أكملت ايميليا بقية يومها كالمعتاد، عادت للمنزل، تناولت غداءها مع والدها، بقيت تغيظُ آدمز في المطبخ، ثم جلست في الحديقة الامامية حتى غروب الشمس.

حينها وصلها اتصال من رقم غريب، لم يكن الاتصال محليا، بل دوليا، ضغطت على زر الرفض فعلى حسب علمها لا أحد يتصل عليها من الخارج.

نهضت إيميليا من مكانها كي لا تصاب بالبرد، دخلت من البوابة الأمامية حيث صدف وجود والدها هناك،لذا تريثت في المشي حتى لا يلحظها .

كان السيد هارث يتحدث لشخص ما عبر الهاتف، ومما سمعته إيميليا يبدو بأنه مستمتع بالمكالمة فقد كان يضحك كثيراً وابتسامته قد ملأت وجهه «ألديه عشيقةً ام ماذا؟ لِمَ يبتسم هكذا!» تمتمت إيميليا في نفسها، فغالباً في هذه الفترة تكون اتصالات والدها بخصوص العمل او يتحدث مع صديق لم يره منذ مدة، لكن لم يكن سعيداً لهذه الدرجة!

قررت إيميليا التوقف عن التطفل والتوجه للأعلى، فيكفي ما فعلته اليوم لنسيان امر التقييم وعدم التفكير فيه.

«آنستي.... أكنت في الخارج! انها تمطر! » ظهرت السيد روز امام إيميليا فجأة، او ربما لأن بالها كان مشغول لم تلحظ قدومها.

«لا تقلقي روز دخلت مباشرةً قبل هطول المطر، ثم ما بال الطقس يتقلب فجأة! » تذمرت إيميليا؛ فهي تكره العواصف وتحب رذاذ المطر في الصباح فقط.

كان هاتف إيميليا يستمر في الرنين والاهتزاز، تجاهلته إيميليا بالكامل ووضعته داخل الدرج واستلقت على السرير لتنام أخيراً.

_____

في اليوم التالي استعدت إيميليا للذهاب لمكتب الاثار واستلام النتيجة ، توجهت نحو الاسفل مستعدة للخروج « آنستي وصلك طرد قبل ساعتين . تفضلي » ناولها حارس البوابة صندوقا متوسط الحجم لا تعلم محتواه ، لذا قامت بفتحة بحرص شديد فقد تكون قنبلة ما !

«من طلب هذه العطور! كُتب فيها انها لي؟ » تمتمت إيميليا في نفسها، فهي لاتحب بطبيعة الحال الشراء من المواقع الإلكترونية؛ فيستحيل اذن انها هي من طلبتها بافتراض انها نسيت ربما. طلبت إيميليا من الخدم وضع الطرد في غرفتها إلى ان تعود من العمل.

وصلت إيميليا لمبنى المؤسسة ، ركنت السيارة في الموقف المخصص ثم ارتجلت منها .

لمحت جون يغادر المبنى فلوحت له من بعيد ، لكن يبدو بأنه لم يرها ، اكملت طريقها الى ان وصلت للقسم الذي تعمل به حدث شيء ما... لم تعمل بطاقة الدخول ! رفضها الجهاز تماما!

« اوه آنسة هارث ! ...انت هنا ! الم يصلك بريد بإنهاء عقد عملك ؟ » سألها احد الموظفين في الإدارة ، لم تجب إيميليا عليه، ظلت تبحلق في وجهه دون وعي « ماذا تقصد بإنهاء عقد عملي ! ....هل السيد رويس موجود ؟ »

«نعم تفضلي من هُنا » ارشدها الموظف نحو مكتب السيد رويس، طرقت الباب ثم أذن لها بالدخول.

«آنسة هارث..... يبدو بأنك مُصره على إضاعة وقتي، ماذا تريدين؟ » وجه رويس كلامه نحو إيميليا دون ان يكلف نفسه عناء النظر إليها حتى! وضع اصبعيه على جبينه مُتظاهراً إصابته بالصداع، ثم اتكأ على ظهر الكرسي موجهاً نظره نحوها.

«سيد رويس..... أردت معرفه نتيجة تقييم البارحة، لم تصلني بعد»

«حقاً! من المفترض انها وصلتك قبل حوالي...... ساعتين ونصف عبر البريد؟ » بدأت إيميليا تسترجع ما حدث في الصباح، حسناً ما وصلها قبل ساعتين ونصف لم يكن نتيجه التقييم، كان طرداً، ربما كانت النتيجة في الداخل ولم تبحث جيداً؟ بدأت إيميليا تفقد اعصابها ، انها أوراق رسمية ....إما ترسل عبر البريد الالكتروني او البريد الوطني على شكل مستندات في ظرف ابيض كبير، لكن من يرسلها في طرد مع عطور! اهو مجنون ؟

«لم تصلني أي مستندات ، ربما اخطأت في العنوان سيد رويس » همهم رويس ثم اخرج من الدُرج في مكتبه دفتر ملاحظات « آنسة ايميليا هارث ، شارع هان ويلستون المنطقة الجنوبية صحيح؟ هذا عنوان منزلك »

« اذا لمَ وصلتني مجموعة عطور ؟ »

« انها هدية ، بما ان رائحة عطرك سببت لي الغثيان ،قمت بإرسال بعض العطور مع عقد إنهاء العمل » كان رداً صادماً للإيميليا ، كيف يجرؤ على قول هذا في وجهها !

« سيد رويس ، مع كامل إحترامي لك ، قد اجبت على جميع الأسئلة عدا سؤال واحد فقط ! هل كان هذا السؤال سبب طردي من العمل ؟ مستحيل ! اسمح لي ، انت شخص متسلط و ....و.... » عجز لسان إيميليا عن الكلام ، إمتلئت عينها بالغضب وبدأت الدموع تتجمع في مقلتيها ، لذا قررت السكوت حتى لا تخونها الدموع اثناء الكلام .

« اكملي متسلط و ماذا؟ انا اسمعك؟ ، هارث اتظنين اني سأتغاضى عن سؤال واحد؟ آسف لكن انا لست مثل الجميع ، لا يهمني منصب والدك . تأتين للعمل كل يوم بمظهر جديد ، ملابس جديدة ، تسريحة شعر جديدة ، وترتدين كعب عالٍ ، أنحن في حفلٍ ما ؟ يبدو أني لا أرى الناس يحتفلون هنا ! إضافه لهذا ليس عندك إي رحلة ميدانية في ملف معلوماتك ، مالسبب ؟ » ظلت إيميليا تنظر له بحقد ، لم تستطع الإجابة ، بقي لسانها مُعلق في فمها دون حراك ، لذا لملمت شتات نفسها وخرجت من عنده .

توجهت إيميليا نحو سيارتها وقادت نحو وسط المدينة دون سبب ، لعلها تكسب وقت إضافيّ للتفكير في ما تفعله الان ، هي دون وظيفة حالياً وطردت بسبب ذاك المتعجرف « رائع طردت بسبب مظهري ! غبي ، أبله حقير من يظن نفسه !» بقيت تحدث نفسها بينما تقود السيارة ، وتستغل وقت الانتظار عند إشارة المرور بشتمه إلى ان عادت للمنزل .

«آنسة هارث ...وصل الضيوف وهم في غرفه الإستقبال مع السيد هارث » استقبلها احد الخدم عن بوابة المنزل الداخلية ، لكن من هؤلاء ؟ لم يخبرها والدها بحضور احدهم للمنزل ، وهو دائماً مايخبرها بحضور الضيوف !

«أتعرف من هم؟ »

«اعتذر، أمرني السيد هارث بعدم إخبارك » تعجبت إيميليا ،فمنذ متى ووالدها يُعد المفاجآت؟

«لنرَ إذاً من هم !» عدلت إيميليا هندامها وحاولت تغيير ملامح الانزعاج التي سببها رويس ، فتحت باب غرفة الاستقبال لتذهل بما تراه « عمتي و كايا !» توجهت إيميليا نحوهم لاحتضانهم ، فهي لم تراهما منذ مدة ليست بقصيرة.

انتقلت كايا برفقة والدتها إلى فرنسا لتكمل دراستها هناك ؛ فبعد إكمالها للمرحلة الأولى في الجامعة مع جون و إيميليا لم تجد تخصصاً مناسباً لها في اليونان ، و بسبب بعض المشاكل السياسية انقطعت سُبل التواصل معهم ،إلا ان جميع هذه المشاكل قد حُلت لذا عادا لاسبانيا .

ظلوا يتحدثون عن احوالهم وعن وظيفة والدها الجديدة حتى حلول المساء ، غادر السيد هارث الغرفة ليستريح فلديه عمل في الصباح ، وبما ان إيميليا قد فُصلت عن عملها فستبقى ساهرةً مع كايا بعد نوم عمتها.

توجهت إيميليا برفقة كايا نحو غرفتها ثم جلستا على الأريكة تحت النافذة «إيميليا ، هل مازال جون يعمل معك؟ » طرحت كايا سؤالها فجأة ، شعرت إيميليا بشيء غريب في نبرة كايا ، لم يكُن سؤالاً عادياً تريد معرفه الأحوال به ، لا ، قد يكون ابعد من هذا !

« لِمَ تسألين عنه الآن فجأة؟ » نظرت كايا لإيميليا بتوتر ، نظفت حلقها وأجابتها « بلا سبب ، خطر على بالي فجأة»

« اوه، هذا واضح! » نظرت إيميليا لكايا بإبتسامةٍ كبيرة لا تبشر بالخير« ما هو الشيء الواضح ؟» قالت كايا مندهشةً من تصرفات إيميليا «لا شيء، لا تشغلي بالك » نهضت إيميليا متوجهةً نحو السرير مستلقية عليه .

«إذاً ما الأخبار؟ »

«لا جديد، فقط طُردت من عملي بسبب مغفلٍ مقيت» نهضت كايا من عندها وقفزت على سرير إيميليا «أخبريني بجميع التفاصيل حالاً! »

«لا أدري لِمَ انتِ متحمسة، فقط جاء مُقيم من لجنة الآثار ، طرح بعض الأسئلة ،فاستنتج أني لا أستحق هذه الوظيفة .»

« وماذا قال جون ؟ » امسكت إيميليا بالوسادة الصغيرة على سريرها لتلقيها على كايا «وما دخل جون الآن ! تمالكِ نفسك واذهبي للنوم اصابني النعاس» مرت لحظة من الصمت قبل أن تنطق كايا «إيميليا، كنت أتصل عليكِ البارحة لِمَ لم تُجيبي؟» أبعدت إيميليا الغطاء عن وجهها «كان هذا أنتِ اذاً، لم أكن اعرف بأنها أنت. هيا أخلدي للنوم»

2022/01/17 · 92 مشاهدة · 1234 كلمة
نادي الروايات - 2025