الفصل الأول: الإنتقال
-------
"آه! لماذا أشعر وكأن رأسي ثقيل للغاية؟"
تأوّه آرثر، وقد أحاطت برأسه موجة من الانزعاج كأنما كانت قبضة تشدّ عليه بإحكام.
اجتاحه دوار شديد وهو يحاول فتح عينيه، فبدا له العالم ضبابيًا مشوَّهًا.
وما إن فعل، حتى باغته ضوء ساطع هائل، أجبره على أن يغطي عينيه بكفّه.
وبعد لحظاتٍ من التأقلم، تجرأ على فتح عينيه من جديد.
وما رآه كان مذهلًا: ثريا ضخمة من الكريستال تتلألأ فوقه ببذخٍ وفخامة.
"هممم! هذا غريب... لا أذكر أنّي كنت أملك ثريا فاخرة كهذه في شقتي المتداعية،" تمتم آرثر، وقد ارتسمت الحيرة على وجهه.
فجأة، اخترق رأسه ألم حاد.
"آااااااه!"
أمسك رأسه بيأس بينما بدأت حبات العرق تتكوّن على جبينه.
كان الأمر أشبه بمن ضربه بمضرب بيسبول، ألم ممزق وعنيف جعله يتلوّى على الأرض، غارقًا في العرق.
"ما الذي يحدث بحق الجحيم؟" سبّ آرثر، ممسكًا برأسه بينما كان سيل من المعلومات الغريبة يغمر عقله.
شعر وكأن جمجمته على وشك أن تنشطر من هول ما يصبّ فيها.
"آاااااه!"
تأوّه بألم، وهو يتقلب على الأرض، يتصبب عرقًا كالسيل.
وعلى الرغم من أنه فقد وعيه، ظل جسده يرتعش ويتشنج، دلالة على حجم المعاناة التي يتكبّدها.
وبعد نحو عشر دقائق، إنفتحت عينا آرثر مجددًا. "ما الذي كان ذلك؟" تمتم بضعف وهو يحاول الجلوس.
"آخ!"
ألم حاد مزّقه عند محاولته النهوض، جعله يشعر وكأن جسده هش كزجاج، وكأن قطارًا صدمه.
تسارعت أنفاسه؛ وبدأ يتعرق من جديد بينما إجتاحه الارتباك.
"تبًا! ما الذي يجري فعلًا؟" همس آرثر غير مصدّق.
لم يتذكر أنه فعل أي شيء يبرر هذا الألم المبرح.
فقط البارحة، كان في شقته يعمل حتى ساعة متأخرة على بعض الملفات لرئيسه.
أما الآن؟ لماذا هو ممدّد على الأرض؟ وتلك الثريا الفاخرة فوقه فاجأته، إذ لم يتذكر أنه امتلك واحدة مماثلة.
"انتظر... ما هذا؟" فجأة لاحظ الذكريات الغريبة الإضافية في عقله، مما أثار دهشته قليلًا.
أغلق عينيه بسرعة، وبدأ في تصفّحها حتى بدأت الحقيقة تتكشف أمامه.
وحين فتح عينيه مجددًا، تجمّد في مكانه من الصدمة؛ خيّمت على وجهه نظرة خاوية.
"أنا... أنا... لقد... إنتقلت؟" خرجت الكلمات من شفتيه وهمًا، قبل أن تتحوّل الحيرة إلى ذهول.
"هل سافرت عبر الزمن وانتهى بي الأمر في هذا الجسد؟ هل... هل متّ بالفعل؟"
ضربه هذا الإدراك بقوة، لا برعبٍ عارم، بل بشعور من المفاجأة؛ لم يتوقّع أن يموت بهذه الطريقة أمام حاسوبه.
فقط الليلة الماضية، كان آرثر ملتصقًا بشاشة حاسوبه، يعمل بلا كلل على ملفاتٍ لا تنتهي من أجل عرض تقديمي مهم كان مقرّرًا للغد، لكن كيف انتهى به الأمر إلى هنا؟ ومع ترسّخ الواقع أكثر فأكثر، أثار أمرٌ آخر فضوله.
وبعد لحظات من الشرود، هزّ آرثر رأسه ليوقظ نفسه، وتمكن من رسم ابتسامة مريرة. "حسنًا، هذا ليس شيئًا تراه كل يوم."
تنفّس بعمق وتأمّل فيما قد يعنيه هذا له: "على الأقل، لم أمت تمامًا، لقد حصلت على فرصة ثانية في الحياة!"
تفجّرت المشاعر داخله بينما اجتاحت ذاكرته صور من ماضيه، ذكريات مليئة بالحزن والفقد.
في حياته السابقة، واجه آرثر صعوبات لا تُحتمل. فقد والديه في حادث قطار مأساوي عندما كان في السادسة عشرة فقط.
وبصفته الابن الوحيد، أُلقي به في عالمٍ موحش، إذ لم يرغب أي من أقاربه في إستقباله.
فكان عليه أن يواجه الحياة بمفرده، معتمدًا على الإعانات الحكومية والقليل من الإرث الذي تركه له والداه.
كانت حياته عادية إلى حد الألم، بلا مواهب مميزة أو صفات تفرّقه عن غيره.
من المدرسة الثانوية إلى الجامعة، كل شيء مرّ عليه بشكل عابر، دون شيء يُذكر.
وعندما إلتحق بالجامعة، توقفت الحكومة عن منحه الإعانات لأنه بلغ الثامنة عشرة.
فكان عليه أن يعمل بدوام جزئي، وتعدّدت وظائفه، يجمع بين العمل والدراسة، ولم تكن الحياة سهلة عليه أبدًا.
لم يكن يملك وقتًا ليعيش حياة الجامعة، إذ كان كل وقته بين الدراسة والعمل الجزئي.
وبعد التخرّج، تلقى رفضًا من أربعين شركة قبل أن يتم توظيفه أخيرًا في شركة متوسطة.
أصبح ما يسميه البعض "عبدًا مؤسسيًا مجيدًا"، يستيقظ في السابعة صباحًا، ولا يغادر العمل قبل التاسعة مساءً، غالبًا ما يضطر للعمل لساعات إضافية فقط للحفاظ على مكانه.
على مدى خمس سنوات، كانت حياة آرثر تدور فقط حول العمل.
دائرته الإجتماعية بالكاد تتجاوز أصابع اليد الواحدة؛ وكانت عطلات نهاية الأسبوع تمضي وحيدًا، دون أصدقاء أو علاقات، فهو لم يكن يملك حتى أصدقاء، فضلًا عن أن يخرج معهم.
روتينه كان مملًا: صباحات باكرة، إفطار من الباعة المتجولين، ثم يغرق مجددًا في دوامة الحياة المكتبية.
وكأن كل ذلك لم يكن كافيًا، تزايد الضغط عندما طالبه مدير قسمه بإعداد تقرير من أجل العرض الشهري.
ولمدة سبعة أيام متتالية، عمل آرثر بلا توقف، صباحًا في المكتب، وليلاً في المنزل لساعات طويلة.
ومع أنه كان منهكًا، إلا أن عزيمته لم تخمد، وواصل الدفع بنفسه حتى إنهار جسده تحت وطأة الإرهاق.
وهكذا، مات.
لكن، وبدلاً من أن يتلاشى إلى العدم، حدث أمرٌ استثنائي: وجد نفسه في جسدٍ جديد!
عندما بلغ هذه النقطة، غمرت عينيه مشاعر مختلطة ومعقّدة.
ورغم موته وانتقاله إلى جسدٍ جديد، أدرك أن هذه قد تكون البداية الجديدة التي لطالما حلم بها، فرصة للهروب من قيود الحياة العادية، واحتضان شيءٍ خارقٍ واستثنائي!
[دينغ... جاري ارتباط النظام...]
[10%...]
[20%...]
[40%...]
[60%...]
[80%...]
[100%...]
[تهانينا، أيها المضيف! لقد تم ربط نظام العائلة الأقوى!]
رنّ صوت بارد ومحايد في ذهن آرثر.