من كان ليتوقع أن المقر الرئيسي لمنظمة سرية سيكون وسط المدينة؟, و قبل كل شيء هل هذا هو المقر فعلا؟ ، مالخطب مع تلك الجدران الوردية و الزينة اللطيفة ، زد على هذا لماذا هذا المقر يسمى ب"مقهى النادلات"؟!. هذا ما تبادر لذهن كايا وهي صافنة تحدق في الموقع بوجه حائر محاولة اقناع نفسها أنه ليس المقر ، لكن دخول سايا المقهى أكد لها أنها في المكان الصحيح...

توجهت سايا مباشرة نحو المخزن الذي يقع في المطبخ ، أين كانت بانتظارها احدى نادلات المقهى "الآنسة آراشي" . من طريقة حديثهما مع بعض أيقنت أنهما على معرفة سابقة ببعض لكن بدت علاقتهما على أنها علاقة رئيس و مرؤوسه ، فلم يخلُ كلام آراشي من عبارات الاحترام و التقدير كما أن طريقة حديثها بدت رسمية للغاية ، وبعد حوالي عشر دقائق من الثرثرة التي لم أفهم أغلبها دخلنا المخزن .

لم يكن المخزن غريب أو به شيء يثير الشك ، بل بالعكس كان بسيطا و عاديا . بعض الصناديق المكدسة فوق بعضها البعض ، أدراج تحتوي على مواد غذائية يحتاجها أي مقهى و مجموعة من قارورات المياه المجمعة معا في الزاوية. اتجهت سايا إلى تلك الصناديق و قامت بسحبها للجهة الأخرى ،بينما بقيت كايا تنظر بتمعن وتدرس حركات خالتها لتتفاجئ في ما بعد من وجود باب سري تمت تغطيته من قبل تلك الصناديق . يُفتح الباب ليكشف عما وراءه ، و هو ممر ضيق يؤدي إلى باب مصعدٍ مهترئ .

مضت السيدة سايا نحوه لتتبعها كايا دون أي تردد ، أثناء نزول المصعد للأسفل لم تنبس ببنت كلمة مازاد من حيرة "كايا" حول هذا المكان وعلاقته بالمقهى و المقر ، ليفتح باب المصعد و هو الممر الذي كان يقود للقاعدة الرئيسية . تتقدم سايا إلى الأمام بخطى جادة و وجه بارد تنتشر حولها هالة تجعل كل من يمر عليها ينحي لا إراديا ، في حين ترمقني نظرات احتقار و شفقة تخترق ظهري و كأنها تحاول احداث ثقب فيه . تلك النظرات التي لطالما حدقت بي طوال السنوات التي مضت ، لكن الفرق يمكن في كونها متخفية بستعمال أقنعة بوجه مبتسم بريء . بقيتُ أتبع السيدة سايا لغاية وصولنا لمكتبها ، و ما إن أُغلق الباب حتى أرخت سايا ملامح وجهها التي تصلبت طول الطريق إلى هنا ، و كأنها تحاول اخفاء وجهها الحقيقي و استبداله بوجه خال من المشاعر . و أخيرا عادت تلك المرأة التي أمسكت يدي قبل يومين ، ابتسمت و قالت:"تعالي اجلسي يا عزيزتي ، فلا بد أنك في حيرة من أمرك". بعد ذلك قامت بحمل سماعة الهاتف لتجري مكالمة سريعة قامتْ فيها باستدعاء شخص يدعى ب "غورين". و في وقت انتظار الضيف قامت الخالة سايا بالاجابة على كل تلك التساؤلات :

"كما سبق و أخبرتك ، من أهم أسباب انشاء منظمة كينزاي هو محاربة عصابة أهارني التي لاتزال معلوماتها مبهمة لحد الآن ، فلم نستطع معرفة من يقف وراءها أو من رئيسها ، ولكي نحاول اكتشاف هذا اللغز قمنا باتباع نفس طريقتهم باخفاء أنفسنا عن العالم ، "لكي تتغلب على عدوك فكر كما يفكر"؛ قمنا أولا ببناء هذا المكان و استخدمنا المقهى كفخ لتمويه العدو، لكن لم يكن المقهى كافيا ليشغر مساحة القاعدة كلها ، فلم يكن بوسعنا سوى شراء كل بناية في هذا الشارع و بهذا يمكننا الاحتكاك بالمجتمع كملاَّك للمباني من دون الكشف عن هوياتنا الحقيقية و طبيعة عملنا ، آه و بخصوص قضية عائلت-.."يتم دق الباب فيقاطع حديث سايا، ليدخل رجل طويل القامة ، قوي البنية ، ذو شعر كحلي مرفوع و ملامح حادة ، لوهلة تظن أنه عارض أزياء . تقوم سايا بالترحيب به وتبدأُ تلك المحادثات الصغيرة الساخرة بينهما لتدلَّ على مدى قربهما من بعضهما البعض ، كما أنه من الأشخاص الذين يُسمح لهم برؤية وجه سايا الحقيقي . و أخيرا قد تم ملاحظتي من قبله، لتقدمه السيدة سايا قائلة :"هذا هو السيد غورين ياماموتو ، يدي اليمنى و قائد الفرقة (أ) ، كما أن عائلته من قامت بكفالتي و الاعتناء بي.". ألقى كل واحد فينا التحية على الآخر ، و أخذ كل منا مقعد ليسود الصمت أرجاء الغرفة معلنا عن انتهاء المرح و بداية الجِد . تأخذ سايا نفسا عميقا ؛ وتنظر ناحيتي قائلتا:"لابد أنك تتسائلين في نفسك عن السبب وراء احضارك إلى هنا و اخبارك بكل هذه المعلومات السرية"؛ في نفس الوقت تقوم كايا بهز رأسها ، لتكمل السيدة كلامها:"أعرف أنني أثقل كاهلك بعد قولي هذا الكلام أو ربما أعرضك للخطر ، لكن كل هذا من أجل هدم تلك الجدران التي بيننا ، لا أريد أن أخفي عنك شيأ و أتمنى أن تبادليني نفس الشعور . لا تخفي عني شيء و ثقي دائما أنني معك و بجانبك في أي قرار ستتخذينه ، هذا هو السبب الأول لجلبك هنا ، والسبب الثاني هو

"كايا، هل تودين الانضمام لمنظمةكينزاي؟".

تنصدم كايا من هذا السؤال المفاجئ ، و تقطب حاجبيها مستغربة عن السبب الذي يدفع خالتها لكي تعرض على فتاة تبلغ من العمر سبعة عشر سنة هذا العرض ، ولم يمض على لقائهما سوى يومان. لكن من جهة أخرى لم ترفض كايا الفكرة بل ظلت صامتة، وفي الأخير طلبتْ وقتا للتفكير بالمسألة بجدية أكبر ، لترد عليها خالتها مع ابتسامة خافتة:"بالتأكيد هذا حقك، وكما أخبرتك سأكون معك في أي قرار تتخذينه، و الآن لما لا تقومين بالتجول في الأرجاء و معرفة طبيعة العمل هنا و أعرف الشخص المناسب لإرشادك.".في نفس الوقت يطرق الباب ليدخل شخص آخر المكتب لكنه يبدو أصغر من السيد غورين ربما يكبرني بعام أو عامين .

_"ياله من توقيت جيد شين، كنت سأطلبك",

ينحني شين لتحية سيدته

_"بماذا يمكنني مساعدتك سيدتي".لتقف سايا وتعرفني عليه "هذا هو شين كودو ، قائد الفرقة (ج) كما أنه أكبر منك بعامين لهذا لدي شعور بأنكما ستتفقان ، وسيكون مرشدك اليوم".

بعد أن غادر كل من "كايا" و "شين", قام السيد غورين باظهار بعض الملفات التي حاول جاهدا اخفاءها قدر المستطاع عن أنظار كايا, و وضعها فوق مكتب السير سايا؛ قائلا:"يبدو أن المحكمة لم تقبل طلب التبني ، بسبب أن غياب أحد الشروط الأساسية ، فكما تعلمين أنتي لست "متزوجة" وتم رفض الطلب". لهذا قمت بتغيير الطلب إلى الكفالة ، و بهذا يمكنك الاعتناء بها و التكفل بمصاريفها.

_"حسنا ، لايهم سواء كان تبني أو كفالة ، يكفيني قربها مني و ابقاءها جانبي ، دعنا من هذا الآن ، ماذا عن الأمر الآخر". بدت ملامح سايا جادة جدا حول هذا الموضوع مازاد من تردد غورين بشأن اخبارها بالمعلومات ، لكن في الأخير قرر التكلم.

_"يبدو أن الآنسة كايا و كما توقعتِ قد تعرضت للتعنيف و سوء المعاملة في الميتم، من قبل بعض العاملات و هذه قائمة عن أسمائهم . لكن مع الأسف لم نستطع العثور على دليل قاطع نقدمه للمحكمة لكي تحاسبهم، لذا أعتقد أنه من الأفضل أن تدلي الآنسة بافادتها و..." قاطعت سايا كلام غورين قائلة:

_"لا أريد أن تعرف كايا بالأمر فآثار تلك الندوب و الجراح لم تشفى بعد ، و لا أريد أن يكون لها أي تواصل أو لقاء مع أولئك الأوغاد . لذلك سأتعامل مع الأمر بنفسي و أصطاد تلك الحشرات من دون تدخل المحكمة"، و ابتسمت ابتسامة ماكرة جعلت من السيد غورين يبدي ملامح قلق و توتر ، فهو أكثر شخص يعرف مدى تهور سيدته و عنادها. لتستدير ناحيته و تقول بصوت متفاخر

"غورين، حدد لي رجاءا موعد مع مالك الميتم، فأنا أريد شراءه.."

يتبع...

•شاركوني رأيكم بالتعليقات⁦(⁠•⁠‿⁠•⁠)⁩

2023/07/24 · 49 مشاهدة · 1147 كلمة
نادي الروايات - 2025