كان تين يتوغّل عميقًا في الغابة، تحت ظلال شجرةٍ عملاقةٍ تقف شامخة منذ قرون.

بيديه العاريتين، راح يحفر الأرض بصمتٍ، حتى وارب فيها جسد داير.

ثمّ شبك كفّيه، أغمض عينيه، وانحنى بانكسار.

لقد أنهى مهمّته، لكن شيئًا في قلبه بقي معلّقًا، بلا عزاء.

على جذع الشجرة، كانت هناك كلمات محفورة:

"لينا وأليكس."

وخلف الشجرة، كان كهفٌ مظلم يلوّح له كأنه نداء من ماضٍ منسي.

---

في المطبخ المُدَمَّر...

جلس كازوما ورين وسط الأنقاض، يغلفهما الصمت.

رين كانت قد وضعت قدميها على الطاولة بإهمال.

أما كازوما، فكان يرمقها بنظرة ساخرة، وكأن شيئًا فيها يثير استياءه العميق.

رين (منتبهة لنظرته):

"ما بالك تحدق هكذا، أيها الفتى؟"

كازوما (ببرود):

"لا أرى لكِ فائدة تُذكَر.

كلّ ما فيكِ يوحي بالغباء."

رين (بابتسامة مستفزّة):

"غبية؟ ومع ذلك، أنا أقوى منك."

كازوما (بصوت هادئ):

"لم أركِ من قبل في هذه القرية."

صمتت رين، للحظة. ثم خفَتَ كلّ شيء.

رين (بهمس متردد، وعينين تتفحصانه):

"كازوما… هل لديك عائلة؟"

أراح خده على كفّه اليسرى، أدار رأسه إلى الجهة الأخرى، وتنهد ببطء.

رين (بعينين متسعتين، تقترب منها لمحة من الحزن):

"لمَ لم تُجِب؟"

كازوما (بهمسٍ حزين):

"انسِ الأمر…

حتى لو شرحت، لن تفهميني."

رين (تضحك بخفة، تحاول إخفاء الوجع خلف الابتسامة):

"حسنًا… حان دوري الآن.

أنا لا أعلم حتى من أكون."

توجّه كازوما بنظره نحوها.

رين (بصوت يشوبه كبرياء مكسور):

"نعم، كما سمعت. لا أذكر طفولتي.

لا أعرف طعم السعادة.

لا أدري من هما والداي."

رين (تضحك مجددًا، لكن صوتها هذه المرة كان قاتمًا):

"ومع هذا… لا أعلم لِمَ، أشعر بالراحة أحيانًا.

كأن عقلي وروحي… ينقصهما شيء لا يمكن لمسه."

كازوما (بصوت خافت):

"ألا تملكين أيّ ذكرى؟ ولو بسيطة؟"

رين:

"أنت تسأل الشخص الخطأ."

رين (تنزل قدميها، تسند وجهها بيدها اليمنى، ويغشى عينيها حزن غريب):

"أحيانًا، أتساءل… هل أنا حقًّا إنسانة؟

أم مجرّد آلة خُلقت لغرضٍ مجهول؟"

كازوما (مصدومًا، بفمٍ شبه مفتوح):

"ماذا تعنين بذلك؟"

رين:

"انسَ ما قلت."

رين (بهدوء):

"الورقة التي أخفيتها… ما كانت؟"

كازوما (يتراجع قليلًا، صوته مرتجف):

"ورقة؟ أي ورقة؟"

رين (بلهجة حادة):

"لا تكذب. رأيتك تخبئها قبل القتال."

كازوما (بصوتٍ متردّد):

"أنا… لا أملك شيئًا."

صمتٌ قاتل. نظرات رين كانت كالسهم، تخترق كذبه.

أخرج كازوما الورقة من جيبه، ببطء، كمن يعترف بخطيئة.

كازوما:

"تعنين هذه؟"

رين (باستهزاء):

"نعم، أيها الذكي."

كازوما (رافعًا إصبعيه):

"هذا الصباح… سلّمني إياها رجل غريب.

قال إنها دعوة… للتدريب."

رين:

"وهل ستلبيها؟"

كازوما (بصوت خافت ونظرة هابطة):

"لا أعلم…

قراراتي هي التي تقرر من أكون."

---

تين دخل الكهف.

ظلامٌ دامسٌ أحاط به من كل جانب، لا يرى شيئًا إلا بضياء شمعة يتيمة بين أصابعه.

قطرة ماء سقطت من السقف، فدوّى صداها كأنها صوت الزمن نفسه.

قشعريرة اجتاحت جسده.

عروقه تنبض بسرعة.

التوتر يتصبب من جبينه.

راح يتأمل الجدران... حتى لاحت له كلمات محفورة على الجدار الأيسر.

اقترب، وقد تسارع نبضه.

"لينا وأليكس."

مرة أخرى.

ثمّ... تحت الجدار، شيء كان مدفونًا.

انحنى، وراح ينبش التراب.

ورقة قديمة.

فتحها بيدٍ مرتجفة، وقرأ:

> "أليكس...

أنت عزيزٌ على قلبي. أحبك.

لكنني تعبت.

أريد الرحيل، أن أختفي من هذا العالم.

اعتنِ بأطفالنا...

هم الأمل الجديد.

هم من سيكملون الطريق.

أطفالنا هم الخيط الأخير الذي قد يُعيد ما بدأناه..."

بقيّة الكلمات كانت مطموسة.

ماء الزمن قد محاها.

تين ظلّ واقفًا، يتصبب عرقًا، وقد انعقد لسانه.

تين (بصوت خافت، متسائلًا):

"من… من هم هؤلاء؟

وما هذه الرسالة؟"

أخفى الورقة في جيبه الأيمن، وعيناه مليئتان بعزمٍ جديد.

تين (بحزم):

"سأكشف هذه الحقيقة… مهما كان الثمن."

---

في المطبخ...

لا يزال كازوما ورين جالسين، يحدّقان بصمتٍ في بعضهما.

كازوما:

"ما الذي تطاردينه في هذه الحياة؟"

رين (تلتفت بسرعة، متفاجئة):

"هاه؟ ما هذا السؤال؟"

كازوما:

"سؤال بسيط. ما هو حلمك؟"

رين:

"قلتُ لك من قبل."

كازوما:

"لا. لم تقولي هدفك الحقيقي."

رين (بابتسامة شاردة):

"أريد أن أعرف من أكون… قبل أن أعرف ماذا أريد."

ثمّ، بغتة، ضحكت من أعماقها.

رين (مازحة):

"إذاً… هل أصبحنا أصدقاء الآن؟"

لكن كازوما لم يُجب.

عيناه فقدتا بريقهما.

رين نظرت إليه، مدهوشة من تحوّله المفاجئ.

كازوما (بصوت خافت كالألم):

"طوال حياتي…

لم يكن لديّ إلا شخصٌ واحد يمكنني الاتكاء عليه.

لكني لم أحمه."

---

فجأة...

شعرا بضغطٍ رهيب يجثو على جسديهما.

كأن الجاذبية ازدادت أضعافًا.

أنفاسهما صارت ثقيلة.

رين (تصرخ):

"هل تشعر بهذا أيضًا؟!"

كازوما (بصوتٍ عال):

"كيف أبدو في عينيكِ الآن؟!"

ثم…

اختفى الضغط.

الهدوء عاد، لكن شيئًا في الجو بقي مريبًا.

رين تلهث، والعرق يتقاطر من جبينها.

كازوما كان يضع يده على صدره، قلبه يكاد يتوقف، وبؤبؤاه ذابلان.

---

هدير ريح مزّق الباب—

الباب انفتح بعنف، واصطدم بالجدار.

كازوما نظر نحوه، عاضًا على أسنانه، ثم أعاد بصره إلى الأمام.

ظلٌّ ظهر من العتمة.

رين شعرت برعشةٍ تسري في جسدها.

كأن الموت ذاته دخل

الغرفة.

كازوما حدق في الظلّ، عيناها تشتعلان غضبًا.

ومن بين الظلال...

خرج تارولي.

رأسه مائل قليلًا إلى الأسفل،

عيناه بلا حياة،

وشَعره المنسدل يغطي جزءًا من وجهه.

كازوما (بصوت صارم):

"من أنت؟!"

تارولي (بهدوءٍ قاتل):

"أنا... الحقيقة."

2025/07/11 · 48 مشاهدة · 769 كلمة
yahia otake
نادي الروايات - 2025