في إحدى الليالي القمرية المضيئة ظهر شيئ فوق فولتيرا متوهجا تنبعث منه أشعة صفراء ساطعة ، يبدوا من بعيد وكأنه نيزك او نجم قد سقط من السماء متجها نحو الأرض بسرعة كبيرة ، عند سقوطه على الأرض احدث انفجارا كبيرا وتسبب في اتلاف بعض نباتات الفطر الحمراء العملاقة التي كانت قريبة منه ، بعد تلاشي كل ذلك الغبار وأصبحت الرؤية واضحة ، سبب ذلك الشيئ فجوة كبيرة على الأرض بسبب السرعة والقوة اللتان قد سقط بهما ، في الأخير اتضح بأن ما سقط على الأرض كان مجرد بشري عادي بالغ بشعر أشقر طويل ولحية صفراء متوسطة الحجم ، اما ملابسه فكانت ملابسا عادية رثة تشبه تلك الملابس التي يرتديها القرويون
قبل قليل من سقوط هذا البشري على الأرض كان هناك شخصين جالسين على أنقاض بناية مدمرة مبنية بأحجار كبيرة ، الأول كان عبارة عن بشري بالغ بشعر ابيض وبشرة سوداء مرتديا ملابس الساموراي ، اما الشخص الثاني فكان عبارة عن أسد على هيئة بشري قوي البنية ارجواني اللون ، وبينما كان ذلك الساموراي ينظف سيفه الطويل البراق لاحظ ذلك الشيئ في السماء وهو يسقط على الأرض بعيدا عنهما ، وقف ذلك الساموراي بسرعة وقال :
هل رأيت للتو ذلك الضوء الذي نزل من السماء يا ( ليون ) ?
( ليون ) : اجل ... رأيت ذلك
ادخل الساموراي سيفه في غمده الموجود في خصره وقال :
ربما علينا أن نتجه نحو المكان الذي سقط فيه ذلك الشيئ
وقف ( ليون ) وقال : لا تنسى يا ( لوثر ) بأن هدفنا من هذه الرحلة هو العثور على ذلك المحارب والقضاء عليه بسرعة
( لوثر ) : أعلم ذلك ... لكن لنتحقق من ذلك الشيئ اولا
ضحك ( ليون ) وقال : " انت لا تتغير ابدا ، يوما ما سيؤدي بك فضولك هذا الى موتك
( لوثر ) : بل بالعكس ، الفضول هو ما يُبقيني على قيد الحياة
( ليون ) : حسنا ...
تقدم ( لوثر ) خطوتين نحو الأمام وقال : لقد قررت الذهاب الى ذلك المكان واكتشاف حقيقة ذلك الضوء ، هل ستأتي معي ?
( ليون ) : لا ... سأسلك طريقا أخرى مُختصرة لإيجاد هدفي ، سأعتمد على حدسي فقط ، وبعد ان أقضي على ذلك المحارب سأتجه نحو المستنقع لأقوم بتصفية بعض الحسابات هناك
التفت ( لوثر ) الى ( ليون ) وقال : افعل ما شئت ... لكن تذكر ما قاله الزعيم بشأن الأوركس
( ليون ) : اعلم ان علينا تجنب اي أوركس في المنطقة وعدم لفت أنظارهم او حتى الإقتراب من مستوطنتهم
( لوثر ) : اذا سنلتقي هنا بعد ثلاثة أيام
انطلق ( ليون ) بعيدا وهو يقفز فوق تلك النباتات الفطرية بسرعة ومرونة عالية رغم ثِقل جسده حتى اختفى تماما
بعد افتراق ( ليون ) عن ( لوثر ) بمدة قصيرة ، أخرج هذا الأخير من ملابسه زجاجة صغيرة مليئة بسائل احمر ، أزال ( لوثر ) الغطاء عن تلك الزجاجة وسكب قطرة واحدة من ذلك السائل على الأرض ، وبمجرد فعله لذلك زادت كمية ذلك السائل المُلقى على الأرض وأخد يتحرك وحده حتى تشكل على شكل جمجمة بشرية حمراء مرعبة تطفوا ، وضع ( لوثر ) ركبته اليمنى على الأرض وانحنى لتلك الجمجمة وقال :
أيها الزعيم ( سكال ) ، أنا آسف على تضييع قطرة من دمك من اجل التواصل معك ، انا حقا مُضطر لذلك
تكلمت تلك الجمجمة وقالت :
ما الأمر ? هل اتممتما المهمة ?
( لوثر ) : للأسف ليس بعد ، لكنني استدعيتك من أجل شيئ آخر مهم جدا
( سكال ) : قل ما عندك
( لوثر ) : لقد بدأ ( ليون ) بالتمرد عليك وقال بأنه لن ينصاع أبدا لأوامرك ، هو الآن متجه للمستنقع ويريد تحقيق اهدافه الخاصة
( سكال ) : اسمعني جيدا يا ( لوثر ) ، بصفتي زعيما لعصابة ( قلب العقرب ) ، آمرك بقتل ذلك الأسد الأرجواني المتمرد بعد قتل صاحب القبضة المعدنية ، من تمرد على العصابة فمصيره الموت
( لوثر ) : امرك سيدي
( سكال ) : في المرة القادمة التي ستستعمل فيها دمائي عليك اولا بتنفيذ ما أمرتك به أولا ، هل هذا مفهوم ?
( لوثر ) : حاضر سيدي ، اعتبر الأمر منتهيا
بعد قوله لهذا الكلام اختفت تلك الجمجمة وتبخرت تلك الدماء كلها في الهواء ، وقف ( لوثر ) وابتسم ابتسامة مريبة ثم اكمل طريقه نحو المكان الذي سقط فيه ذلك البشري
اختفى ضوء القمر وظهر نور الشمس ليُضيئ فولتيرا ويُظهر جميع تفاصيلها بشكل واضح ، نصف مساحات هذه الأرض عبارة عن نباتات مختلفة في الشكل واللون و الحجم ، لكنها جميعا تنتمي لنوع واحد وهو الفطر ، اما النصف المتبقي فهو عبارة عن مباني قديمة جدا مدمرة وصارت مجرد احجار ملقاة على الأرض ، هناك ايضا بعض القرى الخشبية التي تحولت إلى خراب حتى نمت عليها نباتات الفطر ، أما الشيئ الذي زاد من غرابة هذه الأرض هو تلك العظام المُنتشرة في كل مكان ، هذه العظام كانت تنتمي من خلال شكلها لكائنات مختلفة بالإضافة الى وجود هياكل عظمية تعود للبشر ، يبدوا ان هذه الأرض قد مرت عليها معارك وحروب دموية وعنيفة
استيقظ البشري الساقط من السماء وفتح عينيه اللتان تمتازان ببؤبئهما الأزرق ليجد نفسه مقيدا بسلاسل حديدية مع نبتة فطرية عملاقة ، نظر الى أمامه فرأى مخلوقا فطريا قصير القامة يُحدق اليه بعينين صغيرتين دائرتين سوداء اللون ، الشيئ الآخر المختلفة في هذا المخلوق عن باقي نباتات الفطر هو أنه يملك دراعين وقدمين مثل البشر ، لم ينصدم ابدا ذلك البشري مما رآه ، بل قال بكل برودة :
من انت ?
اقترب منه ذلك المخلوق وقال :
انا أُدعى ( زيلر ) ... تبدوا لي مختلفا جدا عن البشر الموجودين هنا ، من أين أتيت ?
سكت ذلك البشري قليلا وظهرت على وجهه علامات تدل على انه يحاول التذكر فقال :
هذا غريب ! ... انا حقا لا اتذكر شيئا ، الشيئ الوحيد الذي لازال عالقا في ذاكرتي هو اسمي ، اجل ... اسمي هو " بيلي "
( زيلر ) : من خلال طريقة كلامك مع تعابير وجهك استطيع الجزم بأنك صادق جدا في ما تقوله ولست كاذبا
نظر ( بيلي ) الى تلك السلاسل وقال :
لما انا مُقيَّد بهذه السلاسل ?
( زيلر ) : عندما رأيتك اول مرة عرفت بأنك غريب على هذه البلاد ، لهذا ظننتك مع العدو او ربما جاسوسا يعمل لصالح بلاد أخرى ، لكن عندما تحدث معك اكتشفت بأنك بشري طيب وصادق ، لاتقلق ... سأفك عنك هذه القيود
( بيلي ) : شكرا لك ...
بعد تحرير ( بيلي ) من تلك القيود تصافح مع ( زيلر ) ثم ابتسم هذا الأخير وقال :
أنا حقا آسف على تقييدك ، هيا تعال معي ... سأُرافقك الى القرية لتُقابل الحاكم
( بيلي ) : حسنا ... لكن اولا اريد معرفة هذا المكان الذي انا فيه الآن
تقدم ( زيلر ) الطريق وتبعه ( بيلي ) من أجل الوصول الى قرية هذا المخلوق الفطري ، وفي الطريق بدأ ( زيلر ) الحديث عن قصة هذا المكان وقال :
منذ أكثر من قرن ونصف ، كانت فولتيرا مكانا هادئا عاشت فيه مُختلف الكائنات من كل الأجناس في أمن وسلام حتى دخلت اليها تلك الوحوش التي لا تعرف للرحمة والشفقة اي معنى
( بيلي ) : وحوش ?! ...
( زيلر ) : اجل ، انهم وحوش الأوركس
( بيلي ) : لكن مالذي دفعهم لفعل ذلك ?
( زيلر ) : انهم يسعون وراء معدن الحياة الموجود تحت هذه الأرض ، يُقال بأن هذا المعدن عبارة عن ترسبات خلفتها مياه ينبوع الحياة التي مرت على هذه الأرض منذ آلآف السنين
( بيلي ) : وماذا يفعلون بهذا المعدن ?
( زيلر ) : لا أعرف ، لكن الحاكم قد يملك الإجابة عن سؤالك
( بيلي ) : حدثني عن هذا الحاكم
( زيلر ) : الحاكم هو بشري يملك قوة في يده اليُمنى تُمكنه من التصدي للأوركس والدفاع عن هذه الأرض ، لكن قوة العدو كانت اكبر بكثير مما كنا نتخيل ، لقد سفكوا دماء بني جنسي و استعبدوا البشر ليعملوا ليل نهار داخل المناجم واستخراج ذلك المعدن
( بيلي ) : أنا آسف ...
( زيلر ) : لا بأس ... هذا أمر عشناه وتعايشنا معه
( بيلي ) : ربما استطيع تقديم المساعدة لكم
ضحك ( زيلر ) وقال : لقد اضحكتني حقا ايها البشري ، كل ما عليك فعله الآن هو ان تتبعني الى القرية المخفية وتختبأ هناك كي لا ينتهي بك الأمر مُستعبدا داخل مناجم الأوركس ، هذا ان كنت لاتزال على قيد الحياة اصلا
( بيلي ) غاضبا : اذا هل استسلمتم الآن لهذه الوحوش وتركتم مصيركم بين أيديهم ?
( زيلر ) : اهدئ قليلا ايها البشري ، لقد دافعنا في البداية عن ارضنا ، لكن العدو كان قويا جدا ومع ذلك لازال بعضنا يُقاوم الى حد الآن
( بيلي ) : هل تقصد البشر ?
( زيلر ) : لا ... للأسف كان البشر اول من استسلم لهم ، في الحقيقة هناك من البشر من تحالف مع الأوركس من أجل الإبقاء على حياتهم وحياة عائلاتهم ، انا أقصد القناطير الذين لا زالوا يُقاومون من أجل تحرير ارضهم ، لكنني بصراحة لا أرى أي سبيل لنجاتهم ، كل ما يقومون به الآن هو الإنتحار والتضحية بأنفسهم دون جدوى
( بيلي ) : لا تُكرر مثل هذا الكلام يا ( زيلر ) ، اذا كان هؤلاء مستمرون على المقاومة فلابد من وجود أمل يُحفزهم على فعل ذلك
( زيلر ) : لقد اصبت ايها البشري ، انت تُشبه الحاكم كثيرا ، لديكما الشجاعة في قول أمور لا يستطيع الكثير من البشر قولها ، هيا دعنا نكمل طريقنا ، عندما نصل الى القرية ستعرف باقي القصة من الحاكم
( بيلي ) : حسنا ...
أكمل ( بيلي ) طريقه مع ( زيلر ) نحو القرية والحزن يملأ قلب ( بيلي ) حتى كادت الدموع تنزل من عينيه ، في البداية لم يعرف ( بيلي ) هذا الشعور ، لكنه الآن قد وضع هدفا لنفسه دون أن يُدرك ذلك ، وهذا الهدف هو تحرير هذه الأرض من هذا العدو المجهول رغم انه لا يعرف اي شيئ عن هذا العدو سوى أنهم وحوش قد هجموا على أرض ليست لهم قتلوا واستعبدوا شعبها ، لكن الى جانب الحزن هناك غضب دفين في اعماق قلبه تُجاه هذه الوحوش ، اما سبب كبحه لتلك الدموع فهو فقط عدم إظهار ضعفه امام ( زيلر )
وفي أقصى شمال فولتيرا هناك بعض الكائنات الغريبة التي قد دخلت للتو حدود فولتيرا ، كان هناك سبعة من هذه الكائنات الذي يبدوا شكلها كشكل تلك البيادق التي تتواجد في لعبة الشطرنج لكن بهيئة بشرية ، كانت طويلة القامة عديمة الوجوه ، اي انها لا تتوفر على اي عنصر من العناصر التي تكون في الوجه ، لقد كانت هذه الكائنات تتواصل عن طريق التخاطر فقط ، بعد دخولهم لأرض فولتيرا تكلم أحد هذه الكائنات وهو مختلف عنهم بعض الشيئ ، كان نصفه الأيمن أبيضا والنصف الآخر أسودا ، قال :
هذا هو المكان الذي اتجهت اليه الأميرة ، علينا أن نجدها بأية طريقة كانت ، ابحثوا في كل مكان ولا تتوقفوا عن البحث عنها أبدا
قال أحد آخر : أيها القائد ( روزانوف ) ... هذه الأرض تُعتبر مستعمرة تابعة للأوركس ، ماذا لو تصادمنا معهم ?
( روزانوف ) : لقد كلفتني الملكة بمهمة ضخمة جدا مقارنة برُتبتي كقائد ، هذا يُعد شرفا كبيرا بالنسبة لي ، لن أُخيب ظن الملكة بي أبدا ، إضافة إلى هذا فسيتم ترقيتي الى رتبة أعلى اذا ما وجدت الأميرة وأعدتها إلى المملكة ، لذا لا تهتموا بالأوركس اطلاقا ، اذا اعترضوا طريقنا في إيجاد الأميرة فسنُضطر لقتالهم ولو عنى ذلك اعلان حرب ضد الأوركس ، سلامة الأميرة وإيجادها هي الأولية القصوى بالنسبة لنا ، هيا انطلقوا أيها الجنود
انطلق جنود الشطرنج وانتشروا في فولتيرا بسرعة كبيرة جدا حتى لاتكاد العين المجردة تراهم بسبب تلك السرعة الخيالية التي كانوا يتحركون بها بين نباتات الفطر .