أرك عشرون يوم

مدة القراءة : 30 دقيقة (3266 كلمة)

بعد تسعةِ أشهر ...

روديني مدينةٌ متوسطةُ الحجمِ غير متطورةٍ وبدائيّة نوعاً ما لكن فيها بعضُ السياراتِ في أرجائها ، وهي مُحاطةٌ بجدرانٍ وتقعُ في مكانٍ ما في وسطِ الصحراء ويوجدُ بجانبها نهرٌ صغيرٌ مشكّلٌ بشكلٍ اصطناعي يشكِّلُ مصدرَ الحياةِ فيها ...

وفي هذا اليومِ توجدُ هناك سوقٌ ضخمةٌ مكتضةٌ بالناس يتمُّ افتتاحُها في هذا اليومِ من الأسبوعِ عادةً . ‏ ‏ وفي مكانٍ ما في هذا السوقِ يظهرُ لنا شابٌ يحدِّثُ تاجراً ، ثمَّ تظهرُ فتاةٌ ترتدي رداءاً يُخفي ملامحَها وملابسُها مهترئةٌ وممزّقةٌ بعضَ الشيء وهناكَ حقيبةٌ على ظهرِها تبدو أنها محترقةٌ قليلاً ، وهناكَ الكثيرُ من نظراتِ الناس تجاهَ الفتاة ، وهذه الفتاة هي ريبيكا ! ‏ ‏ ينظرُ الشابُ إليها فيراها متجهةً صوبَه مباشرةً، تصلُ ريبيكا لعنده ، والشابُ واقفٌ ينتظرُ ما الذي ستقوله له ... ‏ ريبيكا بلغةٍ مختلفةٍ عن السابق : مرحباً.

الشاب : مرحباً.

تنظرُ ريبيكا إليه حيثُ بشرتُه بيضاءٌ نسبيّاً -مثلَها- بالمقارنةِ مع الغالبيةِ سمرِ البشرةِ في الأرجاء ، تفكِّرُ ريبيكا قليلاً ، ثمَّ تسأَله .

ريبيكا : ما هو اسمك ؟

الشابُ مرتابٌ قليلاً : لماذا تسألين ؟

ريبيكا : هل اسمكَ هو رون ؟

الشابُ متفاجئ : صحيح ... كيف عرفتِ ذلك ؟!

ريبيكا : ....

التاجر يشاورُ رون : يبدو أن شعبيتك كبيرةٌ بين الفتيات نظراً لمظهركَ الوسيم ولثروتك ، وهذه الفتاة الفقيرة تبدو جميلةً حقاً ، يجبُ أن تستغلَّ الفرصة !

ينظرُ رون إلى ريبيكا الصامتة وإلى ملامحِ وجهها الجميلة الآسيوية قليلاً وإلى شعرِها الأشعث الفوضوي ، ثمَّ ينظرُ إلى يدِها ...

رون : يا فتاة ، إن يدكِ تنزِف !

لا تهتمُّ ريبيكا بجملتهِ الأخيرة وتجيبه .

ريبيكا : تعجبُني رائِحتُك ، إنّها زكيّة !

رون باستغراب : ش ... شكراً .

ثمَّ فجأةً وخلالَ لحظةٍ يمرُّ ولدٌ يرتدي قناعاً ويُمسكُ حقيبةَ ظهرِ الفتاة ويسحبُها ممزّقاً ذراعَ الحقيبة ، يأخذُها ويهربُ بعيداً !

ريبيكا : لا ! الحقيبة !!

ثمَّ تجري مطاردةً له لاستعادةِ الحقيبة .

يقفُ رون بتفاجؤٍ للحظات ، لكنه لا يفكِّرُ كثيراً حيثُ يتبعُ ريبيكا مباشرةً ويجري لاستعادةِ الحقيبة ...

يلاحقان اللصَّ عبر السوقِ مزعجينَ التجّارَ فيه ثمَّ يدخلُ اللص عبرَ أزقّةِ المدينة ، ويتبعه الإثنان داخلَ هذه الأزقّة وهناك تصطدمُ ريبيكا بأحدِ الشحّاذين .

الشحاذ : أعطيني فقط خمسين قطعةً يا آنستي ، وأتمنّى أن تعيشي بسعادةٍ دائماً وأن تذهبي للعالمِ العلوي يوماً ما !

تنظرُ ريبيكا إليه بعبوس وتدفعه صارخةً "ابتعد !" وتواصلُ الجري خلفَ اللص من أجلِ الحقيبة.

بعدها يحصلُ فارقٌ بالمسافةِ بينَهم وبين السارق حيثُ من الواضحِ أنَّ السارقَ قد اعتادَ على هذه الأزقّة وأصبحَ يعبرُ بمهارةٍ من أماكنَ لا تخطرُ على البال حتى قادَ رون وريبيكا إلى نهايةٍ مسدودة واختفى السارقُ كليّاً .

يقفُ رون وريبيكا في مكانهُما لاهثَين من التعب وريبيكا تسقطُ أرضاً على يديها .

رون : لقد نفذَ من بين يدينا ، لكن لا تخافي سنمسكُ به بشكلٍ ما ...

ثمَّ تنظرُ ريبيكا إليه وهناكَ دموعٌ في عينيها .

ريبيكا : الحقيبةُ فيها أشياءٌ في غايةِ الأهميّة ، إذا ضاعَت فقد انتهى أمري !

يضعُ رون يديه على كتفيها : لا تقلقي ، طالما أنا معكِ فلن تكوني في أي مشكلة !

تنظرُ ريبيكا إليه وفيها بعض الأملِ والحيرة .

. . . .

بعدها يذهبان لمكانٍ مظلَّل وفيه مقاعدٌ للراحة ، يجلسُ رون جانبَها ويضمِّدُ لها يدَها المجروحة .

رون : تركُ جرحكِ ينزف بهذا الشكل خطيرٌ جدّاً ، يجبُ أن تهتمّي بنفسكِ أكثر من ذلك .

ريبيكا : ....

رون بينما هو يضمّدُ يدَها : إذاً ... لماذا جئتِ إلى هذه البلدة وكيف قد تمكنتِ من المجيء ؟

ريبيكا : ....

رون : حسناً ، لا بدَّ أنكِ مررتِ بأوقاتٍ عصيبة بمفردك ، هلا أخبرتِني ما هو اسمك ؟

ريبيكا : إنّه ريبيكا ، هل تظنُّ أنَّه يمكنُنا إيجادُ الحقيبة ؟

رون بابتسامة : بالتأكيد، أظنُّ أنّني أعرفُ من يمكنُه مساعدتُنا في ذلك !

. . . .

يحدّثُ رون أحدَ التجّارِ في مكانٍ ما من السوق وريبيكا تقفُ جانباً ...

رون يشاور التاجر : اعتقدُ أنّك تمتلكُ حالياً سيارة أو امتلكتَ واحدةً مؤخراً على الأقل، إذاً هل تعرفُ أين يمكنُني إيجادُ الميكانيكي مارك ؟

التاجر : بالتأكيد ! إنّ عنوانه في ... هممم ... لقد كان ... لا أستطيع التذكر ...

ينظرُ رون إلى التاجر الذي يدّعي أنّه لا يتذكر ، ويفهمُ رون ما يريده لذلكَ يمرّرُ له بعضَ المال . ‏ ‏التاجر : نعم أنا اتذكرُ الآن ! إنّه في الناحيةِ الشماليّة في متجرِ هوذا ليز سابقاً .

رون : جيّد ، ريبيكا هيّا بنا .

ريبيكا : حسناً .

. . . .

يذهبان إلى العنوانِ بالفعلِ والذي يقعُ بينَ الأزقّةِ ، يطرقُ رون الباب ، ينتظرانِ قليلاً وبعدها يفتحُ أحدهم الباب بشكلٍ بسيط حيث توجد سلسلةٌ تحولُ دون فتحِ الباب وينظرُ شخصٌ إليهما من خلفِ السلسلة ...

رون : أريدكَ أن تجلبَ لي حقيبة .

ينظرُ الشخصُ إليه قليلاً ثمَّ يغلقُ الباب ويفكُّ السلسلة ثم يفتحُه كليّاً .

الرجل : رون إدخل أنت فقط .

رون : حسناً -وينظر إلى ريبيكا- ريبيكا انتظري هنا قليلاً فقط، خمسُ دقائقَ وسأعود .

ريبيكا : حسناً !

يدخلُ رون إلى الداخل وتبقى ريبيكا في الخارجِ تنظرُ إلى الأزقةِّ القذرة وتسمعُ أصواتَ أنينِ بعض الناس تُشعِرُها ببعضِ الخوف ...

رون : مارك أنا أبحثُ عن حقيبة ، فيها الأغراضُ الآتية - يعطيه ورقةً مكتوبٌ عليها اسماء أغراضِ الحقيبة- هل يمكنكَ التكفلُ بالأمر ؟

مارك : بالتأكيد ، عُد إليَّ في المساءِ بمبلغٍ جيّد وسأضمنُ أنّك ستستردُّها !

رون : رائع ، هل تظنُّ أنَّها نورثبيرغ كالعادة ؟

مارك : ربّما ، من يدري.

رون : حسناً إذاً ، سأراكَ في المساء.

مارك : أراك حينها ، وانتبه من أن يلمحكَ الجنودُ البورجيّون وأنت خارج ، لقد كادوا يمسكونني في المرة السابقة .

رون : بالتأكيد سأفعل !

مارك : ...

ويخرجُ رون من المتجر ويجدُ ريبيكا بانتظاره .

رون لريبيكا : سنعودُ إليه في المساء وسيعطينا الحقيبة ، والآنَ سوف نذهبُ لمنزلي .

ريبيكا تحسُّ بالسعادة : رائع !

ثم يخرُجان من الزقاق بحذر ، لكن بينما هما خارجان يلمحهما شرطيّان مسلّحان من بعيد ، يدخلان للزقاقِ بعد قليل ويبدآن بطرقِ الباب ، ثم يركلانه حتى يحطمانه ويدخلان للداخل !

. . . .

يذهبُ رون وريبيكا لمنزلِ رون والذي يبدو فاخراً نسبياً بالمقارنةِ مع باقي البيوت في المنطقة ، ويستقبلهما خادمٌ عند المدخل ، ثمّ يدخلانِ إلى المنزل .

رون : اعتبري نفسكِ في منزلك .

ريبيكا : شكراً لك .

الخادم : سيدي رون ، توجدُ لديكَ رسالة ، رسالةٌ من والدك ...

رون : من والدي !

ريبيكا : ...

رون : هلا انتظرتِني لدقائق ؟ ريبيكا .

ريبيكا : بالتأكيد .

يتركُ رون الغرفة ويغادر ، وريبيكا تبقى تنتظره، وبينما هي تنتظر يحضرُ لها الخادمُ كأساً من العصير البارد ، تنظر إليه ريبيكا قليلاً وتشعرُ ببرودته في يديها وبعدها تشربُه بالفعل وتجده جيداً حقاً !

ريبيكا : لذيذ.

بعدَ قليلٍ يعودُ رون إلى الغرفة ويبدو قلقاً وشاردُ التفكير ، وبعدها ينظرُ لريبيكا . ‏ رون : ريبيكا ، هناكَ أمرٌ مستعجلٌ علي القيامُ به في بلدةٍ أخرى ، لذلكَ سأغيبُ ليومٍ أو يومين ، لذلك خذي هذا المبلغ -يعطيها رزمةً من الأموال- وإذهبي بحذرٍ إلى ذاتِ المكانِ الذي ذهبنا إليه اليوم وأطلبي منه حقيبتَك ، إذا لم يتمكن من إيجاد الحقيبة حينها انتظريني وسنكملُ البحثَ عنها معاً، يمكنكِ الإقامةُ بمنزلي ولوثر سيعتني بك ، وأنا آسفٌ على ترككِ وحيدة .

ريبيكا : لا بأس لا مشكلةَ لدي ، سوف أنتظرك ، رحلة موفّقة !

رون مبتسماً : شكراً لك !

. . .

بعد قليلٍ يركبُ رون في سيارة ويقودها السائقُ خارجَ المدينةِ وريبيكا تنظرُ إلى السيارةِ التي تبتعدُ حتى تختفي نهائيّاً من نظرها .

الخادم لوثر : يمكنكِ الدخولُ الآن ، آنستي .

تدخلُ ريبيكا بالفعل وبعد قليلٍ يعدُّ لها لوثر الغداء وتتناوله ريبيكا ، ولاحقاً بينما هي جالسة ترى صوراً على الجدار ، صورتان لرون وصورة لإمرأة شقراء، وصورةٌ أخرى للمرأةِ الشقراء تحملُ رضيعاً وبجانبها رجل .

ريبيكا :معذرةً يا عم - تشيرُ بيدها إلى الصور- هل يمكنكَ إخباري من هم هؤلاء ؟

لوثر : المرأةُ الشقراءُ تُدعى هيلينا نورد، وهي والدةُ رون، لقد توفّت بحادثٍ عندما كانَ رون في الثانيةِ من عمره، وأمّا الرجلُ فهو والدُ رون واسمه ريغن راكفيلد، بعدَ ذاتَ الحادثِ قرّرَ تركَ رون ليعيشَ وحيداً وكان يُرسل إليه أموالاً باستمرار ويوكِّل خدماً للرعايةِ به ، أنا بدوري أهتمُّ برون منذُ أربعِ سنوات ، أحسُّ بالحزنِ عليه فهو وحيدٌ أغلب الأوقات ، وهذه أولُ مرّةٍ يجلبُ فتاةً معه إلى المنزل ، أتمنى حقاً أن يجدَ شخصاً ما لكي يجد السعادةَ معه .

ريبيكا : هكذا إذاً ...

بعد قليلٍ يغادرُ لوثر الغرفة ، تنظرُ ريبيكا نظرةً ظلاميّة غريبة إلى لا مكان ثم تمسكُ شعرها بعصبيّة وتخفضُ رأسها للأسفل .

بعدها بفترةٍ تأخذُ ريبيكا حماماً ثم ترتدي ملابسَ جديدة قد جلبَها لها لوثر ، ثمَّ في المساء تذهبُ إلى مقرِّ مارك لكنها تجدُ أنّهُ تم إغلاقُ باب المتجر بأخشاب وذلك يفاجئُ ريبيكا ، ثم تسمع صوتَ امرأةٍ عجوز بالقرب .

العجوز : لقد نالوا منه، لقد أخذوا منه كل ممتلكاته، لكنّه قد تمكّنَ من الإفلاتِ منهم بإعجوبة !

وبعد سماعِ ريبيكا لهذا تتحطمُ معنوياتها وتمسك على شعرها .

ريبيكا محبطة : والآن سيتوجّبُ عليَّ الانتظارُ حتى يعودَ رون من رحلته !

. . .

تنامُ ريبيكا هذا اليوم في منزلِ رون ، وبينما هي نائمة تبدأُ بسماعِ صوتٍ ما.

الصوت : لااااا ... لااااا .... لااااا ... توقفي أيَّتها الوحش ، لا تفعليها ، لااا ... لاااا ... لااااااااااااا

وبعدها تستيقظُ ريبيكا من نومها صارخة ، تنظرُ حولها في الغرفة خائفة وتدركُ أنّهُ كانَ مجرّدَ حلم ، تحاولُ ريبيكا أن تهدأ بينما هي تستمرُّ في التنفسِ بصعوبة ...

. . .

وفي اليومِ التالي تخرجُ ريبيكا في الصباحِ وتخطّطُ في هذا اليوم أنّها ستستكشفُ البلدة لعلّها تعثرُ على الحقيبة بنفسها، ولكنها لا تعرفُ مين أين ستبدأ، فتذهب إلى أماكنَ عشوائيّة ، ثمَّ ترى عدّة طوابير حيث يوزعون عندها طعاماً مجانياً .

تقفُ ريبيكا في أحد الطوابير وهناك فتاةٌ سمراء تقفُ خلفَها .

الفتاة : أنتِ ترتدينَ ملابساً أنيقة مقارنةً مع الناسِ هنا ، من الغريبِ أنّكِ تقفين في هذه الطوابير المخصصةِ للفقراء !

تنظرُ ريبيكا إلى نوعٍ من الفطائر التي يصنعونها في نهاية الطابور ثم تنظرُ إليها الفتاة أيضاً .

ريبيكا : لا يهم ، أريدُ أن أقفَ هُنا .

الفتاة : حسناً كما تشائين .

ريبيكا : ...

ثم تسمعُ ريبيكا رجلين أمامها يتكلّمان .

الرجل الأول : هل سمعتَ بحادثِ تحطُّم سياراتٍ قربَ جوبر؟

الرجل الثاني : لا ، ماذا بشأنه ؟

الرجل الأول : لقد وجدوا تسع سياراتٍ في الصحراء مدمرةً بشكلٍ غريب وجميعُ الذين كانوا بداخلها ماتوا ، لقد كانوا أشخاصاً مسلّحين، الغريبُ أنَّ الكثيرَ منهم قد ماتوا بسبب اصطدامهم ببعض الأشجار وانغرست أغصانُها بأجسادهم منهية حياتهم ، وبعضُ السياراتِ قد سقطت بشكلٍ ينافي المنطق ! لقد أجمعَ الشرطةُ البورجيّون أنه كان شجاراً بينَ أفرادِ العصابةِ لكن ذلك لا زال غيرَ منطقي البتة ، لكن لا زالَ التحقيقُ بشأنِ الأمرِ جارياً بأيِّ حال .

الرجل الثاني : هذا العالمُ يصبحُ غريباً أكثر كلَّ يوم .

تستمعُ ريبيكا لكلامِهم بتركيز حيثُ أن جوبر هي نفسُ البلدة التي ذهبَ إليها رون ...

ثم يأتي جنودٌ بورجيّون يرتدون ملابس عسكريّة مميّزة ويحملون أسلحة ، يتّجهون إلى رجلٍ معيّن في الطابور ، عندما يقتربون منَ الرجل يخرجُ من الطابور ويفرُّ مسرعاً، يلحقون به ويمسكون به بسرعة ثم يلقون به أرضاً ويبدؤون بضربه ! ‏ ‏ تنظرُ ريبيكا إليهِ بشفقة بينما هم يضربونه بوحشيّة ، ثم تقتربُ الفتاة السمراء التي تقفُ خلفَ ريبيكا وتحدّثُها .

الفتاة : إنَّ ذلكَ الرجلَ قد تأخّرَ عن دفعِ ضرائِبه لمدّة ثلاثةِ أشهر ، إن وضعَه المالي سيءٌ لدرجةِ أنّه باعَ تقريباً كلَّ شيءٍ يملكُه والآن هو بالكادِ يملكُ مكاناً يعيشُ فيه هو وأسرتُه، لكن هؤلاءِ الأشخاصُ لا يعرفون التسامح، من المؤسفِ أن أشخاصاً ليسوا من بلدنا ويتحدثون بلغةٍ مختلفةٍ عنّا هم من يتحكمون بأمورِ حياتنا .

ريبيكا : هذا مبالغٌ به ، يجبُ أن نساعده !

وتهمُّ ريبيكا لتركِ مكانها من الطابور من أجلِ مساعدةِ الرجل لكن الفتاةُ السمراءُ تمسكُ يدَها موقفةً لها .

الفتاة : هل جننتِ يا جميلة ؟! مجرّدُ تصرفٍ عدواني أو نيّةٌ سيّئة تجاهَ هؤلاء ستنتهي بكِ بالسجنِ لسنوات وربما تنتهي بكِ بأماكنَ أسوءَ حتى من السجن بكثير .

تنظرُ إليها ريبيكا ببعض الغضبِ وتسحبُ يدَها :"إتركيني !" ، فتقومُ الفتاةُ بحركةٍ رشيقة تُسقطُ ريبيكا وتثبّتُها أرضاً والناسُ حولَهم يشاهدونهم .

الفتاة : مع الأسف ، من الواضحِ أنني أقوى منك ! - وريبيكا مثبتةٌ على الأرضِ وهي غاضبة- والآن سننتظرُ حتى يغادرَ هؤلاء الجنود .

وبالفعل يغادرُ الجنود بعد قليل ثمَّ تتركُ السمراء ريبيكا التي تقفُ وتبدأُ بنفضِ ملابسها .

الفتاة : لقد فعلتُ هذا لمصلحتك، والآن دعينا نبدأُ صفحةً جديدة -وتمدُّ يدَها لمصافحتِها-، أصدقاء ؟

تنهي ريبيكا نفضَ ملابسَها وتجيبها : لم أطلب منكِ شيئاً، أتركيني وشأني .

وتترك ريبيكا الطابور وتذهبُ بعيداً والسمراءُ تنظر إليها من بعيد ...

. . . .

لاحقاً تجلسُ ريبيكا في مقعدٍ ما مستريحة ثمَّ بعد قليل يأتي ولدٌ ما ويقفُ أمامها .

الولد : هيي ، أنتِ الفتاة التي كانت تبحثُ عن حقيبتها ! أظنُّ أنني أعرفُ أينَ يمكنكِ إيجادُها !

ريبيكا بفرحة : حقاً ؟! كيف تعرفُ بشأني ؟ ِ الولد : الجميعُ يتحدثونَ عنكِ مؤخراً ! إتبعيني لكي أرشدك إلى الحقيبة .

ريبيكا : حسناً .

وبالفعلِ تتبعُه ريبيكا لعشرِ دقائق فيصلان إلى أحدِ الأزقّةِ العميقة وهناكَ يقفُ الولدُ مكانه .

ريبيكا : لماذا توقفت ؟ أين هي الحقيبة ؟

ثم يُفتحُ البابُ بجانبِ الولد ويخرجُ منه شابّان قذران من سكّانِ الأزقّة ومن خلفِها يظهرُ ثلاثةُ شبّان آخرين ويحاصرونَها وتحسُّ بالهلع !

أحدُ الرجال : إنظروا ما الذي لدينا هنا ؟ يا لها من صيدةٍ ثمينة ! ما رأيكِ أن تسلّينا قليلاً يا حُلوتي ؟

تنظرُ ريبيكا إليهم بخوف وتبدأُ بعضِّ يدِها وتجرحُها ، ولكن عبثاً ولا يحصلُ شيء وتستمرُّ بعضِّها دونَ فائدة والرجالُ يضحكونَ على تصرّفها .

الرجل : هذهِ أكثرُ ردّةِ فعلٍ من الخوف غريبةٍ رأيتُها في حياتي ، انتبهي يا فتاة حتى لا تقطعي أصابعكِ بالخطأ !

تجدُ ريبيكا أن الأمرَ لا فائدةَ منه لذلكَ تتوقفُ عن عضِّ يدها .

ريبيكا : لماذا ؟ لماذا هذا يحصلُ معي ؟!

يقتربُ أحدُ الرجالِ منها فتقفُ وقفةً معيّنة وفيها نظرةٌ غاضبة وتتخيلُ نفسَها تركلُ إحدى الأشجار في الجزيرة التي عاشَت فيها ، ثم توجّه له ركلةً قويّة جدّاً على رأسِه تُسقطه أرضاً مغميّاً عليه .

يتفاجأُ باقي الرجال فيسدّدُ لها أحدُهم بعض اللكماتِ في وجهها مسبباً لها نزيف في الأنف ، يثبتُها ثلاثةُ رجال ويأتي الرابع إليها ويمسكُ ملابسَها وهي تصرخُ .

ريبيكا صارخة : لاااا ، لا تفعل ذلك !

‏وفجأةً وفي لحظةٍ يتلقّى هذا الرجلُ لكمةً قويّة في وجهه تسقطهُ أرضاً ، والشخصُ الذي لكمَه هي نفسُ الفتاةِ التي قابلتها ريبيكا في الطابور ! ‏ ‏تهمُ الفتاة لمهاجمةِ باقي الرجال الذين يفلتون ريبيكا ويبتعدون قليلاً،بعدها تساعدُ الفتاةُ ريبيكا على الوقوف. ‏ الفتاة : لقد كانت ركلةً رائعة تلكَ التي وجهتِها له، أراهنُ أنّه لن يستيقظَ حتى الغد ! - وأثناءَ كلامِها تضعُ أشياء حديديّة على أصابعِها لتقوية ِلكماتها - والآن إتركي الباقي علي !

ثمَّ يقفُ الرجلُ الذي تلقّى اللكمةَ منها وأنفُه ينزف . ‏ تقفُ ريبيكا بجانبِها وتجيبها : لا عليكِ ، يمكنُني القتال !

تبتسم الفتاةُ السمراء : فلنفعلها إذاً !

يهجمُ الرجالُ الأربعةُ على الفتاتين وتتأهبُ الفتاتان لهما ، لكن بعد دقيقةٍ فقط ينتهي الأمرُ بالرجالِ ساقطين أرضاً ! حيث قد أطاحت بهم الفتاتان بسهولة ، ريبيكا بركلاتِها والفتاةُ السمراءُ بلكماتِها .

ثمَّ تنظران إلى الرجالِ الخمسة ساقطين أرضاً وبعدها تبصقُ الفتاة السمراءُ عليهم . ‏ الفتاة : تباً لكم يا حُثالة ، فتاتان صغيرتان قد لقناتكم درساً ، يا للعار .

ريبيكا : شكراً لك ، على إنقاذكِ لي .

الفتاة : لا عليكِ يا عزيزتي ، إنّهُ محضُ روتينٍ أفعله كل يوم ، ضربُ الأشخاصِ السيئين يجعلُني أشعرُ أنّني على قيدِ الحياة .

ريبيكا : فهمت ..

الفتاة : بأي حال ، هلّا أخبرتني ما هو اسمك ؟

ريبيكا : إنه ريبيكا .

الفتاة : ميلاني ، يمكنكِ مناداتي ميل .

تمدُّ ميلاني يدَها لمصافحةِ ريبيكا ، تنظرُ ريبيكا ليدِها قليلاً وبعدَها تبتسمُ وتصافحُها بدورها .

ثمَّ تغادران الزقاقَ معاً ، وتبدأُ ميل بتذكرِ أمرٍ ما ...

_____________________

يدخلُ ولدٌ ما حاملاً حقيبةَ ريبيكا إلى غرفةٍ ما شبيهةٍ بورشة عمل ، وفيها شخصان ، رجلٌ سمين يطرقُ الحديد، وميل ، تنظرُ ميل إلى الولدِ ثمَّ تتقدمُ باتّجاهه .

ميل : رودي رودي رودي ، ما الذي قد جلبتَه لنا اليوم ؟

رودي : لقد حصلتُ على هذه الحقيبةِ من فتاةٍ بيضاءَ غريبة ، أظنُّ أنَّ فيها أشياءَ مثيرةٌ للاهتمامِ حقاً !

تفتحُ ميل الحقيبة وتخرجُ منها وشاحاً .

ميل : يبدو أنها قد جاءَت مِن مناطقَ باردة ، مثيرٌ للاهتمام .

وبعدها تخرجُ ميل رزمةً من الأموالِ من حقيبةِ ريبيكا ، تنظرُ إليها قليلاً وبعدَها تضعُها في جيبها ، ثمَّ تنظرُ إلى رودي وتمسكُ بهِ بشكلٍ مخيف .

ميل بنبرة مخيفة : إذا عرفتُ أنك قد أخذت شيئاً من الحقيبةِ لنفسك ، اعتبر نفسك ميتاً بحلولِ الغد !

رودي : لا تخافي ميل ، من مستحيلِ أن أخونك !

ميل : جيد .

ثمَّ تُخرجُ ميل غرضاً آخرَ من الحقيبةِ وإذ هو كتابٌ اسمه "الفردوس" تحدّقُ ميل في العنوانِ وفيها شيءٌ من الصدمة .

ميل : هذه اللُّغة ! من هي تلكَ الفتاةُ بحقِّ السماء ؟!

ثمَّ تفتحٌ ميل الكتاب وتقرأُ من أماكنَ متفرقةٍ منه ولكن قراءةً مبتدئة .

الرجل السمين : لا بدَّ أنّها قد جاءت من العالمِ العلوي .

يفتحُ رودي الحقيبة ويخرجُ منها حقيبةً أسطوانية معدنيّة مغلقة صغيرة وعليها أزرارٌ ولها حزامٌ لحملِها .

رودي : يا لها من تكنلوجيا متقدّمة ! - ينظرُ إليه الرجلُ وميل - إنّها تحتاجُ كلمةَ سرِّ لفتحِها ، هل هذهِ الحمايةُ ضروريةٌ لمجردِ حافظةِ مشروبات ؟!

ميل : متأكدةٌ بأنّها أكثرُ من مجرّدِ حافظةِ مشروبات !

ثمَّ يحملُ الرجلُ منشاراً كهربائيّاً : فلنفتحها ولنعرف ما الذي بداخلِها الآن !

بينما تقرأ ميل في الكتاب تسقطُ منه ورقةٌ مطويّة ، تفتحُها وتقرأُها .

يأخذُ الرجلُ الأسطوانة ويثبتُها على حاملةٍ مناسبة ويشغّلُ مولدَ كهرباء ثمَّ يبدءُ بنشرِها ، تُصدرُ الحقيبةُ الأسطوانيةُ شراراً كثيراً وصوتاً عالياً مُزعجاً .

صوتٌ من الخارج : توقفوا عن إصدارِ هذه الضوضاء اللعنةُ عليكم !

الرجل : ما أصلبَ هذا الشيء ، إنّهُ لم يُخدَش حتّى !

تتوقفُ ميل عن القراءة ثمَّ تتوجه إلى الرجلِ وتمسكُ يده لإيقافه .

ميل : لا أظنُّ أنها فكرةٌ جيّدة ، أيُّها العمُّ ماير ، لا ندري من هي تلك الفتاةُ بعد ، سوفَ أذهبُ لمقابلتِها غداً لكي أتعرفً عليها أكثر !

____________________

تجلسُ ميل بجوارِ ريبيكا على مقعدٍ قربَ تمثالِ أحدٍ ما وتعالجان بعضهما وعندما تنتهيان تبدأُ ميل بطرحِ أسئلة .

ميل : إذاً من أينَ أنتِ ؟ هل جئتِ منَ العالم العلوي ؟

ريبيكا : ....

ميل : هممم ، أو ربّما من أوهارا الغربية ؟

ريبيكا : .....ِ

ميل : من الشرقِ الأوسط ؟

ريبيكا : أنا آسفة، لا أعرفُ أيّاً من هذه الأماكن .

ميل : حقاً ؟ إذاً من أيِّ دولةٍ أنتِ جئتِ ؟

ريبيكا : لا أدري، لا أعرفُ اسمها .

ميل : غريب، هل تعرفين ما هو اسم بلدنا هذه ؟

ريبيكا : نعم، اسمها روديني .

ميل : لا ، روديني هو اسمُ المدينة، أنا أقصدُ اسمَ البلد .

ريبيكا : أنا ... لا أعرف .

تحسُّ ميل بالريبة وتجيبُها : همم أنتِ غريبة ، حسناً .

تفكرُ ميل قليلاً ، ثمَّ تقف .

ميل : لا بأس ، انتظريني هنا قليلاً ، حسناً ؟

ريبيكا : حسناً .

تغادرُ ميل لبعضِ الوقت ثمَّ تعودُ بعد عدّةِ دقائق ومعها خريطة .

ميل : هذه هي ، خريطةُ عالمِنا ، سأعتبركِ طفلةً صغيرة وسأشرحُ لكِ كلَّ جزءٍ منها ، موافقة ؟

ريبيكا : حسناً .

ميل : جيّد ، والآن عالمُنا ، عالمُنا ينقسمُ إلى قسمين ، قسمُ المحظوظين والذي يسمّى بالعالمِ العلوي وقسمُ سيئي الحظ والذي يسمى بالعالم السفلي ، ونحنُ نعيشُ الآن في القسمِ التعيس وهو العالمُ السفلي ؛ وهو عبارةٌ عن صحراءَ شاسعةٍ تشكّلُ أكثرَ من نصفِ مساحةِ العالم ، ومع أن أغلبَ مناطقِ هذا القسم غيرُ مسكونةٍ ولكن سكانَه يشكّلون غالبيةَ سكانِ العالم حيث يتمركزون بكثافةٍ في مدنٍ مثل هذه ، الشرقُ الأوسط وأوهارا الغربية والشرقية هم أمثلةٌ عن دولِ هذا العالم ونحن نعيشُ الآن في أوهارا الشرقية .

ريبيكا : هكذا إذاً .

ميل : هل كلُّ شيءٍ مفهومٌ حتى الآن ؟

ريبيكا : نعم .

ميل : والآن القسمُ الآخر ، قسمُ البشرِ الأعلى مرتبةً ، العالمُ العلوي ؛ جميعُ الدولِ التي هي من ضمنِ هذا القسمِ تكونُ غنيةً وأراضيها خصبةٌ لسببٍ ما ، يُقالُ أنّهم لديهم القدرةُ على تخصيبِ أراضيهم المتصحرةِ باستمرار ، من دولِ ذلك القسم إيزيا وبورجيا المستعمِرة ، ولديهم ما يُسمى بالكهرباء ولديهم هناك الكثيرُ من السيارات ! كما أنَّ لديهم التلفاز والذي هو عبارةٌ عن صندوقٍ يمكّنكِ من رؤيةِ أُناسٍ آخرين من أماكنَ أخرى حولَ العالم !

ريبيكا : حقاً ؟!

ميل : بالتأكيد ، بأيِّ حالٍ هل تظنّين أنّكِ جئتِ من العالمِ العلوي أو من العالمِ السفلي ؟

تفكرُ ريبيكا قليلاً ثم تجيبها : أنا ... لا أعلم .

تتنهدُ ميل وبعدها تواصل : حسناً ، بقيَ مكانان لم أذكرهما لك مع أنّني لا أتوقّعُ أنك قد جئت من أحدهما لكنهما مثيران للاهتمام وسأذكرهما بأيّ حال، إنّهما جزيرتان ، أولُهما هي دولةُ زوديا ، حافةُ العالم أو كما أدعوها سقفُ العالم ! - تشيرُ ميل على مكانها على الخريطة وتظهرُ أنها موجودة في أقصى شمال الخريطة- يُقالَ أن التكلو... التلكو... -تضعُ ميل يدَها على رأسِها مفكّرة- كيف يلفظونها ؟ ... أووه نعم التكنلوجيا التي فيها تعادلُ التي في العالمِ بأسره ! ويُقالُ بأنها المسيطرةُ على العالمِ في الخفاء ، ليس لدي الكثيرُ للتكلمِ عنها لأنني لم أعرف أي شخصٍ قد ذهبَ إليها من قبل وقلّةٌ من يعرفون ما الذي يوجدُ فيها !

تبقى ريبيكا صامتةً بدون تعليق وميل تحدقُ فيها .

ميل : والآن الجزيرةُ الثانية ؛ الجحيم ! الجزيرةُ الملعونة - تشيرُ ميل إلى مكانِها على الخريطة حيثُ تُقعُ في أقصى جنوب الخريطة- كلُّ من يذهبُ إليها يموتُ أو يختفي للأبد بدونِ أيِّ أثرٍ لجثّته غالباً ، وهناك ثوراتٌ بركانية تحصلُ فيها كلَّ عدةِ سنواتٍ تسبّبُ قتلَ الكثيرِ من الكائناتِ الحيةِ فيها كلَّ مرّة ، -تستمعُ ريبيكا لكلامها بتركيزٍ كبير - أعتقدُ أنّه الآن موسمُ إحدى الثوراتِ البركانيّة ، لا أدري ، بأيِّ حالٍ هذا ما يقولُه الناسُ عنها وأنا غيرُ مقتنعةٍ تماماً بهذا الكلام ، أظنُّ أنّها مجرّدُ بعضِ القصصِ التي يرويها الناسُ للإثارة فقط ، أنتِ ما هو رأيكِ بشأنِ هذا الكلام ؟

ريبيكا : أظنُّ أنّني عرفتُ أينَ هو موطني .

ميل : رائع ! أين ؟

تقرّبُ ريبيكا إصبعها من الجزيرةِ الملعونة للإشارةِ إليها لكنها تدركُ بأنَّ إخبارها لن تكون فكرةً جيّدة لذلكَ تغيّرُ رأيها في آخرِ لحظة وتشيرُ إلى مكانٍ عشوائي في العالم السفلي .

ميل : زيهير هممم حسناً ، إنَّ الحرارةَ مرتفعةٌ عندكم هناك .

ريبيكا : نعم ، صحيح .

تنظرُ إليها ميل بشكٍّ للحظات بشكلٍ يريبُ ريبيكا لكن تعود ملامحُ وجه ميل طبيعية مباشرةً .

ميل : إذاً ما هو اسمُ والديكِ ؟

تشعرُ ريبيكا بالريبةِ من هذا السؤال .

ريبيكا : نيلز ومارثا ، لماذا هذا السؤال ؟

ميل : لا عليكِ ، بأي حال أنتِ قلتِ لي أنّك تبحثين عن حقيبتكِ المسروقة ، ما الذي ستفعلينَه بعد إيجادها ؟

تفكرُ ريبيكا قليلاً ثمَّ تُخرجُ ورقةً من جيبها .

ريبيكا : سأذهبُ إلى هذا المكان ، هل تعرفين أين هو هذا العنوان ؟

تعطي ريبيكا الورقةَ لميل ، تفتحُها ميل وتقرأُ العنوان .

ميل : أوديميا ، والز ، حديقةُ الألفية ، تاريخ 21 مارس ، نعم أنا أعرفُ أوديميا بالتأكيد ، لكن هذا بعيدٌ جداً ، كيف تنوينَ الذهاب لهناك ؟

ريبيكا : أنا ... لا أدري .

ميل : يوجدُ هناك تاريخٌ على الورقة ، هل تنوين مقابلةَ أحدٍ ما في هذا التاريخ ؟

ريبيكا : نعم .

ميل : لقد بقي 24 يوماً حتى هذا الموعد ، من الصعب الوصول لهناك قبل انقضاء هذه المدّة .

ريبيكا : أعرفُ ذلك ، لا أريدُ تفويتَ هذا الموعد ، هل تعرفين طريقةً للذهابِ لهناك ؟

ميل : مع الأسف سوف تحتاجين مالاً كثيراً لكي تتمكني من الذهابِ لهناك ، ما من وسيلةٍ أخرى .

ريبيكا بحزن : هذا مؤسف .

ميل : هلا أخبرتِني ، أين تقيمين حالياً ؟

ريبيكا : في منزلِ رون .

ميل : رون راكفيلد ؟

ريبيكا : أجل .

ميل : إذاً لا يمكنُ القلقُ عليكِ ، يمكنُه التكفلُ بأمرك ، سأراكِ في الأرجاء .

تهمُّ ميل للمغادرة .

ريبيكا : انتظري ! لا أريدُ المبيتَ عنده ليومٍ آخر ، أنا لا أشعرُ بالراحةِ هناك ، هل يمكنني النومُ عندكِ اليوم ؟

ميل بابتسامة : بالتأكيدِ يمكنك ، نحنُ صديقتان الآن !

تخرجُ ميل من محفظتِها قلماً وتسجّلُ عنواناً على ورقةِ ريبيكا .

ميل : هذا هو العنوان -تفكرُ قليلاً ثمَّ تواصلُ الكلام- الآن يوجدُ لديَّ عملٌ لأتولاه وسأعودُ للبيتِ ليلاً ، يمكنكِ الذهابُ لهناك وإخبارُهم أن ميلاني قد أرسلتك وسيرحبون بك بكلِّ تأكيد .

ريبيكا : حسناً سأفعلُ ذلك ، شكرا لك !

تبتسمُ ميل رداً على ذلك ، ثمَّ تغادرُ المكان .

. . . . . .

تبقى ريبيكا جالسةً في مكانِها بعدها بفترة ، ثم يأتي رجلٌ ويجلسُ جانبَها ولا تعيرُه اهتماماً ، يبقى جالساً لبعضِ الوقتِ دونَ أن تنظرَ ريبيكا إليه حتى يبدأَ الكلام .

الرجل : إن الطقسَ باردٌ اليوم .

تستغربُ ريبيكا من كلامه حيثُ أنّها جالسةٌ في الظلِّ لتجنّبِ الحرارةِ الشديدةِ أساساً ! لكن فجأةً تشعرُ ببردٍ شديد وبقشعريرةٍ في جسدِها وتبدأُ بالرجفان !

الرجل : كيف حالُ إيرين مؤخراً ؟

ريبيكا بتفاجؤ : كيف تعرفُ بشأن إيرين ؟! من هو أنت ؟

تحاولُ ريبيكا الالتفات لكي ترى وجهه ولكنها لا تتمكنُ من ذلك لسببٍ ما .

الرجل : أنا هو مصيركِ ومرشدكِ منذُ البداية وحتّى النهاية ، لقد كان يتوجبُ عليكِ سماعُ نصيحتي في ذلك اليوم ، أنا متأكدٌ بأنّكِ فهمتِ قصدي حينها، والآن بسبب تجاهلكِ لي قد ضعتِ في طريقكِ وصرتِ عبدةً لإيرين يتحكمُ بك كالدميةِ كما يشاء .

ثم تدركُ ريبيكا أنها غير مصابةٍ بالبردٍ أو الشلل ولكنها فقط مرعوبةٌ بشدّة من حضوره لدرجةِ عدمِ تمكُّنها من النظرِ إلى وجهه !

الرجل : هذا ليس ما يجب عليه إيرين أن يكون ، إيرين الحالي في حالةٍ من التخبّطِ والضياع ، إيرين القديم يتوجبُ عليه أن يعود !

ريبيكا : عن ماذا تتكلم ؟

الرجل: وأنتِ أيضاً ، أنت فقط وعاء ، أنت لستِ ريبيكا ، ريبيكا لا أحد ، لذلك استمرّي بخوض طريقكِ لكي تمهّدي الطريقَ لعودةِ ذلك الشخص !

ثم يفتحُ يدها ويضع شيئاً دائرياً فيها وهي لا تزالُ عاجزةً عن النظرِ إليه.

الرجل : عندما تشعرين أنّكِ قد سئمتِ من إيرين ، كلُّ ما عليكِ فعلُه هو استخدامُ هذا ، أنتِ هي الوحيدةُ القادرةُ على إيقافه !

ثم فجأةً تجدُ ريبيكا نفسَها في الفراغِ حيثُ هناك أربعُ نجوم ثلاثٌ منها متّصلات وواحدةٌ منفصلةٌ عنهم .

تنظرُ ريبيكا أمامَها فترى امرأَتين تشبهانها واقفتين أمامها ووجهاهما مظلّلان بالكامل ؛ واحدةٌ منهما ترتدي معطفاً بنيّاً قصيراً وترتدي لباساً خاصاً مخصصاً للمعارك ، والمرأةُ الثانية ترتدي ملابسَ فاخرة وشعرُها طويل وتضعُ تاجاً على رأسِها .

تستديرُ الفتاةُ صاحبةُ المعطفِ حيث يوجدُ جناحان مرسومانِ على ظهره ، ثم تختفي الفتاة ، وتبقى المرأةُ صاحبةُ التاج وتمدُّ يدَها لريبيكا ، تقتربُ ريبيكا منها فتختفي المرأة ويظهرُ مكانَها منصةٌ حجريّة مثلَ منصّةِ هايبيريون والمؤسّس لكن هذه منقوشٌ عليها كلمة "المهاجم" .

تقتربُ ريبيكا للمس المنصّة وعندما توشكُ على ذلك يمسكُ أحدٌ ما يدها لمنعها ، تنظرُ إليه فيظهرُ أنّه إيرين وينظر لها نظرةً جادّة !

ثمَّ يختفي كلُّ شيءٍ وتجدُ ريبيكا نفسَها على المقعدِ في الحياةِ الواقعيّة مجدّداً وتحسُّ بإرهاقٍ كبير وتتنفسُ بصعوبة ، تنظرُ حولَها فلا تجدُ أحداً ، ثمَّ تفتحُ يدَها وتجدُ فيها شيئاً ذهبياً دائريّاً وله سلسلة ، تفتحُه فإذ هو بساعةٍ لها عقارب وبزخرفاتٍ وكتاباتٍ من أغربِ ما يكون !

تحدّقُ ريبيكا في الساعةِ قليلاً ، ثمَّ تُغلقُها وتضعُها في جيبها وتُغادرُ المكان ...

2023/12/06 · 50 مشاهدة · 4448 كلمة
Badr d alahmed
نادي الروايات - 2025