012. الأميرة عادت من أجل الانتقام (1)

انقضى يومٌ عاصف كالعاصفة، وجاء صباح اليوم التالي يُلقي بضيائه المتردد على قصر الوردة الفضية.

الخدم الذين كانوا يراقبون الأميرة بحذر بالأمس، وجدوا أنفسهم اليوم مضطرين لمراقبتها من جديد، ولكن لسببٍ مختلف هذه المرة.

فالأميرة التي فاجأتهم بفيضٍ هادر من المشاعر، أصبحت الآن منهكة إلى حدٍّ يبعث على القلق.

ذاك الوميض العنيف لذاكرة موتها أيقظ بداخلها مؤقتًا ما تبقى من روحٍ مشتعلة، لكن ما إن انقضى بعض الوقت، حتى غاصت تلك الاضطرابات المتأججة الى القاع من جديد.

فرغم أن جسدها ينتمي لفتاة في السادسة عشرة، إلا أن روحها تحمل ثقل سنواتٍ طويلة من الأسر في برجٍ معزول، كملكة نُفيت خلف الزمن.

السنوات التي عانت فيها من قسوة ليونارد، بين إهانة الروح وجراح الجسد، لم تفارقها، بل ظلت تنهش كيانها حتى في لحظة العودة.

لقد عادت أميليا التي ذبلت وتشققت وتفتّتت تحت وطأة العذاب، تلك التي أصبحت في الماضي مجرد ظلٍ لذاتها، كصحراءٍ عطشى لا تعرف المطر.

"أميليا… أميرتي…"

تأملت ميرابيل الأميرة الراقدة في سكونٍ فوق الفراش، بعينين مملوءتين بالشفق والشفقة.

"أرجوكِ، لا تجعلي الحزن يبتلعكِ هكذا. لا بد أن نجد طريقة لإصلاحه… لا بد من أمل."

"هاه؟"

سألت أميليا بصوتٍ خافت، وقد بدت عليها علامات الاستغراب، ثم سرعان ما أدركت أن ميرابيل تظن أن حزنها العميق سببه شيء آخر تمامًا.

"كان ذلك إرثًا غاليًا من والدتكِ… كيف لأحدهم أن يُهمل شيئًا بهذه القيمة؟! أقسم أنني سأُلقّن تلك الخادمة المسؤولة درسًا لن تنساه!"

كانت تتحدث عن العقد. ذلك العقد الأبيض الصغير الذي وُجد مكسورًا في الصباح.

عقدٌ بسيط، بلا قيمة تُذكر من حيث الأحجار، كانت الأميرة قد احتفظت به في صندوق صغير بين مقتنيات والدتها، كنزها الوحيد من الماضي.

وحينما كانت في البرج، لم يفارقها لحظة.

"ميرابيل، هلّا أتيتِ به إليّ؟"

"لكن… رؤيته سيثير حزنكِ أكثر، أليس كذلك؟"

"لا بأس… أرجوكِ."

استجابت ميرابل بهدوء، وسرعان ما عادت حاملةً العقد المكسور ملفوفًا بعناية في منديل أبيض.

تناولت أميليا المنديل، فتحته ببطء، وأخذت تقلّب أجزاء القلادة بأطراف أصابعها.

كان غريبًا… أن ينكسر بهذه السهولة

فهذا الحجر الأبيض، رغم بساطته، لطالما حيّر خادمات المجوهرات لشدة صلابته، حتى إنهن قارنّ صلابته بالألماس مازحات.

حتى حين كانت في روهان وسط المعاناة، ظل العقد على رقبتها، لم يخدشه شيء.

والآن، فجأة، وبدون سبب… ينكسر، وهو في صندوقه؟

"ولكن ربما… هذا هو الدليل على أنني قد عدت حقًا إلى الماضي."

بردت نظرة أميليا، وغرقت عيناها في عمقٍ مظلم من العزم.

"لن أسمح لنفسي بتكرار الأخطاء ذاتها. أبدًا."

أغلقت المنديل حول القطع المكسورة ببطء، كما لو كانت تواري عهدًا قديمًا، وراحت تتمسك به بين يديها وكأنها تعاهد نفسها:

"لن أنخدع مرة أخرى بليونارد، ذلك اللعين. لن أسقط ثانيةً."

لكن… وماذا بعد؟

إذا لم ترتبط بليونارد، ولم تذهب إلى روهان… إذًا، ما الخطوة التالية؟

هل يكفي أن تنجو منه فقط؟ هل النجاة هدفٌ كافٍ؟

هل سيكون من الأفضل أن تختبئ هنا في قصر الوردة الفضية، تعيش بهدوء، لا تكون عبئًا على موريس أو والدها؟

"لا أعرف…"

همست بذات الصوت المتعب، ثم عادت تتكور في سريرها، تحتضن المنديل كأنه آخر ما تبقى من قلبها.

فالحياة، والقرارات الكبرى… صارت أكبر من طاقة روحٍ أرهقتها الأيام.

أشرقت شمس الصباح التالي بهدوء، بينما كانت ميرابيل على وشك الانفجار من القلق والغضب.

"مولاتي الأميرة، أنا أتوسل اليك ، لا بد أن تتناولي شيئًا اليوم، أليس كذلك؟ الطبيب الملكي يقول إن لا شيء خطير في صحتك ، فإلى متى ستواصلين الامتناع عن الطعام؟"

جلست أميليا بتعبٍ على سريرها، وجهها متعب وشعرها مبعثر.

"أعتذر… حسنًا، هل يمكنكِ إحضار القليل من الحساء فقط؟"

"آه يا إلهي! أولًا، يجب أن تنهضي وتغسلي وجهكِ! هيا، سأمشط شعركِ. لا أدري ما الذي جرى لأميرتنا الجميلة هذه الأيام!"

بينما كانت فرشاة ميرابيل تسير بانفعالٍ بين خصلات شعرها، شعرت أميليا بأن رأسها يهتز مع كل ضربة، وغرقت في أفكارٍ ساكنة.

آه، يا ميرابيل… كلّ شيء بات في مكانه الآن.

موريس لا يزال على قيد الحياة، ووالدي جلالة الإمبراطور ما زال واقفًا بشموخه.

لم أعد عبئًا عليهما… لم أعد ذلك الحمل الثقيل الذي كان يثقل كاهلهما.

كل شيء… يبدو بخير، أليس كذلك؟

فوق رأسها، سمعت تنهد ميرابيل .

"حقًا… ما الذي يجري؟ ذاك الأمير المشاغب، ما إن استعاد وعيه حتى بدأ بالتمرّن وكأن لا شيء حدث، والآن، أميرتنا الجميلة تقرر أن تسير على خطاه في الكسل؟"

لمع بريق خافت في عيني أميليا، كما لو أن قلبها استيقظ للحظة.

"موريس…"

تمتمت الأميرة باسمه، شاردة الذهن، كأنها تذوقه من جديد بين شفتيها.

"ربما عليّ… الذهاب إلى قصر اللؤلؤ…"

لو كانت ميرايل قد سمعت هذا الاسم في أي يومٍ آخر، لكانت عبست وأبدت امتعاضها، لكنها اليوم، ولأول مرة، تهلل وجهها كزهرة تفتحت فجأة، وأخذت تجلجل الجرس الصغير في سعادة.

"فكرة رائعة يا أميرتي! حسنًا، نتناول شيئًا خفيفًا أولًا، ثم نُجهّزكِ كما يليق بك !"

وسرعان ما هرعت الخادمات حاملاتٍ زيوت العطر، وأدوات الحمّام، وأجمل الفساتين والحُلي…

كأن الحديقة الملكية أزهرت مرة أخرى، لكن هذه المرة، في قلب الأميرة.

* * *

هبّت نسائم ربيعية غير مألوفة في ساحة التدريب التابعة لقصر اللؤلؤ.

ذلك لأن جنية الربيع تجسّدت بنفسها هناك، مرتديةً فستانًا ناعمًا بلون الأصفر الفاتح، وقد زُيِّن شعرها بأزهارٍ صغيرة بيضاء كالثّلج.

سيونغجين ، الذي أنهى لتوّه جولتين من التدريبات القتالية، حدّق مذهولًا وهو يفتح عينيه على وسعهما.

"واو... أختي! ما الذي يحدث؟"

حتى الفارسة التي رافقتها، كانت تُعد من جميلات القصر، غير أن جمال الأميرة أميليا كان لا يُضاهى.

فهي تحمل في حضورها بهاءً متألقًا ونقاءً ملائكيًا في آنٍ واحد.

"مررت من هنا وتذكرتك، فقررت أن ألقي نظرة. سمعتُ أنك تقضي أغلب وقتك في ساحة التدريب هذه."

ابتسمت أميليا بخجل، ثم تابعت بنبرة خفيفة يكسوها شيء من الاعتذار:

"لستُ متأكدة إن كنت أُزعجكم... يبدو أنكم تعملون بجدٍّ جميعًا."

اتجهت أنظارها نحو الزاوية حيث كان الفرسان يتدرّبون بحماسة، عراة الأكتاف، وقطرات العرق تتساقط من جباههم.

يا له من مشهد مربك.

"على كل حال، انا في فترة راحة. أما هم، فسيكملون تدريباتهم من دون إزعاج. لا تقلقي."

لوّح سيونغجين بيده بخفة، وكأن حضورها لم يسبب أي ارتباك.

وخلال لحظات راحته، كان لا يزال يحرص على التمدد والقيام بحركات الإحماء، ما جعل أميليا تراقبه بإعجاب صامت.

رغم قِصر الفترة التي أمضاها في ساحة التدريب، إلا أن ملامح جسده بدأت تتغيّر بوضوح.

لا يزال هناك بعض الترهّل، لكن مقارنةً بما كان عليه سابقًا، فقد أحرز تقدمًا كبيرًا.

"لقد تغيرت كثيرًا. فقدتَ الكثير من الوزن."

ابتسم سونغجين بسخرية مريرة.

"هاها... لا يوجد نظام غذائي أفضل من السير لمسافات طويلة وأنت تحمل العتاد الكامل."

' كمية الوزن التي يحتاج هذا الجسم إلى خسارتها تفوق وزن السيف المجهز بالكامل، أختي… '

لكنه لم يُفصح عن ذلك بالطبع.

أميليا لم تفهم المقصود تمامًا، فمالت برأسها قليلاً وهي تُحاول استيعاب كلامه.

أما الفارس ماسين، الذي كان متوقعًا أن يُسرع إلى الساحة فورًا، فقد تأخر لانشغاله بتسليم مهامه.

ويبدو أنه قرر أن يتخلى عن كل مسؤولياته الإدارية ويُكرّس نفسه تمامًا لتدريب سيونغجين

وبفضل ذلك، كان لا يزال يتدرّب وحيدًا في ساحة التدريب… لكن ذلك لن يدوم طويلاً ، سيصبح هناك من يتدرب معه قريبا

كي يحتفظ ببعضٍ من طاقته لما تبقّى من الدروس، ولأن المشهد الذي امتد أمامه لم يكن رحيمًا بعقله أو قلبه، قرر أن يكتفي بهذا القدر من التدريب الصباحي.

"أنا في طريقي لتناول الغداء الآن، إن لم تكوني قد أكلتِ بعد، فهل ترغبين أن تتناوليه معي؟"

كان عرضًا لم يكن ليُتخيّل في ما مضى بينهما. حتى الفارسة المرافقة انتفضت بخفة وهي تنظر إلى الأميرة أميليا بدهشة، لكنها ابتسمت بسعادة وأومأت برأسها موافقة.

"حسنًا، لنتناول الغداء سويًا، يا موريس."

وهكذا، غادرا ساحة التدريب سويًا، متجاهلين النظرات المُلحة والمُشفقة التي لاحقتهم من الفرسان المقيمين.

* * *

"هممم... إذًا، خلاصة الأمر أنكِ تبحثين عن هدفٍ في الحياة؟"

قالها سونغجين، وقد أنهى للتو استحمامًا سريعًا، وجلس قبالة أميليا على طاولة بسيطة أُعدّت على عجل.

بشكل مفاجئ، وجد الاثنان أن بينهما تناغمًا في الحديث لم يتوقعاه. حتى أميليا، التي كانت دائمًا خجولة ومتحفظة، وجدت نفسها مندهشة داخليًا من مدى راحتها في هذا الحوار.

كانت منذ الصباح لا تشتهي شيئًا، لكن ها هي الآن تلتهم الطعام ببطء، تثرثر بخفة، وتجد لذة في هذا الوقت الهادئ، وكأن شيئًا انكسر قبل يومين – في لقائهما الذي لم يكن كأي لقاء – فبدأت الحواجز تنهار دون أن تدري.

"إذًا، ما تعنينه هو أنكِ بعدما تخلصتِ من ذلك الشخص الذي كان يُعذبكِ، شعرتِ بنوع من الفراغ، ولم تعودي تعرفين لماذا تعيشين؟"

"إن لخصتها هكذا… نعم، هذا هو الامر ."

وجدت أميليا نفسها، دون قصد، تسرد له افكارها الأخيرة. لم تستطع أن تخبره عن عودتها إلى الماضي، لذا جاءت كلماتها فضفاضة وغير واضحة تماما

سونغجين مال برأسه إلى الجانب، يفكر في أن هذا النوع من الأحاديث لم يعد غريبًا عليه. آه، ألم يثرثر مؤخرًا للإمبراطور عن رغبته في معرفة معنى الحياة؟

لكن… من هذا الذي يجرؤ على إيذاء أميرة؟ أيُّ شخص هذا الذي جعلها تفقد حتى معنى العيش؟ من يكون بحق الجحيم؟

[ لابد انه انت ... .]

'مستحيـل…'

قطّب سونغجين حاجبيه قليلاً قبل أن يقول بنبرة حذرة:

"أمم، أختي… هذا مجرد رأي شخصي، خذيه على سبيل المقترح فقط."

أومأت أميليا بحماس.

"حسنًا."

"أنتِ تقولين إنكِ تخلصتِ من ذلك الشخص، لكن ولسبب ما . لم تحظي أنتِ بفرصة لتفعلي شيئًا، أليس كذلك؟"

"نعم."

"وذاك الشخص… لا يزال حيًّا، ويعيش كما يشاء؟"

"نعم."

"إذن، عن أيّ تردد نتحدث؟ حتى تجدين لنفسك هدفًا جديدًا، ركّزي على تدميره. اجعليه يدفع الثمن، وبفوائد ايضا . خذي منه تعويضًا معنويًا ونفسيًا على كل مافعله."

"أممم…"

شحب وجه أميليا قليلًا، وقالت بصوت خافت:

"كنت أفكر بذلك من قبل، في الحقيقة. كرهته كثيرًا لدرجة أنني لم أكن أرى شيئًا سوى الانتقام."

فبعد أن اكتشفت حقيقته المروعة، قضت أميليا سنواتٍ وهي تمضغ الكراهية وتخطط للانتقام. أقسمت أن ترد له كل ما فعله بها، وأن تدفعه للندم بكل قواها.

لكن… مرّ الزمن. قضته مسجونة في برج الوحدة، والوجع، والعجز. ولم تفعل شيئًا. وسرعان ما بدأ ذلك الحقد العارم يتآكل، ويبهت، وينطفئ.

ليونارد.

ذلك الرجل… كان الملك الذي يُمسك بكل خيوط السلطة في "روهان".

أما أميليا، فلم تكن سوى أسيرة، لا تملك شيئًا… لا سلطة، لا حماية، ولا حتى صوتًا.

لكن، هل يمكن حقًا تحميل ليونارد وحده وزر سقوطها وموتها؟

لقد كانت هناك طموحات تتصارع، مصالح تتشابك، مؤامرات تُنسَج في الظلال… وكان كل من حولها يتسابق لاقتسام الغنيمة.

وأميليا؟ لم تكن سوى ورقة مهملة تتقاذفها الرياح، تسقط في الوحل، وتُداس بأقدامهم…

كانت تلك الملكة، التي قضت أعوامًا طويلة في السجن، غافلة عن العدو الذي يجب أن تنتقم منه.

هذا الجهل كان مصدر ألمها العميق، وجعلها تختبئ في عزلتها النفسية التي حطمتها.

لكن سونغجين، الذي هز رأسه وأطلق صوتًا ينم عن استياء، قاطع صمتها

"أيتها الأميرة، ما لكِ تتعقدين الأمور هكذا؟ الأمر أبسط مما تعتقدين. الانتقام، في البداية، يبدأ من اختيار واحد، شخص واحد، ثم تركزين عليه بالكامل."

"……؟"

"انظري، حددي أولاً هذا الشخص الذي يزعجك أكثر من غيره، وركزي على معاقبته. أما البقية، فلا تلتفتي إليهم. اهتمي فقط به، واتبعيه إلى أقصى حدود."

في تلك اللحظة، شعر سونغجين بشيء غير مريح يعتصر قلبه، شعور يذكره بماضيه المظلم الذي لم يشف بعد.

لكنّه لم يكن ليغرق في التحليلات أو في المشاعر الزائدة، بل كان يوجه حديثه اليها بكل بساطة.

"ومع مرور الوقت، سترين أن جميع من حوله سينكشفون. إن كان هو أقوى شخص في هذا العالم، فالبقية ستسقط واحدة تلو الأخرى. وستجدين نفسك قد انتقمتِ في النهاية."

تلك الكلمات التي بدا أنها سهلة وبسيطة، تركت أميليا في حيرة، وكأنها كانت تبحث عن إجابة غائبة.

"تخيلي، هذا الشخص الذي يؤذيك، وهو الآن يتوسل إليك في حالة من الهوان، هل تعتقدين أن قلبك سيشعر بالحزن؟ لا، بل ستشعرين بقوة غير مسبوقة، لأن الانتقام هو ما سيملأ قلبك."

"……"

حتى ملك الشياطين، الذي كان يراقب من بعيد، أطلق تنهيدة قائلًا:

[لا، لا تقعلييي ! لا تتم الامور بهذه الطريقة!]

"الانتقام الحقيقي، يا أميليا، لا يكون مجرد حلم أو انتظار لنتيجة، بل هو عملية مستمرة، هو شعور باللذة عندما تُنفذين خطة محكمة تسقطين بها خصمك في فخك. وكل لحظة في تلك الرحلة هي بمثابة انتصار جديد."

"……"

"وعندما تشعرين بأنك قد حققت ما تريدين، وإذا أردتِ أن تغيري وجهتك، فافعلي. أما بالنسبة للانتقام، فلا خوف عليكِ، فوالدك هو أقوى حليف في هذا العالم."

"أنت محق… الآن، كل شيء أصبح أكثر وضوحًا."

في تلك اللحظة، شعرت أميليا وكأن غيومًا كانت تحجب عنها الرؤية قد تفرقت، وأصبح الطريق إلى الانتقام أمامها أكثر وضوحًا من أي وقت مضى.

"نعم… أنا أريد الانتقام، بكل جوارحي أريده ."

لم يكن يكفيها مجرد تجنب الرجل والابتعاد عنه. لا، لم يكن ذلك هو الحل.

لماذا حاولت إنكار رغبتها في الانتقام؟ لأنها ظنت أنها لا تملك القوة الكافية. كانت تعتقد أن هدفها بعيد المنال، وأنه لا فائدة من السعي وراء شيء مستحيل. لكنها الآن، بعد أن سمعت كلمات سونغجين، أدركت أن حياتها مليئة بالقوة، وأنها قادرة على أخذ حقها بيدها.

كانت في حالة من اللامبالاة. لم يبقَ منها سوى قشرة فارغة.

لكن الآن...

"لقد كنت أعتقد أن الانتقام الذي لم يصل إلى منتهاه ليس سوى أمرٍ باطل. ولكن، الانتقام الحقيقي ليس مجرد نتيجة، بل هو أيضًا تلك العملية التي تغني الحياة بذاتها."

ابتسمت أميليا ابتسامة رائعة، كأنها أشرقت بشمسٍ جديدة.

لن تظل تُنكر رغبتها الحقيقية بعد الآن.

نعم، إنها تريد رؤية سقوط ليونارد، ذلك الرجل.

لم يكن في قلبها شيء آخر سوى تلك الرغبة. وربما كان ذلك هو السبب الذي جعلها تعود إلى الماضي.

إذا كانت تخشى الفشل، فإنها ستقبل حتى بفشل تلك العملية، فإنها ستسعد بها.

إذا كانت روحها، التي أنهكتها التجارب، لا تستطيع أن تجد في الحياة أي لحن، فإن الانتقام سيشعل فيها حماسة جديدة، ويمنحها الفرح، ويضيء حياتها.

بدأ الضوء يعود إلى عيني أميليا تدريجيًا، الضوء الذي لم يُرَ من قبل، وكان كالبحيرة الزرقاء اللامعة.

توقف سونغجين للحظة، وفزع قليلًا، وأدار نظره بعيدًا.

"أم... أميليا، عذرًا، لكن... هل من الممكن أن يكون هدفك انا؟ ... أرجو أنني لستُ المقصود هنا ؟ اليس كذلك ؟"

2025/04/19 · 2 مشاهدة · 2168 كلمة
غيود
نادي الروايات - 2025