الأمنية 56: قديس السيف 1
-------------
"ما بك يا هذا، هل هوايتك مهاجمة الناس بدون سابق انذار؟!"
من هذا؟
ان يستطيع قطع مهارة صنعت من مسار الدم بسهولة فهو ليس بالمحارب العادي…
وخصوصا اذا كانت المهارة قد اطلقت من قبلي فهذا لا يعني الا انه محارب في السيادة العظمى.
فالفرق بين السيادة والسيادة العظمى هو امتلاك المحارب لمسار ما يغديه…
لتستطيع قطع او على الاقل الوقوف ضد مسار شخص ما فامتلاكك لمسار شرط من الشروط.
لكن عندما انظر اليه مجددا، غير انه يبدو شاب في الثلاثينات، شعره الأزرق المائل للسواد والبياض، عيونه القرمزية، سيوفه الثلاثة مختلفة الأحجام ونظرة الكبرياء التي على وجهه...
ما لفتني اكثر هو الطاقة التي اصبحت تحوم حوله منذ ان اخرج سيفه من غمده…
انها نية سيف قطعا لكنها المرة الأولى التي ارى نية سيف بهذه الغرابة!
نصف فضيلة؟
نصف فضيلة لديه هذا التحكم في طاقته...
بالعودة الى نية سيفه...
تشبه نوعا ما نية سيفي النجمية، لكن جزيئات هذه الطاقة تتخذ اشكال هندسية متنوعية وألوانها جذابة للعين ايضا…
كما لو ان نية سيفه تجسيد للفيزياء ولكي قوانين الفيزياء لا تنطبق على قوة كنية السيف وهذا شيء أكيد.
ياللغرابة!
"اذا…لماذا كنت تتبعني؟"
رغم اني لا اشعر بأي عداء تجاهي من طرفه لكن ولسبب ما رؤيته لوحدها جعلت دمي يغلي ورفعت من روح التحدي خاصتي…
"أتبعك؟ هذا السيد كان يشعر بالفضول نحوك فحسب وانا لا اشعر بالفضول الا نادرا~"
الفضول؟
اهاه…فهمت.
"اذا لقد كنت تتبعني منذ ان خطوت على هذه القارة…اليس كذلك؟"
ملامحه الجادة فقدت توازنها وكأنني اصبت كبد الحقيقة.
"أي شخص في مكاني سيشعر بالفضول نحو نية سيف هائجة كخاصتك، في البداية ظننتك أحمق آخر يتفاخر بإنجازه في كل مكان لكن اول ما رأيتك كنت تتصرف بشكل طبيعي وكأن لا شيء يحدث…"
توقعت ان تجذب نية سيفي اشخاص آخرين بعد ان جذبت تلك الملكة من مملكة المحاربين، لكن ان تجذب وحش كهذا…
يبدو انني سأستمتع أخيرا بقتال جيد.
" حسنا، يكفينا ثرثرة فالسيافون يتحدثون بسيوفهم، الست محقا؟ "
" اجل، أشعر بالفضول اكثر فأكثر لكن سأحصل على اجاباتي عن طريق السيف فقط"
اتخذ وضعية اغلقت كل ثغراته التي كانت مفتوحة ثم كبح نية سيفه كأنه يخبرني بـ هيا نرى جودة اساسياتك…
أخرجت سيفي من مخزني الفراغي واتخدت وضعية سيف لأول مرة منذ زمن طويل.
"تيلوديس من قارة السرور"
" نسيت اسمي منذ زمن بعيد لكن الناس ينادونني بـ'قديس السيف' ~"
قديس السيف؟!
كما توقعت انها المتعة التي كنت ابحث عنها!!
وقفنا متقابلين، لا صوت إلا لنسيم خفيف يمر بيننا، يراقب بحذر كأنه لا يريد أن يزعج هذا القتال…
حرك قديس السيف معصمه فقط، فانطلقت أول ضربة. حركة بسيطة، لكنها حادة بشكل غريب، أقرب إلى همسة من شفرة لا تُرى.
صدَدتها برفع سيفي بزاوية دقيقة، وانزلق نصله على نصلي محدثًا شرارة خفيفة، لم أسمع صوتًا، لكن عظام يدي اهتزت…
هممم… إنه سريع~
لم نستخدم أي طاقة بعد، وكأننا اتفقنا على استخدام تقنيات سيف خالصة فقط.
ومع هذا، فكل ضربة من ضرباتنا تحتوي فهماً عميقاً لمسار السيف.
دفاعه بدى خالٍ من أي تردد، وهجماته كأنها وُلدت مع جسده…
كما توقعت…
قديس السيف ليس خصمًا عادياً، إنه عبقري.
ردوده تأتي قبل أن تنهي هجومك، كما لو أنه يرى تحركاتك القادمة عبر نصل سيفك.
تصرفات كهذه لا تأتي من الخبرة وحسب بل لا غنى للموهبة كذلك…
لكني، تيلوديس، لم أقم بتعلم آلاف التقنيات عبر حيواتي العديدة من أجل لا شيء.
بدأت أزيد من تعقيد هجومي، مستخدمًا تسلسلًا من ضربات متقطعة تتغير زواياها كل لحظة، لكنها تسير ضمن نمط خفي.
كان سيفي كأنه راقص قديم يؤدي رقصة احتفال~
عيناه ضاقتا لوهلة، ثم ابتسم.
"أجل…هذا ما أريده."
لم أكن وحدي من يستمتع بهذا القتال على الأقل…
رفع سيفه، وهاجم مجددًا، هذه المرة بأسلوب هجومي محض، تقنياته تحتوي على تشققات طفيفة لكني أدرك أن هذا مقصود، فتحات مخادعة تجذبك ثم تسحقك.
….
مرت دقائق، وتبادل الضربات وصل إلى أكثر من ثلاثمائة حركة.
أرض الغابة والسهول الواقفين عليها بدأت تئن، وأوراق الأشجار تقطعت من حدة الضربات غير المرئية…
استعملت طاقة السيف قليلاً… مجرد خيط رفيع حول نصلي…
سرعان ما تبعني هو، لكن بخيط أكثر رقة حتى.
تحولت الضربات إلى ومضات من النور، كل تلامس ينتج طنيناً يخترق الآذان.
"همم… يبدو أن علينا زيادة حدة المحادثة قليلاً، أليس كذلك؟" قلت بابتسامة.
أومأ قديس السيف، فأطلق كلا منا هالة السيف دفعة واحدة.
الهواء انفجر بيننا!
أشجار خلفه انشطرت، والفراغ خلفي تموج كأن الزمن نفسه انثنى للحظة.
كان يمكنني الآن أن أهاجمه من بعيد، لكنني اقتربت، واخترت أن أقاتله وجهاً لوجه.
هذه ليست مبارزة طاقة، بل محادثة سيوف.
كلانا أصبح غارقاً في هالة سيفه، لكنني بدأت ألاحظ أمراً…
قديس السيف مذهل في مواكبتي، لكن ضرباته صارت أقل استقراراً، أقل دقة في بعض الزوايا، وكأنه يواجه أسلوباً لم يتدرب عليه كفاية.
إنه عبقري… لكنه يحتاج الى خبرة أكثر…
رفعت وتيرة الضغط، وبدأت أغير إيقاع معركتي كل ثانيتين، أخلط بين أنماط منسية من تقنيات السيف العتيقة المختلفة.
ابتسم، لكنه تراجع خطوة.
"ألن تستخدم نية السيف بعد؟"
أجبته وأنا أستعيد وضعيتي الهجومية التي تبدو له وكأنني قطرة ماء على وشك السقوط…
"ما زال لدينا الوقت بأكمله. أُفَضِّل أن أعرف خصمي جيداً قبل أن ابالغ في استخدام طاقتي عليه~"
صمت للحظة… ثم همس
"إذن لا بأس، سأكون أنا البادئ…"
وبلحظة، انفجرت حوله نية سيف لم أرَ مثلها من قبل…
كل شيء تجمد.
الهالة المحيطة بسيفي تراجعت لا إرادياً… كأنها شعرت بالخطر.
الهواء ثَقُلَ، سيفي ارتجف.
مذهل!
هذا عجيب!! اجل…هذا هو ما أردته!
"هذه… نية سيفي التي جلست عقودا حتى اشكلها…"
〔مسار السيف - نية السيف الماحية للقوانين〕
جزيئات طاقته بدأت تتخذ أشكالاً هندسية أكثر تعقيدًا، بدأت تشوه الضوء حولها، وكأن قوانين الطبيعة نفسها تُمحى من هذا المكان…
اذا كانت نية سيفي تجسد طاقة النجوم وقوانينها…
نية سيف قديس السيف تمحو هذه القوانين…
يا للأسف…
لو التقيتك أبكر من هذا…
〔مسار السيف - نية السيف النجمية〕
ما ان تسربت نية سيفي عبر سيفي المتهالك الذي سبق وان وصل الى حده…
تحطم الى قطع صغيرة!
لكن هذا ليس الوقت المناسب لأحزن عليك يا رفيقي…
ولننهي هذا القتال…
استمتعت حقا بمرافقتك في هذه الرحلة الطويلة يا سيفي العزيز.
〔قاطع القوانين〕
〔هبوط المجرة〕
تغيرت السماء وانقلب النهار الى ليل…
تشققت السماء التي تبدو وكأنها طفلة تبكي وتميعت طاقة النجوم في الفضاء…
لتنزل عصارة نية سيفي النجمية على شكل قطرة ماء عذبة…
انشقت الأرض ونبتت منها سيوف ذهبية ترعب العين…
وانطلقت نحو قطرة الماء العذبة تلك…
وفي لحظة الالتقاء…
**صمت
لم نعد نسمع اي صوت ابدا وكأننا أصبحنا داخل فقاعة زمنية معزولة.
الرياح توقفت، ووميض الضوء تجمد بيننا، حتى أن انفاسنا لم تعد تُسمع.
ظلت القطرة معلقة في الهواء، تشع بهدوء، بينما السيوف الذهبية تحيط بها بوقار.
ثم خفَّ التوتر، لا بانفجار، بل بانحناءة زمنية وتشوه في الفضاء أمام نية السيفين….
ثم اختفى كل شيء وكأنه لم يعد موجودا ابدا.
استغرقنا من الوقت دقائق لنستوعب ما حدث أمامنا…
نظر كل شخص في الآخر ثم انفجرنا ضحكا على ما رأته أعيننا.
"كان هذا ممتعا~"
اجل اتفق لقد كان ممتعا حقا~
……..
مع أننا لم نكن مرهقين الا قليلا من هكذا قتال الا اننا جلسنا مواجهين بعض وكأننا نستعد لنقاش ما حدث خلال هذا القتال…
لففت رأسي قليلا لأرى كاجسا تلوح من بعيد وبعد ان اومئت لها فهمت ان هذا ليس الوقت المناسب لتتدخل ويبقوا بعيدا.
جلس قديس السيف في وضعية القرفصاء ووضع سيفه على ركبتيه بينما يمسحه بلطف…
بينما لم يبقى من سيفي الا المقبض…
نظر الي قديس السيف وهمس…
"هل كان رفيقا جيدا؟"
نظرت اليه بابتسامة
"على الأغلب لن اجد رفيقا مثله مرة أخرى، لقد فعل ما طلب منه دون أنين، اتبعني واتبع رغباتي طوال هذه الرحلة وكأنه مستمتع ايضا."
"تتحدث وكأن للسيف روح…"
استغربت مما قال…
لم اعلم اذا ما كان يمزح ليلطف الجو او جادا وهو لا يدري ما يقول…
"متى يولد السيف؟ "
سألته وأنا أنظر إلى المقبض بين يداي كأنني أودعه.
"أهو حين يُصنع من الحديد؟ حين يُمسك لأول مرة؟ أم حين يُلطّخ بالدم؟"
صمت قديس السيف، ثم قال بصوت خافت
"بل يولد حين يجد قلبًا يثق به."
"اجل، سيبقى مجرد اداة حادة بين ايدي من يملكه حتى يجد من يصدقه ويثق به…"
حفرت بيدي في الأرض بينما اوزع التراب يمينا وشمالا…
" متى تولد روح السيف؟ "
ثم غرست المقبض في الأرض لأدعه يرتاح كوداع أخير.
سألتُ وأنا أنفض آخر ذرات التراب عن يدي.
لم يجب، لكن الصمت كان كافياً… كأن الأرض ذاتها كانت تفكر معه.
وقفتُ ونظري معلق بالمقبض المغروس، ثم نطقت
"حين يكسر من أجلك… لا لأجَلك."
أدرك قديس السيف ما أعنيه…
كرفيق في نفس درب السيف فهو ادرى ما يعنيه السيف له، ما سبب وجوده ولأجل ماذا يستخدم.
لا فائدة من سيف لا يحمي سيده.
عم الصمت المكان لبعض الوقت ثم سألني قديس السيف…
"اذا كيف تعرف مشاعر السيف اذا لم تولد روحه حتى يدمر لأجلك؟"
"سأجيبك بسؤال، ماذا تعني نية السيف بالنسبة لك؟"
------------
تأليف: Souhayl TP