الأمنية 61: ترقب؟

----------------

تبقى يوم على نهاية الأسبوع الذي وضعته الملكة للبحث خلف السيدة آنيا…

خلال هذا الوقت زرنا مختلف المدن الشهيرة في المملكة…

مدينة الفحم التي يصنع فيها اجود انواع الأسلحة والعتاد…

مدينة الحرب التي تقدس القتال والمحاربين بشتى انواعهم…

ومدن كثيرة أخرى غيرت نظرتي عن المملكة واثبتت انها حقا مملكة المحاربين الحقيقية.

استغللت هذا التجول لاعطاء كاجسا وماريا الراحة والاستمتاع بالوقت الذي لم ينالوه منذ ان جمعنا القدر معا، كما عرفت جونيا على العالم الخارجي الذي لطالما كانت متشوقة لرؤيته…

خلال هذه الرحلة البسيطة اثار اهتمامي مدى علو مستويات القوة في هذه المملكة والتي تتجاوز قارة الخالدين بأكملها حتى…

المحاربين المبتدئين، الخبيرين والأسياد لا يعتبرون الا القوى الأساسية في المملكة بينما المحاربين الأسطورين هم الأكثرية هنا، منهم من هم مغامرين او مرتزقة، في حين ان محاربي السيادة العظمى هم نخبة هذه المملكة مع ان اعدادهم ليست كبيرة لكن حتى ملكة مملكة المحاربين ليست سوى محارب سيادة عظمى…

اي انني لم التقي ابدا نصف فضيلة في هذه المملكة…

اما عن الأشخاص الذين التقيتهم في هذا المستوى فهم:

والدتي - حاكمة الدرياد

معلمة والدتي - شيخة الدرياد الكبرى

معلمي - ملك التنانين

حارسة معلمي الشخصية - التنينة السوداء

ومن التقيته مؤخرا، قديس السيف.

غير هؤلاء لم التقي بنصف فضيلة غيرهم.

وهذا شيء طبيعي، فالوصول لمستوى نصف فضيلة تحد بحد ذاته، يلزمك عشرات السنين لتدرس مسارك الخاص دونا عن الحديث عن الموهبة الضرورية لذلك والتي يأتي معظمها من نسل الدم…

لو لخصت كل هذا، اذا انصاف الفضائل نادرون وغالبا ما يكونون اما عباقرة ادركوا مسارهم في وقت قياسي او حكام اعراق سامية…

لا أدري اذا كنت سألتقي بأعراق سامية اخرى، لكن احدى خططي القادمة هو التوجه نحو عشيرة الجنيات والذين يعتبرون عرق سامي ايضا…

طبعا بعد ان انهي مهمة البحث عن السيدة آنيا اولا.

………

رغم المناظر الخلابة التي مررنا بها، ورغم ابتسامات الفتيات التي أزهر بها وجهي كلما سمعت ضحكتهن، ورغم المدن التي حكت جدرانها تاريخ مملكة الحروب، إلا أن شيئًا ما لم يزل ثقيلًا في صدري…

كأنني أقف على أطراف قصة لم تُروَ بعد.

كان الغروب يرسم أشعة ذهبية على دروع المارين في الساحة الرئيسية لمدينة السيوف السبعة، وكنت واقفًا على إحدى الشرفات العالية أراقب الجنود يتدربون، وعيوني مسلطة على أطياف الذكريات التي لا تغادرني.

"تيلوديس، هل هناك ما يقلقك؟" سألتني جونيا وهي تحمل بعض الفاكهة المحلية الغريبة، مائلة الرأس، مفعمة بالحياة كالعادة.

"ليس قلقًا… بل هو ترقب." أجبتها بنصف ابتسامة.

ترقب لظهور ما لا أتوقعه…

أو عودة ما ظننته مضى.

أحسست أن هذا الأسبوع الأخير يخفي أكثر مما يكشف، وأن البحث عن السيدة آنيا ليس سوى ستار لقصة أعمق بكثير مما قُصّ عليّ…

ربما هذا البحث الطويل والرحلات مع الأشخاص الذين التقيهم هي ما ستكتب قصتي التي ستجعلني فضيلة عما قريب…

ربما كل هذا الشعور بالقلق الذي لازمني هذا الأسبوع ما هو الا ترقب لمستوى لم أحلم يوما في الوصول إليه.

وقتها تناسيت كل القصص التي تركتها ورائي في عوالمي السابقة وركزت على قصتي في هذا العالم…

اساطير عديدة رسمتها بآثار اقدامي الماشية في مسار مخطط له…

انها كانت بالفعل كافية لي لأصبح فضيلة…

لكن…

هل كان الترقب؟ الخوف؟

لم اكن أعلم ما الشيء الذي وضع ستار اسود غطى عني هذه الحقيقة وركزت على حاضري وحسب.

في مساء اليوم السابع، عدنا إلى المدينة الحدودية حيث بدأت قصتنا مع مملكة المحاربين.

كان الغروب قد بدأ يلقي بظلاله البنفسجية على الأسوار، والجنود يتدربون في الساحات برتابة مألوفة. ومع كل خطوة لي وسط الشوارع، شعرت بأن الدائرة التي رسمت في ذكرياتي بدأت تكتمل…

أو تنغلق.

كانت الملكة سيفاينارا قد أرسلت إليّ استدعاءً مختوماً بعلامة القصر، بسيط لكن يحمل في طياته وعدًا بشيء عميق.

دخلت قاعة الاستقبال دون مراسم تافهة، ووقفت الملكة هناك بملابس أقل رسمية من المعتاد، نظرتها مزيج من الحذر والجدية… وحتى شيء يشبه الحزن.

"لقد عدت يا سيد تيلوديس." قالت، بنبرة حاولت أن تخفي بها شيئًا، لكنها لم تنجح تمامًا.

"أظن أن البحث لم يكن سهلاً."

أومأت ثم أشارت لي بالجلوس. وبعد لحظة صمت، وضعت أمامي وثيقة قديمة تحمل ختمًا ذهبياً مشوهًا.

"هذه الوثيقة تعود لستة عشرة سنة… وقت اختفاء السيدة آنيا. إنها تحوي معلومات لم يُسمح بنشرها حتى في السجلات الرسمية."

مددت يدي نحو الوثيقة ببطء وبدأت أقرأ...

[ آنيا… سجينة إرثٍ مجهول. بعد ولادتها لطفلة من دون والد معلن، تم تسليمها سرًّا لمسؤولٍ رفيع في اتحاد الأعراق. لم تُسجل كوفاة، بل كـ 'نقل أمني خاص'، ونُفذ الأمر بواسطة طرف ثالث مقابل كنزٍ غامض…]

رفعت عيني ببطء نحو الملكة.

"ما الذي يعنيه هذا؟"

أجابت بصوت خافت، كمن يحفر في صدره قبل أن ينطق...

"السيدة آنيا… لم تختف فحسب، لقد بيعت يا سيد تيلوديس...

هناك من اعتبر أسطورتها شيئًا ثمينًا وبيعت كأداة لمسؤول من اتحاد الأعراق."

ارتج جسدي...

بعد كل ما مررنا به… آتي لأكتشف حقيقة قذرة من هذه الكلمات.

"من…؟"

رفعت الملكة يدها وأخرجت من بين أوراقها ورقةً صغيرة مطبوعة بختم أزرق مشع.

"الوسيط… لم يكن سوى سيد جميع الأبراج السحرية نفسه."

الطاولة انقسمت من تحت راحة يدي من الفضب...

"ذلك اللعين… ذلك القذارة مجددا!!"

كنت اخطط لنفيه الى الجحيم قبل ان ان اغادر هذا المكان...

لكن ذلك الحشرة المؤذية للعين لازال يفعل اشياء قذرة كهذه؟!

قالت الملكة بسرعة وهي تلاحظ ملامحي تتغير: "أعلم أنك غاضب منه، لا أعلم ايضا ما فعله لكن اصبح مطارد منذ سنوات قليلة فقط.

لكن ما حدث مع آنيا يعود لما قبل ذلك بكثير، هذا يعني أن سيد الأبراج… كان حيًّا وقتها، ربما كان متحكمًا في أكثر من برج، قبل ان يتم ترقيته من قبل اتحاد الأعراق لمنصبه الحالي والذي يؤكد انه متورط في شيء أكبر بكثير بعد ان اصبح هاربا في السنوات القليلة السابقة... "

لم أهتم بالهراء الذي يخرج من فمها...

اذ شعرت بقلبي يحترق.

شيء بداخلي انفجر فجأة دون سابق إنذار.

"هذا الحقير…" تمتمت وأنا أضم قبضتي، حتى تشققت عظام أصابعي من شدة الضغط...

"سأشق صمت الليل بصراخه، وأروي تراب القبر من دمه.. حتى إذا ناداه الموت خائبًا، وجد الحياة لعنة لا تحمد!"

قمت من مكاني فجأة...

همت ماريا بالصراخ والبكاء من خلفي ووقفت كاجسا بهدوء، بينما كانت جونيا تنظر إلي بصمت، كالعادة.

لكن الملكة وقفت في وجهي وقالت بهدوء:

"اعرف كم انت غاضب من ما سمعت يا سيد تيلوديس… ولهذا جمعت لك كل ما عرفت و…"

توقفت، ثم أكملت...

"لقد وجدت مكانه أو على الأقل المكان الذي قيل إنه شوهد فيه آخر مرة."

رميت نظرة عميقة في عينيها. لم أكن بحاجة لشرح أكثر.

فإني لقاسم بجعل الموت أمنيته الوحيدة!

"أين؟"

رفعت إصبعها وأشارت إلى الخريطة المعلقة خلفها.

"برج أشواك الفجر… عند أطراف القارة المظلمة الشرقية، في ظلال الغابات السوداء. هناك تقبع أطلال البرج السادس… حيث شوهد للمرة الأخيرة."

..........

انطلقت في السماء، تاركًا خلفي صوت الريح المتقطع خارقا حواجز الصوت من سرعتي حيث احسست بماريا وكاجسا يحاولان اللحاق بي...

كنت أحلق وحدي، والريح تعصف بردائي بينما عيناي مثبتتان على الأفق.

ووسط ذلك الصمت، وسط المسافات الشاسعة التي تفصلني عن هدفي…

استشعرت طاقة.

طاقة مألوفة…

ليست من سيد الأبراج…

ليست من أمل بسيط من السيدة آنيا التي لم ألتقيها بعد…

بل من شخصٍ ظننته الآن بعيدًا كل البعد عن هذه القصة.

همست...

"سايرو؟…"

---------------

تأليف: Souhayl TP

2025/07/20 · 18 مشاهدة · 1118 كلمة
Souhayl TP
نادي الروايات - 2025