الأمنية 58: قديس السيف 3

-----------------

جلسنا بجانب صخرة متآكلة بفعل الزمن، أنا وقديس السيف فقط، وسط سكون السهول وهدوء الرياح…

كان من القلائل الذين لا يملأون الصمت بكلمات لا لزوم لها. ومع ذلك، سألني هذه المرة، بصوت هادئ.

"هل ذروة السيف… هي النهاية؟"

ابتسمت وهززت رأسي ببطء.

"بل هي بداية، وهذا بذاته اثبات لعدم وجود فضيلة السيف"

"لأن مسار لا يمكن ادراك نهايته؟"

تعمقت نظرته، كأنه يحاول الغوص داخل المعنى قبل أن يُفلت.

"ذروة السيف ليست لحظة انتصار أو ختام. إنها لحظة تعي فيها أن السيف لم يكن وسيلة للقطع، بل وسيلة لفهم العالم. كلما اقتربت من الذروة، كلما تلاشت رغباتك أمام السيف، حتى لا يبقى منك سوى صدقك نحوه، حتى اكثر السيافين جنونا بمسار السيف يرونه النهاية لكنه بأحلامهم فهو مدمر…"

قد يبدو للبعض انني اهدي بما لا اعلم، لكن وفي هذه اللحظة كنت قد لمست ذلك الجدار...

جدار ذروة السيف المحرم الذي يتجاوز قلب السيف حتى.

هز قديس السيف برأسه، وراح يمرر أصابعه على حافة نصل سيفه كأنه يبحث عن صدى داخلي لتلك الكلمات…

"وهل رأيت أحدًا وصلها قبلك؟"

نظرت إلى راحتي، حيث لا أثر للرجفة التي اعتادت أن تسكنها قبل لحظات.

"ربما. لكن تلك اللحظة لا تُقاس… بل تُعاش، وبسببها لمست الشيء المسمى بجدار ذروة السيف…"

………

نسمة باردة هبت فجأة، حملت أوراقًا يابسة دارت من حولنا، قبل أن تستقر واحدة منها على كتفي…

تلك اللحظة بدت وكأن العالم انحنى احترامًا لها.

كنت أتنفس ببطء، وكأن العالم من حولي صار جزءًا من تنفسي.

لو سُئلت يومًا عن هذه اللحظة، لما استطعت وصفها.

كل ما أعرفه أنني كنت حيًا…

لا انا بنادم على محادثة السيف هذه بل شاكر.

صوت بعيد اخترق سكون السهل

"تيــلوديييس!"

التفت، لأرى ثلاث ظلال تقترب بخفة من بين الأعشاب الطويلة…

كانت ماريا تمشي بخطى ثابتة لكنها سريعة…

وخلفها كاجسا تركض بحماس مفرط، وفوق كتفها حقيبتها المتدلية…

أما الثالثة فكانت جونيا، ابنة معلّمي وملك التنانين، تلك التي التقيتها مؤخرًا.

وصلن وقد علاهن التعب، لكن عيونهن كانت تتوهج بالحماسة.

كاجسا ركضت نحوي أولاً

"كنا نراقب من بعيد معلمي! لم نُرِد المقاطعة! لكن ما الذي فعلته؟ لقد كان… لا يشبه أي شيء رأيته!"

ضحكت، ثم التفت إلى قديس السيف، الذي كان يراقب بصمت، عيناه نصف مغمضتين، كأنما يتأمل طيفًا لا نراه.

"هذا هو… قديس السيف."

ارتبكت الفتاتان، فيما تقدمت ماريا بخطى أهدأ، وانحنت باحترام

"شرف لنا لقاؤك."

أما جونيا، فكانت صامتة، تحدّق إليه بنظرة طويلة، فيها شيء من الحذر…

وشيء من الفضول، حيث كانت اول من تلتقيه من العالم الخارجي و أشهرهم ايضا.

انحنى هو الآخر قليلًا

"وما أشرفه من لقاء، أن أرى من ساعد تيلوديس في أن يصبح ما هو عليه."

جلست ماريا قريبة مني، بينما ظلت كاجسا واقفة كأنها لا تزال مشحونة بالطاقة…

أما جونيا فجلست قرب قديس السيف، نظرةٌ عابرة بينهما بدت وكأنها تحتوي سوء فهم كبير…

تنهد…

سألتني ماريا

"إذن… ما الذي سنفعله الآن؟"

نظرت إليهن جميعًا، إلى الثلاثة اللواتي يحملن مسارات مختلفة، لكن القدر أوصلنا إلى هذه النقطة…

"سنتوجه إلى مملكة المحاربين… في قلب القارة المظلمة."

جمدت جونيا في مكانها من الحماس وهي تفكر في المغامرات التي ستجربها في خيالها…

"مملكة المحاربين؟ ذلك المكان الذي لا يُسمح لأحد باختراق حدوده؟ المكان الذي يعج بالمرتزقة والمغامرين؟"

أومأت بابتسامة هادئة رسمت على وجهي.

"تتذكرن ان الملكة هناك تدين لي بدين… ولن تُغلق الأبواب في وجهي~"

سألت كاجسا، وقد انحنى رأسها قليلا

"لماذا نذهب؟ هل هناك عدو جديد؟"

"ليس عدوًا… بل ماضي، وربما… مستقبل."

قالت ماريا بنبرة أدق

"هل سنبحث عن السيدة آنيا؟"

"أجل…يبدو انهم أخبروك بالفعل"

" لقد كان الفضول معلمي…"

سادت لحظة صمت…

قديس السيف ضحك بخفة، ضحكة أقرب للتنهد، ثم سكت فجأة…

كان يحدق في الأفق، عينيه تلمعان بتوتر خفي.

"مملكة المحاربين، هاه…"

نبرته لم تكن كسابق عهدها.

سألته وأنا أراقب ملامحه المتوترة

"بذكرك لذلك، هذا الدين قد كان بفضلك"

"انا؟"

"في البداية لم أعلم بما يحدث عندما هاجموني، لكن بجمع انهم كانوا يترصدون صاحب نية سيف طاغية ومع التقائي بك ادركت انك المراد…"

حدقتُ فيه بعمق، رأيت في عينيه ارتجافًا لحظة سماع كلامي

"ما بينك وبين ملكة المحاربين…؟"

لم يجب.

لكن صمته كان كافيًا…

كأنها كانت حبًا قديمًا، أو خطيئة لم تُغفر، أو وعدًا لم يُوفَ.

حينها عرفت…

أن هذه الرحلة لن تكون بالملل التي ظننته.

……..

استعددنا للرحيل مع غروب الشمس.

الصمت كان مرافقًا لنا، رغم أن كاجسا لم تكف عن الكلام، تحاول تغطية التوتر في الهواء.

قديس السيف بقي مترددًا للحظات، ثم قال دون أن ينظر إلي

"سآتي."

لم أعلّق، فقط ابتسمت…

فقد كان الأمر كان محسومًا منذ البداية.

في الطريق، مشينا بمحاذاة التلال القاحلة، الريح تعبث بثيابنا، بينما دار حديث بيني وبين قديس السيف…

"أنا وأنت… بنفس المرتبة تقريبًا، أليس كذلك؟ نصف فضيلة؟"

"نعم، لكن لا تنخدع بما اظهره فقط…"

تردد، ثم قال…

"لكني لا أملك ما تملكه… هناك فرق شاسع بيننا في القوة والخبرة، من عظامك اتيقن انك لم تتعدى الخمسين بعد لكن ما رأيته بك يتعدى ذلك بكثير"

"ليس خطأك ان تظن هذا، ببساطة عشت أكثر منك… في واحد وعشرين عالمًا مختلفًا، كلهم لعشرات المرات."

صمت. لم يحاول الفهم. فقط تقبل ما قلته

" متناسخ انت، هل أنا محق؟"

"منطق التناسخ لا ينطبق علي، فما عشته اكثر ألما من ذلك"

مع انني توقعت ان يسأل كل هذه الأسئلة بعد القتال لكنه فاق توقعاتي…

ليختتم حديثه بسؤال أخير…

"ما هو اسمك الكامل؟ "

بسؤاله هذا كان يبحث عن اجابتين، الأول هو اسمي طبعا والثاني ليتأكد من كوني من عرق أسمى ام لا…

فالأفراد من الأعراق الأسمى لا يفصحون عن اسمهم الكامل لأي احد ابدا…

بذكره للأمر…

عندما ذكرت امي عن الشخص الذي سمته بمجنون مسار السيف…

"آري تيلوديس…"

نظر الي بوجه متقلب، لم يعلم هل يجب ان يتقبل حقيقة ما يحدث معه الآن وهو يستوعب ابن من أكون…

ثم بدأت اشرح الأمر له ببطء، عن أمي وأبي وما حدث مع السيدة آنيا…

………

"التفكير في ما حصل لرفاقي يجعلني أحمل حزنا عميق…ان يحصل كل هذا وانا منعزل عن العالم…"

بينما نمشي ببطء بقي قديس السيف يفكر في ما حدث للأشخاص الذين في وقت ما كانوا اعز ما يملك بينما يكبت مشاعر التحسر والغضب…

مع انه يعلم ان كل ما حدث كان سببه رغبات أمي الأنانية لكنها لم يلمها بل لام نفسه لأنه لم يكن موجودا لإيقاف جنونها…

" اذا، عندما ذكرت السيدة آنيا، هل يعقل انك تبحث عنها؟"

"أجل، هي وأخي غير الشقيق…"

"أظنني اتفهم لما ترغب في زيارة مملكة المحاربين الآن حيث انهما كلا من آري وآنيا ولدا وعاشا في هذه المملكة"

كما توقعت بالفعل.

من شدة الحديث وكثرته لم ندرك اننا على حواف المملكة بالفعل…

وصلنا قرب بوابة قلعة مملكة المحاربين...

كانت مرتفعة، شامخة، وكأنها تتسلق السماء.

الحارس عند البوابة رفع رمحه، يهم بالصراخ، لكن شيئًا أوقفه.

من خلف البوابة… خرجت.

[ملكة مملكة المحاربين]

"توقف!!!"

ركع الحارس قبل أن يكمل ما بدأه.

كانت ترتدي درعًا فضيًّا يكسوه الظل، تمشي بخطوات واثقة.

عيناها مسمّرتان عليّ.

"السيد الفضيلة…شرفتنا بزيارتك…"

تقدمت، ثم توقفت حين وقع بصرها على من خلفي…

عندما رأت قديس السيف.

في لحظة… اختفى الحذر والخوف من وجهها، وحلّ مكانه شيء آخر.

حقد!

هجمة خاطفة كانت على وشك أن تطلق نحو قديس السيف

رافعة سيفها…

لكني رفعت يدي ولتحذيرها…

"ليس الآن."

تجمدت في مكانها…

نظرت إلي… ثم إلى عيني…

صمتت، لكنها كانت ترتجف…

إنها تظن بالفعل انني فضيلة.

ترددت، ثم تراجعت خطوة، حيث عيناها مليئتان بالخوف والذكريات.

قالت بخفوت

"لو لم تكن أنت… لفضلت ذبحه وشرب دماءه الآن."

هل ما بينهم حقد كهذا؟

"لم آتي الى هنا لأرى نزاعكما، بل لأنهي ما توقفنا فيه آخر مرة"

شعرت الملكة بالحرج وانزلت أعينها للأسفل…

لم أكن أعلم وقتها أن ايقافي لها هنا…

سينتج عنها تلاقي خيوط قدر مختلفة.

---------------

تأليف: Souhayl TP

2025/07/10 · 10 مشاهدة · 1205 كلمة
Souhayl TP
نادي الروايات - 2025