🕯️ الفصل الثالث: تبادل الملاحظات
تابعنا بعيوننا موكب العربة حتى اختفى وسط ضباب الغابة الكثيف، واختفى معه صوت حوافر الخيول وضجيج العجلات، حتى خيّل إلينا أننا حلمنا بكل ذلك.
لم يبقَ دليلًا على الواقعة إلا تلك الفتاة الشابة، التي بدأت تفتح عينيها في تلك اللحظة.
لم أرَ وجهها أول الأمر، فقد كان موجهًا للجانب الآخر، لكنها رفعت رأسها ببطء، تنظر حولها، ثم بصوت ناعم متعب، سألت:
> "أين أمي؟"
أجابتها مدام بيرودون بلطف وحنان، مطمئنة إياها.
ثم سألت:
> "أين أنا؟ ما هذا المكان؟"
وبعد برهة:
> "لا أرى العربة... وأين ماتسكا؟"
أجابت مدام بيرودون عن أسئلتها بقدر ما فهمت منها، وبدأت الفتاة تستعيد ذكرياتها تدريجيًا، متذكرة الحادثة، وسعدت عندما علمت أن أحدًا لم يُصب بأذى، لكنها انفجرت بالبكاء عندما عرفت أن والدتها قد تركتها لدينا.
كنت على وشك التقدم لتقديم المواساة، حين وضعت الآنسة دو لافونتين يدها على ذراعي قائلة:
> "دعيها الآن، لا يجب أن نثقل عليها. واحدة تكفي لتتكلم معها، أي إثارة زائدة قد تؤذيها."
فكّرت في نفسي: "عندما تنام سأزورها في غرفتها."
في تلك الأثناء، أرسل والدي خادمًا على ظهر حصان ليُحضر الطبيب من بلدة تبعد عنا قرابة ميلين.
أما الفتاة، فقد ساعدتها مدام بيرودون على النهوض ببطء، وسندتها حتى وصلت إلى غرفتها في القلعة.
أما نحن، فعدنا إلى صالون الاستقبال الكبير، نتناول الشاي، ونتبادل الحديث عن هذه الضيفة الغامضة.
قالت مدام بيرودون عندما دخلت:
> "إنها رقيقة للغاية... أظنها أجمل فتاة رأيتها في حياتي. بعمر قريب من عمركِ، ولطيفة جدًا."
وأضافت الآنسة دو لافونتين:
> "صوتها عذب للغاية."
ثم قالت مدام بيرودون:
> "هل لاحظتما وجود امرأة داخل العربة لم تخرج منها بعد الحادث؟ كانت تطل من النافذة فقط."
لم نكن قد لاحظنا ذلك.
تابعت مدام بيرودون واصفة:
> "امرأة سوداء بشعة المظهر، تضع عمامة ملوّنة على رأسها، كانت تحدق بنا من النافذة وتبتسم ابتسامة ساخرة، عيناها تشعان بياضًا بشكل مرعب، وأسنانها بارزة كأنها تزمجر."
أضافت دو لافونتين:
> "حتى الخدم كانوا مرعبين الشكل، وجوههم نحيلة ومظلمة، ونظراتهم شريرة."
دخل والدي عندها وقال:
> "كانوا من أقبح الخلق الذين رأيتهم. أرجو ألا يسرقوا تلك المسكينة في طريقهم."
ضحكت مدام بيرودون محاولة تهدئة الجو:
> "ربما كانوا مرهقين من السفر الطويل، أو ربما هم مجرد خدم غريبي الطباع."
ثم علّق والدي بابتسامة غامضة:
> "لست واثقًا أن الفتاة ستخبركم عنهم أي شيء."
فازداد فضولنا، وسألته بإلحاح:
> "ما الذي قالته لك المرأة في الحديث السريع قبل مغادرتها؟"
لم يحتج إلى الكثير من الإقناع ليحكي:
> "قالت إن ابنتها هشة وعصبية، لكنها ليست مريضة ولا تعاني من أي هلوسات. ثم شددت على أن رحلتها ضرورية وسرّية، وستعود لابنتها بعد ثلاثة أشهر. أوصت أن لا تسأل الفتاة عن اسمها أو أصلها أو وجهتها."
قلت باستغراب:
> "غريب أن تؤكد أنها ليست مجنونة!"
ضحك والدي وقال:
> "بالفعل، كان تصرفًا غير مألوف. لكنها كانت شديدة التأكيد على السرّية، نظرت إليّ نظرة مباشرة عندما قالت الكلمة، كما لو كانت تضع مسؤولية كبرى على كاهلي."
بالنسبة لي، كنت متحمسة جدًا.
في مكان ناءٍ كهذا، دخول شخص جديد إلى حياتنا يُعد حدثًا كبيرًا.
وصل الطبيب متأخرًا في الواحدة صباحًا.
وحين نزل إلى الصالون قال إن الفتاة بخير، وأن نبضها منتظم، وأنها لا تعاني من إصابات واضحة. وأخبرني أنه لا بأس إن زرتها، إن كنا كلتينا نرغب في ذلك.
أرسلت أسألها، فجاءني الجواب الفوري:
> "لا شيء يسعدني أكثر من زيارتها."
لم أنتظر كثيرًا، صعدت إلى غرفتها بحماسة، وإذا بي أمام أجمل مشهد رأيته...