الفصل 50: ذئاب في بدلات حريرية [1]
--------
وقف رئيس المكتب، ديريك، شامخًا على منصة مرتفعة، تعزز بدلته المفصّلة بعناية من هيبته ونظرته الحادة وهو يتفحّص بحر الصحفيين من أسفل.
تألقت الأضواء الصادرة عن ومضات الكاميرات، قصيرة المدى وطويلتها، مضيئة المشهد، توثق كل لحظة من هذه الندوة الصحفية التاريخية.
وبنفس عميق، بدأ ديريك حديثه بحضور آسر:
"أيها السيدات والسادة من وسائل الإعلام، والمندوبون الموقرون، ومواطني اتحاد أوريليا، شكرًا لانضمامكم إلينا اليوم. نحن نقف على أعتاب أكثر مشاريع التنمية الحضرية طموحًا في تاريخ بلادنا!
لقد أقرّ مجلس الاتحاد تطوير مساحة قدرها 1.08 مليون كيلومتر مربع في الجزء الشمالي من نيو-لومينارا.
على مدار العقد الماضي، ارتفع عدد سكاننا إلى 1.5 مليار نسمة، وباتت بنيتنا التحتية تُعاني من وطأة هذا العبء.
نقص المساكن، واختناقات المرور، والطلب المتزايد على الطاقة، كلها تهديدات تلوح في الأفق قد تزعزع ازدهارنا الذي كسبناه بشق الأنفس.
لكننا لا نهرب من التحديات؛ نحن نصنع الحلول! هذه الأرض ستستوعب 500 مليون مواطن جديد بل وأكثر!"
أطفأ آرثر التلفاز، وغرقت الشاشة في ظلام.
وانفرجت ابتسامة رضا على وجهه. "أخيرًا"، تمتم بصوت خافت، وبريق الحماس يلمع في عينيه.
فبعد شهرين طويلين، ها هي الحكومة تُعلن أخيرًا عن أخبار ستُشعل فتيل منافسة ضارية، معركة بين الآلهة والشياطين في هذا المشهد المتغير بسرعة.
ومع ذلك، لم يشعر آرثر بأي خوف؛ فعائلة أوسبورن مستعدة لكل ما هو قادم.
تخلّى عن أفكاره المتبقية حول ما سيحدث، واستقر مجددًا في مقعده.
"1.08 مليون كيلومتر مربع لمجرد جزء من مدينة؟! هؤلاء الناس يبنون بلدًا بكل ما للكلمة من معنى!" ضحك باندهاش.
كان من الصعب عليه استيعاب أن مثل هذه المساحة يُمكن اعتبارها مجرد رقعة حضرية صغيرة في بانتيرا، منطقة تفوق في مساحتها بعض الدول على الأرض!
حتى مساحة عائلتهم البالغة 10.000 كيلومتر مربع بدت وكأنها قطرة في محيط مقارنةً بما يتحدثون عنه.
"آه... دعنا لا نُفكر في الأمر كثيرًا"، قال آرثر وهو يهز رأسه بحزم.
"نعم سيدي، السيارة جاهزة"، ذكّره إيفولون.
"أوه صحيح!" ردّ آرثر وهو ينهض متوجهًا نحو البوابة الأمامية لقصرهم، حيث كانت ثلاث سيارات أنيقة من فئة رجال الأعمال في انتظاره.
وقف عشرة من الحراس الملكيين من الدرجة الملكية في وضع استعداد قريب، ينضحون بثقة جبارة.
"سيدي!"، ما إن ظهر آرثر، حتى انتصبوا جميعًا في وضعيات عسكرية وحيوه بأصوات قوية ترددت في الأرجاء.
بادلهم آرثر الإيماءة بابتسامة، قبل أن يركب السيارة الوسطى التي فتحها له أحد الحراس. "اللعنة! أعشق هذا الإحساس. "
غاص في المقعد المخملي الخلفي وسكب لنفسه كأسًا من النبيذ الأحمر من الثلاجة الصغيرة، متكئًا في استرخاء ليستمتع بكل رشفة.
"إيفولون، ما جدول أعمالي لهذا اليوم؟" سأل بلهجة غير رسمية وهو يتأمل المناظر التي تمر أمامه.
"سيدي، لديك الآن اجتماع مع عدد من المورّدين وشركات البناء في مقر شركة أوسبورن للعقارات والإنشاءات. في الساعة 9:00 صباحًا، من المقرر أن تلتقي الآنسة إيميلي في مقر أوسبورن للإعلام والترفيه. ثم في الساعة 10:30 صباحًا، ستقابل السيد فيليب في مقر شركة أوسبورن كابيتال. بعد ذلك، هناك اجتماع مع السيد جوليان عند الظهر، ثم السيد أوسكار في الساعة 1:30 بعد الظهر، وأخيرًا الآنسة آشلي في الساعة 2:30 بعد الظهر... "
"توقف! توقف!" لوّح آرثر بيده فجأة، مقاطعًا إيفولون.
"هل هناك خطب ما، سيدي؟" جاء صوت إيفولون القلق.
"لا، فقط... لم أكن أتوقع أن يكون يومي مزدحمًا إلى هذه الدرجة. يا له من صداع!" فرك آرثر صدغيه بإحباط.
سكت إيفولون، ولم يُجب على ضيق آرثر.
أخذ آرثر رشفة من النبيذ الأحمر، وحدّق بتكاسل من نافذة السيارة بينما كانت شمس الصباح تتسلّق عاليًا في السماء الشرقية، تبث أشعتها الذهبية على العالم.
ارتسمت ابتسامة على شفتيه وهو يشاهد ناطحات السحاب تنهض شامخة في الأفق، فيما يهرع المارة في طريقهم إلى أعمالهم.
أحيانًا، يكون للقدر طريقة غريبة في كشف نفسه؛ وبالنسبة لآرثر، بدا الأمر كما لو أن القدر صديق قديم.
لقد مات، ووجد نفسه بطريقة ما في عالم آخر، ساكنًا جسدًا مختلفًا ينتمي إلى عائلة ثرية على شفا الإفلاس.
ومع ذلك، فقد اعتبر نفسه محظوظًا؛ فهذا أفضل بكثير من أن يكون محاصرًا في جسد لا قيمة له ويُسخر منه بسبب عيوبه.
في هذه الحياة الجديدة، لم يعد يواجه الصراعات المتواصلة التي شكّلت حياته السابقة، حيث كان كل قرش يُنتزع عبر المعاناة والتضحية.
أما الآن، فما كان يتطلب دمًا وعرقًا ودموعًا، أصبح يُنال بلمحة إصبع!
بالنسبة له، كان القدر طيبًا بلا شك، حليفًا حقيقيًا.
بالطبع، قد يرى الآخرون القدر بصورة مغايرة؛ فبالنسبة لمن يحارب من يحب مرض السرطان، أو من يواجه تحديات لا تُحتمل، يبدو القدر قاسيًا بالفعل.
وجهات النظر تختلف اختلافًا كبيرًا تبعًا للتجارب الشخصية؛ أما بالنسبة لآرثر؟ فقد كان القدر رائعًا ببساطة.
"سيدي، لقد وصلنا"، اخترق صوت إيفولون شروده.
"أوه!" ارتبك آرثر وعاد إلى واقعه، ثم هزّ رأسه ونزل من السيارة.
عدّل بدلته بعناية قبل أن يرفع بصره إلى ناطحة السحاب الشاهقة أمامه، مقر شركة أوسبورن للعقارات والإنشاءات، والتي تجاوز ارتفاعها 200 متر وتضم 60 طابقًا مهيبًا.
كان عمه جوليان قد اشترى هذا المبنى بأكمله كمقر للشركة.
وبينما تلعب ابتسامة على شفتيه وهو يتأمل البنية العظيمة، دخل آرثر من خلال الردهة الكبرى التي كانت تعج بالحركة.
رجال أعمال من النخبة يرتدون البدلات كانوا يحتلون مناطق الاستقبال المختلفة وهم يحتسون القهوة ويطالعون الصحف وسط الموظفين الذين يسرعون في أداء مهامهم، وكانت المصاعد تفتح وتغلق باستمرار كما لو أنها تعمل وفق ساعة دقيقة في هذا الخلية المنتجة.
[المترجم: ساورون/sauron]
"صباح الخير، السيد آرثر!" حيّاه أحد الموظفين بإيماءة محترمة، ووجه دافئ ومرحّب.
ابتسم له آرثر وردّ على الإيماءة. "صباح الخير!" أجاب، بينما لمح موظفون آخرون قدومه فسارعوا إلى إلقاء التحية قبل أن يعودوا سريعًا إلى أعمالهم.
"صباح الخير، السيد آرثر!" صدحت بها سكرتيرة شابة تقدمت نحوه بحماسة.
رفع آرثر حاجبًا في فضول، وهزّ رأسه اعترافًا. "أنا سكرتيرة الرئيس جوليان"، شرحت بسرعة. "لقد طلب مني أن أرافقك إلى الطابق العلوي حال وصولك. "
"حسنًا، قودي الطريق"، قال آرثر بثقة، وهو يتبعها إلى المصعد الخاص الذي حملهما إلى قمة المبنى.
وبعد لحظات، انفتحت أبواب المصعد بينما كانت السكرتيرة تقود آرثر نحو غرفة الاجتماعات.
في غرفة اجتماعات فسيحة يمكنها بسهولة أن تضاهي حجم ملعب كرة سلة. وفي وسطها، كان هناك طاولة زجاجية طويلة تحيط بها الكراسي من الجانبين.
كانت الغرفة ممتلئة عن آخرها بأشخاص أنيقين، رجالًا ونساءً على حد سواء، ينبعث من كلٍّ منهم هالة من النجاح في بدلاتهم المصممة وملابسهم الرسمية.
ومن بينهم وجوه مألوفة من لقاءات إيثان السابقة في المزاد السري: كريستوفر كامبل، أوفيليا سينكلير، بينيديكت لانكستر... كلٌّ منهم يفرض حضوره بطريقته الخاصة.
"ما الذي جاء بك إلى هنا، يا بينيديكت؟ ألم تقل إنك لا تريد أن يكون لك علاقة بـ'اللؤلؤة الزرقاء'؟" رفع كريستوفر حاجبًا محافظًا على هدوئه رغم لمحة القلق التي لاحت في عينيه.
"ولِم لا أكون هنا؟ آخر ما تحققته، هذا ليس ملكًا خاصًا بك"، ردّ بينيديكت بابتسامة ساخرة.
تنفّس كريستوفر بعمق قبل أن يلقي نظرة على أوفيليا، التي بدت هادئة وجذابة كما عهدها، في بدلتها الرسمية المصمّمة خصيصًا لها، وحذائها الأسود اللامع ذي الكعب العالي.
كان شعرها الطويل مربوطًا بعناية إلى الخلف في ذيل حصان يُبرز ملامحها اللافتة على نحو مثالي؛ كانت تشعّ كفاءة وثقة.
رغب في أن يسألها ما الذي تفعله هنا، لكنه آثر الصمت.
كان الجو مشحونًا بالهمسات والتمتمات، فيما كان الحضور يتبادلون الآراء فيما بينهم.
بعضهم لم يستطع إخفاء نفاد صبره؛ ظلوا يحدّقون في ساعاتهم الفاخرة محدودة الإصدار، محاولين استعراض ثرواتهم بطريقة غير مباشرة.
وفجأة...
انفجااار!
انفتح الباب بقوة حين دخل آرثر برفقة السكرتيرة. وساد صمت مطبق القاعة؛ تحوّلت كل الأنظار إليه، والفضول مرسوم على كل وجه.
تفقّد آرثر المكان بنظرة سريعة، ثم شقّ طريقه واثقًا إلى رأس الطاولة، حيث جلس في المقعد الرئيسي.
كان هدوءه الواثق يتناقض بوضوح مع تنوّع التعابير على وجوه الحاضرين؛ بعضها جاد، وبعضها مفعم بالاحتقار، لكنها كلها كانت مركّزة عليه.
مسح آرثر وجوه الجالسين في قاعة الاجتماع بنظره، بينما اجتاحت ذاكرته موجة من الذكريات، متذكّرًا نصيحة عمه الأول جوليان.
وقبل أن يدخل هذا الاجتماع، كان قد زار مكتب جوليان، حيث أبدى عمه تردده في التعامل مع هؤلاء الناس بنفسه.
ولهذا السبب، استدعاه ليترأس الاجتماع بدلًا منه.
طرد آرثر ما تبقّى من شكوك، وتوجّه إلى القاعة بنبرة هادئة: "حسنًا، سيداتي وسادتي"، بدأ قائلاً، "دعونا ندخل في صلب الموضوع، لماذا نحن هنا جميعًا؟"
وبمجرد أن أنهى آرثر حديثه، خيّم صمت مترقّب على القاعة؛ ارتفعت الحواجب في فضول، وتحولت كل الأنظار نحوه.
قاطع هذا السكون سعال خافت. تحوّلت العيون نحو كريستوفر كامبل، الذي تنحنح قليلًا والتقى بنظرة آرثر.
"السيد آرثر"، بدأ بنبرة سلسة، " أنا كريستوفر كامبل من عائلة كامبل في متروسفاير. وبما أنك كنت مباشرًا، فسأكون أنا كذلك. "
حافظ آرثر على ابتسامته اللبقة، وهو يراقب كريستوفر بحذر.
كان يعرف هذا الرجل جيدًا، إنه نفسه الداعم لعائلة ستيرلينغ في محاولاتهم لتقويض عائلة أوسبورن. وتحت مظهره الودي كانت تكمن عزيمة باردة كالثلج.
"تفضل، السيد كريستوفر"، قال آرثر بإيماءة خفيفة.
تابع كريستوفر بثقة: "السيد آرثر، أنت على علم بأن الحكومة تخطط لتطوير مساحة قدرها 1.08 مليون كيلومتر مربع من الأراضي، أليس كذلك؟"
ضحك آرثر بخفة وهزّ رأسه. "بالطبع! من لم يسمع بهذا الخبر المثير؟ إنه حديث الجميع تقريبًا!"
"وتُدرك أن شركتك قد استحوذت على 10.000 كيلومتر مربع تقع في قلب تلك المنطقة التطويرية؟" قال كريستوفر بابتسامة ماكرة وهو يميل قليلًا إلى الأمام.
"بالتأكيد! أعتبر نفسي محظوظًا للغاية لاقتناص تلك الأرض المميزة بسعر زهيد"، أجاب آرثر بابتسامة لعوب. "كثيرًا ما أستيقظ منتصف الليل من فرط الضحك على حُسن حظي!"
"لكن ما الذي ترمي إليه بالضبط؟" سأل آرثر بفضول.
اعتدل كريستوفر في جلسته وحدّق فيه بعينين ثابتتين، وابتسامة ماكرة ترتسم على شفتيه. " ما أقترحه هو أن شركتي ترغب في الشراكة معك لتطوير تلك الأرض. "