الأمنية 59: مملكة المحاربين

-----------------

كبحَت الملكة غضبها في اللحظة الأخيرة، وتراجعت خطوة إلى الوراء، ثم نظرت إليّ بعينين تضمر الغضب والخوف الغريزي لم أرهما من قبل...

كانت تحاول ان تقرأني، أو ربما تحاول ان تقيس طاقتي…

ربما لاتزالت لا تصدق ما رأته من قبل في داخلها.

هل أنا حقًا الشخص الذي تظنه؟ أم شخص آخر؟

هل حقا الشخص أمامي فضيلة يستحق الاحترام ام...؟

فأنا لم أعد الشخص الذي كانت طاقته هائجة ونية سيفه مبعثرة…

وبدون اي كلمة حتى، أشارت بيدها إلى الحراس أن يفسحوا لنا الطريق.

"تفضلوا بالدخول."

سرنا خلفها والجو متوتر حولنا وهي توجهنا عبر البوابة الضخمة، المصنوعة من حجارة سوداء مرصعة بنقوش حادة وندبات فقدت حدتها مع الزمن، التي تحكي أمجاد معارك قديمة.

لم أعلم تاريخ المملكة و لم أرغب بذلك، فكل ما انا بحاجته هنا استخراج المعلومات التي اريد…

وراء الأسوار، امتدت المدينة الحدودية – التي كانت أيضًا العاصمة – بانسيابٍ منظم وفوضوي في آن واحد.

أبنية حجرية عالية تتخللها شرفات معلقة، حيث ينشر البعض غسيلهم فيما آخرون يراقبون الطريق أو يتجادلون في الأسواق الصغيرة.

الناس هنا لهم ملامح محاربين، حتى الشيوخ منهم.

أجساد مشدودة، أعين يقظة، وكأن القتال جزء لا ينفصل عن الحياة اليومية.

كما هو متوقع من المملكة التي تدير مغامري العالم.

في مركز المدينة، وُجدت نقابة المغامرين، المبنى الأكبر والأغرب.

كان مؤلفًا من طوابق عدة، كل طابق يحمل لونًا مختلفًا من الرايات. راية سوداء في الأعلى تشير إلى الفرع الرئيسي. حول النقابة، تتجمع عربات، ومحاربون من مختلف الأعمار والأعراق.

المدينة تعج بالحياة، ولكن تحت هذا الصخب… كان هناك شعور الحيوية و الحنين الذي لا يوصف.

……..

وصلنا أخيرًا إلى القلعة الملكية. لم يُطلب منا الانتظار أو التفتيش.

كل شيء كان معدًّا مسبقًا… وكأنها كانت تنتظرنا.

دخلنا إلى قاعة العرش، أو قاعة الاجتماعات الكبرى بالأحرى…

هناك وجدت طاولة طويلة، مستديرة الأطراف، تحيط بها مقاعد فخمة.

جلست الملكة في الأعلى، وخلفها فارسان ملكيان يقفان بجمود كالتماثيل…

إلى يساري جلست ماريا، تليها كاجسا، ثم جونيا، وقديس السيف إلى يميني.

فتحت الملكة الحديث مباشرة، دون مقدمات…

"إذن، السيد الفضيلة…"

"تيلوديس"

"حسنا... سيد تيلوديس، كنت بانتظارك بالفعل منذ ان اعربت بمرورك على مملكتي لكن…"

لم تلتفت أبدًا لقديس السيف، رغم أن حضوره كان طاغي في القاعة باكملها.

"أولا دعني أعرف بنفسي بشكل صحيح، انا ملكة مملكة المحاربين المتواضعة هذه، سيفانايرا النصل الأبيض"

ابتسمت بهدوء.

"أعتقد أنك تذكرين وحدتك الخاصة التي هاجمتني قبل سنوات؟"

صمتت لحظة، ثم أومأت.

"كانوا يلاحقون حامل نية سيف مدمرة تحت اوامري، واصبحت بطريقة ما أنت هدفهم… ظنًّا منهم أنك هو."

وهي تتحدث مالت اعينها على قديس السيف...

"مع انهم لم يكون خصوما لي ابدا لكنني اخبرتك بوضوح انني سآتي لآخذ حق اخافتهم لتلميذتاي"

كاجسا وماريا شعرا بالحرج من كلامي كما كانت جونيا تحاول كبح ضحكتها بعد ان ادركت عما اتحدث…

ثم قالت الملكة بنبرة صادقة، وبدون أي خوف هذه المرة، كأنها اصبحت فجأة شخص آخر…

"وأنا أكرر اعتذاري أمام الجميع، خاصة بعد أن رأيت… ما كنت عليه سيادتك. فما طلبك؟"

فهمت، اذا فهي الآن تتكلم معي بصفتها ملكة وليس تلك الشقية المرتعدة.

أخرجت من ردائي صورة قديمة. كانت باهتة، لكنها لا تزال تحتفظ بملامح السيدة آنيا التي ارتني اياها أمي.

وضعتها أمامها.

"هل تعرفينها؟"

أخذت الملكة الصورة ببطء، نظرت إليها لثوانٍ…

"نعم… أعرفها. أو بالأحرى، أغلب من في المملكة يعرف اسطورتها"

قالت الملكة، كأنها تروي قصة خرافية…

"قيل إن آنيا كانت امرأة ولدت منذ عقود في هذه المملكة. جميلة حد الغموض، ذات عيون تشبه المرايا، تزوجت أحد النبلاء، ثم اختفت… قيل أيضًا إنها حملت لأعوام دون أن تلد، وإن زوجها مات في ظروف غامضة بعدها بأيام. قال البعض إنها ملعونة وقال آخرون إن وليدها ليس بشرًا."

هل كان أبي نبيل؟

أم انها اكاذيب أُلصقت مع الشائعات فقط…

"وفي الليلة التي أنجبت فيها، اختفت من المملكة بأكملها، كأن الأرض ابتلعتها. ومنذ ذلك الحين، أصبحت اسمًا تتناقله الحكايات في الحانات… ورمزًا للمحرمات التي لا تُروى."

الأمر كما اخرتني أمي، بعد اختفاء أبي ظنوا انه مات لكن السيدة آنيا بقيت صامتة ولم تنفي الشائعات…

ومع اضافة فترة حملها الطويلة، اصبحت قصة تسرد كخرافة على كل لسان…

الشيء الجديد الذي علمته الآن انها انجبت بالفعل قبل ان تختفي…

وهذا يعني انها اختفت مع اخي غير الشقيق ايضا…

لكن هذا لا يكفي كمعلومات لأبدأ البحث عنها.

رفعت الملكة عينيها إليَّ، ثم قالت بنبرة أخف

"سأجري بحثًا خاصًا في سجلات المملكة وفي شبكاتنا الاستخباراتية، أعطني أسبوعًا فقط وسأجلب لك معلومات عنها لا شائعات."

"حسنًا. أسبوع واحد. لكن خلاله… أرغب في التجول بحرية داخل المملكة."

رفعت حاجبًا، كما لو كانت توقعت هذا.

"حرية كاملة؟ دون إشراف؟"

"نعم."

ضحكت بخفة.

"لكن قوانيننا لا تسمح بذلك…"

يبدو انها قد اخذت دورها كملكة أكثر من اللازم…

هل نست بالفعل مع من تتكلم؟

لكن…

لست في وضع يسمح لي بفعل ما اريد الآن، خصوصا بعد ان لاحظت علاقتها المعقدة مع قديس السيف…

لابأس...

لنسايرها الآن ونرى ما تريد…

وان تخطت حدودها…

"قوانينكم تمنع الحرية، لكنها تسمح بالقتال بين المغامرين والمرتزقة… هذا تناقض لطيف."

تبدلت نظرتها، وتصلبت ملامحها.

"صحيح ان قوانيننا تمنح بعص الحريات للمغامرين لكن الحرية المطلقة تؤدي إلى الفوضى فقط لا غير."

"بل القيود هي من تخلق الفوضى… الحرية لا تعني غياب القانون، بل أن يكون القانون نابعًا من إرادة الناس، لا من عرش فوق رؤوسهم."

يبدو انها قليلة الخبرة عندما يتعلق بالسياسة…

لكنني لم اتوقع ان تكون بهذه الحكمة، ان تستغل هذا الكلام لتناقش قانون هي قليلة الخبرة فيه معي…

لهذا السبب كرهت السياسيين.

ما ان يجدو فرصة يمكن استغلالها لا يدعونها تفر من اياديهم.

"أنتم تظنون أن المملكة قوية لأنها محمية بالقوة. لكنها في الحقيقة ضعيفة لأنها تخشى حرية شعبها. هل سمعتِ يومًا عن دولة عظيمة تخاف من حرية أبنائها؟"

تقدمت بجسدها للأمام، ووضعت كفيها على الطاولة.

"وهل ترى مما قلت ان مملكتي مقبلة على السقوط؟"

"من خلال ما رأيته وانا متوجه الى هنا، فمملكتك صامدة.

قدرتكم على التحكم بنقابات المغامرين العديدة والموجودة في كل بقاع العالم من هذه القارة المنعزلة اثبات على ذلك"

طال الصمت، ثم تنهدت الملكة.

"شكرا لك، سيد تيلوديس فقد فتحت عيني عن أمر كنت ابغضه منذ زمن…"

وقفتُ من مكاني، مشيرًا إلى كاجسا وماريا وجونيا أن يتبعنني.

"انت مدينة لي مرة أخرى."

ثم غادرنا القاعة، تاركين قديس السيف وسيفانايرا لوحدهما في القاعة.

ان تتحسن شخصيتها في تلك المدة التي لم نلتقي فيها يثبت انها ملكة عظيمة…

رغم ان كلامها اليوم كان بإمكانه جلب الدمار لمملكتها لكنها لم تكبح فضولها وفرضت شخصيتها…

صفات القائد الحقيقي، خلافا لإمبراطور أحمق مهووس بالقوة وحسب.

……..

ما إن أغلق الباب خلفنا، حتى سمعنا صوت ارتطام قوي داخل القاعة، ثم صوت صراخ حاد…

كانت الملكة سيفانايرا تصرخ، وقديس السيف يرد، وصوت السيوف يتقاطع.

لكنني لم أعد.

لأن تلك المعركة… لم تكن تخصني.

مشاكل الآخرين ليست من اهتمامي…

لكن…

ألا يزيد ما اراه عن خلاف حاد؟

فما يحدث امامي هو قتال حياة وموت…

فقط ما الذي فعلته يا قديس السيف؟!

-----------------

تأليف: Souhayl TP

2025/07/12 · 11 مشاهدة · 1080 كلمة
Souhayl TP
نادي الروايات - 2025