ تستحقين إضاعة وقتي معك ام لا، اتفقنا؟» اومأت اميليا موافقةً بصمت، وبدأت تعتصر اصابعها بين يديها.
«إذن انسة هارث، ان ظهرت إشارةٌ على التصويرِ الجويّ بوجود معادن او قطعٍ تحت الأرض، ماهي الإجراءات المتبعة؟» كانت اميليا تنصتُ بتركيز شديد، تركزُ على كل كلمةٍ خرجت من فاهه، بعدها اخذت إيميليا نفسا طويلاً ثم بدأت في الإجابة: «كما قلت سيدي إن كانت الصور ملتقطةً بالتصوير الجويّ فعلينا اذن مسحُ المنطقةِ المرادة بالمسح السيزمي، ثم تحديد المناطقِ على الخريطة لضمان عدم نسيان أي قطعة. بعدها نُقسم المنطقة لمربعات بالأمتار ثم نبدأ الحفر» كان السيد روي ينظرُ لإيميليا بحذر، منتظراً أي خطأ قد يخرجُ من بين شفتيها لتفشل في التقييم.
«ماذا لو حُطمت أحد القطع اثناء الحفر آنسة هارث؟» لم تتوقع ان يسألها هذا السؤال، فعادةً ما يتم الانتباه اثناء الحفر وتنجب افساد القطع قدر المستطاع وبالفعل لم يحدث هذا قط لهم! بالإضافةِ لهذا ، لم يسبق لها الذهاب في رحلات فكيف ستعرف الجواب؟
ظلت إيميليا صامته، نعم هي لم تعرف الجواب، بقيت تُفكر وتُفكر، كيف ستتصرف لو حُطمت أحد القطع؟ غالبا سيدفعون غرامة مالية كبيرة وحسب.
«لا إجابة آنسة هارث؟ أكملي الخطواتِ إذن.» بلعت إيميليا ريقها، فقد تفشلُ في الاختبارِ بالكامل بسبب عدم الإجابة على هذا السؤال!
«بعد الحفر نستعملُ الفُرش لإزالة الاتربة عن القطع دون إفسادها، ثم نأخذُ عيناتٍ من التربةِ للمختبر كي يقومَ الباحثون بالتحليلِ الكربوني» بينما كانت تتكلم وتعددُ الخطوات، تمنت ايميليا ألا يُقاطعها بسؤال اخر مثل سابقه، لكن ليس كل ما نتمناه يتحقق.
«ما لفائدة من التحليلِ الكربونيّ آنسة هارث؟ قد نستطيع الاستغناء عنه بوسائل أُخرى؟ اشرحي لي هذه النقطة إذا سمحتِ» هُنا بدأت تُراود إيميليا فكرة انه يتعمدُ وضعَ أسئلةٍ مُعقدة وتعجيزية بعض الشيء لضمان فشلها وسحب الترخيص منها مثل السيد بوارو.
«حسنا، حسب معرفتي أن المخلوقات الحية تمتصُ نوعين من الكربون، هما الكربون 12 و14 ولذلك فعندما يموت كائن ما فإن نسبة الكربون 14 إلى الكربون 12 تتناقص بدرجة معينة لتصل إلى نسبةٍ معروفة، وهكذا يستطيع عُلماء المختبر قياس الكمية المتبقية من الكربونين فيه. او إن كان المختبرُ متطوراً فسوف يستخدم مُعجل الجسيمات وهذه طريقةٌ أسرع» ختمت إيميليا جملتها بكل ثقة، فقد كانت متأكدة من ان اجابتها صحيحة.
صمت السيد رويس للحظة، بدأ يفكر في اخر سؤال قد يطرحه عليها قبل المغادرة، وحينها لمعَ السؤال الأخيرُ في عقله «كما قُلت سابقاً آنستي، أن المخلوقات الحية تمتصُ نوعين من الكربون وما إلى ذلك. إذن ماذا عن القطع والمنحوتات العالقة بين الصخور؟»
«أتريد الإيقاع بي؟ لست بلهاء لهذه الدرجة!» قالت إيميليا في نفسها وهي تنظر للسيد رويس مبتسمة فنظر لها رويس فأزاحت نظرها عنه.
«لا إجابة؟ اذن انتهينا هُنا» بدأ رويس يُلملم حاجياته من على الطاولة بينما كانت تحاول إيميليا إقناعه بأنها كانت تفكر في الإجابة وقد عرفتها.
«لديك دقيقة واحدة فقط، اريد إجابة صحيحة ومختصرة» حذرها رويس بلهجةٍ شديدة فأخذت إيميليا نفساً ثم اجابت «ان كانت القطعة في جوف الصخور وهي ليست من المخلوقات الحية، اذن علينا قياس كمية الأرجون الى البوتاسيوم لحساب عمر الصخرة ثم تقدير عمر الصخرة لعمر القطع العالقة فيها» حاولت إيميليا الاختصار قدر الإمكان وهذا ما نتج عندها.
«هل انتهينا؟» قالت إميليا لرويس راجيةً ان التقييم والعذاب النفسي قد انتهى. «اجل. هيا غادري بسرعة احتاجُ للتركيز»
نهضت إيميليا من مكانها، وقد جال في بالها ان تمسك بأحد الرماح المعلقة في الحائط وتطعن به السيد رويس ثم تمسك بقلم الحبر السائل وتفسد له وجهه.
رفع رويس رأسه فوجد إميليا تنظر له بنظرة مخيفة «أتريدين سؤالا اخر؟» أيقظ رويس إيميليا من شرودها بكلامهِ، فخرجت من المكتب سريعا خشية السؤال الإضافي.
«كيف كانت الأسئلة؟ أهي صعبة؟» سأل جون إيميليا بينما يرتشف من قهوته الباردة في كافتيريا المؤسسة «اتعلم؟ لا اذكر الأسئلة حتى، السؤال الوحيد الذي أذكره هو الذي لم أجب عليه»
«لم تجيبي على سؤال واحد فقط! هذا جيد! غالبا ستنجحين»
«حقا؟ لا اظن هذا فنظراته لي غير مطمئنة، في الواقع نظراته من البداية غير مطمئنة» لكزت إيميليا جون لتنبهه بأن السيد رويس قادم، وهذا ما كان صادما لجون، فقد كان يتوقع نفس الشكل الذي كانت تتصوره إيميليا في عقلها. ظل جون وإيميليا يراقباه من بعيد إلى ان توجه نحو سيارته وانطلق بعيداً.
«إذن جون، أتمنى ان نلتقي غدا ايضاً وداعاً» نطقت بها ايميليا وهي ترتشف اخر رشفه من القهوة بينما هي واقفه بالفعل «لا تكوني متشائمة ستنجحين بالتأكيد وسنشرب القهوة هنا مجددا. اودعك هنا» توجه جون نحو سيارته للمنزل وكذلك فعلت إيميليا.
_____