لطالما كانت الأوقات التي قضيناها مع أهلنا في طفولتنا ذكريات جميلة، وتمنينا لو كان بامكاننا إيقاف الزمن و الرجوع للوراء .ليتسنى لنا رؤية تلك الابتسامات البريئة و الضحكات التي تنافس في دفئها شمس الربيع و اشراقه، منزل يحتضن في كل ركن منه ذكرى لطيفة تغذي الروح أو موقفا مضحكا يسعد القلب، لكن؛ لم يكن منزلي سوى قبرا لسعادتي وحاجزا لأحلامي...

........

_"سايا!, كم مرة قلت لك أن تسلق الأشجار ممنوع، هذه التصرفات لا تليق بآنسة من عائلة يوشيدا، أنظري لملابسك الموحلة ولكل تلك الخدوش التي تغطي يديك و ساقيك .."

.........

_"سايا!؟, ألم أطلب أن تتبعي حمية غذائية ، أنظري لهذا الجسم الممتلئ البشع ، أحجزوها في غرفتها لمدة أسبوع كامل ، مع اعطائها قطعة خبز وماء فقط...."

.........

_"ها!, ما هذا الهراء الذي تتفوهين به؟، اسمعيني جيدا يا فتاة أنتي أحد أدوات الزينة الخاصة بعائلة يوشيدا ، لا يحق لك التفكير أو الاهتمام بشيء ، كوني مطيعة و التزمي الصمت..."

...........

أجل، لقد كانت هذه مكانة المرأة في عائلة يوشيدا ، آداة زينة ؛ فلا يوجد فرق بينها و بين دمية موضوعة أمام نافذة المتاجر الفاخرة لجذب انتباه الزبائن، ويفوز بها فقط من يملك مالا أكثر....

منذ نعومة أظافري ، و أنا أتلقى جميع أنواع الدروس اللازمة لكي أصبح سيدة منزل مرموقة ، من أدب و فنون إلى رسم و طراز لكن اهتمامي كان يصب تجاه أمر واحد فحسب ، لطالما أردت أن أصبح 'شرطية'، حل الجرائم ، تحقيق العدالة، و مؤازرة المظلوم . في البداية ظننت أن الانصياع و الخضوع لأوامر والدتي سيزيد من فرص تحقيق هذا الحلم ، فحاولت واجتهدت سبيلا لارضاءها . خمس عشرة سنة من التدريب المتواصل اعتقدت أنني أنهيت ونلت كفايتي من كل هذا، وحان الأوان لشق طريقي نحو هدفي الحقيقي ، بعد أن وعدتني أمي بتلبية مطالبي إن كنت مطيعة ، لكن في تلك الليلة تبخرت كل تلك التوقعات ، وأسدل الستار عن الحقيقة المرة....

كانت ليلة قاتمة و هادئة، الساعة تشير إلى الثامنة و نصف مساءا ، أتجه نحو مكتب والدتي الذي يقع في آخر الرواق الضيق . الظلام شديد لكن لحسن الحظ كان نور البدر الذي يخترق النوافذ أنيسا لي في طريقي الذي ظننت أنه لن ينتهي ، وماهي إلا خطوات تفصلني عن المكتب حتى بدأت اسمع ضحكات عالية .. اقتربت قليلا لأضع أذني على باب المكتب لعلني أعرف مصدر تلك الضحكات وسببها .

_" بالطبع سيدي لن نجد أفضل من ابنكم صهرا لنا..... لاتقلق و دع هذا لي ، صحيح أن سايا لاازال في الخامسة عشر من عمرها ، لكن اجراء خطبة تثبت إرتباط عائلتينا سيزيد من سلطتنا أمام الآخرين.... ماذا؟!، بالطبع ستقبل فهي ابنتي والأكثر انصياعا لي .." لتنهي حديثها بضحكات ماكرة .

نعم ، إنها أمي "السيدة يوشيدا"، من أجل زيادة سلطتها وسلطنتها في مجلس العوائل ، باعتني لعائلة أخرى في إطار ما يسمى' بالزواج' . و من هنا جاء قرار التمرد و العصيان...

×في الوقت الحالي×

تنزل كايا درج المنزل شاردة الذهن ، في عقلها ألف سؤال عن خالتها و مصيرها الآن.لتعيد لها خيوط الشمس الساطعة وعيها بعد أن اخترقت بؤبؤ عينها ، لتدرك أنها خارج المنزل الآن، فتبدأ بالالتفات يسارا و يمينا في محاولة إيجاد خالتها التي طلبت منها الانتظار أمام باب المنزل عند هذا الوقت من النهار ، لتلتقط أذانها صوت سيارة قادمة في هذا الاتجاه ، تتوقف السيارة أمام "كايا" ، ليفتح الباب الأمامي في نفس الوقت التي تؤشر فيه الخالة لكايا طالبتا منها الصعود . و ماهي إلا ثواني حتى تعاود السيارة الانطلاق من جديد.

_"سيدتي، هل يمكنني أن أسأل عن وجهتنا", تبتسم سايا ابتسامة خافتة و ترد عليها قائلة"سآخذك لعملي "المقر الرئيسي لمنظمة كينزاي".

*منظمة "كينجي هانزاي": أو مايعرف بكينزاي ؛ هي منظمة قانونية سرية تابعة للشرطة القضائية العالمية ، هدفها مكافحة تجارة المخدرات و الأسلحة ،محاربة العملات الارهابية ، بالإضافة إلى المساعدة في البحث عن الجرائم و مرتكبيها و جميع استدلالات عنها . يعود السبب الرئيسي وراء تأسيس منظمة "كينزاي" ،إلى ظهور واحدة من اخطر عصابات العالم قبل أربعة عشر سنة "عصابة أهارني" ؛التي جعلت العالم كله في حالة من الفوضى و ذلك في غضون عامين فقط، من عمليات التخريب و المتاجرة في السوق السوداء إلى عمليات السطو و القتل التي انتشرت في شتى أرجاء العالم ، ما أدى إلى الإصابة بحاجة هلع واتحاد الدول لايجاد حل عاجل للمسألة. لم يمض سوى أربع سنوات على ظهورها حتى اختفت و توقفت كل نشاطاتها الاجرامية ،لكن؛ هذا لم يكن سوى مرحلة "

هدوء ما قبل العاصفة"..

بعد نصف ساعة من انطلاقنا ، وصلنا لوجهتنا التي لم تكن ابدا مثلما توقعتها.

..

يتبع...

2023/07/17 · 53 مشاهدة · 720 كلمة
نادي الروايات - 2025