أرك الصحراء الشرقية (فلاشباك) الفصل الأوّل من الأرك عدد الكلمات : 3822 كلمة

"حديقة الألفية"

تقرأُ ريبيكا العنوان المكتوب على مدخل الحديقة وهناك الكثيرُ من الناس يمرون بجانبها منهم الداخلين للحديقة ومنهم الخارجين .

ريبيكا : إذاً هذه الحديقةُ هي المكان حيثُ من المفترضِ أن نلتقي ، إنّها كبيرة حقّاً ، أين من المفترض أن يكون اللقاءُ بالضبط ؟

تدخلُ ريبيكا إلى الحديقةِ وتُمضي بعض الوقتِ في التمشّي فيها وتسألُ الناسَ عن شخصٍ أسمرَ طويل وتصفه لهم لكن يجيبونها بأنهم لم يروا شخصاً بهذه المواصفات ، ثم بعد أن تيأس ريبيكا من إيجاده تذهبُ لتجلس على أحد المقاعد .

تجلسُ ريبيكا ثمَّ تفتحُ الورقةَ التي معها وتتأكدُ من التاريخ : من المفترضِ أن يكون الموعدُ اليوم ، يبدو أنني وصلتُ قبلَه ، سوف انتظره إذاً حتى يأتي ، أنا فقط أخشى أن أبقى انتظر هنا حتى المساء .

تبقى ريبيكا جالسة وهي تحدّقُ بالأشجارِ المقلّمة بعِناية بشكلٍ جميل ، ثمَّ تنظرُ للأعلى حيث هناك برجٌ عالٍ في منتصفِ الحديقة وهناك كرةٌ عملاقة متعددةُ السطوح في قمّته ويبدو أن هالةً غريبة تصدرُ منها ، تنظرُ ريبيكا إليها قليلاً ثمَّ تهملُها وكأنَّها تعرفُ مسبقاً ما هذا الشيء ثم تكمل تأملها في الأشياء حولَها ؛ في الطيور والأشجار والأناس الذاهبين والقادمين لعلها تجدُ من تبحثُ عنه ...

وبعدَها بينما هي تنتظر تبدأُ بتذكُّرِ الأحداثِ التي حصلت معها منذ أن تركت الجزيرة.

____________________

قبل تسعة أشهر ....

تقف ريبيكا على مكان عالٍ عندَ الشاطئ عند الجانب الآخر من المحيط بعد أن قطعته مغادرةً الجزيرةَ الملعونة ،وهي مرتديةٌ وشاحها الذي يرفرف طرفه بتأثير الرياح وسفينتُها الصغيرة التي تركت بها الجزيرة مرسيّةٌ عند الشاطئ .

ثمَّ تحدّقُ ريبيكا بالأراضي البعيدة التي تبدو شبه قاحلة .

ريبيكا : إذاً هذا هو الجانب الآخرُ من البحر ، منَ المفترضِ أن يكونَ أبي في مكانٍ ما في هذه الأراضي .

ثم ترى نسراً يرفرفُ مقترباً منها ويحطُّ بعدها على إحدى الصّخور ويبدأُ بالتحديقِ في عيني ريبيكا مباشرةً ، تحدّقُ ريبيكا فيه بريبةٍ لبعضِ الوقتِ ثمَّ تدركُ في النّهايةِ ما هو شأنُه ، فتقرّب يدها للنسرِ الذي يستجيب لها بدوره فيطيرُ ثمَّ يحطُّ عليها ، وبعدها يظهرُ برقٌ أصفر .

ثم تنتقلُ ريبيكا إلى الفراغِ وتجدُ إيرين جالساً أمامها على مقعدٍ حجري غريب يشبه العرش .

إيرين : مرحبا بك مجدداً ، ريبيكا .

ريبيكا : ....

إيرين : إن هدفكِ هو إيجادُ والدك ، أليس كذلك ؟ هل تعرفين أين يمكنكِ إيجاده بالضبط ؟

ريبيكا : لا أعرف ، ولكنّني سأتمكّنُ من إيجاده بنفسي !

إيرين : إنَّ والدكِ الآن يتواجدُ في العالمِ العلوي ، وليس في مكانٍ عاديٍّ منه ، بل في دولةٍ تسمّى زوديا أو حافّةُ العالم ! وهي باختصار أقوى دولةٍ في العالم والأكثرُ حذراً وتطوّراً على الإطلاق ، أي أنَّ مهمّةَ التسلّلِ إليها شبه مستحيلة فما بالكِ بمحاربتِهم كما تسعين لفعله !

ريبيكا : لا يهم ، أنا قويّة ، لا أحد يمكنه هزيمةُ عملاقٍ بحجمي ، سأسحقهم بيديَّ حتّى لا يبقى أي فردٍ منهم على قيد الحياة !

إيرين : إنَّ الأمرَ ليسَ بهذه البساطة ، إن زوديا لديها أسلحةٌ قويّة وفتّاكة لدرجةِ أنّه ستتمُّ إبادتُك حتى قبلَ أن تصلي لحدودها حتّى ! إمّا هذا أو سيلتقطوكِ ليجعلوك فأرَ تجاربٍ لهم ، لكن طالما أنا معكِ سنتمكن من أن نريهم أياماً سوداءَ لن يروها في حياتهم مجدداً حتّى ولو بعدَ ألفِ عام ! هل أنت معي في ذلك ؟ ريبيكا .

ريبيكا : ...

إيرين : حسنا إذاً .

ثمَّ يقفُ إيرين ويختفي المقعد الذي كانَ يجلسُ عليه وبعدها يظهر خلفه في السّماءِ برجٌ سماوي يتألّفُ من تسعِ نجومٍ .

إيرين : لقد بسّطتُ لكِ الأمرَ على شكلِ نجوم لكي تفهميه بسهولة ، - ثمَّ يشيرُ إلى البرجِ السماوي- هذا هو هدفنا ؛ الوصول إلى تسعِ نجوم ، الآن لدينا ثلاثةُ نجومٍ فقط ، وللحصولِ على كل نجمةٍ سيتوجّبُ عليكِ إلتهامُ إلديانيِّ جديد ، كلامي لم يكُن دقيقاً عندما قلتُ لكِ في الجزيرة أنه سيتوجّبُ عليكِ إلتهامُ أحدِ أفرادِ عائلتكِ لكي تحصلي على قوى العمالقة ، بل إنَّ الأمرَ يعتمدُ على النخاعِ الشوكي الإلدياني الذي عند أخيكِ وأمّكِ ، لقد أردتُ فقط تبسيط الشرحِ لك ، ولم يكُن هناكَ خيارٌ آخر إلّا الذي حصلَ بالفعل مع الأسف .

ريبيكا : ....

إيرين : الآن سأشرحُ لكِ الأمورَ بإسهاب ، في اليومِ الذي وجدتِ فيه أصلَ قوّةِ العمالقةِ عندَ الشجرة ، حينَها قد حصلتِ على النجمة الأولى ؛ والتي تمثّل العملاقَ الملكي ، العملاقُ الملكي هو العملاقُ الأوّل الذي قد تواجد قبلَ أن تظهرَ قوّةُ أيِّ عملاقٍ آخر ، ويتميز هذا العملاق بدمائِه التي بتفاعلها مع قوّةِ المؤسس ستعطيك السلطة المطلقة على العمالقة ، ولكن الآن فقط جزءٌ صغير جدّاً يكادُ يكون معدوماً هو مفعّلٌ لديكِ من الدماء الملكيّة ، وما إن تحصلي على النجومِ التسعة أو تلتهمي الإلديانَ الثمانية جميعهم سيمكّنكِ ذلك من تفعيلِها كليّاً وحينها ستكونُ لديكِ السيطرةُ المطلقة وسنكون قد انتصرنا حينها !

ريبيكا : ...

إيرين : النجمةُ الثانية قد حصلتِ عليها عندَ حادثِ أخيكِ عند الجبل ، وهذه تمثّلُ قوّةَ عملاقَ هايبيريون ، وهذا العملاق يعتبر الأفضل بعد قوّةِ المؤسس والملكي بدماءَ ملكيّة مفعّلة ، هل تعرفين السبب ؟ ليس لأنه قادرٌ على علاجِ أي أصابةٍ مهما كانت بليغة ، وليسَ لأنّه يمكنه خلقُ أشجارٍ من العدم أو جعلُ أيَّ شيءٍ خصباً ومثمراً ، إنَّ السببَ الحقيقي لكونِه الأفضل هو ("....") .

ثمَّ يشرح إيرين لريبيكا شيئا ما وريبيكا تستمع إليه.

إيرين يواصل : والآن النجمة الثالثة ، لقد حصلتِ عليها ... بعد وفاة والدتك .

ريبيكا : ...

إيرين : وهي تمثُّل قوّةَ العملاق المؤسس ! - ثمَّ يظهرُ فجأةً مجسّمٌ غريب وهو عبارةٌ عن خطوطَ مضيئة معقّدة على طاولةٍ حجريّة أمامه - وقوّةُ هذا العملاقِ ستتيحُ لك التحكُّم والتلاعب برعاياكِ بالشكلِ الذي تريدينَه ، وهذا المجسّم هو جسدُ الإلدياني ، وكلُّ جزءٍ وخطٍّ من هذه الخطوط له دورٌ أو يتحكّمُ بجزءٍ معيّن من جسدِ أو عقلِ الإلدياني ...

وبعدها يشرحُ إيرين لريبيكا شرحاً مطوّلاً عن كيفية التحكُّم بهذا الشيء ، كما يعلّمُها الكثير من الأساسيّاتِ الأخرى التي يجبُ عليها أن تتعلّمها .

ريبيكا وهي جالسةٌ على الرّمالِ وتشعرُ بالملل : هل يمكنني المغادرة الآن ؟

إيرين : بقيت نقطةٌ واحدةٌ عليكِ معرفتُها ، يوجدُ هناكَ ثلاثةُ أنواعٍ من الإلديان ؛ النوعُ الأوّل وهو الإلديانيُّ النشط والقادرُ على التحوّل لعملاق ، وهذا هو النوعُ الذي كانَ سائداً بعصري والآن لا يوجدُ أي شخصٍ منهم متبقٍّ في العالم ، النوعُ الثاني وهو الإلديانيّ الخامل وهو غيرُ قادرٍ على التحوّل لعملاق ولكن يمكنكِ الاستفادةُ منهم من خلالِ التهام نخاعاتهم الشوكيّة ، وجميعُ الإلديان في العالم في وقتنا الحالي يكونونَ من هذا النوع ، النوع الثالث هو الإلديان المؤقّتون وهؤلاءِ لديهم نفسُ خصائصَ الإلديانِ النشطين وهؤلاء يمكنكِ أنتِ صنعهم بنفسك ! أي ببساطة جميع رعاياكِ سيكونون من النوع المؤقت !

ريبيكا : حسناً فهمت ، هل انتهينا ؟

إيرين : إذاً المحصّلة ؛ كلُّ ما عليكِ فعلُه الآن هو الوصول لتسع نجوم وستحصلين على الدماء الملكيّة ، أي باختصار التهمي فقط ستّة إلديان وستحصلين على قوة جبّارة كفيلةٍ بتغييرِ العالم ، بسيط أليس كذلك ؟

ريبيكا : حسناً ...

إيرين : يمكنك تمييزُ رائحتِهم بسهولة عندما تقابليهم حيثُ أنّهم يحملون نفس رائحةِ عائلتك ، حسناً يبدو أنَّ طاقةَ المؤسّس على وشكِ النفاذ ، سوفَ نتحادثُ مجدّداً في يومٍ آخر ، وسأعطيكِ بعض الإرشادات تخاطريّاً في المواقفِ المهمّة ، كما سأرسلُ لك النسرَ عندما أرغبُ بالتحدّثِ معكِ هنا ، دعيه يحطُّ على يدكِ عندما ترغبين بالتحدّثِ أيضاَ ، فأنا أريدكِ أن تمتلكي حريّة الاختيارِ قبل كلِّ شيء .

ريبيكا : ...

إيرين : حسنا إذاً ، هذه هي أهمُّ الأمورِ التي يجبُ عليكِ معرفتها في رحلتك ، رحلةٌ موفّقة !

ثمَّ يرفعُ إيرين يدَه للأعلى فتختفي ريبيكا من أمامِه وتعودُ للحياةِ الواقعية .

يبقى إيرين بمفردِه واقفاً ويحدّقُ في الفراغِ في لا مكان مفكراً ، ثمَّ يظهرُ أمامَه فجأةً ثلاثةُ مشاهد ؛ مشهدٌ لثلاثةِ أشخاصَ موتى في الصحراء وتوجد أشجارٌ وغربانٌ حولهم ، ومشهدٌ لسياراتٍ محطّمة ومليئة بالجثثِ والدماء ، ومشهدٌ لستّةِ أشخاصَ على منصّة إعدام .

إيرين : ريبيكا ، كلُّ ما عليكِ فعلُه هو تجاوزُ هذه الاختبارات الثلاثة ، تجاوزيها وسيكون بمقدورك حينها تجاوزُ المستقبلِ الأسود الذي ينتظرك !

. . . . . . . . . . .

تعود ريبيكا للحياةِ الواقعية ويغادرُ النسرُ عن كتفِها وبعدها تتحوّلُ لعملاقٍ وتحملُ على ظهرِها صندوقاً ضخماً من السفينة محاطاً بشبكةٍ من الحبال وتنطلقُ بعدها في طريقها ...

ريبيكا تفكر داخل العملاق : فليذهب التهامُ الإلديان إلى الجحيم ، كلُّ ما يهمُّني هو الذّهاب لوالدي الآن ، حافّةُ العالم ، سأجدُ أُناساً لأسألهم كيفَ يمكنني الوصول إليها !

يستمرُّ العملاقُ بالترحالِ في الأراضي الصحراويّة الخالية لأسابيع وتشعرُ ريبيكا أنّها ستفقدُ الأمل لأنّها لم تجد أيَّ إنسان ، يستمرُّ العملاق بالجري في النهار وفي الليل تخيّمُ ريبيكا وتُخرجُ فِراشاً من الصندوقِ الكبير وتنامُ بجانب الصندوق أسفلَ السّماء الصافية كثيرةِ النجوم ، والصندوق مليءٌ بالطعامِ والماء الذي يلزمها لإعادةِ شحن طاقةِ عملاقِها بعدَ التحوّل لعملاق لمدّة طويلة .

وبعد الترحال لثلاثة أسابيع تلمح شيئاً ما أخيراً !

ريبيكا تنظر من بعيد : يوجدُ هناكَ بعضُ البيوت القريبة من بعضِها ولكنها ليست كثيرة ، أظنُّ أنَّ هذه ليست مدينة وهذه اسمُها قرية ، يجبُ أن أعود بشريّةً لكي أحادثَهم !

ثمَّ يضعُ العملاق الصندوق جانباً وبعدها تعودُ ريبيكا لشكلها البشري على بعدِ نصفِ ميلٍ تقريباً من القرية ثم تذهبُ باتّجاهِها مشياً .

ريبيكا : حسناً ريبيكا هؤلاء هم أوّلُ بشرٍ ستتحدّثين معهم بعدَ عائلتِك ، تمالكي نفسكِ ولا تتوتّري ، لن يأكلوكِ على قيدِ الحياة صحيح ؟

تقتربُ ريبيكا من القرية وتلاحظُ أنّها قريةٌ صغيرة عددُ البيوتِ فيها لا يتجاوزُ الخمسين ، توشكُ ريبيكا على الوصولِ إلى القرية ثم ترى أطفالاً ينتظرونها عند المدخل ، تنظرُ ريبيكا إليهم ثمَّ تقفُ مكانها مصدومة .

ريبيكا بصدمة : لماذا لونهم ... أسود ؟!

ثم تتمالكُ نفسَها قليلاً : لا بأس ، أظنُّ أنّني قرأتُ عن وجودِ أشخاصٍ ألوانهم مختلفة في كتابِ والدتي ، هل سيكونون لطيفين يا ترى ؟

ثم تصلُ ريبيكا إليهم ، يتجمّعون حولَها ويتقافزون بشكلٍ همجي ويزعجوَنها بأصواتِهم وصراخِهم وكأنّهم يطلبون منها شيئاً ما بكلماتٍ غيرِ مفهومة وبعضُهم يمسكون ملابسَها وأحدهُم يسحبُ حقيبتَها .

ريبيكا بذعر : لا ... ليس الحقيبة !

تنظرُ ريبيكا إليهم وتلاحظُ أن أجسادَهم هزيلة فتُفكّرُ قليلاً ثمَّ تُخرج من الحقيبةِ ما فيها من فاكهةٍ قد جمعتها من الجزيرة وتوزّعها عليهم حتى ينتهي ما لديها ثم تهربُ منهم وتدخل إلى داخلِ القرية .

ريبيكا : لقد نجوتُ منهم بأعجوبة .

تأخذُ ريبيكا نظرةً سريعة خلفها إلى الأطفال وترى أنَّ أحدَ الأطفالِ يأخذون منه الفاكهة التي أخذها ويبدؤون بضربه .

ريبيكا : ...

تهملُه ريبيكا وتعتبرُ الأمرَ مجرّدَ شجارِ أطفال وتدخل بعدها إلى داخلِ القرية وتمرُّ من بينِ البيوت حتّى ترى امرأةً تغسلُ بعضَ الملابس .

ريبيكا : معذرةً ، أنا أبحثُ عن مكانٍ يدعى حافةَ العالم ، هل تعرفين كيفَ يمكنُني الوصولُ إليه ؟

المرأة : sielewi unasemaje .

ريبيكا : ماذا ؟

المرأة : unasema nini ؟

ريبيكا : ماذا ؟ لا يمكنني فهم ما تقولينَه !

المرأة : Unaongea lugha gani ؟

تفكّرُ ريبيكا قليلاً ثم تمسكُ رأسَها حيثَ أنّها تذكّرت أن والدتها أخبرتها أنّه يوجدُ هناكَ بشرٌ يتحدّثون بلغاتٍ مختلفة ولكن ريبيكا لم تكن مقتنعةً بهذا الأمرِ لسبب ما .

ريبيكا : هذا ، سيّءٌ حقّاً !

ثم تتركُ ريبيكا المرأة وتغادر ، تمرُّ من بينِ عدّةِ بيوت وترى الكثيرَ منَ الرجالِ والنّساء في الخارج ِينظرونَ إليها ويتلفّظون بكلماتٍ غريبة وريبيكا ليست لديها أيّةُ فكرةٍ عمّا يقولونه .

ريبيكا : معذرةً ، لا يمكنُني فهمُ ما تقولونه ، هل يجيدُ أحدكم التحدّث بالّلغةِ التي اتحدّثُ بها ؟

لكن يواصلون التهامسَ بينَهم والتحدّثَ معها بلغةٍ غير مفهومة بالنسبةِ لها .

ريبيكا : ...

بعدها تغادرُ ريبيكا القريةَ محبَطة لأنّها لن تتمكّن من التواصلِ مع أحد ، ثمَّ تذهبُ وتجلسُ في مكانٍ ما على صخرةٍ خارجَ القريةِ باكتئاب وتراقبُ الماعزَ وهي ترعى في الأرضِ شبه الجرداء .

ينظرُ الرّاعي العجوز إليها من بعيد ، ثمَّ يقتربُ منها ويجلسُ بجانبِها ، يبقى صامتاً لبعضِ الوقت ثمَّ يبدأُ بالتكلّمِ مع ريبيكا بكلامٍ غير مفهوم وريبيكا جالسةٌ تستمعُ إليه لمدّةِ نصفِ ساعةٍ ولا تدري السبب ، وهو يواصل التحدّث كأنّه يعرفُ ريبيكا منذُ زمنٍ بعيد ، تفهمُ ريبيكا من طريقةِ كلامِه أنّه يشتكي منَ الأحوالِ الراهنة ، ويشير أحياناً إلى ماعزٍ مريضٍ لديه .

ثمَّ يقفُ الراعي ويأخذُ ريبيكا معه إلى مكانٍ ما ، يريها في طريقهما بستاناً قاحلاً وأشجاره يابسة ، ثمَّ يستمرّانِ في المشي حتى يصلانِ إلى بئر ، يلقي الراعي فيه دلواً ويستمرُّ بتحريكِ الحبلِ من الأعلى حتى يتمكّنَ من ملءِ الدلوِ بأكبرِ قدرٍ ممكن من الماء ، ثمَّ يُخرجُ الدلوَ الممتلئٌ نصفُه ويبدو أنَّ مياهَه مليئةٌ بالأوساخ ، يعطيها الدلو ويبدو أنّه يعرُض عليها الشرب ، تبتسمُ ريبيكا وتشربُ الماء مجبرةً نفسها على ذلك ثمَّ تشكرُه بعد أن تشربها .

ثمَّ يقتربُ الغروب وتقرّرُ ريبيكا مغادرةَ القرية ومواصلةَ رحلتِها ، وعندَ مخرجِ القرية تلمحُ ريبيكا الطفلَ الذي تعرّضَ للضربِ من قبل ، وينظر هذا الطفل إليها ويبدو أنّه لم يدخل لمنزلِه لسببٍ ما ، وتلاحظُ ريبيكا أنّه لديهِ لونُ عينين شديدُ الزرقةِ بشكلٍ لا يناسبُ لونَ بشرتِه السوداء .

تنظرُ ريبيكا إليه بريبة لبعضِ الوقت ، ثمَّ تهملُه وتغادرُ القريةَ وتعودُ إلى صندوقِها الكبير، وتهمُّ للتحوّلِ والمغادرة لكن قبل ذلك تنظرُ ريبيكا باتّجاهِ القرية ، تفكّرُ قليلاً ثمَّ تخطرُ لها فكرة !

. . . . . .

تحملُ ريبيكا أحدَ صناديق الطعام الموجودة داخل صندوقِها الكبير وتضعُه عندَ مدخلِ القرية ، بعدَها تتسلّلُ إلى حظيرةِ الماعز الخاصّةِ بذلك الراعي ، تجرحُ يدَها وتعالجُ الماشيةَ المريضة بجذورِها ، ثمَّ تذهبُ خارجاً وتنظرُ للأشجارِ اليابسة ، تفكّرُ قليلاً ثمَّ تغرزُ جذورَها داخلَهم .

ريبيكا : هل سينجح ذلك يا ترى ؟

بعد عدّةِ دقائقَ تبدأُ الوريقات بالظهورِ على أغصانِ الشجرة وما هي إلّا دقائق حتى صارت الشجرةُ مورقةً بالكامل !

ريبيكا بانبهار : هذا رائع !

ثمَّ تنظرُ ريبيكا للمحاصيلِ الشبه ميّتة ثم تفكّرُ قليلاً بعدها تغرزُ يدَها في الأرض ، بعدها تصير ُالمحاصيل خصبة ويتغير لون التربةِ لتصيرَ صالحةً للزراعةِ أكثر !

ريبيكا :لم أتوقّع أن ينجحَ ذلك ، هذه القوّةُ مذهلةٌ حقّاً ! ولكنّها مرهقةٌ في نفسِ الوقت .

ثمَّ تذهبُ ريبيكا للبئرِ وتنظرُ لقاعِه وتفكّرُ في طريقةٍ لفتحِه ، تنظرُ قُربَ البئرِ فتجدُ عموداً معدنيّاً عريضاً وطويلاً ومربوطاً بحبال ، لا تمتلكُ ريبيكا أي فكرةٍ عن ماهيّةِ هذا الشيء لكنها تتوقّعُ أنهم غالباً حاولوا استخدامَ هذا الشيء لفتحِ البئر ، ثمَّ تتحوّلُ ريبيكا لعملاقٍ وتحملُ هذا العمود وتبدأُ بواسطتِه بضربِ قعرِ البئرِ لفتحِه .

. . . . .

يستيقظُ أهلُ القريةِ في الصباحِ وينبهرون بإيجادِ أنَّ الحقلَ قد عادَ للحياة فأشجارُه جميعُها صارَت مورقة والمحاصيلُ قد أصبحت خصبةً والبئرُ الآنَ مياهه أصبحت نقيّة وتفيضُ من فمِه مشكّلةً بركةً حولَه ! والأطفالُ من فرحتِهم صاروا يسبحون في البركةِ التي تشكّلت من البئر .

. . .

تستلقي ريبيكا بجانبِ صندوقِها الكبير أو الغرفةِ الخشبيّة وهي تشعرُ بالرّضا عن نفسِها لما فعلَت ، ثمَّ تتذكّرُ كلامَ إيرين .

إيرين : إن هايبيريون له قدراتٌ كثيرة عظيمة ، لكن لكلِّ شيءٍ مُبهر ثمنٌ غالٍ ، وثمن استعمالِ قوّةِ هذا العملاق بكثرة هو الإنقاص من عمرك الذي ستعيشينه ! لذلكَ حاولي استخدامه في الحالات الطارئةِ فقط ، سوفَ تظهرُ خطوطٌ حمراءُ على ذراعكِ لإخباركِ كم قد تبقّى من عمرك !

تتفحّصُ ريبيكا ذراعيها بينما هي مستلقية ولكن لا تجدُ شيئاً : أتسائلُ كم قد خسرتُ من عمري بفعل هذا ، - ثمَّ تصمتُ لدقائق و بعدها تواصل- بأيّ حال سوف أنامُ ليومين بسببِ الإرهاقِ الذي أصابَني من استعمالِ هذه القوّةِ بكثرة .

وبالفعلِ تنامُ ريبيكا طوالَ اليومِ حتّى صباحِ اليوم التالي ، ثمَّ تستيقظُ وتهمُّ لاستكمالِ رحلتِها ، تتحوّلُ لعملاقٍ ثمَّ تسمعُ صوتاً ما وكأنّه صوتُ خشخشة ، تُرهفُ سمعَها قليلاً لكنّها لا تسمعُ شيئاً ، ثمَّ تتجاهلُ الأمر وتحملُ الصندوق أو الغرفةَ الخشبيّة وتنطلقُ في طريقِها .

يجري العملاق ويستمرُّ بالترحال عبرَ الصحاري والأراضي القاحلة ، وتبقى تجري بدونِ توقُّف حتّى غروبِ الشمس ، تضعُ الغرفةَ في أرضاً وتعودُ بشريّة وتنظرُ بعدها للأُفق .

ريبيكا : إنَّ العالمَ واسعٌ بشكلٍ لا يُصدَّق ، بأيِّ حال سأكملُ الترحالَ غداً ، أنا أشعرُ بالجّوعِ الآن .

ثمَّ تتجه ريبيكا إلى بابِ الصندوق أو الغرفةِ الخشبيّة وتسمعُ أنيناً بداخلِه ، تقتربُ منه ريبيكا وتفتحه فتجد أنَّ الصناديق التي بداخلِه قد أصبحت مفتوحة وبحالةٍ من الفوضى وهناك طفلٌ على الأرض يتلوى ويأنُّ من الألم .

تنظرُ ريبيكا إليه متفاجئة : هذا أنت ؟ الولد الذي تعرّضَ للضربِ من الآخرين ! متى دخلت إلى هنا ؟ -ثم تفكِّرُ قليلاً- هل تسللتَ إلى الصندوقِ بينمَا كنتُ نائمة ؟

ثمَّ ما إن يراها يقفُ ويخرجُ من الصندوقِ بسرعة ويفرُّ هارباً ، تحاولُ ريبيكا اللّحاقَ به لكنّها تدركُ أنّه ذهبَ ليقضي حاجتَه ، ثمَّ تعودُ ريبيكا وتدخلُ إلى الغرفةِ الخشبيّة وتتفقّدُ الصناديق وتكتشفُ أنّه قد أكلَ كميّةً كبيرة من طعامِها .

ريبيكا : ...

تخرج ريبيكا للخارجِ بعد قليلٍ وتراهُ عائداً ممسكاً يدَه وهو يتألّم ، تتفحّص ريبيكا يده وتدركُ أنّها مكسورة !

ريبيكا : يبدو أنّها كُسرَت بسببِ حركتي المستمرّة وأنا عملاقة ، مسكين .

ثمَّ تجرحُ ريبيكا يدها وتخرجُ جذورٌ من أطرافِ أصابعِها وتبدأُ بمعالجةِ يده مع انبهار الطفل بذلك .

ريبيكا بينما هي تعالجُه : مشكلة ، الآن سأعاودُ مشيَ يومٍ كامل من أجلِ أن أعيدَه لديارِه ، ويجب أن أمسح ذاكرتَه أيضاً ، يجبُ عليَّ أن أضخَّ سائِلي الدماغي في جسدِه من أجلِ ذلك !

ثم تتذكر ريبيكا كلامَ إيرين ...

____________________

إيرين : إنَّ هايبيريون يُعتبرُ الأفضلَ بعدَ قوّةِ المؤسّس والملكي بدماءَ ملكيّةٍ مفعّلة ، هل تعرفين السبب ؟ ليس لأنه قادرٌ على علاجِ أي إصابةٍ مهما كانت بليغة ، وليسَ لأنّه يمكنه خلقُ أشجارٍ من العدم أو جعلُ أيَّ شيءٍ خصباً ومثمراً ، إنَّ السببَ الحقيقي لكونِه الأفضل هو أنّه بواسطةِ جذوره يمكنكِ جعلُ أيِّ شخصٍ يصبحٌ إلديانيّا مؤقّتاً ! كلُّ ما عليكِ فعلُه هو ضخُّ سائلكِ النخاعي من أجلِ التحكّم بجسدِ الرعيّة وسائلكِ الدماغي من أجل التحكم بعقله ، وذلك سيجعل منه إلديانيّاً تحت سيطرتك لمدة يوم ونصف تقريباً !

____________________

تنتهي ريبيكا من علاجِه وضخِّ سائلِها العصبي فيه .

ريبيكا : أرجو أن تكونَ هذه الكميّةُ كافية .

ثم تغمضُ عينيها وتدخل بعدَها إلى الفراغ وتجدُ المجسّمَ المسؤول عن جسدِ الإلديان أمامَها مباشرةً .

ريبيكا : لقد كان هذا سهلاً ، والآن أيُّ جزءٍ من هذا الشيءِ كان مسؤولاً عن الذاكرة؟ يجبُ ألّا أخطئ لأنَّ بعضَ هذه الخطوط قد تشلُّ الولد وإيرين أخبرَني أنَّ أحدَهم وظيفتُه هو قتلُ صاحبِ الجسم !

ثم ترى ريبيكا شكلاً كرويّاً مضيئاً بين الخطوطِ المضيئة .

ريبيكا : أها ! من الواضحِ أنّه هذا !

ثمَّ تضغط عليه فتظهر لها دائرةٌ في الهواءِ عليها رموزٌ وتحدّق فيها ريبيكا قليلاً .

ريبيكا : هذه هي دائرةُ حمايةِ الذكريات التي أخبرَني عنها إيرين ، إذاً هذا الشكلُ الكروي هو المسؤولُ عن الذكرياتٍ حقاً ، ولكن كيف سأفتح هذه الآن ؟

تحدّقُ ريبيكا في الرموزِ وتفكّرُ قليلاً ،ثمَّ تنطقُ بعدّةِ كلماتٍ غريبة فيتغيّرُ لونُ الدائرةِ للأحمر مما يعني أنّه قد تمَّ الرفض ويعود لونُ الدائرةِ إلى اللونِ الأبيض الطبيعي بعدَ لحظات وتفكّرُ ريبيكا وتنطقُ كلماتٍ غريبة أخرى ويتمُّ الرّفضُ مجدّداً ، تحاولُ ريبيكا لعشراتِ المرّاتِ حتى يكادَ ينفذُ صبرُها ثمَّ تختفي الدائرةُ في إحدى المحاولات ممّا يعني أنَّ الرمزَ الذي قالته ريبيكا هذه المرّةَ صحيح !

ثم تظهرُ ذكرياتُ الولدِ لريبيكا ، أو بالأحرى أهمُّ الذكريات ، تقلّبُ ريبيكا بينَ هذه الذكرياتٍ بلمساتِها وتتفاجأُ بما تراه ، حيثُ أنَّ والدا الطفلِ قد ماتا منذُ زمنٍ بعيد وجميعُ سكّانِ القريةِ يعاملون الطفلَ بشكلٍ سيّءٍ للغاية لسبب ما ، يبتعدون منه في حالِ حاولَ التقرُّبَ منهم ويضربُه الأولادُ باستمرارٍ بشكلٍ يثيرُ الشفقة ، ويضطرُّ دائماً لأكلِ بقايا الطعام التي يحصلُ عليها باقي سكّانِ القرية .

ريبيكا بصدمة : ل... لماذا ؟!

. . . .

تعودُ ريبيكا للحياةِ الواقعيّة وتنزلُ دمعاتٌ من عينيها ثمَّ تعانقُ الطفلَ مباشرةً !

ريبيكا : كيفَ لطفلٍ بجمالكَ أن تتمَّ معاملتُه بشكلٍ قاسٍ كهذا ؟ سوفَ اعتني بكَ من الآنَ فصاعداً ولن أتخلّى عنكِ أبداً ! أنا أعدُك !

ينظرُ الطفلُ إليها باستغراب ويبدو أنّه لا يجيدُ الكلام ...

. . . . . .

صعودُ الطّفلِ في الصندوقِ الكبير لمدّةِ يومٍ جلبَ لريبيكا فكرة ، فبدأت تطوّرُ الصندوق وأضافت له سريراً ومقعداً في الداخل وفتحةٌ للتهوية وعلّمت الولدَ أن يبقى ممسكاً بالمقعدِ بينما هي تمشي لكي لا يصابَ بكسورٍ مجدّداً ، وهي بدورِها استغنت عن الجري بينما هي بشكلِ عملاق واكتفت بالمشيِ فقط .

وبعدها يستمرّان برحلتهما لأسبوعين بدونِ أيّةِ أحداثٍ مثيرةٍ للاهتمام ، ولكن خلالَ هذين الأسبوعين تتأقلمُ ريبيكا بالعيشِ مع سيتاني - لاحظت ريبيكا أو أخذت انطباعاً من بعضِ الكلمات التي ينطقُها الولد ومن ذكرياته أن اسمه هو سيتاني - وبدأت تتعلّقُ به وتعتبرُه مثلَ أحدِ أفرادِ عائلتِها !

وفي أحد الأيامِ تجلسُ ريبيكا ليلاً مراقبةً سيتاني وهو نائمٌ جانبَها ، ثمَّ فجأةً تسمعُ صوتاً - صوتُ إيرين - يخبرُها شيئا ما ، وهيَ كلمةٌ واحدة ، وهي " اقتليه ! "

. . . . . . . . .

بعدها تبدأُ ريبيكا بذرعِ المكانِ ذهاباً وإياباً وهي تفكر باضطراب .

ريبيكا : اقتليه ؟ اقتليه ؟ لماذا ؟ ما الذي فعله ؟ ما هو ذنبُ طفلٍ صغير ؟! هل سيتكرّرُ ما حصلَ معي في الجزيرةِ مجدّداً ؟ لماذا يريدُ قتلَ كلِّ شخصٍ اتعلّقُ به ؟ هل سيحصلُ له حادثٌ قريباً وسيجبرُني على التهامِه بشكلٍ ما ؟!

لا تتمكن ريبيكا من النّومِ هذه الليلة وتبقى مشغولةَ البالِ وتفكّرُ ما الذي سيحلُّ بسيتاني ، ثمَّ بينما هي جالسةُ على المقعدِ بجانبِه تراقبُه قلقةً عليه تبدأُ ترى بعضَ أحلامَ اليقظةِ السوداويّة .

إيرين : سيتوجب عليكِ الاختيار !

ثم تنزلقُ يدُ عملاقِ ريبيكا من الجبلِ ويسقط العملاقُ إلى الأسفلِ ويرتطمُ بالأرض ! ينهضُ العملاقُ وينظرُ جانبه فيرى أخَ ريبيكا جيم مسحوقاً أسفلَ صخرةِ !

ريبيكا بفزع : لاااااا لا ..لا لا ... لا ... لا .

إيرين : أريدُ قوّةَ عملاقٍ آخر .

ريبيكا : ماذا ؟

ثمَّ ترى ريبيكا عملاقَها يحملُ والدتها المريضة ويضعُها في فمِه ، ثمَّ تخفضُ ريبيكا رأسَها إلى الأسفلِ لكي لا ترى ذلك وتمسكُ رأسَها بيديها خائفة .

ريبيكا بصوتٍ قريبٍ إلى الصراخ :لا .. لا ... لا ... توقف ! لا تفعل ذلك ! رجاءاً !

ثمَّ بينما ريبيكا تعيشُ هذه التخيّلاتِ السوداويّة تسمعُ فجأةً صوتاً يناديها من خارجِ الغرفةِ الخشبّية .

الصوت : ريبيكااا !

ريبيكا : من هذا ؟

الصوت : ريبيكا هل هذه أنتِ ؟ هذا الصّراخُ يشبه صوت صراخك !

تخرجُ ريبيكا خارجَ الغرفةِ وتنظرُ لترى من هو هذا الشخص وتتفاجأُ به !

ريبيكا : أبي !

نيلز : ريبيكا ، هل هذه أنتِ حقّاً ؟ لقد كبرتِ كثيراً !

ريبيكا بدموعٍ في عينيها : أبي !!

نيلز يفتحُ يديه : تعالي إلى حضنِ والدكِ يا عزيزتي !

تجري ريبيكا نحوَه وهي سعيدة ، ولكن فجأةً تتغيّرُ ملامحُ وجهِ والدِها وكأنَّ شيئاً قد اخترقَه ، ثمَّ يفقدُ توازنَه ويسقطُ أرضاً مباشرةً ! ويظهرُ إيرين من خلفِه يحملُ سكيناً دامياً ويبدو أنّه هو من طعنَه !

تقترب ريبيكا من جثّةِ والدِها بحزن وتحرّكُها بيديها .

ريبيكا - مع دموعٍ في عينيها - : أبي ... أبي ... هيّا إنهض يا أبي ! لا تمُت أرجوك !

تجرحُ ريبيكا يدَها ثمَّ تخرجُ جذورٌ من أطرافِ أصابعِها وتحاولُ معالجتَه لكن عبثاً .

إيرين : لا فائدة ، لقد سلبتُ منكِ قوّةَ العلاج ، الطريقةُ الوحيدةُ لاستعادتِها هي عبرَ التهامِ والدِك ، وإلّا سيموتُ كلُّ شخصٍ آخرَ تحبّينَه بدونِ أن تكون لديكِ القدرةُ على علاجه ! سيتوجّبُ عليكِ الاختيار !

تمسكُ ريبيكا رأسَها وهي على وشكِ أن تُجنَّ وهذه الكلاماتُ تتكرّرُ بشكلٍ جنوني في رأسِها : سيتوجب عليك الاختيار ... سيتوجب عليك الاختيار ... سيتوجب عليك الاختيار ... سيتوجب عليك الاختيار ... سيتوجب عليك الاختيار ...

تنهضُ ريبيكا من نومِها صارخةً صرخةً يصلُ عنانُها للسماء ، تنهضُ قليلاً ولا زالت تشهقُ وتزفرُ بثِقَلٍ وتدركُ أنَّ هذا كانَ مجرّدَ كابوسٍ وقد نامت بينما كانت تراقبُ سيتاني ، ثمَّ تنظرُ للفتحةِ أو للنافذةِ الخاصّةِ بالغرفةِ وترى النسرَ واقفاً يحدّقُ فيها .

ريبيكا : ...

ثمَّ تحملُ سكّيناً وبعدها تنظرُ إلى الطائر ...

. . . . . . .

ثم تنتقل للفراغ وترى إيرين أمامَها جالسٌ على ذلك الكرسي الحجري .

ريبيكا : ...

إيرين : ....

ريبيكا: لماذا تريدُ منّي أن أقتلَ سيتاني ؟

إيرين : من الأفضلِ أن تتوقّفي عن مناداتِه بهذا الاسم ، اسمُه الحقيقي هو مالوماني ، أو يمكنكِ اختيارُ اسمٍ جديدٍ له ، لكن من الأفضلِ أن تتوقّفي عن مناداتِه بسيتاني ، لأن معناها هو الشيطان !

ريبيكا بتفاجؤ : الشيطان ؟!

إيرين : توجدُ لديه متلازمةٌ نادرةٌ جدّاً تسبّبُ امتلاكَه للونِ العينين الغريب هذا الغيرُ متناسق مع لونِ بشرتِه السوداء ، وعلى الرُغمِ من أنّه ليسَ مرضاً وقد يعتبره البعضُ علامةَ للجمال لكن من الواضح أن سكان قريتِه لا يعلمون بأمورِ المتلازماتِ هذه ولكن بدلاً من ذلك هم يتصرّفوَن حسبَ ما يعرفون به وهو تقاليدُهم ومعتقداتهم ؛ والتي تقولُ بأنَّ لونَ عينين مثلَ هذا يعبّرُ عن الشيطانِ ووجودُه عندَ أحدٍ ما يعني أن الشيطانَ قد تمثّلَ في جسِده !

تشعرُ ريبيكا بالحزنِ لسماعِها هذا لكن تتغيّرُ ملامحُها بعدَ لحظات وتصبحُ جدّيّة ثمَ تنظر إلى إيرين وتسألُه : ولماذا تريدُ مني أن أقتله ؟!

إيرين : إنَّ أمر قتلِه ليس إجباريّاً ، فأنتِ مخيّرةٌ قبلَ كلِّ شيء ، لكنّني اخترتُ لكِ الطريقَ الأسهل وهو بواسطةِ قتله !

ريبيكا : الطريقُ الأسهل ؟!

إيرين : نعم ، معكِ حقُّ الاعتراضِ بالطبع ، فقتله هو أمرٌ غيرُ أخلاقيٍّ البتّة ! لكن يجبُ أن تعرفي أنّه بقتلِه الآن سوفَ تريحينَه وتريحينَ نفسكِ وتجعلينَ الكثيرَ من الناسِ يتراحون منه بسببِ الأشياءِ التي ستحصلُ لاحقاً بسببِه ! احتفاظكِ به سيكونُ قمّةَ الخطأ ، وترككِ له في مكانٍ ما سيكونُ خياراً جيّداً ولكن قتلكِ له سيكون الخيار الأمثل ! ...

ريبيكا -تصكُّ على أسنانِها - : هذا ليسَ عدلاً ، إنّه طفلٌ بريء !

إيرين : أنا أعرفُ ذلك ، لكن أنا يمكنُني رؤيةِ المستقبل لذلك أنا أخبرُكِ أنَّ قتله سيكونُ الخيارَ الأمثل ، ويمكنُني أن أريكِ المستقبلَ الذي سيحصُل لكنني لا أريدُ منكِ أن تصبحي جزءاً منَ المُشكلة لذلكَ لن أريكِ شيئاً وسأختصرُ لكِ الأمرَ بالتالي ؛ إمّا أن تقتليه بالطريقةِ التي ترينَها مناسبة ويكونُ هو الشخصُ الوحيدُ الذي تمَّ ظلمُه ، أو تتركينَه حيّاً ويموتُ هو لاحقاً ويموتُ الكثيرُ جدّاً منَ الناسِ بسببِه ، القرارُ قرارُك .

تقبضُ ريبيكا بيدِها على السكّين الذي تحملُه وتنظرُ إلى الأرضِ غاضبةً وتصكُّ على أسنانِها وتتحدّثُ بصوتٍ منخفضٍ غير مسموع : أهذا هوَ كلُّ ما تفكرُ به ؟ القتلُ والقتلُ ، ألا شيءَ يهمّكَ غيرُ القتل ؟!

إيرين : ...

ريبيكا : بالإضافةِ إلى أنّكَ أنتَ من فعلَها ! أنتَ من قتلتهما !!

ثم ترفعُ ريبيكا لإيرين السكّين وتهاجمُه به ، تحاولُ طعنَه لكنّه يمسكُ يدَها التي تحملُ السكّين مانعاً إيّاها عن ذلك ، لكن هي تحاولُ مقاومةَ يدِه وطعنَه بكلِّ ما تستطيعُ من قوة لكنّها لا تتمكّنُ من ذلك .

ينظرُ إيرين إلى ريبيكا الحزينةِ والغاضبةِ واليائسةِ في نفسِ الوقت وهي تحاولُ طعنَه وتتحدّثِ بلهجةٍ غاضبة قريبةٍ إلى الهمس .

ريبيكا: أنت ... أنت من قتلهم !

يفكّرُ إيرين قليلاً ، ثمَّ يفلتُ يدَها ، وريبيكا لا تتردّدُ أبداً وتطعنُه مباشرةً ! لكن لا يحصلُ لإيرين شيءٌ وفقط تظهرُ حفرةٌ في صدرِه تلتئمُ بعدَ لحظاتٍ !

تنظرُ ريبيكا إليها بتفاجؤٍ ثم تطعنُه طعنةً أخرى ، لكن تلتئمُ من جديد ، ثمَّ تتبعُها بعددٍ لا يُحصى من الطعناتِ ولكن عبثاً ويلتئمون جميعاً حتى الطعناتُ في قلبِه ورقبتِه ورأسِه لا تُفلحُ على الإطلاق .

تنظرُ ريبيكا إليه خائبةَ الأملِ ثمَّ تُسقطُ السكينَ على الأرضِ وتسقطُ هي بدورِها على ركبتيها خائبةَ الأمل وبعدها تنهمرُ الدموعُ من عينيها وتبدأُ بالبكاء ، وإيرين ينظرُ إليها بلا أيِّ ملامحَ معيّنة ، ثمَّ يفكّرُ قليلاً وبعدَ لحظاتٍ يمدُّ للفتاةِ البكّاءةِ يدَه .

تنظرُ ريبيكا إليه والدّموعُ في عينيها وتنتظرُ ما الذي سيقولُه .

إيرين : ريبيكا ... يوجدُ عنديَ عرضٌ لكِ !

To be continued...

2024/08/24 · 12 مشاهدة · 4400 كلمة
Badr d alahmed
نادي الروايات - 2025