في قلب الوادي، بين الحقول المتوهجة بالضوء الأزرق، كان إليان يمشي بسرعة، يلتقط أنفاسه في كل خطوة.
السماء نصفها نهار ونصفها ليل، والهواء محمّل برائحة التراب الرطب والمعدن المحروق.
كل شيء حوله كان ينبض بصوتٍ خافت، كأن الأرض نفسها تراقبه.
اقترب من المكان الذي وجد فيه الحجر الأسود قبل أيام، لكنه الآن لم يكن حجرًا فقط، بل بذرة كبيرة، سوداء كالليل، تنبض بضوء داخلي كقلوبٍ نائمة.
قال بصوتٍ خافت:
“أنت… لم تكوني مجرد حجر.”
مد يده بحذر، ولمسة واحدة كانت كأنها صاعقة تدخل جسده.
تسارع نبضه، ورأى في ذهنه صورًا من الماضي والمستقبل، أرواحًا لا تعرف النوم، وحروفًا تتراقص كأنها تحاول أن تُخبره بشيء.
⸻
من بين الحقول، جاء صوت ضحكٍ بعيد، واضح رغم بعده.
قِسِّدرا نيموس يقف على صخرة عالية، يلوّح بكأسه ويضحك بلا توقف.
ضحكته كانت تتناغم مع نبض البذرة، وكأنها تُغذيه بالطاقة.
قال إليان لنفسه:
“حتى الضحك… يمكن أن يكون جزءًا من هذا الجنون.”
ثم تحرك شيء من الظلال، وخرج آرين كالس من الغابة، سيفه الأسود يلمع بضوءٍ زرقاء باهتة، عينيه نصف مظلمة ونصف مضيئة.
قال بصوتٍ جاف:
“كل خطوة نحوك، إليان… تجعل العالم أقرب إلى الانهيار.”
رد إليان:
“وكل خطوة نحوك، تجعلني أقوى… إذا أردت الحذر، فلتبدأ.”
⸻
اقتربوا من بعضهم.
البذرة السوداء في الأرض بدأت تصدر همساتٍ واضحة، كأنها تتكلم بلغتها الخاصة:
من
.
من
.
إليان نظر إليها، ثم نظر إلى آرين:
“يجب أن نعيدها… أو نقتلها.”
آرين رفع سيفه:
“أنا لست هنا لأقترح. أنا هنا لأفعل.”
قِسِّدرا، الذي كان يضحك من بعيد، اقترب بخطواتٍ بطيئة، كأسه يلمع في ضوء البذرة:
“لن يكون القتل كافيًا… يجب أن نفهم ما زرعناه أولاً.”
⸻
حين اقتربوا جميعًا من البذرة، ارتفعت موجةٌ من الضوء الأسود، والسماء انفتحت كالكتاب الكبير.
ظهرت صورة رجلٍ ضخم، نصفه مغطى بالظل ونصفه مضيء، عيناه تلمعان بلونين مختلفين.
قال الصوت العميق:
“أنا
…
.
تراجع الجميع خطوة، لكن إليان وقف ثابتًا، يحدق في البذرة.
قال العائد بصوتٍ يملأ المكان:
“من
.
.
كانت الأرض تهتزّ تحت أقدامهم، والحقول من حولهم تتحول إلى أشكالٍ حية، أشجار تتكلم، وحيوانات تتحرك بلا روح.
قال إليان بصوتٍ خافت:
“لا أستطيع تركك هنا… لن أترك العالم يموت.”
مد يده نحو البذرة، وعيناه ممتلئتان بالإصرار.
آرين حاول منعه بسيفه، قِسِّدرا مدّ كأسه ليمنع القوة، لكن إليان لم يتراجع.
حين لمس البذرة، انفجر ضوء أسود داخلي، وامتلأ الوادي بصوت آلاف الأرواح، كل واحدة تهمس بكلمة مختلفة.
ارتجف إليان، ورأى في نفسه صورًا لما سيكون عليه العالم: خراب، ولعب القوة، ونبوءة مكتوبة بالدم والظل.
ثم، فجأة، جاء صوت آخر من داخل البذرة، صوت لطيف لكنه قوي:
“من
…
.
ابتسم إليان، وعيناه تتلألأ بالعزيمة:
“إذا كان هذا هو الثمن… فليكن. سأزرع نفسي معك.”
⸻
في تلك اللحظة، انبثقت من البذرة ساقٌ ضوءية، ارتفعت في الهواء، وامتصت الضحك من قِسِّدرا، وظلّ جزء من آرين.
وبينما كانت البذرة ترتفع، ارتفعت معها الأرض، وانفتحت بوابة صغيرة في السماء، ضوءها الأزرق يغمر الوادي بأسره.
قال إليان:
“العالم سيُعاد… ولكن هذه المرة، نحن من نختار كيف يُزرع.”
والسماء، كأنها تستجيب، أضاءت بضوءٍ نصفه أزرق ونصفه أسود، لتبدأ دورة جديدة من التوازن والفوضى معًا.
_______________________
سلام عليكم يا اخوان معكم المؤلف زبطوننا معكم يا اخوان عشان تستمر الرواية والاحداث الحقيقيه دوبها ما بدت وننتظر تفاعلكم