الفصل 13: التعرّض لمحاولة إغتيال
-------
إبتسم آرثر لعمّته بحرارة، وقد بدا عليه التأثّر الشديد. وقال: "عمّتي، فقط إستخدمي هذا المبلغ لإتمام مشروع الأرض الحالي، حسنًا؟"
"نعم"، أجابت إميلي، وأخذت نفسًا عميقًا وأومأت برأسها.
"أوه! بالمناسبة، نسيت أن أسأل، كيف يسير مشروع الأرض؟ إلى أيّ مرحلة وصل؟" سأل آرثر فجأة.
"لقد أنجزنا حوالي خمسين إلى ستين بالمئة منه"، شرحت إميلي بابتسامة. "إضطررنا إلى التوقف بسبب الضائقة المالية، لكننا الآن نستطيع إنهاءه خلال شهر إلى شهرين."
أومأ آرثر بتفكّر. "يجب إنهاؤه بأسرع وقت ممكن حتى ننتقل إلى شيء آخر."
"مفهوم"، قالت إميلي بنبرة جديّة.
وبأخذ نفس عميق، توجّه آرثر بالكلام إلى إميلي وآشلي معًا. "عليكما أن تستعدا لإجتماع العائلة القادم؛ إنه يقترب بسرعة."
"نعم"، أجابتا بوجوه متجهّمة.
"جيد. إن لم يكن هناك ما يستدعيني هنا بعد، فسأنصرف، أنا أتضوّر جوعًا!" قال آرثر وهو ينهض من كرسيّه.
"ألم تأكل قبل أن تأتي؟" سألت إميلي بفضول.
"لا! كنت على عجلة من أمري لأعطيكم المال، فتجاوزت الفطور"، إعترف آرثر وهو يهزّ رأسه.
"حسنًا إذًا، أسرع وتناول شيئًا!" شجّعته إميلي بابتسامة.
"حسنًا، أراكم لاحقًا!" لوّح آرثر مودّعًا وهو يخرج من المكتب، تاركًا إميلي وآشلي خلفه.
"عمّتي، هذه المرة أنقذنا أخي حقًا"، قالت آشلي وهي تلتفت نحو إميلي.
"نعم! لقد قام حقًا بعمل بطوليّ هذه المرة"، ردّت إميلي بعينين يلمع فيهما التأثّر.
"والآن، إذهبي إلى عملك؛ أمامنا الكثير لإنجازه بعد أن حصلنا على هذا التمويل"، شجّعت إميلي آشلي بنبرة حازمة.
"حسنًا، عمّتي!" ضحكت آشلي بخفة وهي تغمض عينيها بمشاكسة.
خارج مبنى الشركة، إنطلقت سيارة آرثر بسرعة كالطلقة الفضية وسط السيارات الأخرى. "إلى أين أذهب لأتناول الطعام؟" تمتم بصوت عالٍ بينما كان يتأمل الأفق بكسل.
يد على المقود وأخرى تفرك ذقنه، إسترخى في مقعده بينما يعبث النسيم بشعره، صورة حقيقية للإسترخاء والحرية.
"حسنًا! دعنا نجرب هذا المكان"، قرر أخيرًا بعد أن إستعرض في ذهنه بعض تجارب الطعام السابقة.
وبانعطافة حادّة، انحرفت سيارته "إيثر جي تي" إلى طريق آخر و إنطلقت بسرعة البرق.
وبعد حوالي عشر دقائق، توقّف بإنسيابية أمام مطعم أنيق تحيط به سيارات فاخرة، مما يشير إلى أنه مفضّل لدى علية القوم.
نزوله من السيارة ودخوله في أجواء المطعم الدافئة كان أشبه بالدخول إلى عالم آخر؛ ديكور راقٍ وأجواء تعد بالسكينة، بيئة مثالية للطعام.
"مرحبًا بك في مطعم إيستوود، سيدي!" حيّته نادلة ترتدي زيًا رسميًا بإبتسامة دافئة.
نظر آرثر إلى النادلة وردّ بابتسامة، شاعراً بالدفء وسط المطعم المزدحم.
"سيدي، هل لديك حجز؟" سألت بلطف.
"لا، ليس لدي حجز؛ جئت فقط لأتناول الطعام"، أجاب وهو يهز رأسه بخفة.
"لا بأس، تفضل معي من فضلك"، قالت بمرح وهي ترشده إلى طاولة فارغة في الطابق الأول.
كانت الطاولة بجوار نافذة تطل على الشوارع في الأسفل بمنظر جميل.
"شكرًا لكِ"، قال آرثر بإمتنان وهو يستقر في مقعده.
تناول قائمة الطعام وبدأ في تصفّحها، متشوقًا لإختيار أطباق شهية مع زجاجة نبيذ.
"هذا ما سأطلبه"، قال للنادلة بعد أن حسم إختياراته.
"حسنًا، سيدي! الرجاء الإنتظار قليلاً، سيتم تجهيز طلبك قريبًا"، ردّت قبل أن تنطلق لتنفيذ الطلب.
بينما كان آرثر جالسًا وحده على الطاولة، بدأ يتفحّص المكان من حوله.
الطابق كان هادئًا نسبيًا؛ معظم الطاولات كانت مشغولة بإستثناء طاولته. شعر وكأنه جزيرة وسط بحر من الزبائن.
وسرعان ما وصلت الأطباق الساخنة تفوح منها روائح شهية، كل طبق أكثر إغراء من الآخر. عينا آرثر تلألأتا بالرضا وهو يتأمل الوليمة أمامه.
"سيدي، تفضّل و إستمتع بوجبتك!" قالت النادلة وهي تبتسم له بحرارة قبل أن تنتقل لخدمة زبائن آخرين.
أومأ آرثر بتقدير وبدأ في تذوّق الطعام لقمة بعد أخرى بينما يحتسي نبيذًا أحمر غنيًّا.
كانت حقًا واحدة من أفضل تجارب الطعام التي خاضها في حياته!
وبعد حوالي ثلاثين دقيقة، شعر بالإمتلاء والرضا، فأنهى طعامه وسدّد الفاتورة قبل أن يغادر المطعم وهو يبتسم برضا ظاهر.
واقفًا خارج المدخل، أطلق آرثر تنهيدة عميقة.
"إلى أين أذهب الآن؟" تمتم لنفسه بصوت خافت بينما كانت ذكريات تتوالى في ذهنه كصور فوتوغرافية قديمة.
فجأة، شعر بشدٍّ خفيف على سرواله ونظر إلى الأسفل ليرى فتاةً صغيرةً جذابة الملامح، تبلغ من العمر أربع أو خمس سنوات، تنظر إليه.
ما جذب إنتباه آرثر هو شعرها الأبيض الناصع الذي يشبه الثلج الطازج، وحاجباها ينسجمان معه تمامًا، وبشرتها شديدة البياض.
كانت فريدة حقًا، وقد أربكته للحظة.
نظرتها الهادئة بدت وكأنها تخترقه، وكأنها تقرأ جميع أسراره التي إنكشفت أمامها، إحساس جعله يشعر بالضعف لوهلة.
أخذ نفسًا عميقًا، و إبتسم آرثر لها و إنحنى قليلًا ليتفاعل مع هذه الطفلة الساحرة عندما...
بانغ!
فجأة، دوّى صوت مدوٍ، كرصاصة تشق الهواء.
كان آرثر منحنياً، فشعر بقلبه يخفق بسرعة وهو يتجمّد من الصدمة.
إتّسعت عيناه رعبًا، وسرت قشعريرة باردة في جسده بينما إخترق الألم كتفه.
نظر بسرعة إلى كتفه الأيسر، حيث كان الدم يتدفّق منه كالشلال القرمزي.
ومن دون أي تردد، أمسك آرثر بالطفلة إلى جانبه وقفز بها وراء سيارة قريبة ليحتمي بها.
بانغ!
وبينما هما يختبئان، دوّى صوت رصاصة أخرى، هذه المرة أصابت السيارة نفسها التي إحتميا بها.
بقلب يخفق كالمجنون، ضغط آرثر جسده على المعدن البارد، ممسكًا بالطفلة المذعورة بين ذراعيه.
تقطر العرق من جبينه بينما كان يكتم ألمه، ودمه يواصل التسرب من كتفه المصاب.
"هل أنتِ بخير؟" همس للطفلة المستلقية عليه بقلق شديد.
رفعت نظرها إليه بعينين واسعتين يغمرهما الخوف وأومأت برأسها الصغير.
لكن نظرتها سقطت على كتفه النازف، فانهمرت دموعها على وجنتيها، إشارة واضحة على مدى ذعرها.
الشارع من حولهما أصبح في فوضى؛ صرخات تتردّد في كل مكان والناس يفرّون بحياتهم.
تدفّق الزبائن من المطاعم المجاورة، مذعورين ويحاولون الهروب من الكابوس الذي حلّ فجأة.
وبعد ما بدا وكأنه دهر من الصمت المقطّع بالأنين البعيد، لاحظ آرثر أن إطلاق النار قد توقّف.
ومع ذلك، بدأ عالمه بالدوران؛ كان يشعر أنه يضعف كل ثانية. شَحَبَ وجهه تمامًا بينما لفّه الدوار.
وقبل أن يغيب عن الوعي، ظنّ أنه سمع أصوات صفارات الإسعاف والشرطة تقترب في الأفق، أخيرًا وصل الإنقاذ إلى المكان.