لم يمض على خروجي من مكتب "السيدة سايا" سوى بضع دقائق, وها أنا أسير خلف ذلك الشخص ذو النظرة الباردة و الوجه المتصلب الذي يدعى "شين" , في حين أنه يؤشر على الأماكن من هنا وهناك و يقوم بتعريفها بطريقة موجزة , ثم يواصل سيره و يعم الصمت من جديد تلك الأروقة الطويلة الهادئة , لدرجة تمكنك من سماع أنفاسك وهي تتطابق مع صوت وقع أقدامك.

بسبب كبر المكان و ضيق الوقت , لم أستطع سوى رؤية بعض الأقسام و المخابر الخاصة بالطابق الأول , و البعض الآخر يمنع الدخول اليها لسيرتها و أهمية محتوياتها . و أخيرا وصلت وجهتنا لمحطتها الأخيرة "قاعدة الفرقة(ج)".

في رواق عادي مثل بقية الأروقة التي مررت عليها , يوجد باب ذو مصرعين أبيض اللون , على جانبه لافتة متوسطة الحجم مكتوب "خاص بالفرقة(ج) , اذن هذه هي الفرقة التي سأصبح عضوة فيها اذا ما قررت قبول الطلب , و وراء هذا الباب يوجد من سأتعامل معهم مستقبلا . و أثناء تردد تلك الأفكار في عقل "كايا" , ارتسم على وجهها الشاحب ملامح توتر تلتها بعض من قطرات العرق تجمعت على جبينها , شادة قبضتها ساحبة قميصها نحو الأسفل , لتستعرض في ذهنها تلك الذكريات الخانقة "مشهد فتاة في حالة يرثى لها تسير بخطى متثافلة في ميتم أقل مايقال عنه أنه جحيم , في حين تخترق همسات الفتيات آذانها :

هل رأيت ؟ انها الفتاة الشبح , يالها من مثيرة للشفقة, يشاع أنها مجنونة , مسكينة لقد تخلى العالم عنها ...

" . لم أستطع حتى دفع تلك الانتقادات عني , لطالما اعتبرت نفسي مذنبة حول ماحصل لعائلتي و أنني أعاقب بالعيش هكذا , و لم يكن بوسعي الهروب من تلك الدوامة . مازاد من سوء حالتي هي نظرات الشفقة تلك...

تعيدها رمشة عينيها اللا ارادية الى صوابها , وفي محاولة لاخفاء توترها و مسح عرقها , تقدم "شين" لأمام الباب ساحبا يده نحو المقبض . تحركت تلك الشفاه في أمل تهدئة مشاعر "كايا " الفائضة.

-" ليس هناك مايدعو للقلق, لقد أتيت للتعرف فقط , لذا كوني على طبيعتك , أوه...وهم لايعضون لذا لا تقلقي لن يتم التهامك"

أسلوبه الساخر و طريقته في التكلم فاجأ كايا, ولم يكن بمقدورها سوى الابتسام و الضحك, لكن من ناحية أخرى فلقد أعطى مفعوله في تخفيف الضغط و التوتر . و هاقد فتح الباب....

و أضافت المذيعة قائلة : " كما لازالت شركة سيغا (ciga) تحتل المراتب الأولى ضمن قائمة أكبر شركات العالم انتاجا , فمنتجاتها هي الأكثر مبيعا في الأسواق العالمية , من جهة أخرى ..." يغلق التلفاز بعد دخول كل من "كايا" و "شين" , لتتوجه أنظار الأعضاء نحو الوجه الغير مؤلوف . كانت "كايا" على استعداد تام لمواجهة نظرات الشفقة تلك , لتتفاجأ من تلك الابتسامات الصافية و العيون الملئ بالفضول و البراءة . فيعم الصخب أرجاء الغرفة و يتزاحم كل عضو عليها في محاولة تعريف نفسه و الترحيب بها خاصة أن أعمارهم متقاربة من بعض . ذلك الجو اللطيف الأسري الذي حرمت منه منذ سنوات و تلك المشاعر الدافئة الشبيهة بنسمة صباح منعش , حركت شيء ما في داخل ذلك القلب المحطم.

بعد التعرف على أعضاء الفرقة(ج) المتكونة من احدي عشر عضوا مع احتساب قائدهم "شين" , و معرفة بعض المعلومات حول المنظمة استنتجت مايلي :

- تنقسم منظمة (كينزاي) الى أربعة فرق , تم تعيين أعضائها حسب مهاراتهم و خبراتهم : الفرقة(أ) بقيادة القائد "ياماموتو غورين" تختص بالعمليات السرية و تتدخل فقط عند الضرورة , الفرقة(ب) بقيادة القائد "تشيبا ماكوتو " هدفها مكافحة المخدرات و تجارة الأسلحة, الفرقة(ج) بقيادة القائد "كودو شين" فرقة الاستطلاع و التحقيقات , و أخيرا الفرقة (د) بقيادة القائدة " ايتو سومي" تختص بالاستخبارات السرية أي باختصار جمع المعلومات اللازمة كما أنها حاليا هي المسؤولة عن قضية منظمة "آهارني" . من أجل الانضمام لمنظمة كينزاي هناك طريقتان الأولى أن يتم ترقيتك و ارسالك من طرف الشرطة القضائية و الثانية و هي أندر طريقة " الالتحاق مباشرة بالمنظمة" , بعد اجتياز اختبار القبول يتم سؤال المترشح اما التوجه للمنظمة أو الالتحاق بمراكز الشرطة , و رغم تشابه مهامهم تقريبا الا أن أغلب الممتحنين يتجنبون التوجه للمنظمة بسبب قسوة الظروف و زيادة ساعات العمل....

.........................................

" و أخيرا بعض الوقت بمفردي, رغم أنهم أصروا على مرافقتي بحجة كبر المكان و الخوف من الضياع , الا أنني ممتنة لشين كونه عرقلهم ". تجد "كايا" مقعدا بالقرب من آلات البيع, تجلس لتحني ظهرها للخلف و ترفع رأسها للفوق , تغمض عينيها في محاولة تصفية ذهنها و ترتيب أفكارها . " يالها من سكينة أتمنى أن تطول أكثر", صوت اصطدام القارورة بمعدن الآلة ,كسر ذلك الهدوء و أنهى تلك الأمنية في رمشة عين . فتحت "كايا" عينيها موجهة نظرها نحو مصدر الصوت .

-" أوه.... هل أيقظتك؟"

-" سيد غورين؟.. لا لا بأس لقد كنت أريح نفسي فقط.."

عم الصمت من جديد , هو يرتشف قهوته الباردة , و أنا أنظر من حولي سائلة نفسي " هل يجب أن أفتح معه موضوعا ما؟ فالجو يزداد احراجا. لكنه سبقني بذلك . "

-"اذن, هل فكرتي في عرض سايا؟."

-" آه, همم ... بصراحة لا أعرف ماذا أفعل؟ , من جهة أريد أن أقف بجانب تلك المرأة الرائعة و أن أكون شخصا يمكنها الاعتماد و اسناد ظهرها عليه, و من جهة أخرى أن أصبح عضوة في مثل هذه المنظمة بكل سهولة على غرار بعض الأشخاص الذين يطمحون للوصول لمثل هذا المكان بشق الأنفس يجعلني أشعر بالضيق, أريد أن أكون مفيدة و أحمي من حولي بقدر ما أستطيع , لكن هاجس فقدانهم لايزال يؤرقني... أعتقد أنك تفكر في كم أنني شخص جبان, أليس كذلك؟."

-" قبل ثمانية عشر سنه , في يوم ممطر غائم , عاد والدي للمنزل في وقت متأخر ماسكا بيده يد فتاة ذات وجه قاتم و ملامح شرسة من هيئتها بدت اما ضائعة أو هاربة, و أعلن أنه سيتكفل برعايتها .ماشدني أكثر لتلك الفتاة كانت نظرتها التي لم تتغير طوال سنوات معرفتي لها , نظرة عزم وثقة و كأنها على استعداد تام للمخاطرة بحياتها في سبيل تحقيق هدفها , لكن ولأول مرة تغيرت تلك النظرة لتصبح دالة على الخوف , و ارتجفت تلك اليدان اللتان طالما أمسكتا المسدس بطريقة احترافية و قبضت على أكثر من مجرم , وبح ذلك الصوت الذي نطق دائما على مدى شجاعة صاحبته و اقدامها , المرأة التي ظننت أنها تجسيد لاحدى الشخصيات الجسورة التي حكى عنها التاريخ ’ لم تستطع مواجهة ابنة أختها التي بكت بحرقة في أصعب أيام حياتها خوف من الرفض و شعورها بالذنب لعدم قدرتها على حماية أختها , فاكتفت بالمراقبة , و ها أنتي ترتكبين نفس خطأ خالتك ظانة أنك لاتستحقين كل هذا و تقللين من شأنك ... يا لها من طريقة تفكير خاطئة . اذا أحسستي أنك لست جديرة ومناسبة لماذا لاتصبحين شخصا يستحق هذا, و اذا أحسستي أنك مذنبة بسبب ما حصل لعائلتك لماذا لاتكفرين عنه عن طريق مساعدة وحماية الناس كي لايمروا بما مررتي به , أما اذا ظننتي أنك وصلت لهذا المكان بمنتهى السهولة و من دون جهد اعتبريه مجرد حظ حالفك و حاولي مجاراته, كوني ممتنة بدل من رفضه . " يستدير غورين ملوحا بيده قائلا"هذا ما أردت اخبارك به , بامكانك التفكير به أو رميه بعيدا , هذا يعتمد عليك و كذلك عرض سايا", في حين يختفي ظله الطويل كلما ابتعد أكثر , بينما بقيت كايا على نفس وضعيتها.... وبهذا انتهى ذلك اليوم الطويل الشاق

-

في الليل (في غرفة كايا).

تستعد "كايا" للنوم و اغلاق أضواء الغرفة, حين يدق باب غرفتها لتستأذن الخالة بالدخول, بدت "سايا" متوترة قليلا وهي تنظر ل"كايا" التي بادلتها نفس الشعور , تسحب شيأ من جيب سترة نومها , كانت قلادة بيضاء اللون مليئة باللآلئ الصغيرة تتوسطها أخرى متوسطة الحجم لتقدمها لكايا

-" لقد وجد العمال هذه القلادة اليوم صباحا في غرفتك بالميتم, أهي لك؟."

تبتسم كايا وتبدي ملامح سعادة وحماس , تلتقط تلك القلادة لتضمها لصدرها و كأنها شيء ثمين.

-" نعم, انها هدية من والدي في عيدي ميلادي الخامس, طلب مني الاحتفاظ بها جيدا و عدم اضاعتها.. شكرا لكي."

تقوم "سايا" بالتربيت على رأسها متمنية لها أحلاما سعيدة, تستدير لتغادر الغرفة لكنها تحس بشيء أمسك كم قميصها مانع أياها من المغادرة.

-" كايا؟, هل تحتاجين شيأ آخر ياعزيزتي؟"

-" لقد اتخذت قراري فيما يخص عرضك, و أنا موافقة عليه ". تبدأ ملاعبة أصابع يديها و تكمل كلامها " لا زلت أعتقد أنه لا يمكنني القيام بعمل جيد, لكنني سأحاول كما لازلت أحس بالذنب فبسبب ترك نافذة المنزل مفتوحة تمكن المجرم من الدخول و ارتكاب جريمته و لا أريد أن يحصل هذا الأمر مرة ثانية لعائلة أخرى..."

خيم الصمت المكان فجأة , ولم تنطق "سايا" حرفا واحدا , أظفى هذا السكون التوتر في قلب "كايا" , فحاولت رفع رأسها لتلمح وجه خالتها الذي بدى في صدمة كبيرة , ما أدى الى تساؤل كايا" هل ارتكبت خطأ ما؟". فجأة تقرر "سايا" التكلم بصوت مرتجف

-" كايا.. مالذي تقولينه؟ , المجرم لم يستخدم النافذة للدخول , فلقد كانت مغلقة, كما أن باب البيت كان مكسورا..."

-" هاه؟.."

يتبع....

2023/08/08 · 53 مشاهدة · 1413 كلمة
نادي الروايات - 2025