الأمنية 50: مسار محرم!

--------------------

"مسار اليأس؟ هل أنت متأكدة يا معلمتي؟"

قامت والدتي من عرشها ثم اقتربت من الشيخة بوجه مشوش…

"طبعا، انت اكثر من يدري بندرة مهارة تحليلي حيث تقارن مع عين التنين الخاصة بملك التنانين"

تمشت الشيخة نحو الشرفة ثم تتبعتها والدتي ببطء.

" هل تتذكرين وصايا السلف الأول المئة التي تركها مؤسس عشيرتنا؟"

"اجل، قبل ان اصبح حاكمة للعشيرة علمتني العديد من اسرارنا نحن الدرياد ومنها الوصايا المئة…"

"الوصية الأولى تحذرنا من ظهور شر مطلق قدره تدمير العالم، حيث كلنا ظننا في ذلك الوقت ان الشر الذي تكلم عنه السلف هو شيطان الأبدية، لكن حتى شيطان الأبدية تم القضاء عليه بكل يسر عن طريق مؤسس عرق الجنيات المذنب، بينما كنا نقاتل الشياطين مضحيين بأرواحنا…حسنا على الأقل تأكدنا انه لم يكن من قصده السلف في وصيته قط"

" ما علاقة الوصية الاولى بإبني يا معلمتي لم افهم؟؟ "

" لم اقصد الوصية الأولى من كلامي بل قصدت ان كل الوصايا كانت دوما ما تحذرنا من خطر لن نستطيع تحمله لوحدنا و لو استعملنا اعظم لعناتنا حيث قد تم ترتيب الوصايا من اقلها خطورة والتي هي الوصية المئة الى الاخطر على الأطلاق وهي الوصية الأولى…"

جلست الشيخة في كرسي داخل الشرفة ثم نظرت الى الحقول الذهبية الممتدة امام مدى بصرها بابتسامة بشوشة…

" الوصية السابعة والاربعين كانت تتحدث عنك انتِ يا صغيرتي، حيث سيولد درياد اقوى من كل من سبقه من بيننا ليخرجنا بشكل رسمي الى العالم الذي كنا نتخفى منه، وهذا بدأ يتحقق ببطء بعد ان اصبحت حاكمة العشيرة فقد شهدنا ازدهارا لم نشهده من قبل ابدا"

"لقد فعلت ما علي فعله فقط يا معلمتي"

" انا اعلم، وهذا يعني ان الوصايا حقيقية بالفعل وستتحقق كلها في يوم ما، الوصية الخامسة على وجه الخصوص حذرتنا من المسارات المحرمة وان لا نتخصص في اي منهما بحيث اذا جاء يوم وتخصص احد منا في احدى هاته المسارات ستحدث كارثة عظمى قد تتسبب في فناء احدى الأعراق حتى"

" حسب ما اتذكر يا معلمتي ان المسارات المحرمة كانت عشر؟"

" اجل، احدهم مسار الجشع الذي تخصصت فيه أم الحكمة والتي تحمي هذا العالم، واخطرهم مسار…اليأس"

لم تستطع والدتي نطق كلمة واحدة بعد ان فهمت كلام الشيخة…

بعد كل شيء، هذا يعني ان الوصية العاشرة بدأت بالتحقق عبر ابن الحاكمة، الحاكمة التي جلبت الازدهار لعشيرة الدرياد ستجلب الابادة لأحد الاعراق حتى.

"لا تقلقي…لست متأكدة كفاية، لكن ابنك رغم كونه يعتبر احد من عرقنا الا انني لم اعد اشعر بامتلاكه لجسدنا نحن الدرياد، لا ادري ما مر به خلال السنوات الماضية لكنه بالفعل اصبح من عرق مخالف لنا كليا، مع ان هالة الدرياد تفوح منه بشكل غير ملحوظ الا ان تلك الاجنحة التي رأيتها يملكها عرقين فقط، الجنيات او الأرواح"

" لكن…هذا مستحيل، كيف تغير عرقه بين ليلة وضحاها هكذا فقط؟؟ "

" صغيرتي…هذا العالم اكبر مما تظنين، هو لم يختفي عنك ليوم او يومين بل عدة سنوات طوال، هو بالفعل لم يعد يعتبرك أما له بعد الآن…"

"مستحيل!!! مستحيل ان يحدث هذا!! مع انني لم أكن معه في لحظاته الصعبة الا انني ربيته بيدي وكبر بين احضاني هاته! كيف سيتخلى عني هكذا؟!! "

" اذا كيف تصفين تصرفه اليوم؟ لولا حاجزي كنت لتصابين بإصابة مميتة!! هل تظنين انه سيوجد ابن سيتصرف مع امه هكذا؟ لقد أصبح اقوى منك بمراحل بالفعل كما انه قال بنفسه انه يمر بنسيان الذات، ربما يكون قد نسى كل شيء عنك كما قالت تلميذته عندما دافعت عنه"

"لا…انا ارفض هذا…لن اقبل ابدا! "

تنهد…

لم اظن ان مهارة تحليلها قوية لهذه الدرجة…

ليس فقط استطاعت رؤية عدد قتلاي، بل رأت حتى مساراتي…

وسعت مجال ادراكي للاحتياط فقط، لكن لم اتوقع ان اسمع كل هذه الاسرار فجأة.

الوصايا المئة هاه…

تلك الوصية الأولى لازالت تزعجني.

انها تذكرني بالذي فعلوه لي في عالمي الأول…

مستحيل ان يوجد هذا التشابه الدقيق في عرق هكذا بين عالمين مختلفين…

أحقا هذا العالم هو عالمي الأول؟

……..

جلست على شرفة الغرفة التي اهدت لضيافتنا أحدق في سماء المغيب الذهبية أفكر في أسئلة كثيرة مزقت عقلي من الارهاق.

هل هذا العالم هو العالم الأول؟ العالم الذي عشت فيه كشخص طبيعي لأول وآخر مرة في حياتي؟

اذا كان العالم الأول حقا، أهذا يعني ان امنيتي السوداء هي نفس ما كانت عليه في عالمي الأول…

تلك الأمنية البغيضة التي جعلتني اقاسي من مآسي الألم ما لم أجرب من قبل؟

الازال هناك فائدة من اتمام امنية أجهلها بل تكاد تكون أكثر امنية كرهتها من كل ذاتي…

والآن بعد استماعي لمحادثتهم، أدركت نسبيا انني وقعت فيما يسموه بالمسار المحرم…

وكما سمعت قريبا سأصبح كارثة تهدد وجود الأعراق بذاتها…

وعندها لن يكون أمامهم خيار سوى التدخل ومحاولة ذبحي وتعذيبي كما حصل في العالم الأول.

بدأت الافكار الكثيرة تنخر عقلي ببطء تاركة وراءها صدى غريب…

والآن بعد ان فقدت القدرة على العودة بالزمن…

لن يهم الأمر لو مت الآن؟

إذا كان ظني في محله سأموت اخيرا وأحظى بالراحة الأبدية…

الراحة التي كنت أتمناها.

دون ان أدرى، تغلغل اليأس في قلبي والتهم اخر ما تبقى لي من ضمير حي…

حيث احسست بشعور لا مثيل له…

بينما ينبض قلبي بطريقة لم يسبق له ان نبض مثلها استمتعت بذلك الشعور ببطء…حتى أدركت او بالأحرى تذكرت كلامها…

'انه لم يعد يعتبرك أمه بعد الآن!'

عندها فهمت…

بدون ان أدرك، مشاعري التي جعلتني انسانا متمسكا بالحياة اختفت الواحدة تلو الأخرى…

على الأغلب الأمر بدأ منذ وقوعي في مسار اليأس آنذاك…

عندما لمحت جثتها التي تم تمزيقها بكل عنف، اختفت اول مشاعري لأقع في اليأس كحل آخر…

وتلك المشاعر كانت…الحب.

وأنا الذي لم يشعر بالذنب بعد طمسي لإمبراطورية بأكملها بمن فيها لم اشعر بالذنب حتى…

غرقت في حزني بحجة الانتقام، حتى اختفت مشاعر الحزن نفسها…

عشت سعادة مزيفة مع من دمرت موطنها دون ان أدرى اختفاء مشاعر السعادة ذاتها…

غضبت من نعت الفتاتين بألقاب قذرة دون ان أدرى اختفاء الغضب ذاته…

ظننتني فعلت ما كان علي فعله لكنني فعلت شيء حتى الشيطان لن يتجرأ على فعله.

مشاعر الإنس حقا لغريبة.

معك هي يبقى لك ضمير بدونها يموت اخر ما تبقى لك من ضمير…

ما الذي انا بفاعله بعد الآن…

……..

حل منتصف الليل بقمره الوحيد المتبقي يشع بنور ازوري جميل يسحر النفس.

جلست أفكر طوال الوقت في شيء واحد لا غيره.

لقد منحتني الحياة فرص كثيرة برفقة صفعة على الوجه تحذرك من حدودك وحدود الفرص التي لديك.

لكنني انا من تعودت على تلك الفرص وكأنها لا شيء بدأت اعتقد نفسي ذلك الجبار الذي لا يقف في وجهه شيء…

حتى نسيت ذاتي النكرة التي لطالما بحثت عن القوة لكي تنجو.

من عالم الى آخر وأمنية الى اخرى، مرفقة بآلام لا تطاق كلها في سبيل النجاة فحسب…

وها أنا الآن أفكر في قتل نفسي من عدمه بسبب ما وصلت له.

خلال ذلك ولسبب ما، بدأت افهم لماذا يسمى مسار اليأس بالمسار المحرم…

تخيل نفسك أمير عاش كل حياته ذاق من ملذات الحياة وسعادتها حيث لم تذق من ويلات الحياة ولو ذرة…

لا ألم، لا حزن، لا يأس، لا خوف، حياة مثالية من كل ناحية.

ثم اخترت مثل الأبله التعمق في مسار اليأس…لا!

بل اخترت السير فيه فقط، ستصبح كم لم يذق حلاوة الحياة قط.

هذا هو مسار اليأس.

أخبرني معلمي ذات مرة انه لو خُيّر بين العيش حياته كعبد مهان او اتخاذ مسار اليأس مسار له لفضل الخيار الأول بدون تفكير.

ظننته يوبخني حينها بينما يتفاخر كالعادة…

لكن كلامه كان من ذهب بالفعل.

انا الآن في حالة قتال مستمر مع اليأس على من سيأخذ السيطرة الكاملة على هذا الجسد والروح…

فاز علي مرة من قبل في الإمبراطورية، وفاز ثاني مرة في عشيرة التنانين…

متيقن ان المرة الثالثة ستكون الأخيرة…

لو فاز، سينتهي كل شيء بالنسبة لي.

الراحة الأبدية؟ يمكنها ان تنتظر وقتا أطول.

فقد عرفت ما علي فعله الآن.

انت تدين لي بصفعة بأقوى ما لدي يا أيها الفخر~

أتمنى ان لا تموت عندها، فأسئلتي كثيرة بالفعل.

……..

ما ان وقف تغلغل اليأس الى داخلي رنت مهارتي الفريدة بصوت كالعادة…

⁂__

⊕أمنية سوداء⊕

تنويه!

فشل التطور الأخير لوظيفة ⟦فضيلة اليأس⟧ بسبب نقص المتطلبات اللازمة!

التقدم الحالي: 80٪

⁂__

يبدو ان التعمق في اليأس ليست بالطريقة الوحيدة للتقدم بالمسار…

مقاومته اجدت نفعا قليلا.

لكن يبدو ان القطعة المخفية التي يقصدها هي تلك الـ◼️◼️◼️. صحيح؟

وربما يقصد القصة، او حتى التغلب على نسيان الذات…

لازالت قصتي تنتظرني لأرى نهايتها.

على أية حال، لست في حاجة ملحة للتطور حاليا...

فأنا قوي بما فيه-….

"ابني!!!!"

ربما؟

----------------------

بدعمكم لي طوال هذه الفترة التي تقدر بأكثر من سنتين، استطعت الوصول للفصل النصف بين المئة وطبعا لازالت القصة تتطور باستمرار مع مرور كل أرك.

خفايا ظهرت وخفايا لازالت غامضة الى الآن، لازال امام بطلنا تحديات قاسية واقدرا مأساوية لمواجهتها في طريقه الى اكتشاف الغموض الذي يعيشه

خلال هذا سأتجرأ واطلب منكم دعم أفضل مما هو عليه سواء من تعليقات او اعجابك للفصل ولن ارفض لو شاركت الرواية مع من تحب.

سأكون في انتظار تعليقاتكم على الفصل~

تأليف: Souhayl TP

2024/05/25 · 61 مشاهدة · 1395 كلمة
Souhayl TP
نادي الروايات - 2025