الفصل 19: إجتماع العائلة [2]
--------
[ناثانيال 🔄 ناثانييل]
=============
في غرفة المعيشة الواسعة في قصر عائلة أوزبورن، خيّم صمت ثقيل على الأجواء.
جلس العشرات حول الأرائك الوثيرة، وجوههم شاحبة ومترقبة وهم يحدقون في التلفاز الضخم المثبت على الجدار، والذي كان يبث نفس الأخبار التي كان آرثر يتابعها في الطابق العلوي داخل مكتبه.
كان الجو خانقًا تقريبًا، مزيج من الحزن وعدم اليقين.
فجأة، ترددت خطوات على الدرج، فكسرت حدة التوتر. إلتفت الجميع ليروا آرثر ينزل بعزم.
وحين وصل إلى الأسفل، إجتاح الغرفة شعور بالإحترام؛ وقف الجميع، وكانت وجوههم مزيجًا معقدًا من الجدية والتوقع.
أومأ آرثر لهم برأسه، ثم قال بصوت ثابت: "لا داعي لإضاعة الوقت، لنذهب. " ثم سار بسرعة إلى عمق القصر.
تبعته المجموعة عن كثب، متجاوزين قاعة الطعام حتى وصلوا إلى جدار حجري عادي بجانب خزانة كتب. أزاح عددًا من الكتب، فكشف عن زر أحمر مخفي.
دون تردد، ضغط آرثر على الزر؛ وعلى الفور إنقسم الجدار الحجري ليكشف عن درج طويل يؤدي إلى الأسفل.
من دون أن يضيع لحظة، نزل أولاً، وتبعه الجميع على عجل.
وما إن دخلوا حتى أغلق الجدار خلفهم بإحكام.
وبعد لحظات، وصلوا إلى قاعة فسيحة مزينة بصور معلقة على الجدران، كل لوحة منها تصور أحد أرباب العائلة من الأجيال الماضية.
لم يكونوا مجرد شخصيات عادية؛ بل كانوا يمثلون أكثر من قرنين من إرث عائلة أوزبورن.
توقف آرثر لحظة ليتأمل تاريخ عائلته، وصعودها من بدايات متواضعة مع حداد الأسلحة "إزيكييل أوزبورن"، حداد جمع ثروته من بيع الأسلحة وتجارة البضائع.
كل رئيس تلاه عزز ثروة العائلة ونفوذها حتى تدهور كل شيء في جيل جده، حين أضاعوا الثروة بسوء الإدارة.
تمكن والده من إستعادة بعض الكرامة قبل أن تضربهم المأساة مجددًا، وها هو دور آرثر الآن لإنقاذ ما تبقى.
فقد كانت العائلة فيما مضى من أرقى عائلات نيو-لومينارا، لها تأثير واسع في إتحاد أوريليان، أما الآن فقد أصبحوا على حافة الإنقراض بسبب الغرور والإهمال عبر الأجيال.
هز آرثر رأسه ليطرد هذه الأفكار الثقيلة، وألقى نظرة على الغرفة الواسعة التي تشبه قاعة إجتماعات، يهيمن على وسطها طاولة طويلة مصنوعة من مواد غامضة، تحيط بها كراسٍ من الجانبين ومقعد مهيب في رأسها.
هنا كانت تُوضع الإستراتيجيات الحاسمة لمستقبل العائلة؛ القرارات التي تُتخذ في هذا المكان كانت تشكل كل شيء قادم، وهو مكان مخصص فقط لأولئك الذين يُعتبرون جديرين بذلك.
قال آرثر ببساطة: "الرجاء الجلوس جميعًا"، وهو يشق طريقه نحو المقعد الرئيسي ويجلس فيه.
سارع الآخرون بالجلوس، وكانت تعابيرهم جدية وهم يواجهونه.
جلس إلى يمينه عمه الأول جوليان؛ وعلى يساره عمه الثاني ناثانييل؛ وبجانب ناثانييل عمه الثالث ويليام.
أما عمته الأولى مارغريت وإميلي فكانتا تجلسان إلى جانب جوليان على اليمين، في حين جلست آشلي بجوارهم. وأخيرًا، كان هناك فيليب، زوج مارغريت، الذي إنضم إلى العائلة بالزواج.
وكان له ولمارغريت طفلان يدرسان في سنتهم الأخيرة في الجامعة.
وبسبب الأحداث الأخيرة، تم إستدعاؤهم جميعًا إلى القصر.
كل من كان حاضرًا في الغرفة كان هناك لسبب وجيه: كانوا على وشك التخرج وسيتسلمون أدوارًا في أعمال العائلة، وهو ما يدل بوضوح على أنهم مؤهلون لحضور هذا الإجتماع.
في الواقع، لدى آرثر العديد من أبناء العمومة؛ ولكن فقط أولئك الذين ينتمون للفرع الرئيسي من العائلة حضروا اليوم.
كان من بينهم هو نفسه، وأعمامه الثلاثة، وعمّتاه، وأبناؤهم: آشلي (إبنة ناثانييل)، جورج (إبن ناثانييل)، ويليام (إبن جوليان)، إدوارد (إبن جوليان)، بيلا (إبنة جوليان)، أوليفيا (ابنة ريتشارد)، شارلوت (إبنة ريتشارد)، إيفا (إبنة مارغريت)، و أوسكار (إبن مارغريت).
في المجمل، لدى آرثر ثمانية أبناء عمومة من هذا الفرع الرئيسي وحده؛ أما الفروع الأخرى فلم تكن ممثلة اليوم.
الشخص الوحيد الذي لم يتزوج بعد هي عمته الثانية إميلي، ولا يعرف آرثر سبب عدم زواجها حتى الآن.
وكان بيلي وإليزابيث غائبين بشكل ملحوظ؛ إذ لم يكونا مؤهلين بعد للمشاركة في هذه النقاشات العائلية الحاسمة.
حتى الآن، لم يحضر سوى أولئك الذين أكملوا أو يوشكون على إنهاء دراستهم الجامعية، إلى جانب أعمامهم وعماتهم، ما جعل عدد الحاضرين في هذا الاجتماع المهم أربعة عشر فردًا.
أخذ آرثر نفسًا عميقًا، ونظر إلى كل الجالسين حول الطاولة قبل أن يعلن بسلطة: "منذ تأسيسها، عقدت عائلة أوزبورن عشرين إجتماعًا عائليًا. واليوم يُعقد إجتماعنا الحادي والعشرون، وأنا أقف أمامكم بصفتي آرثر أوزبورن، رئيس العائلة الحالي. "
خيّم صمت ثقيل على الغرفة بينما كان جوليان والآخرون ينتظرون بقلق ما سيقوله بعد ذلك.
بإصرار مرسوم على وجهه، تابع آرثر: "على مدار تاريخ عائلتنا حتى جيل جدي، ثم جيل والدي، واجهنا تحديات عديدة. كانت أعمالنا مزدهرة، لكنها إنهارت حتى لم يتبقَ سوى شركة عقارية واحدة تحتضر، وهذا عار مذل سقط فوق رؤوسنا جميعًا! بسبب فشلنا كعائلة، أصبحنا الآن نُعامل كالقمامة، يُطاردنا الجميع بلا رحمة، واضطررنا للإختباء داخل هذه الجدران."
وقد إشتعلت عيناه بالغضب وهو يحدق في جوليان والآخرين الجالسين قربه. فخفضوا رؤوسهم خجلًا تحت وقع نظرته الثاقبة.
"قبل خمسين عامًا، كانت عائلتنا من أكثر العائلات إحترامًا في نيو-لومينارا، وكان يُعرف صيتنا في أنحاء الأمة. ولكن انظروا إلينا الآن: مثيرون للشفقة، مذلولون، ويُعاملوننا كما لو كنا نفاية يحق لأي كان دوسها. كل هذا بسبب الغرور. لقد ظن جدي وجيله أن عائلة أوزبورن تستطيع أن ترفع السماء بيد واحدة، ولكن ها نحن الآن واقفون وسط العار." إرتجف صوت آرثر وهو يتحدث بغضب مكبوت.
خفض جوليان والآخرون رؤوسهم، ولمعت في أعينهم إشارات من الإذلال.
تابع آرثر، وقد تغيرت نبرة صوته إلى نبرة تصميم: "أريد منكم جميعًا أن تتذكروا هذه اللحظة. هذا الإذلال ليس مجرد نكسة؛ بل هو جرس إنذار لعائلتنا. نعم، لقد سقطنا، ولكن تذكروا: الدمار يولّد الولادة من جديد! ومن هذا اليوم، ستنهض عائلة أوزبورن من جديد، ولن يستطيع أحد إيقافنا!" أشعّ عزمه وهو يتلاقى بنظرات الحاضرين واحدًا تلو الآخر.
وكأن كلماته ألهبت فيهم الحماسة، رفعوا رؤوسهم ونظروا إلى آرثر بعزيمة متجددة.
وقد أضاءت ذكرى مجد العائلة الماضي نار القتال في أعماقهم؛ فقبضوا أيديهم بإحكام وعاهدوا أنفسهم ألا يسمحوا لأي أحد بإعاقة نهوضهم من جديد.
إمتلأ قلب آرثر بالفخر حين رأى تلك الشعلة في أعينهم.
أومأ برضا، ثم مد يده نحو رزمة من الوثائق الموضوعة بجانبه، ووزعها على أعمامه وعماته.
فتّح جوليان، ناثانييل، ريتشارد، مارغريت، إميلي، وفيليب الأوراق بلهفة.
وما إن تصفحوها حتى إرتسمت على وجوههم علامات الصدمة.
قال آرثر بجدية: " ما بأيديكم هو خطة تنميتنا للعشر سنوات القادمة. هذا المخطط سيُرسي أساس نهضتنا كعائلة. "